اللحن في الإعلام المغربي هل من سبيل إلى التصويب اللغوي
سلام أورحمة
بيت الحكمة يخشى على أبو حفص ...
كان ظهوره متميزٌ ...
اعترفُ أن هناك خللٌ ....
هي عبارات خاطئة لها علاقة بموضوع البحث أردت لها أن تكون وضعية مشكلة، والوضعية المشكلة كما يعلم الجميع طريقة تعليمية تدريبية تقوم على حرية التفكير، لمعالجة مشكلة معينة خلال فترة زمنية محدودة، وذلك بهدف التوصل إلى اقتراح حلول لمعالجة المشكلة المطروحة، هي مشكلة اللحن، هي موضوع الورقة البحثية.
ولذلك فلا يظن ظان بأن اختيارنا لموضوع اللحن في الإعلامي المغربي هل من سبيل إلى التصويب اللغوي؟ محاولة للانتقاص من مستعملي اللغة داخل هذا الفضاء، أو للتقليل من الجهد الكبير الذي يبذله في تقديم أفكاره مكتوبة كانت أم مسموعة، وإنما الدافع الأساسي هو الأخذ بيد من ينشد بالكمال اللغوي، لما نعرفه في الخطاب الإعلامي من قدرة على هندسة المجتمع والتأثير فيه ثقافيا وسياسيا واقتصاديا ولغويا.
علاوة على ذلك فإن اللحن في الخطاب الإعلامي ما يزال موضوع الساعة، ويفرض نفسه بإلحاح، ويحتاج منا الوقوف عنده بجدية، والتأمل فيه بموضوعية، لعلاج هذه الظاهرة الخطيرة، بل الفظيعة التي تعيشها لغتنا العربية عبر الخطابات الإعلامية المغربية المكتوبة والمسموعة.
وقد اخترت في هذا البحث عينة من الخطاب الإعلامي السمعي الإذاعي وكذا السمعي البصري القنوات التلفازية، مركزا فيهما على الخطاب الإعلامي الإخباري، كما اخترت عينة أخرى من أجل المقارنة وهي الخطاب الإعلامي المكتوب الإلكتروني والورقي.
مظاهر اللحن في الإعلام المغربي: المستوى النحوي أنموذجا:
لعل أول ما يصادفنا ونحن نبحث عن مظاهر اللحن في الإعلام المغربي في المستوى المدروس هو ما شاع بين الإعلاميين بصفة عامة من مقولة اجزم تسلم من خلال اسقاط الحركات الإعرابية من الكلم، وهي أمثلة كثيرة تظهر في الإعلام السمعي والسمعي البصري خاصة.
واسقاط الحركات الإعرابية له أثار جانبية حتى على مستوى المعنى، لأنا كما نعلم ويعلم الجميع أن الإعراب إنما دخل للدلالة على المعاني، ولذلك فإن إسقاط هذه الحركة الإعرابية قد يؤدي في كثير من الأحيان إلى اختلال المعنى، بل إنه يؤدي إلى تغيير القواعد المسلمة والمتعارف عليها في عرف النحويين، ومن أمثلة هذا التغيير أن الفعل المضارع المرفوع والمنصوب يصبحان مجزومين، مما يؤدي إلى اختلال المعنى لدى المتلقي المستمع، فالفعل المضارع المرفوع له دلالته الخاصة، والفعل المضارع المنصوب كذلك له دلالته الخاصة به حسب نوع الأداة الناصبة، والشيء نفسه بالنسبة للفعل المضارع المجزوم.
