الأخطاء اللغوية في زمن متسيب

أ. د. عبد الجليل أبوبكرغزالة

 


محنة اللساني وكساد تسويق القواعد
     رأيتُ ملأً كثيرًا في دنيا البحث العلمي العربي المعاصر يلحن في نطق وكتابة بعض الكلمات ، فبدلا من نطق أو كتابة كلمة ( مهم ) يكتبها أو ينطقها ( هام ) . هناك فرق بين اشتقاق اسم الفاعل الثلاثي ( هَامَ / فَعَلَ ، هائم / فَاعِلٌ ) والرباعي ( أَهَمَّ / فعلل ، مهمٌّ / مفْعل ) ، والبون شاسع بين الكلمتين شكلا ومضمونا . نجد اللحن عينه في كلمة ( تقويم ) التي تتفشَّى بين ظُهرانينا نتيجة للترجمة الخائنة ، والاستلاب والاغتراب بصيغة ( تقييم !!! ) ، وشيوع كلمة ( استبيان ) في مجال البحوث العلمية الميدانية بدلا من كلمة ( استبانة ) . فجذر الفعل ( استبان ، يستبين ، استبانة ) ، وجمع كلمة ( طريقة ) على ( طرق = ج طريق ) ، والصحيح ( طرائق : طرائق قددا ) ، كما في التنزيل المقدس .
   لقد صححت في الحول المنصرم بحثا محكَّمًا لإحدى المجلات العربية المعمِّرة ، والذائعة الصيت . كان يضم بين طياته كلمة ( طريقة ) ، فشطب رئيس التحرير كلمة ( طرائق ) ، وأبقى على ( طرق ) قائلا : لقد تعودنا على هذا ، ووقع الأمر نفسه بالنسبة لكلمة ( هامٌّ ) و ( مُهِمٌّ ) بين طيات المجلة عينها !!!.
   نصادف أيضا لحنًا آخر في كتابة كلمة ( إذن ) ، حيث ترسم بالألف الطويلة ( إذا ) عنادا وعمدا...كما تكثر في هذا الصدد ( فلسفات اللغة ) ، والتخمينات ، وأضغاث الأحلام ، والمناقشات ( البيزنطية ) التي لا تسمن ولا تغني من جوع ، مثل شقشقة اللسان الفارغة : ( من الأسبق الدجاجة أم البيضة ؟ )...
    لقد بينا لهذا الملأ ( الباحث ) المبتدئ / الغِرِّير ، المتبجح باستمرار مواطن الهفوات والزلات باعتمادنا على القواعد والقياسات العربية الرصينة ، والنصوص _ المعيار standard ) ) القدوة الحسنة ، لكن جهودنا كانت تبوء كل مرة بالفشل الذريع ...
 أخطاء في أسماء الأعلام ودلالاتها
     تطالعنا أحيانا أسماء أعلام شتَّى مدونة في سجلات إدارية ، أو بطاقات هُويَّة ، أو جوزات سفر ، أو وثائق وعقود عقارية وعائلية لا تخضع لقواعد اللغة العربية المعيار ، كما أنها لا تحمل معنى في القاموس العربي ، وأحيانا تستورد من ثقافات أجنبية ومعتقدات دينية يحرمها الإسلام . نجد اسم ( لِينَا ) الذي يطلق على بعض بناتنا يكتب في عدة وثائق بالألف الطويلة ، فما معناه بهذا الرسم الإملائي ؟ . إن اسم ( لِينَةٌ ) يعني في التنزيل العزيز ( نخلة : ما قطعتم من لينة ) . قد نشكلها بطريقة أخرى ( لَيِّنَة : ناعمة ، رطبة ...) ، فيتضح المعنى العربي الإسلامي القويم ، ولا داعي لتقليد الغرب أو بعض المسلسلات المستوردة والكتابات الجاهلة والساذجة . يحدث المشكل نفسه بالنسبة لاسم ( دَانْيَا ) ؛ فالأسلم كتابتها ( دَانِيَّة : قريبة ...). تقع الهفوة عينها بالنسبة لاسم ( رانيا ) ؛ فهو في الأصل ( رانيَّة : اسم فاعل / ممعنة النظر مع سكون الطرف ... ) . هناك اسم علم قريب من هذا يكتب ( رَنَى ) ، والصواب ( رَنَا : الجمال ، الطرب ، الحنين ...) . 
