الهجو بالعربية والمدح بالفارسية

د. أشرف صالح محمد سيد
وسط دياجير الظلام الفكري والعقائدي الذي كان يسود العالم القديم بزغت الحضارة الإسلامية لمدة خمس قرون من عمر الزمن، زهت فيها هذه الحضارة، وكان المسلمون خلالها قوة لا يستهان بها، بينما كانت هناك شعوب أخرى تغرق في قيود العبودية والقهر والجهل. وقد ظهر تحت سماء هذه الحضارة علماء بل هم عباقرة الفكر الإسلامي الثقافي الذين أصبحوا نجومًا زاهرة وزاخرة في سماء الإنسانية.

ومن بين هؤلاء العلماء يقف العالم الجليل "البيروني" (362 - 440هـ/ 973 - 1048م) – وهو من علماء القرن الحادي عشر- متميزاً، حيث فاق علماء عصره فقد كان طبيبًا وفلكيًا وفيلسوفًا ورياضيًا وشاعرًا وفيزيائيًا وكيميائيًا وجغرافيًا ومؤرخًا. اشتهر في كثير من العلوم وكانت له فيها ابتكارات وبحوث مستفيضة. كما تعلم العديد من اللغات مثل السنسكريتية وعدد من لغات الهند وكذلك العبرية والسريانية، وكذلك أطلع على الفلسفة اليونانية.



وعلى الرغم من أن البيروني لم يكن عربيًا، إلا أنه كان مقتنعًا بأن اللغة العربية هي اللغة الوحيدة الجديرة بأن تكون لغة العلم، وقد نُسب إليه أنه قال: "إن الهجو بالعربية أحب إلي من المدح بالفارسية". وقد استخدم البيروني اللغة العربية في كتابته علمًا بأن لغته الأم هي اللغة الفارسية. وفي ذلك يقول ماتيسون: "لقد فهم البيروني تمام الفهم الدور العلمي الذي تلعبه اللغة العربية بوصفها بين اللغات السامية، وأدرك مقدرتها على التركيز والتجريد وقيمتها في توحيد المتكلمين بها".