مسالك التراث في النحو والصرف .. مدرسة جديدة وموسوعة فريدة وجامعة في تعليم اللغة العربية

سمير المحمود

 إن مناهج المصنفين متفاوتة، فمنها المبتكر أو المبدع الذي يشق صاحبه فيها طريقه في العلم، فيأتي بالجديد الزاهي، الذي يخلّد ذكراه ويرفع قدره، ويفيد المتعلمين على الدوام، ويشار إلى آثاره بالبنان.

ومنها المقلّد أو الناقل الذي يكرّر ما سبق إليه غيره إما حرفيّاً وإما بتصرف وتغيير في الأسلوب والعبارة، وهذا لايؤبه له في تاريخ العلم، بل ينظر إلى أثره نظرة الدونية والاستخفاف، ومنها الذي يلفّق بين الطريقتين أو المنهجين، فيضيف فكراً جديداً، أو يوجه نقداً بنّاءً، أو يخطّئ أو يصوّب عمل الآخرين. وربما كان هذا المنهج أكثر ما عليه المصنفون أو المؤلفون، وهم الذين يفيدون غيرهم فائدة نسبية أو محددة، ويحمد لهم هذا المنهج إذا كانوا أمناء في النقل وإسناد المعلومات إلى السابقين.. هذا مايقوله الأستاذ الدكتور (وهبة الزحيلي) في مقدمته لكتاب الأستاذ والباحث اللغوي النحوي (ياسبن طربوش) مسالك التراث في النحو والصرف، ويشير الزحيلي إلى أن هذا الكتاب الفريد من نوعه في قواعد اللغة العربية للأستاذ ياسين يعتبر من فئة المنهج الأول المتغير بالإبداع في الطريقة التي تبدأ بالمثال اللغوي المختار لتنبيه المتعلمين، وإثارة اهتمامهم وعنايتهم ليعرف القارئ منهم سبب اختيار هذا المثال أو التطبيق، ثم يكون الشرح والبيان الكافي، والتعرض لمجموعة من موضوعات النحو والأدب واللغة، بل والربط أحياناً بقراءات القرآن الكريم وآياته الباهرة لأن القرآن كلام الله تعالى، وقمة البيان، وذروة الحجية، ويلاحظ ذلك فيما سماه مؤلف الكتاب بالحلقات، وهي سبع عشرة حلقة في أبواب النحو والقواعد، وكل حلقة منها تناهز السبعين صفحة، وتكاد تكون بحثاً معمّقاً غني المادة، وافر المعرفة، جامع البيان المناسب، تشد انتباه القارئ، وترسخ المعلومات في ذهنه من فاتحة الإتيان بالشاهد اللغوي، إلى نهاية الحلقة بعد أن يطوف فيها الكاتب بأطياق شتى، ويقطف أزاهير العلم، ويقرر أصالة الموضوع، مع الإحالة على المصدر والتوثيق بالجزء والصفحة، واسم القائل من شعر أو نثر، ثم ينتهي القارئ من كل ذلك إلى حصار جمّ من المادة العلمية الغزيرة والفائدة الجمة.. أمّا الأستاذ الدكتور (أيمن الشوّا) فيقول: إن البحث في علوم العربية، ولاسيما النحو والصرف له كبير اهتمام لدى علماء السلف الصالح، فقد جعلوه في مقدّمة العلوم لارتباطه بالقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف ثم ازدادت تلك الأهمية، وزادت معها حاجتنا إلى تعلّم النحو، فنحن نتعلّم النحو لغايات عديدة، منها أنه وسيلة عصمة لألسنتنا وأقلامنا من مجانبة انتماء سمت كلام العرب فنفهم ونُفهم الآخرين. ‏

ويضيف الشوّا بأن الإمام الزمخشري (538)هـ بيّن شدّة الحاجة الى تعليم النحو، لائماً بعض من يغضّ من العربية، ويضع من مقدارها في عصره، حيث قال: «إنهم لا يجدون علماً من العلوم الإسلامية فقهها وكلامها وعلمي تفسيرها وأخبارها إلا وافتقاره إلى العربية بيّن لا يُدْفَع ومكشوف لا يتقنّع، ويرون الكلام في معظم أبواب أصول الفقه ومسائلها مبنيّاً على علم الإعراب».