   عن أبي الدرداء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فأحسنوا أسماءكم )) أخرجة الإمام أحمد . فالأسماء الحسنة محبوبة في شريعتنا الإسلامية ، كما ورد عن النبي . يشتق اسم ( رانية ) من ( ران ) أو ( الرين ) ؛ أي الطبع  كما قال تعالى في كتابه العزيز : (( كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ )) . فالطبع هو الرين ، وكذلك يأتي الرين بمعنى القذارة ، والخبث ، والحمرة ...نصادف أيضا في أوساط البنات بحاضرتنا الجبلية اسم ( مادلين / ماجدولين ) ، وهو اسم يوناني ( MADELEINE )  )، كما ينسب أيضا إلى ( مجدل ) الموجودة بجنوب الأراضي الفلسطينية المحتلة. 
   يجب أن نرجع إلى قوامسنا وشريعتنا الإسلامية قبل إطلاق أي اسم على بناتنا أو أولادنا ، والحصول على تصريح رسمي بذلك من الجهات المختصة و ( العليمة )، فربما قد يكون الاسم محرما ، أو به قدح ، أو عنصرية ، أو تصعب كتابته ونطقه ، فيثير مشاعر متعارضة ، وهفوات لغوية ، وأنماط من الاستهتار والعناد المقيت ...
    يلفظ ويكتب كثير من المثقفين العرب المعاصرين والباحثين الأكاديميين كلمة ( هُوِيَّةٌ ) خطأ بفتح حرف الهاء ( هَوِيَّةٌ ) والصواب ( هُوِيَّة) ، لأنها من ( هو ) ؛ أي الشخص أو حقيقته المُمَيزة . أما ( هَوٍيَّة ) فتعني البئر العميقة ، وشتان بين المعنيين . نصادف أيضا خطأ آخر في كلمة ( كُرْهٌ ) ، حيث ينطقها ويكتبها هذا الملأ ( كَرَاهِيَّةٌ ) ، والحقيقة أننا نجد في الاشتقاق الصرفي ( كَرِهَ ، يَكْرَهُ ، كَرْهًا ) ، وكذلك قول البارئ سبحانه في التنزيل المصون ( حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كَرْهًا ) ، فالياء زائدة ، والأمر نفسه يسري على كلمة ( إِشْكَالِيَّةٌ ) ؛ لأن الصواب هو ( إِشْكَالُ ) ، إذ نجد في الاشتقاق ( أَشْكَلَ ، يُشْكِلُ ، إِشْكَالاً ) . يطالعنا بعض المترجمين والمثاقفين    interculturalism)  ) للغرب اللاتيني بكلمة لا حنة من حيث الترجمة ( كلاسيكية ) ؛ وتعني ( النموذجي / الأثر الخالد ، الآداب اليونانية ( classic ) ، والصحيح حسب الاشتقاق اللغوي هو ( كلاسية ) ؛ لأن اللاحقة ( cal/ic ) هي نسبة للشيء فقط . فلماذا عند الترجمة حذفت ( كية ) من عدة كلمات ومصطلحات مشابهة ) linguistic , anthropological , sociological , Ethnic ,informatic , phonetic   ) ، ولم تحذف من كلمة ( كلاسيكية ) ؟ لماذا لا نلحن في هذه المصطلحات ؟ فنحن لا نقول ( لسانكية ، إنسانكية / إناسَكية / أنامِكية ، اجتماعكية ، عِرقكية ، معلوماتكية ، صوتيكية . أليس هناك ميزان صرفي اتفاقي معمم ، واشتقاق رصين من الجذر اللغوي ( etymology ) لهذه الكلمات ؟ ألا يعد هذا الزلل عبارة عن تسيب لغوي ؟
