اللام في القرآن الكريم

د. مناهل عبد الرحمن الفضل


اللام من الأدوات التي لا تتأثر بالعوامل ، وهي مبنية لا حظ  لها من الإعراب ، لأنها لا تتصرف ولا يعتور عليها من المعاني ما يحتاج الإعراب لبيانها .

وهي إما أن تكون عاملة ، أو غير عاملة .
فالعاملة قسمان : جارة وجازمة ، وزاد الكوفيون ثالثاً وهي الناصبة للفعل .
وغير العاملة – المهملة – خمسة أقسام : لام الابتداء ، لام فارقة ، لام الجواب ، لام موطئة ، ولام التعريف .
أولاً : اللام الجارة : وقد وردت في القرآن في ألفين وخمسمائة ثلاثة وخمسين موضعاً ، ولها معان كثيرة منها : 
أحدها : الاختصاص ، وهو أصل معانيها ، وذلك نحو قوله تعالى : ( إنّ له أباً شيخاً ) .
الثاني : الاستحقاق : وهو معناها العام ، وذلك نحو قوله تعالى : ( لله الأمر من قبلُ ومن بعدُ ) .
الثالث : الملك : نحو قولك : المال لزيد ، ونحو قوله تعالى : ( له ما في السماوات وما في الأرض ) .
الرابع : التمليك : نحو : وهبت لزيد ديناراً .
الخامس : شبه الملك : وذلك نحو قولك : أدوم لك ما تدوم لي .
السادس : التعليل : نحو قوله تعالى : ( وإنه لِحُبِّ الخير لَشديد ) ، أي إنه من أجل حب المال لبخيل ، ونحو قوله عز وجل : ( وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ) ، في قراءة حمزة ، أي لأجل ايتائي إياكم بعض الكتاب والحكمة ثم لمجيء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مصدقاً لما معكم لتؤمنن به ، فـ( ما ) مصدرية واللام تعليلية . 
السابع : النسب : وذلك نحو قولك : لزيد عم هو لعمرو خال .
الثامن : التبيين : وهي الواقعة بعد أسماء الأفعال ، والمصادر التي تشبهها مبينة لصاحب معناها ، وذلك نحو قوله تعالى : ( هَيْتَ لك ) ، وتتعلق بفعل مقدر تقديره ( أعني ) .
التاسع : التعدية : كقوله تعالى : ( فهبْ لي من لدنك وليّا ) .
العاشر : أن تكون بمعنى ( إلى ) لانتهاء الغاية كقوله تعالى : ( سقناه لبلد ميت ) ، وبمعنى ( في ) في إفادة الظرفية ، كقوله تعالى : ( يقول يا ليتني قدمت لحياتي ) ، وبمعنى ( عن ) ، كقوله تعالى : ( وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيراً ما سبقونا إليه ) ، أي : عن الذين آمنوا ، وفي حقهم لأنهم خاطبوا به المؤمنين ، وإلا لقيل ما سبقتمونا . 
كما أنها تأتي بمعنى ( على ) ، كقوله تعالى : ( يخرون للأذقان سجداً ) ، ونحو قوله عليه الصلاة والسلام لعائشة رضي الله عنها : ( اشترطي لهم الولاء ) .
الحادي عشر : لام المدح ، وذلك نحو قولك : يا لك رجلاً صالحاً ، ولام الذم : نحو : يا لك رجلاً جاهلاً ، ولام كي : نحو : جئتك لتكرمني .
الثاني عشر : اللام الزائدة ، وهي ضربان : 
أحدهما : مطرد ، كقوله تعالى : ( فعّالٌ لما يريد ) . 
والآخر : غير مطرد ، كقول الشاعر : 
وملكت ما بين العراق ويثرب                  ملكاً أجار لمسلمٍ ومعاهدِ 
ثانياً : اللام الجازمة :
وهي ( لام ) الأمر ، وقد وردت في القرآن في مائة وأربعة وثلاثين موضعاً ، والأولى أن يقال لها ( لام ) الطلب ليشمل الأمر نحو قوله تعالى : ( لينفِقْ ذو سعة من سعته ) ، والدعاء نحو قوله تعالى : ( ليقضِ علينا ربّك ) ، والالتماس كقولك لمن يساويك : ( لتفعل كذا ) من غير استعلاء ، وذلك لأن الطلب إذا ورد من الأعلى فهو أمر ، وإذا ورد من الأدنى فهو دعاء ، وإذا ورد من المساوي فهو التماس .
هذه اللام قد ترد لمعاني أخر غير الطلب ، كالتي يراد بها وبمصحوبها الخبر ، نحو قوله تعالى : ( مَن كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدّا ) ، أي : فيمد ، أو التهديد نحو قوله تعالى : ( ومَن شاء فليكفر ) ، وهذا هو معنى الأمر في قوله تعالى : ( اعملوا ما شئتم ) ، وأما قوله تعالى : ( ليكفروا بما آتيناهم وليتمتعوا فسوف يعلمون ) ، فتحتمل اللامان منه التعليل فيكون ما بعدها منصوباً ، والتهديد فيكون مجزوماً ، ذلك أن مَن كسر اللام من ( ليتمتعوا ) جعلها لام كي ، ويجوز أن تكون لام أمر ، ومن أسكنها فهي لام أمر لا غير ، ولا يجوز أن تكون مع الإسكان لام كي ، لأن لام كي حذفت بعد ( أن ) ، فلا يجوز حذف حركتها أيضاً لضعف عوامل الأفعال .
