حينما يُعتَدى على اللغة العربية

أ. روابح عبد الوهاب

 

      لقد أسالت قضية معاناة اللغة العربية الحبر الكثير على صفحات الكتب والمجلات والجرائد وكل أنواع المطبوعات على مستوى الوطن العربي و العالم الإسلامي و بقية العالم من المهتمين بها، وعلى مستوى المؤسسات التعليمية والمنظمات والمؤتمرات، فمنهم من يتغزل بها لجمال صيغها وأساليبها وقدرتها على ترجمة المعاني وتبليغها، ومنهم مَن يتغزل بماضيها المجيد وبفحولها الأجِلاء القدامى مِمن خلَّدهم التاريخ، ومنهم من يتباهى بكنوزها وغزارة مفرداتها  وغِنَى معانيها و لمعان جواهرها وصدفاتها التي ما زالت تنادي الغواصين الماهرين للكشف عنها واستخراجها منذ أن دعاهم إلى ذلك شاعر النيل حافظ إبراهيم، ومنهم من يَطمئن لحالها ويتواكل على حفظها وحمايتها برداء القداسة الذي أسدله القرآن الكريم عليها حيث تكفل الله تعالى بحمايتها وحفظها (وإنَّا له لحافظون)، فحفظُ كتاب الله يعني بالضرورة حفظ  اللغة العربية، ومنهم من يستورد  لها من الغرب ومن الشرق أحْدثَ النظريات في علم اللسانيات و الدلالات و مختلف  البيداغوجيات من أجل الرقي بها إلى مراتب تؤهلها لمسايرة عصر الآلة العجيبة والحروب العلمية والصراعات المعلوماتية، ومنهم من يشعر بمعاناتها في عقر دارها و يتألم  لحالها ويبكي على أطلالها.
        بمثل هذه الأفكار والتوجهات تفيض المكتبات العربية بكل أنواع الدراسات والبحوث ورسائل الماجستير والدكتوراه حول اللغة العربية من جميع جوانبها، ناهيك عن المخابر اللغوية والدوريات والمجلات المتخصصة في علوم اللغة العربية التي تتزايد يوما بعد يوم في زمن الثراء المعرفي، وبين هذا وذاك وتلك ما زالت العربية تراوح مكانها ولم تجد بَعدُ سبيلها إلى قمة تليق بها بين لغات الأمم الراقية، وفي هذا المقام تَفرِض تساؤلات كثيرة نفسها بإلحاح على كل غيور عليها نذكر منها: لماذا وصلت إلـى هذا الوضع المُخجِل؟ وقد كان أبناءُ الأمراء والملوك ـ دون الفقراء ـ من البلدان الأوروبية الذين حصلوا على فرصة للدراسة في بلاد الأندلس وأخذ العلوم فيها، كانوا ـ حين يعودون إلى أوطانهم ـ يتباهون بالتحدث باللغة العربية، وأمامها تخجل اللغة اللاتينية من أن ترفع رأسها إذ الفرق كبير بين جمال وسمو هذه وقصور تلك؟ ولماذا يُعرض عنها أبناؤها اليوم ويهيمون بحب لغات أخرى؟ في حين يهيم شباب بلدان غير عربية بحبها ككوريا  الجنوبية التي جعلتها اللغة الرسمية الثانية في بلادها بعد لغتها الأم. أين تكمن علتها؟ ولماذا عجز أطباؤها من مجامع لغوية وعلماء متخصصين عن تشخيص مرضها وتحديد أسبابه لوصف العلاج المناسب لها؟ ولماذا تقدمتْ لغات كنا وما زلنا نتهمها بالفقر والقصور ونصورها عارية من ثوب القداسة، وتخلفت لغتنا التي نحسبها أغنى اللغات وأقدسها وأجملها وأعرقها؟ أليس اتهامنا باطلا وافتخارنا خاطئا وكأننا من غُزَية فقط؟ أوَ أصبح الميزان اللغوي غير سليم عندنا؟  
       