اللساني الذي ينفخُ في صُورِ الأخطاء
   إنَّ الأدهى والأمَرَّ أن تجد أئمةً يصلُّون بالناس ، حيث يتْلُونَ آياتٍ بيِّناتٍ من التنزيل المَصُونِ ، فيرْفَعُونَ المنصوبَ ، وينصبون المرفوعَ ، وهو ما يقلب المعنى الربَّاني رأسًا على عقبٍ ...تلا الإمام قولَه تعالى : (( حتى إذا جاء أحدُكُمٌ الموتُ ) ، فأين الفاعل ، وأين المفعول ...؟؟؟؟ وما المعنى المستخلص من هذه التلاوة اللاحنة . يقول سبحانه ( وَرَتِّلِ القرآنَ تَرْتِيلاً ) ؛ أي ردِّدْهُ وجوِّدْهُ بأحكامه وقواعده ( صوتيًّا ، صرفيًّا ، نحويًّا ، معجميًّا ، دلاليًّا ، مقاميًّا وسياقيا(  contextual) ...قد يُولِجُنَا اللحن في الشرك والمُحرَّمات والهفوات التي لا تغتفر ...إن المعنى القرآني هو جزء من الإعراب بكل علاماته الأربع ( الضمة ، الفتحة ، الكسرة ، السكون ) ، ولا يجب التهاون أو الاستخفاف بذلك.
    يستعمل أناسٌ كثيرون الفعل ( استخدم ) كمرادف للفعل ( استعمل ) ، والاختلاف بينهما كبير . فالفعل ( استخدم ) للخدمة والخادمات والخدم في الأشياء البسيطة الجزئية ، والمنزلية . أما الفعل ( استعمل ) فهو للأعمال الكبرى والمهمات الإصلاحية والقيادية ( دينية ، سياسية ، اقتصادية ، فكرية ) . فلا نقول : استخدم المعلم فكره ، بل استعمل ، أو أَعْمل ...الخ .
   نجد ملأً مثقفا أو إداريا لا يفرق في كتابات رسائله أو طلباته بين الفعل ( أمل ، التمس ، رجا ، طلب...) . يستعمل الفعل ( أمل / تمنى ) لأمر لا يتحقق باستمرار . يكون أحيانا مضمرا باستعمال الأداة ( ليث ) ، وهو مقترن بالكسل ، وانعدام الجهد .أما الفعل ( أرجو ) ففيه جهد وتوكل ، ويتم حصول الأمر المرجو باستمرار . قد نوظف الأداة ( لعلَّ) لتبلور الفعل المقدر. فهل في طلباتنا نقول : أتمنى / آمل أم أرجو ؟ نميز بين الفعلين من خلال المثال التالي : 
أ     _    يتمنى أن يكون له مشروع اقتصادي يأخذ من ريعه أموالا طائلة ( لا يتحقق ) .
ب    _    يرجو أن يكون له مشروع اقتصادي يسهر عليه ويجني أرباحه ( جهد متحقق ) . 
  لا يفرق بعضهم بين الفعل ( اعتقد : يقين ثابت ) ، والفعل ( ظن : شك / ريب ) . نقول : أعتقد أن الصيام نافع ، ولا يجوز أن نقول : أظن أن الصيام نافع ، فلا نشك في منفعة الصيام في هذا الشهر الكريم . 
   إن الصيغ اللغوية ( يتميز عن غيره ) و ( ويتميز بصفات حميدة ) ، وقوله تعالى ( تكاد تميز من الغيظ = تتميز من ) كلها بنى لغوية صحيحة تخضع لسياقات ومقامات خاصة .