وهذا النوع وإن كان لا يظهر في الإعلام المكتوب الورقي أو الإلكتروني بشكل مسموع، فإنه يظهر من خلال عدم شكل أواخر الكلمات، مما قد ينتج عنه من انعكاس على المتلقي القارئ الذي يقرأ المادة قراءة خاطئة، وهذا أمر في غاية الخطورة، وأمر آخر لا يقل خطورة عنه هو أن هذا الإسقاط للحركات الإعرابية سيؤدي بالضرورة إلى استعمالها من لدن المتلقي المستمع/القارئ غير المتخصص استعمالا خاطئا وتشيع بين ألسنة المتكلمين على أنها الصواب الشائع وهي ليست إلا خطأ مشهورا، وهذا ما نخشاه ونحن في ظل الدفاع عن اللغة العربية والحفاظ عليها من اللحن نبحث عن المتكلم المستمع المثالي بعبارة العالم اللغوي الشهير نعوم تشومسكي.
صرف الممنوع من الصرف: وهي تظهر بشكل جلي في الخطاب الإعلامي السمعي البصري، ومن أمثلة ما سجلنا من خلال استماعنا لبعض الإعلاميين قولهم:
دعا إلى تفاهم أعمقٍ والصحيح أعمقَ.
قدم شكوًى والصحيح قدم شكوى.
اجتمع مع زعماءٍ والصحيح اجتمع مع زعماءَ.
العدد: لن أبالغ إذا قلت إنّ باب العدد في الإعلام المغربي يعيش وضعا لا يحسد عليه، ويتجلى ذلك من خلال كتابة الأعداد في الإعلام المكتوب بالأرقام دون الحروف، وهذا أمر ـ ولا شك في ذلك ـ له انعكاس على لسان المتلقي القارئ غير المتخصص في اللغة، هذا الانعكاس الذي يتجلى في قراءة الأعداد كيفما يحلوا له قد يصيب وهذا أمر محمود نتبناه، وقد يخطئ وهذا أمر مكروه نخشاه.
أما في الخطاب الإعلامي السمعي البصري/ فإن الظاهرة تستفحل مما يجعلنا نستنج بدون مبالغة عدم التمكن من باب العدد ومعرفة أحكامه ومواقعه الإعرابية، ومن أمثلة ما سجلنا ونحن نستمع إلى بعض الإعلاميين نذكر:
ثلاث أشخاص داخل الحزب يعرقلون حصولي على التزكية، والصحيح ثلاثة أشخاص ...
ثلاث لاعبين من الرجاء في اللائحة الأولية للمنتخب المغربي، والصحيح ثلاثة لاعبين
أربعة أساتذة...والصحيح أربع أساتذة
ومن بين مظاهر اللحن الأخرى التي استطعنا أن نقف عندها من خلال استماعنا لبعض البرامج الإخبارية في القنوات المغربية، وكذا اطلاعنا على عدد من الصحف المكتوبة بنوعيها الورقي والإلكتروني:
باب المرفوعات: نظم مديري ومديرات ....والصحيح نظم مديرو ...
باب المنصوبات: الأمن يوقف شخص والصحيح شخصا، كان كيم طفل عادي والصحيح طفلا عاديا، اعترف بنشماس أن هناك خلل والصحيح خللا، أرباب الشركات أصبحوا أحرار والصحيح أحرارا، عبد الحق الخيام يعرض صورة والده المتوفى ويقول كلاما مؤثر في حقه... والصحيح كلاما مؤثرا
باب المجرورات: بيت الحكمة يخشى الاعتداء على أبو حفص، والصحيح أبي حفص، الثنائي الكفيف أمادو ومريم يتألقان في منصة أبو رقراق، والصحيح أبي رقراق
السبيل إلى التصويب: لا أعتبر ما سأقدمه من توصيات واقتراحات أردت لها أن تكون السبيل إلى التصويب تمثل العصا السحرية التي ستكف من انتشار الظاهرة نهائيا، ولكنها على الأقل محاولة يائسة علها تجدي نفعا وتجد آذانا صاغية لتجاوز المعضلة والتقليل من الكارثة، وتفادي الأخطاء التي شاهدنا عينة منها، من هذه التوصيات أذكر:
الالتزام الواعي بأصول اللغة العربية الفصيحة من خلال الضوابط المتعارف عليها، لأن الانحراف عليها أو عدم الاكتراث بها سوف يشوه العربية شيئا فشيئا، حتى نجد أنفسنا في وقت من الأوقات لا نستطيع فهم ما يقال وهذا أمر في غاية الخطر، وأمر آخر لا يقل خطرا عنه، وهو أن المجتمعات العربية ستزيد الهوة بينها، حتى نجد أنفسنا في وقت من الأوقات لا نفهم بعضنا، فالعربية هي الخيط الرابط بيننا، ولا نريد لهذا الخيط أن ينقطع بحال من الأحوال.