        حينما يُعتدَى على اللغة العربية مع سبق الإصرار والتعمد في مجالات الحياة جميعها بين أهلها قبل 
غربائها لا يمكنها أن تُشْفى وتُعافى وتعيش قوية كريمة كبقية اللغات الحية، ولا يمكن أن يجد المنطق اللغوي أفقا واسعا في أذهاننا ليعيش فيه ما دمنا نجامل لغتنا بكلام معسول يختلف عن واقعها ويختلف عن طبيعة قناعاتنا حولها، فالحديث على المنابر وأمام الميكروفونات يمطر أسماعنا بأجمل صفاتها وأعظم بلاغاتها وصورها وأبهى أساليبها وغير ذلك من مواطن جمالها، إلا أن ما في داخلنا عن حقيقتها شيء من اتهامها بالغموض والتعقيد والصعوبات وعدم القدرة على مسايرة العصر، وخير دليل على ما نقول هو الإجابة الصريحة المؤلمة على السؤال التالي: كم طالبا في مراحل التعليم جميعها يحب اللغة العربية بعاطفة صادقة؟ ـ وهنا يجب أن نفرق بين الهيام بها وبين احترامها وتقديسها بصفتها لغة رسالة سماوية، لأن الأمر يخضع للعقل قبل العاطفة ـ وكم طالبا ينفر من نشاط القواعد النحوية ولو كان في معاهد الآداب واللغة العربية؟  حيث يراه نشاطا تراثيا قديما لا ينفع في هذا العصر، وللصراحة نقول إن المجاملات اللغوية هي التي ساهمت في تأخر اللغة العربية تماما كالمجاملات الاِجتماعية التي لا تسمن ولا تغني من جوع حين تُظهر توددا وتبطن نفورا، فالكل يمدحها ويمجدها ويقدسها ولكنه لا يفكر في علاج إصاباتها ومتاعبها ولا في تحيينها لتواكب عصرها، وهذا ما حزَّ في نفسي ودفعني إلى تشخيص بعض أمراضها لا كلها، فما لا أُدْرِكُه جُله أدرك ما استطعت إليه سبيلا، ولا أدعي في ذلك فلسفة إذْ حفظت شيئا وغابت عني أشياء على رأي أبي نواس.
      لقد شاعت أخطاء كثيرة تفسد المعاني والدلالات وتسيء إلى اللغة وتبقيها متأخرة عن الركب منها ما له علاقة بالرسم ومنها ما له علاقة بالمعاني اللغوية أو الدلالات، ولو حضر معنا في زمننا جهابذتها وفطاحلها القدامى كأصحاب المعلقات وفحول شعراء العصر الأموي كالفرزدق والعصر العباسي كالمتنبي وأبي تمام والبحتري وشعراء عصر النهضة كالجواهري ودرويش ونزار وغيرهم كثيرون لَندبوا حظها حزنا على ما وصلت إليه من انحطاط، وقد أصبحت هذه الأخطاء قاعدة شائعة وتصويبها غريبا لأنه غيرُ مألوف في الذهن. وكلما مَرَّ الزمن على الخطإ ولم يُصَحح كَبرتْ دائرتُه واتسع انتشاره لأنه يشبه زاوية حادة في الهندسة يزداد انفراجها وتوسعها وكِبرُها كلما مددنا مَعْلمَيْها ابتعادا عن نقطة التقائهما، وكذلك السكوت عن الأخطاء يؤدي إلى كبر دائرة انتشارها كلما طال عمرها وازداد استعمالها لأنها تنتقل من فرد إلى أجيال ومن أجيال إلى أضعافها. 
إلى أمة بأسرها. إن مظاهر الاعتداء على اللغة العربية لا يمكن عدها أو حصرها في مقال محدود، ولكن نجتهد في ذكر بعضها وهي:
 ـ (الحرف إذن بالنون أم بالتنوين إذَا) إنَّ هذا الحرف موظفٌ توظيفا فوضويا في معظم الكتابات بدءا بالرسائل الإخوانية إلى الجرائد والمجلات إلى المؤلفات المحترمة الكبرى، فلماذا لا نلتزم بما نعلمه لأبنائنا في 
 
المدارس وهو أن الحرف (إذن) بالنون أحد النواصب الأربعة للمضارع وهي (أنْ ـ لن ـ إذن ـ كي) ويُعرب حرف جزاء وجواب ونصب للفعل بالشروط المعروفة في القاعدة، وفي باقي الحالات يُكتب بالألف والتنوين، كما جاء في القرآن الكريم في آخر الآية 145 من سورة البقرة (... إنكَ إذَا لمن الظالمين) وهو حرف جواب وجزاء مبني لا محل له من الإعراب وهذا أمر لا يتطلب جهدا مُضنيا بل صدقا مُغنيا. 
  