الأخطاء اللغوية في وسائل الإعلام العربية المعاصرة 
    يردد بعض الإعلاميين العرب المعاصرين كتابيا وشفويا هذه الجملة : (( تأكدت من الخبر )) ، والصحيح هو : (( تأكد الخبر لي )) ؛ فالتأكيد يكون للأشياء ، وليس للأشخاص . 
   نجد القول التالي مستعملا في عدة منابر إعلامية عربية : (( قتل العدو المرأة الأسيرة )) ، والقياس السليم هو أن اسم المفعول ( الأسير ) يكون على وزن ( فعيل ) ، ويتطابق فيه الجنسان ، حيث نعامل الاسم الموصوف المذكر والمؤنث بالطريقة عينها (( هذا جندي أسير ، وهذه امرأة أسير )) .
  يتكرر كثيرا قول بعض الإعلاميين العرب المعاصرين : (( أدت الحرب بهم إلى الدمار )) ، والصحيح هو : (( أدت الحرب الدمار إليهم )) . نجد ذكرا حكيما مماثلا في سورة النساء ، الآية 58 : (( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعماً يعظكم به إن الله كان سميعاً بصيراً  )) . 
   نصادف القول التالي في عدة محافل صحافية : (( ينبغي له ألا يسافر )) ، والصحيح هو : (( لا ينبغي له أن يسافر )) لقول البارئ جل وتعالى في سورة مريم ، الآية 92 : (( وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولداً  )) . 
  نعانق القول التالي في عدة سياقات ومقامات إعلامية ونصية متنوعة : (( يتوه المسافر في الصحراء )) ، والصحيح هو : (( يتيه المسافر في الصحراء )) . يقول سبحانه في سورة المائدة ، الآية 26 : (( قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين  )) .
   نجد في بعض وسائل الإعلام هذا القول : (( نتأمل من الوزير خيرا )) ، والصحيح : (( نأمل من الوزير خيراً )) ؛ لأن معنى الفعل ( تأمل ) يعني ( حَدًقَ / أمعن النظر ) أو ( تدبر / تفكر / نظر مليا ) .
   يذكر بعض الإعلاميين في عدة منابر هذا القول : (( الخطر بعيد عنا )) ، والصحيح هو: (( الخطر بعيد منا )) . يقول جلت قدرته في التركيب نفسه في سورة هود ، الآية 83 : (( مسومة عند ربك وماهي من الظالمين ببعيد )) ، كما نجد قوله سبحانه في السورة نفسها ، الآية 89 : (( ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد )) . 
نصادف أيضا القول التالي في عدة منابر صحافية : (( نعيد عليكم قراءة الأخبار الآنفة الذكر )) ، والصحيح هو : (( نعيد عليكم قراءة الأخبار المذكورة آنفاً )) ؛ أي من وقت قريب . يقول جل وعلا في المنحى ذاته في سورة محمد ، الآية16 : (( : ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفاً أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم )) .
   يرد في بعض وسائل الإعلام هذا القول : (( جلس على يمين فلان )) ، والصحيح هو : (( جلس عن يمين فلان )) لقوله جل علاه في سورة سبأ ، الآية15 : (( لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزقكم ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور((   .
  نصادف أيضا قولهم : (( أجلى العدو عن المدينة ... )) ، والصحيح : (( أجلى العدو السكان عن المدينة )) ؛ لأن الفعل ( أجلى ) فعلٌ متعدٍّ يحتاج إلى مفعول .
نسمع قول بعض الإعلاميين : (( لا طاقة لي على هذه المهمة((  .
، والصحيح القويم ، السليم : (( لا طاقة لي بهذه المهمة )) لقول الله سبحانه في سورة البقرة ، الآية 249 :(( قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين )) ، ونجد دليلا قاطعا آخر في السورة عينها ، الآية 289 : (( ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين )).