ودخول اللام على فعل المتكلم قليل ، سواء كان المتكلم مفرداً نحو قوله عليه الصلاة والسلام : ( قوموا فلأصلِّ لكم ) ، أو معه غيره ، كقوله تعالى : ( وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتّبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم ) ، وأقل منه دخولها في فعل الفاعل المخاطب ، كقراءة جماعة وهي قراءة النبي صلى الله عليه وسلم من طريق أبي بن كعب وأنها رويت عن عثمان بن عفان وأنس بن مالك والحسن البصري : ( فبذلك فلتفرحوا ) ، وفي الحديث : ( لتأخذوا مصافكم ) ، وقد تحذف اللام في الشعر ويبقى عملها ، كقول الشاعر :
                      محمد تفدِ كل نفسٍ        إذا ما خفتَ من شيءٍ تَبَالا
فالشاهد قوله : ( تفد ) حيث حذفت لام الأمر وبقي عملها ، إذ الأصل : لتفد ، وهذا جائز في الشعر .
وحكم هذه اللام إذا دخلت عليها الفاء أن تُسكن ، كقولك : فلْيقم زيد ، وكذلك الواو ، نحو قولك : ولْيخرج أخوك ، وإنما سُكنت لأن الفاء والواو يتصلان بما بعدهما ولا يجوز الوقف عليهما .
ثالثاً : الناصبة للفعل : وقد قال بها الكوفيون ، أما البصريون فهي عندهم لام جر ، والناصب ( أنْ ) مضمرة بعدها ، وهو الصحيح لثبوت الجر بها في الأسماء ، وقد أمكن إبقاؤها جارة بتقدير ( أنْ ) ، لأن المصدر المؤول من ( أنْ ) والفعل مجرور بها ، وقد وردت في القرآن في مائتين وعشرين موضعاً .
ولهذه اللام ستة أقسام هي : 
أحدها : لام كي ، وهي لام التعليل ، وفيها مذاهب : مذهب أكثر الكوفيين أنها ناصبة بنفسها ، أما البصريون فهي عندهم جارة ، والناصب مقدر بعدها وهو ( أن ) .
الثاني : لام الجحود ، وسميت بذلك لاختصاصها بالنفي ، وذلك نحو قولك : ما كان زيد ليذهب ، وكقوله تعالى : ( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ) ، وهي المسبوقة بكون منفي ، ولا يكون قبلها من حروف النفي إلا ( ما ) و( لا ) .
الثالث : لام الصيرورة ، كقوله تعالى : ( فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً ) .
الرابع : اللام الزائدة ، كقوله تعالى : ( يُريدُ الله ليبيِّن لكم ) .
الخامس : اللام التي بمعنى ( أن ) كقوله تعالى : ( يُريدون ليُطْفؤوا ) .
والسادس : اللام التي بمعنى الفاء ، نحو قوله تعالى : ( ربنا ليضلوا عن سبيلك ) .
فتلك هي أقسام اللام العاملة .
غير العاملة : وأقسامها هي : 
أ / لام الابتداء ، وهي اللام المفتوحة ، وفائدتها توكيد مضمون الجملة ، وقد وردت في القرآن في مائتين وسبعة وتسعين موضعاً ، من ذلك قواه تعالى : ( ولَسوف يعطيك ربك فترضى ) ، ولا تدخل إلا على الاسم والفعل المضارع ، وذلك نحو قوله تعالى : ( وإنّ ربَّك لَيحكم بينهم ) . 
ب / اللام الفارقة : وهي الواقعة بعد ( إنْ ) المخففة في نحو قوله تعالى : ( وإنْ كانت لَكبيرة ) ، فإذا قلت : إن زيدٌ لقائم ، فـ( إن ) مخففة من الثقيلة واللام بعدها فارقة ، هذا مذهب البصريين ، أما الكوفيون فيذهبون إلى أن ( إن ) نافية ، واللام بمعنى ( إلا ) . 
والذي نراه أن ( إن ) غير عاملة فهي مهملة وذلك لمجي ( كان ) بعدها وهي فعل ناسخ ، إذ أنها إذا ألغيت جاز أن يليها الأسماء والأفعال النواسخ .
ج / لام الجواب : وهي ثلاثة أنواع : جواب القسم ، وجواب ( لو ) ، وجواب ( لولا ) .
أولاً : لام جواب القسم : فاللام التي هي جواب القسم تدخل على الجملة الاسمية والفعلية ، وذلك نحو قولك : والله لزيد قائم ، وكقوله تعالى : ( تالله لقد آثرك الله علينا ) ، وقد وردت في القرآن في سبعة مواضع .