      ــ الاسم (هيأة) لقد شاع شكل كتابة همزته على النبرة (هيئة) في معظم الكتابات وبخاصة في كتب التاريخ حين تتحدث عن هيأة الأمم المتحدة وهيآت دولية أخرى، والتلميذ الصفحة البيضاء الذي يرى الهمزة على النبرة في كتاب التاريخ المدرسي المقرر يثق في الكتاب و يرسمها في ذهنه كما يراها وقلما يجد مَنْ يصحِّح له هذا، فيكبر معه الخطأ وينتشر، بل قد يدافع عن شكله الخاطئ باستماته. والحقيقة أن الهمزة المسبوقة بحرف ساكن تكتب على حرف يناسب حركتها فإن كانت مضمومة تكتب على الواو وإن كانت مجرورة تكتب على النبرة وإن كانت مفتوحة تكتب على الألف مثل كلمة (جيْأل) التي وردت في بيت شعري للشاعر الجاهلي الشنفرى في لاميته المشهورة:
               وَلِـي دونكم أهلون سِيدٌ عَمَلَّسٌ ** وأرقطُ زُهلونٌ وعرفاء جَيْأَلُ             (هذه أسماء حيوانات)
لقد قال البعض أن قاعدة كتابة الهمزة المتوسطة المسبوقة بياء تُكتب على نبرة وهذا دون التمييز بين ياء المد مثل (بِيئة) ـ حيث الياء تُعد امتدادا لكسرة حرف الباء وبالتالي تعمل عملها وبين الياء التي تُعد حرفا ساكنا أو متحركا بالسكون ولو حسبنا الياءين حرفا واحدا ففي الأمر ظلم وخلط. وقد جاء في كتاب ((دليل الإملاء وقواعد الكتابة العربية)) لصاحبه فتحي الخولي ط 1989 ـ 1409 ص 74 أن قرار مجمع اللغة العربية بالقاهرة جاء كالتالي (إذا كانت الهمزة وسط الكلمة مفتوحة وما قبلها ساكنا غير حرف مَدٍّ رُسمت على الألف مثل يسْأل ييْأس جَيْأة هَيْأة) ومثل الكلمات المرْأة النشْأة وما يشبه هذا الحكم ورد في كتاب جامع الدروس العربية للغلايني ص 275. وإن كانت الياء حرف مد رُسمت على النبرة مثل مشِيئة. وتكتب الهمزة المفتوحة المسبوقة بياء مد بعد حرف مجرور على النبرة. 

      ـ عبارة ( المصادقة على التوقيع ) هذه العبارةُ نجدها في مكاتب الحالة المدنية في بلديات الجزائر كلها، والخطأ  هنا في كلمة (المصادقة) التي لا تعني  المعنى الذي في الذهن بل تعني لغة اتخاذ الأصدقاء،  لأن فعل هذا المصدر ( المصادقة) هو صادق ومثاله صادق فلان فلانا أي اتخذه صديقا وبالتالي فالمصادقة تعني اتخاذا الأصدقاء أي يتخذ صديقا ويوَقِّعُ .أما المصدر الصحيح المناسب لهذه الوظيفة فهو (التصديق) والتعليل هو أن صاحب هذا المكتب يصدق المواطن الذي يقدم له نسخة مصورة حين يقارنها بالأصل، ومصدر الفعل (صَـدَّقَ) بتشديد الدال هو التصديق والعبارة الصحيحة إذًا هي ( التصديق على التوقيع ) . 