يرد في بعض نشرات الأخبار قول المذيع أو المذيعة : (( اعتذر الوزير عن الحضور)) ، والصحيح : (( اعتذر الوزير عن عدم الحضور )) ؛ لأنه إن أعتذر عن الحضور يكون قد حضر وحضوره لا يدعو إلى الاعتذار.
  نجد التعبير التالي عند بعض الإعلاميين العرب المعاصرين : (( أحبذ هذا العمل )) ، والصحيح (( استحسن / أفضل هذا العمل )) ، لأن القياس السليم هو أن ( حب ) فعل ماضٍ جامد للمدح و ( ذا ) اسم إشارة فاعل ، والفعل الماضي الجامد لا يصاغ منه مضارع ولا أمر ، لذلك لا يجوز قولنا : (( علي يحبذ المطالعة ) أو ( يا عليا حبذ المطالعة ) .
   يستعمل بعض الإعلاميين القول : (( استغاث بجيرانه )) ، والصحيح : (( استغاثَ جيرانَه )) لقول رب العزة في سورة الأنفال ، الآية 9 : (( إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين  )) .
    يقول بعض الصحافيين : (( اعتقد بصحة القضية )) ، والصحيح هو : (( اعتقد صحة القضية )) ؛ لأن الفعل ( اعتقد ) يتعدى بنفسه من دون حرف الباء .
نصادف التعبير التالي : (( وجدنا على الباب حارسا )) ، والصحيح هو : (( 
وجدنا لدى الباب حارسا )) . يوظف البارئ سبحانه في سورة يوسف ، الآية 25: تركيبا مضارعا (( واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر وألفيا سيدها لدى الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً إلا أن يسجن أو عذاب أليم )) .
    نعانق بين طيات بعض الأقوال والنصوص العربية القول : (( عود على بدء )) ، والصحيح ، (( عود إلى بدء )) ، لأن القياس اللغوي السليم هو : (( عاد  إلى )).
والملاحظ هنا : أننا قد اتخذنا القرآن الكريم مقياسا لغويا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ؛ لكي نجتنب عناد وتبجح وتطاول بعض العقول المصابة بالخواء الفكري والجهل ، خاصة عندما أبرزنا أن أسماء بعض بناتنا مثل : (( رانية ، دانية ، لينة ... )) لا يجب أن تكتب بالألف الطويلة ( الممدودة ) : ( رانيا ، دانيا ، لينا ...) ، فلا معنى لها ...واعترض ملأ كثير دون قياس سليم وقويم ، ودون الرجوع إلى القواميس العربية الرصينة ...، وحدث الأمر عينه بالنسبة للجمل التالية : ( الجنسية مصرية ، ليبية ، مغربية... ) ، و( اختصاصي / مختص / متخصص ...فأجابني أكثرهم عنادا : (( لقد تعودنا على هذه الأخطاء الرائعة : الجنسية مصري ، ليبي ، مغربي ، إعلان هام ، إخصائي ....)) ، كما ثرثر بعضهم في هذا الموضوع من منظور سياسي وعرقي متعصب لا علاقة له باللسان العلمي الكوني universal )  ) القويم نحويا وصرفيا .
‎‏ الأخطاء اللغوية في ملصقات الإشهار والإعلام 
))  يَعِيشُ اْللِّسّانِيُّ اْلعّرَبِيُّ شَقِيًّا وَيَمُوتُ مَهْمُومًا مَغْمُومًا بِمَعِيَّةِ قَوَاعِدِهِ اْلاِتِّفَاقِيَّةِ اْلسَّلِيمَةَ فِي وَسَطٍ عَنِيدٍ قَدْ تَعَوَّدَ عَلَى اِرْتِكَابِ اْلهَفَوَاتِ وَاْلزَّلاَّتِ عَمْدًا )) 
                                أ . د . عبد الجليل غزالة .