ويعقّب الشوّا مضيفاً بأنه علينا أن ندرك أمراً بالغ الأهمية، وهو أنه ليس بقراءة كتب النحو أو باستظهارها تتحقق الفائدة المرجوّة، بل تتحقق الفائدة بالتدريب والتطبيق المستمر، حتى تكتمل الملكة اللغوية، فاللغة أولاً والنحو ثانياً.. هذا وإن خير من يوجّه هذه الملكات هم المتخصصون في الحقل التربوي الذين مارسوا التدريس والتأليف معاً.. ثم يؤكد الشوّا على أننا في (مسالك التراث) أمام كتاب من صنعه متخصّص في علوم العربية عاش حياته لأجلها، وقد اشتغل سنين طويلة في كتابه هذا حتى أصبح تحفة للقاريء المعاصر لأن المؤلف ـ رحمه الله ـ وضع فيه منهجاً جديداً فهو استوعب كتب النحو والصرف وأراد أن يطلع الناس على جديد حيث جعله على حلقات عديدة يبدأ فيه الدرس ببيت شعري من شواهد العربية التي نظفربها عند سيبويه أو المبرّد أو الفرّاء والزجاج والفارسي وابن جني وابن مالك وابن هشام ... يبدأ بالشرح اللفظي الذي يتناول المفردات ثم المعنوي الذي يفسر البيت بإجمال وإيجاز وإيضاح ثم يأتي الإعراب فيعرب البيت : مفردات وجملاً وتأتي بعد ذلك فصول الدراسة لما يتعلق بهذا البيت من لغة وصرف ونحو دراسة نظرية وتطبيقية مدعومة بالشواهد الواسعة تستغرق الدراسة خمسة مباحث واسعة لاينتهي طالب العلم من دراستها حتى تترسخ لديه المعلومات الكافية التي ترسخ فهمه للغة والنحو والصرف دون أن يشعر بأي صعوبة يشعر بها في كتب النحو أو الصرف ... ويضيف الشوا قائلاً : إن القاريء لمسالك التراث ليجد نفسه أمام موسوعة في اللغة العربية نحوها وصرفها ويدرك من خلالها تمكّن الأستاذ ياسين طربوش ـ رحمه الله تعالى ـ في هذا المجال، وقدرته التي أعطت الكتاب ذوقاً فنياً عند صياغته له بمنهج لم يعهد إلا عند القلّة من حذّاق النحويين، كأبي العباس المبرد في كتابه (الكامل) وأبي عبدالله بن هشام الأنصاري في كتابه (تخليص الشواهد وتلخيص الفوائد)، وعبد القادر البغدادي في (خزانة الأدب)، وهي أغنى الكتب للدراسات النحوية والصرفية التطبيقية.. يُضاف الى هذا المنهج حسن الصياغة، وسهولة العبارة وجودة الأسلوب، وتناسق التركيب، وعذوبة الألفاظ، ووضوح المعاني، وتيسير فهم الشواهد بشرحها وبيان مصادرها من كتب التراث بيسر وسهولة.. ‏

وبما أنّ خير معين لفهم القواعد هو التمثيل لها والاستشهاد فقد تحقق هذا المبدأ في هذا الكتاب فغلب عليه كثرة التمثيل ووفرة الشواهد القرآنية، وشواهد الحديث النبوي الشريف والشعر العربي، والأمثال العربية، ونحوها، ما يمكّن من فهم النحو والإلمام بموضوعاته واستيعابه.. ‏

ويشير الشوّا الى أن الأستاذ ياسين طربوش ـ عليه رحمة الله ـ أدّى للدين والوطن والعربية حقاً كان أداؤه ـ فيما يرى ـ عليه لزاماً، وإنساؤه أو نسيانه عقوقاً أو نكراناً.. ‏

ولقد امتاز الأستاذ ياسين بأنه جمع التأليف والتعليم وكان دأبه الاستقامة والجدّ في مسالك حياته كلها. ‏

هذا ولا يمكننا أن نعتبر ظهور هذا الكتاب للناس بعناية أهله ـ حفظهم الله ـ إلا مظهراً من مظاهر الوفاء للأستاذ ياسين طربوش، وتكرمة له ولغيرته الشديدة على الأمة العربية لتتمسك بلغتها، لغة القرآن. ‏

بقي علينا أن نشير الى أن الكتاب يتألف من جزءين ضخمين وملحقاً للفهارس العامة. ‏

الكتاب: مسالك التراث في النحو والصرف («خلاصات ـ موضوعات ـ فصول» للطلاب والأساتذة والمختصين). ‏

تأليف: الأستاذ ياسين طربوش ‏

الناشر: دار قتيبة للطباعة والنشر والتوزيع/ سورية ـ دمشق ‏

تشرين