     ــ عبارة (أولُ أمسِ) أصحيحة أم خاطئة؟ إن القائلين بها يقصدون اليوم الذي قبل يوم الأمس، فهل تناسب ما في ذهن قائلها أم لا؟  ما معنى كلمة (أول)؟ إنها تعني البداية فأول الشهر يومه الأول، وأول السنة شهرها الأول، وأول النهار صباحه، وأول الغد صباحه، وأول الأمس صباحه أيضا، ولا تعني اليوم الذي قبل الأمس مطلقا، والعبارة الأنسب للمعنى الذي في الذهن هي أن نقول (اليوم الذي قبل الأمس) أو نقول اليوم الذي قبل يومين أو ثلاثة أيام أو أربعة أيام وهكذا، إلى أن يجد العرب ومجامعُهم اللغوية مصطلحا مناسبا للمعنى.    
                                    
     وعبارة (شكرا لك) شاعت بهذا الشكل في كل الأوساط، وقد لا يُنتبَه إلى العيب الذي فيها إلا بإعرابها، فلو أعربنا كلمة (شكرا) مفعولا مطلقا يصبح التعبير ركيكا بهذا الشكل (أشكرك شكرا لك) و الأصح هو (الشكر لك) والعبارة هكذا جملة اسمية تتكون من مبتدإ وخبر، وقد تُقبل الصيغة إذا غيرنا إعرابها إلى مفعول به والمعنى يبقى سليما (أقدم شكرا لك) وتعرب فعلا وفاعلا ومفعولا به وشبه جملة.
       
        وفي موضوع النسبة نذكر خطأ شائعا عند المعلقين الرياضيين في مقابلات كرة القدم في قولهم (اللاعب الأساسي). والشك هنا يحوم حول كلمة (الأساسي) فأساس الشيء قاعدته أو أصله الذي يقوم عليه حيث لا يُستغنى عنه فالبناء مثلا بلا أساس ينهار والفريق بلا هذا اللاعب الماهر يخسر المباراة، وهنا نسأل هل اللاعب أساس أم أساسي؟ إن القاعدة النحوية تقول إن إضافة الياء إلى الاسم تعني النسبة إليه فالشخص المنتسبُ إلى الجزائر يسمى جزائريا والمنتسبُ إلى اليابان يسمى يابانيا وهكذا. فهل يقصد المعلق في ذهنه أن اللاعب أساس أم ينتمي إلى الأساس؟ لا شك أن الجواب الأول هو الصحيح، لأن اللاعب هو أساس الفريق حيث يُعَوُّل عليه في تحقيق الفوز. وكذلك الأمر مع العبارة الملازمة لدراسة النصوص الأدبية في الكتب المدرسية وهي (الأفكار الأساسية) وهذا يعني أنها تنتمي إلى أساس معين، فأين هو حتى ننسب إليه الأفكار؟ إن المعنى الصحيح هو أن الأفكار هي الأساس الذي يقوم عليه النص ويُبنى فوقه. وكلمة (الإمكانيات) لها الحكم نفسُه لكلمة (الأساس) لأن مفردها إمكان وجمعه إمكانات فمن أين تسللت إليها ياء النسبة؟ ومَنْ هو المنسوب والمنسوب إليه؟
        أما أبشع خطإ في حق اللغة العربية فهو ما جاء عنوانا لقناة وطنية جزائرية تَـعُد نفسها رائدة في ميدان الإعلام وهي (النهار لكي) حيث أضيفتْ ياء مدٍّ أو إشباع إلى الضمير المتصل الكاف المبني على الكسر الذي يدل على المخاطبة المؤنثة دون الحاجة إليها، وهذا خطأ فادح لم يحدث من قبلُ. ولو قبلناه لانْتَقلتِ العدوى إلى غيره كأن نضيف ألفَ مدٍّ إلى كاف المخاطب المذكر المبني على الفتح (لكَا كتابُكَا) ونضيف واو مد لهاء الغائب المبنية على الضم (لَهُوـ كتابهُو)، ونضيف ياء لضمير المخاطبة المؤنثة مثل (كتابُكِي)؟ وهذا لَعَمرِي مرض عصري ما عرفته لغتنا عند أسلافنا، فإن حصل الأمر عن جهل فالخطأ فادح، وإن كان تجاهلا فهو أفدح.                                                             
      والاسم (مئة) لماذا أُضيف إليه ألفٌ ـ (مائة)؟ لقد أضيف هذا الألف في زمن غياب الحركات والتنقيط عن الحرف العربي حين بدأ اللحنُ يدب إليه بدخول الأعاجم البلاد العربية حتى يفرق بين (مىه ـ مىه ـ مىه) فالأولى تعني جارا ومجرورا مِنْهُ، والثانية اسمٌ يعني التَّفَضل بفعل الخير، مِنَّـةٌ من المَنِّ، والثالثة تعني العدد مئة. كما أن القاعدة الإملائية واضحة سهلة جدا لا تقبل الخلط فالهمزة متوسطة مفتوحة مسبوقة بكسرة تُكتب على نبرة فلماذا التعقيد؟ ولهذا يجب أن نزيل الألف بزوال السبب الذي وجد في زمن بداية اللحن.