والأكثر في الماضي المتصرف إذا وقع جواباً أن يقترن بـ( قد ) مع اللام ، وقد يستغنى عن ( قد ) ، كقول الشاعر:
      حلفتُ لها بالله حلفةَ فاجرٍ            لَناموا ، فما إن من حديثٍ ولا صالي 


ثانياً : لام جواب ( لو ) :
والذي يجب أن نعلمه أن ( لو ) تليها الأفعال ، وهي عند سيبويه حرف لما كان سيقع لوقوع غيره ، وهو أحسن من قول بعض النحويين أنها حرف امتناع لامتناع ، وذلك لاطراد تفسيره في كل مكان جاءت فيه ، وانخرام تفسيرهم في نحو : ( لو كان هذا إنساناً لكان حيواناً ) ، إذ على تفسير سيبويه يكون المعنى ثبوت الحيوانية على تقدير ثبوت الإنسانية ، وعلى تفسيرهم يكون المعنى ممتنع الحيوانية لأجل امتناع الإنسانية ، وليس بصحيح إذ لا يلزم من انتفاء الإنسانية انتفاء الحيوانية ، إذ توجد الحيوانية ولا إنسانية .
وتستقبل باللام جواباً لها ، وقد وردت في القرآن في ثمانية وتسعين موضعاً ، من ذلك قوله تعالى : ( لو نشاء لجعلناه حُطاماً فظَلْتُم تفْكهون ) .
وربما أضمرت اللام لأنه قد عُرف موضعها ، وذلك نحو قوله تعالى : ( لو نشاء جعلناه أجاجاً ) ، وتقديره : ( لو نشاء لجعلناه ) ، وكقولك : لو جاء زيدٌ لأكرمتك ، المعنى إن إكرامي إياك امتنع لامتناع زيد عن المجيء ، فهذا معنى ( لو ) واللام هي الجواب .
وإذا وقع بعد ( لو ) اسم فإنما يقع على إضمار فعل ، رافع له أو ناصب ، لأنها بالفعل أولى ، وذلك قولك : لو زيداً لقيته لأكرمتك ، تنصبه بفعل مضمر ، وكذلك تقول : لو زيدٌ قدم لأكرمته ، ترفعه بفعل مضمر ، كما قال الله تعالى : ( قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي لأمسكتم خشية الإنفاق ) ، ترفع ( أنتم ) بفعل مضمر يفسره الظاهر .
وقد يجوز في غير مذهب سيبويه رفعه بالابتداء .
وتكون ( لو ) شرطاً في المستقبل بمعنى ( إن ) ولا يجوز الجزم بها ، وذلك نحو قوله تعالى : ( ولو كره المشركون ) ، ومصدرية وهي التي يصلح موضعها ( أن ) المفتوحة ، وأكثر وقوعها بعد ( ود ) و ( يود ) ، وذلك نحو قوله تعالى : ( ود كثيرٌ من أهل الكتاب لو يردونكم ) ، كما تشرب معنى التمني ، كقوله تعالى : ( فلو أنّ لنا كرةً فنكون من المؤمنين ) .
ثالثاً : لام جواب ( لولا ) : 
هي نقيضة ( لو ) ، وبناءً على قول سيبويه في ( لو ) يلزم أن تكون ( لولا ) حرف لما كان سيقع لانتفاء ما قبله ، وذلك نحو قولك : لولا زيد لأكرمتك ، أي كان يترتب إكرامك على تقدير انتفاء وجود زيد .
وتلزمها اللام في الخبر ، وتقع بعدها الأسماء والأفعال ، ضداً لما كان في باب ( لو ) ، وقد وردت في القرآن في خمسة وعشرين موضعاً ، فالمرتفع بعدها يرتفع بالابتداء ، والخبر مضمر وجوباً تقديره ( موجود ) ، واللام داخلة على الجواب ، وذلك نحو قوله تعالى : ( لولا أنتم لكنا مؤمنين ) .
د / اللام الموطئة : 
وهي اللام الداخلة على أداة شرط للإيذان بأن الجواب بعدها مبني على قسم قبلها لا على الشرط .
وسميت الموطئة لأنها وطأت الجواب للقسم أي مهّدته ، وذلك نحو قوله تعالى : ( لئن أُخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قُوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليُولُنَّ الأدبار ثم لا ينصرون )  ، وقد تسمى باللام المؤذنة ، وقد وردت ستين مرة في القرآن الكريم ، منها أربعة في سورة البقرة وأربعة في سورة آل عمران .
هـ / لام التعريف : عند من جعل حرف التعريف أحادياً ، وهم المتأخرون ونسبوه إلى سيبويه ، وذهب الخليل إلى أن حرف التعريف ثنائي وهمزته همزة قطع وصلت لكثرة الاستعمال ، وكان يسميه ( أل ) ولا يقول الألف واللام ، وقد اختاره ابن مالك . 
هذه هي اللام وأنواعها  وأحكامها ، مع التمثيل لها من الآيات القرآنية.