   منذ ثلاثين عاما ونحن نعايش ونصحح دون كلل أو ملل عدة أخطاء وزلات لغوية يرتكبها أصحاب بعض المحلات التجارية عند كتابتهم للملصقات ، وكاتمو السر العاملون في عدة إدارات ومؤسسات محلية عند تحريرهم للرسائل المتنوعة وتعبئتهم للأوراق المختلفة ، وأولياء الأمور الذين يدعون هذه الهفوات تعشش في بطاقاتهم ووثائقهم العقارية والعائلية ، و نفر من المربين والمربيات الذين يتواطؤون عليها ويقبلون تكرارها في المقررات الدراسية . نقدم في هذا العمل بعض العينات القليلة : 
أولا ) أخطاء عند أصحاب المحلات التجارية : 
أ _ قد تستوقفك عدة لوحات أو ملصقات كتبها أصحاب المحلات التجارية للإشهار أو الإعلان عن نوع التجارة التي يعرضونها على الملأ ، وأغلب هذه اللوحات أو اللافتات تناصب همزة القطع والوصل العداء : ( الاطفال = الأطفال ، الامل = الأمل ، الاخوة / الأخوة = الإِخْوة / الأُخُوَّة ، الإنتصار = الانتصار ، الإستشفاء = الاستشفاء ، إستلام الزكاة = استلام ، الإشتراك = الاشتراك ...) ، حيث لا تجد لهاتين الهمزتين أية قاعدة قياسية تذكر ، أو أية مراجعة لغوية متخصصة ، أو أية دراية للكاتب / الخطاط باللغة الموظفة ...
ب _ تشيع كثيرا كتابة ضمير المخاطبة ( أَنْتِ ) في بعض الملصقات التجارية بالياء ( لَكِ أَنْتِي !!! ) ، وقد تكتب ( لَكِ ) بهذه الإملاء ليقع الخلط بين ( لَكِي = لِكَيْ(!!!!! .
ج _ نجد بعض التجار ينسب الأشياء إليه كمتكلم ( ملابس أطفالي رجالي = أطفالي ، وكأن كل الأطفال والرجال هم ملك له ونسبة إليه كمتكلم ، والصحيح : ( ملابس للأطفال والرجال(  .
ج _ يجمع بعض التجار من خلال محل واحد وباب أو مدخل واحد كلمة ( محل ) على ( محلات ) دون وجود أي مبرر قياسي صادر عن الخليل / أو سيبويه ، أو تزكية من ( أرباب اللغة ) في البلاد . 
د _ نجد المفردة المعجمية ( اْلقُطَّاعِي !!!) مستعملة كثيرا عند بعض أرباب المحلات التجارية ، فلماذا هذه النسبة ؟ ؛ لأن الثنائية اللغوية السليمة هي : ( البيع بالجملة / البيع بالقطعة ) . نجد أحيانا جلمة مضارعة رصينة ( البيع بالتقسيط ) ، ولا يوجد قياس / سماع اتفاقي عربي مقعد( grammatical  )  للنسبة لكلمة ( قطَّاعِي !!!) .
  والحقيقة أن العمل الجيد واللساني المنطقي يتطلب إحالة ( مسودَّة ) هذه الملصقات وتخطيطها الأولي إلى أرباب الاختصاص ؛ لأنها تثير الاستخفاف والجهل المميت . 
ثانيا ) الأخطاء اللغوية في الإدارات المحلية :
أ _ لا يتقن أغلب من يطبع رسالة ، أو تقريرا ، أو يملأ بعض البيانات الإدارية كتابة همزة الوصل أو همزة القطع ، وكذلك صياغة العمل بلسان مبين ، وعدم التمييز بين الاسم الناقص ( مهدي ، علي ، وجدي ، قاضي ...) والاسم المقصور ( هدى ، مهى ، مرتضى ، نجوى ، سلوى ... ) ، حيث تكتب هذه الأسماء دون ياء ( على السالومي ) . فما الفرق هنا بين الاسم والحرف ( علي / على ؟؟؟) . قد يصبح حرف الجر ( إلى = إلي ) ، والفعل ( يَقْوَى = يَقْوِي !!! ) ، والحديث ذو شجون هنا ، ونجد الزلل عينه في بحوث الطلاب .... 