      الاسم (حوالَيْ) شاع في مثل قولنا: كنا حوالي مئة أستاذ. ومعنى الاسم لغويا خاطئ في التوظيف إذ يعني في المعجم مُثَنَّى (حول) ومعناه هو اسم مكان مثل طُفْنَا حول الكعبة. والمصطلح المناسب لما في الذهن هو (ما يقارب) مثل كنا ما يقارب المئة ناجح. أو قُرابة المئة.
     
     ـ الفعل (أحبِّذُ) في مثل قول بعضهم: أنا أحبذ اللغة العربية على الأجنبية. لقد شاع هذا الفعل بصيغة المضارع وهو غير موجود في اللغة العربية بهذا الشكل ولا نعلم كيف تسرب إليها ولا نعرف مَن أذاب جموده وصَرَّفه. لقد تعلمنا في القواعد النحوية أن الفعل (حبَّذَا) فعل جامد يفيد المدح لا يصرف مكون من الفعل (حَبَّ) والفاعل اسم الإشارة (ذا) والجملة الفعلية في محل رفع خبر مقدم والاسم المخصوص بالمدح مبتدأ مؤخر مرفوع. أما ما يدور في ذهن المتكلم به فهو صيغة التفضيل (أفَضِّلُ) فلماذا نترك السهل وننجر وراء فعلٍ لا معنى له أطلقه ربما متكلم عبر قناة إعلامية؟
          ـ (أجرى الفريق الوطني تربصا مغلقا). إن كلمة (تربُّص) خاطئة لغويا في هذا المقام لأنها تعني انتظر فرصة سانحة ليُوقع الأذى بغيره وتربَّصَ بسلعته أبقاها لوقت الغلاء، وهل ما يقوم به الفريق تدريب أم تربّص؟ إنه التدرب لا التربص والعبارة الصحيحة المناسبة للمقام هي: أجرى الفريق فترة تدريبة مغلقة. 
       ـ الاسم (الاِستعمار) توظيفه في مواقف الحديث عن احتلال البلدان مثلا غير صحيح لأن دلالته تخدم المحتلين للبلدان المحتلة وتُبعد عنهم قُبح صورتهم أو سوء سلوكهم في الأذهان. فهي كلمة مكونة من جزأين الأول هو الحروف المزيدة الثلاثة (ا س ت) ومعناها هو الطلب أو التحول مثل قولنا (استغفر، استنجد، استأسد) أي طلب المغفرة والنجدة وتَحَوَّلَ إلى أسد، والمعنى الثاني هو الفعل عمَّر أي ملأ ما كان فارغا، وبهذا يكون هدف الاحتلال هو إحياء بلدان خالية بتعميرها بالعمران والإنسان والزراعة والصناعة والطرقات وغيرها، وبهذا المعنى يكون هدف الاحتلال شريفا نظيفا لأنه سيخدم الأرض الجرداء القاحلة. والمصطلح البديل الذي يناسب المعنى وينفي ادعاءَ العدو المحتل ويُظهر ظلمه نستنتجه من السلوك الحاصل وهو (الغزو) لأن المحتل يأخذ أرض غيره وينهب خيراتها ويستعبد أهلها ولا يعترف لهم بتاريخ أو هوية. وهذه 
 