تعيين مستشار لغوي متخصص في المجال يكون بمثابة القاضي في المحكمة، فكما لا يجوز الحكم إلا بوجود قاض يصدر الحكم، فكذلك لا ينبغي إصدار أي مادة إعلامية إلى بوجود مدقق/مستشار لغوي، حتى لا تكون الأمور اجتهادا شخصيا يصيب من يصيب ويخطئ من يخطئ، بل إننا ندعوا ـ كما ذهب إلى ذلك بعض الباحثين ـ إلى ضرورة وجود دائرة من المدققين اللغويين ذوي الأهلية والكفاءة يتابعون نشرات الأخبار وغيرها في مختلف الخطابات الإعلامية من أجل تصويب ما يرد فيها من لحن ، ولفت أنظار المسئولين عنها مباشرة عن طريق الاتصال بهم شفهيا أو كتابيا.
الالتزام بما جاء في دفتر تحملات الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية، والذي ينص على " مراعاة سلامة اللغة العربية وتبسيطها من حيث ضبط التراكيب والمعجم والاشتقاق ومخارج الحروف ...، والذي ينص كذلك على اعتماد التدقيق اللغوي في كل ما يتم بثه باللغة العربية، وتستطيع الشركة لتحقيق هذه الغاية التنسيق مع معهد الدراسات والأبحاث بخصوص التعريب لإحداث لجنة للتدقيق اللغوي بالشركة تعنى بتتبع السلامة اللغوية المستعملة"
الالتزام بمقتضيات “ميثاق العهد الصحفي للدفاع عن العربية” الذي تم توقيعه بين النقابة الوطنية للصحافة المغربية والإتلاف الوطني من أجل اللغة العربية، ضمن أشغال المؤتمر الوطني للغة العربية الذي انعقد أيام 11 و 12 مارس من عام 2017، والذي نص على مضاعفة العناية باللغة العربية وسلامتها وتحسين أدائها.
ضرورة كتابة الأعداد الواردة في الخطاب الإعلامي الإلكتروني المكتوب والورقي منه خاصة بالحروف لا بالأرقام حتى يتجنب المتلقي القارئ للخطاب الوقوع في اللحن وهي كثيرة لا تعد ولا تحصى.
ضرورة شكل أواخر الكلمات الممنوعة من الصرف والكلمات المستعصية عن القراءة حتى يتسنى للقارئ قراءتها قراءة سليمة تجنبا لأي خطأ محتمل قد يؤدي إلى انتشاره واستعماله كأنه الصواب وهو ليس إلا خطأ شائعا.
وهذا بطبيعة الحال لن يتأتى إلا بحضور الإرادة السياسية التي تؤمن بالرسالة الحضارية للغة العربية وكذا الإرادة الإعلامية تؤمن بحماية الهوية اللغوية بحماية لسانها.
تلكم كانت بعضا من الاقتراحات التي ينبغي أن يأخذها الإعلام المغربي بعين الاعتبار، والعمل على تطبيقها نظريا وميدانيا وإلا فلننتظر كل خيبات الأمل وصاحبة الجلالة تضيع أمام أعيننا رويدا رويدا.
هذا فيما يتعلق بالخطاب الإعلامي الذي يقدم مادته باللغة العربية، أما تلك التي تقدمها بغير العربية كالدارجة أو المزج بينهما فأقلام النقد ستظل تلاحقها إلى أن تخرج من ضلالتها وتهتدي إلى سبيل رشدها.
|
|
|