ب _ لا يتم احترام حكم العدد ، أو تمييز العدد ، حيث نجد في عدة وثائق الجملة التالية : (( لقد تم قتل عدد (  50) جندي )) : لا داعي لكلمة ( عدد ) ، لأنه سيتم تضمينها في الرقم ( خمسين ) ، وكلمة جندي غير معربة ...الخ . والقول العربي القويم هنا هو : (( لقد تمَّ قتلُ خمسين جنديًا  )) .
ج _ تملأ الصكوك ( بعضهم يسميها شيكات ، وهو اسم أجنبي دخيل ) بالجمل التالية :
_ ادفعوا ( فعل أمر + الفاعل ) مقابل هذا الصك ( خمسون = خمسين : لابد من اسم منصوب بعد الفاعل ... ونجد في المنحى نفسه : (( فقط سبع مائة دينار لا غير )) ...وهي صيغة لا حنة : فلا نستعمل كلمة ( فقط ) في بداية الجملة العربية ، ولا نجد كلمة ( لا غير) في اللسان العربي القويم ، والصحيح : ( سبع مائة دينار فقط(    ...
الأخطاء اللغوية في غربال لساني ساخر
أولا ) مجادلة بيني وبين الخطيب :
   كنا نحضر باستمرار خطبة كل يوم جمعة . كان الإمام زميلا لنا في سلك التربية والتعليم منذ عشرين سنة خلت . يردد هذا ( الفقيه ) التقي النقي دون كلل أو ملل لازمة دينة لا حنة : (( مُحَمَّدٌ خَاتَمُ اْلأَنْبِيَّاءِ )) . أبرزنا له مرارا وتكرارا أن كلمة ( خَاتَمُ ) ليست صحيحة هنا صرفيا ودلاليا من خلال جميع الأقيسة اللغوية الأصولية  grammatical  )  ) . أما كلمة ( خَاتِمُ ) فهي اسم فاعل مشتق من فعل ثلاثي يدل على حدث مقترن بزمن الماضي ( خَتَمَ / فَعَلَ ) ؛ أي أنهى وأتم ، وأقفل سلسلة المرسلين . فهذا الاسم على وزن ( فاعل / خاتِمٌ ) . لكن كلمة ( خَاتَمُ ) هي اسم مصدر ، ولا تفي بالقصد الدلالي القويم هنا . 
كان يرد علينا كل مرة معترضا ومتماديا في تكرار الخطأ ذاته : (( الأمر سيان ، ولا فرق بين الكلمتين .  (( 
والحقيقة أن قوله : (( مُحَمَّدٌ خَاتَمُ اْلأَنْبِيَّاءِ )) يدل على أن محمدا يعد عبارة عن نوع من الحلي والمجوهرات ( ، خاتم ، خلخال ، قرط ، دملج ، عِقد ، إسورة ، مشبك ...) . فهل هذا هو المعنى المقصود يا إمامنا _ التقي النقي ، والإسوة الحسنة ؟ 
ثانيا ) من رحم العمل الأكاديمي :
    صادفنا مرارا وتكرارا أثناء تصحيحنا لأوراق امتحانات الطلبة ، وكتب بعض الباحثين والمبدعين ، وعدة دراسات مقدمة للتحكيم من طرف أكبر وأشهر المجلات العربية ، أو معدة للترقية القول التالي اللاحن :
  (( هو يعمل بدون رغبة ))  .
   كنا نصحح هذا القول بقولنا : (( هو يعمل دون / من دون رغبة )) . فلا نجد في القياس العربي الاتفاقي كلمة ( بدون ) ؛ لأنها تقربنا صوتيا ومعجميا ودلاليا من ( بيدون / جالون ، أو مرادفاتها الحقلية ( خابية ، برميل ، جرَّة ، قُلَّة( ... .