هي الصورة البشعة الحقيقية للغزاة وليست التعمير. والأستاذ القدير مولود قاسم ـ رحمه الله ـ عوض هذا المصطلح الشائع بـمصطلح (الاِستدمار) لأنه سعى إلى تدمير الوطن تاريخا وهوية ولغة وأرضا، وهذا ما فعلته فرنسا حين طورت حياة المعمرين وأعطتهم خيرة الأراضي الفلاحية وخيراتها وأبقتِ الشعب الجزائري فقيرا متخلفا وأغلقت عنه كل طرق التقدم والرقي ومنها تحديد مستوى تعليمه في المرحلة الابتدائية فقط. فهل هذا تعمير أم تدمير؟ 
    
    ـ حديث نبوي شريف (خيركم من تَعَلَّم القرآن وعلَّمَه) هذا الحديث الشريف نسمعه في المدارس القرآنية وفي شهر رمضان كثيرا حين توزع الجوائز على حفظته تشجيعا لهم، والخطأ يكمن في فهم خاطئ  للمعنى اللغوي للفعل (تعلم)، إذْ ما نطبقه من الحديث يختلف عما يدعونا إليه وهو التعلم، وما نمارسه في الواقع هو معنى (خيركم من حَفِظَ القرآن وحفَّظه)، وإن كان الحفظ مستحبا فالحديث يدعونا إلى التعلم أي إلى  الشرح  والتحليل والفهم والدراسة ، تماما مثلما يحصل التعلم في المؤسسات التعليمية ـ وهذه هي رسالة الحديث الشريف إلى الأمة ـ ثم يأتي الحفظ لمن أراد ذلك . وتصور لو أن العلوم بكل أنواعها أخذناها بالحفظ ونقلناها إلى الأجيال بالحفظ أيضا، كيف سيكون حالنا وحال أبنائنا؟ الجواب واضح هو الكارثة بعينها، فإذا كنا نريد الفهم للعلوم البشرية بحرص شديد فكيف لا نريد ذلك للعلوم الدينية؟  
        كلمة (غزوة أو غزوات) لقد سَمَّى بعض المؤرخين في كتبهم المعارك التي قادها النبي الكريم عليه الصلاة والسلام ضد كفار قريش بـ : غزوات صدر الإسلام مثل (غزوة بَدْر وغزوة أُحُد وغيرهما) وفي هذا إجحاف في حق عظمة نبينا الكريم ونبل خصاله الحميدة حيث زكاه الله تعالى في قوله: (وإنك لعلى خلق عظيم). فمعنى كلمة (غزا غزوا) ورد في المعجم الوسيط في الجزء الثاني صفحة 652 بالصيغة التالية (غزا العدوُّ غزوا، وغَـزَوَانًا سار إلى قتالهم وانتهابهم (من النهب والسلب) في ديارهم فهو غازٍ ج غُزاة) إذًا الغزو هو السطو على الأرض والعرض ونهب الخيرات وهذا المعنى يناسب ما فعلته فرنسا في الجزائر عام 1830 حين سطت على الأرض ونهبت خيرات البلاد وأذلت العباد، ولا ينطبق على نبينا الكريم الذي لم يكن غازيا معاديا بل كان مدافعا مبشرا هاديا. فهل كان رحمة للعالمين أم نقمة؟ الجواب معروف قال الله تعالى (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) سورة الأنبياء 107. والسؤال الذي يفرض نفسه هو لماذا نَسَب هؤلاء المؤرخون الغزو إلى النبي الرحمة المهداة، ونسبوا الفتح إلى البشر من بني أمية وبني العباس والعثمانيين وغيرهم في توسعاتهم الجغرافية عبر البلدان والقارات؟ 
 هذا فيض من غيظ وليس كل الغيظ، فهل من أذان صاغية لأنين السيدة الموقرة جلالة اللغة العربية؟