الملتقى الثاني للمترجمين العمانيين

عاصم الشيدي

 

أكد معالي الدكتور أحمد بن محمد السعيدي وزير الصحة إن وزارته مستعدة لدعم ترجمة المنشورات الصحية العلمية، مؤكدا أنه على استعداد، أيضا، لدعم أي جهود من أجل إشهار جمعية للمترجمين.

وأكد معاليه خلال رعايته صباح أمس النسخة الثانية من ملتقى المترجمين العمانيين الذي تنظمه شركة تنمية نفط عمان إن أهمية الترجمة تكمن في كونها أحد إنجازات الحضارة الإسلامية مشيرا إلى أن دور الترجمة لا يكمن فقط في نقل المعارف فقط، على أهمية ذلك، ولكن لها دور اقتصادي وتعليمي.
وقال السعيدي الذي أكد اهتمامه الشخصي بالترجمة، إن شركة تنمية نفط عمان التي تنظم هذا الملتقى، رغم أنه ليس في صميم عملها، يأتي من إدراكها لأهمية هذه التراجم، مشيرا أن هذا ليس غريبا على شركة تنمية نفط عمان إذا ما عرفنا أنها أصدرت في عام 1968 نشرة إعلامية باللغتين العربية والإنجليزية.
وأضاف الوزير أن حماس المترجمين الشباب وبما يملكونه من طموح سوف يثمر الكثير. وناشد معاليه وسائل الإعلام لتبرز دور المترجمين العمانيين في المشهد المحلي ليس فقط بنشر المقالات التي يترجمونها ولكن بالحديث عن هذا الدور الحضاري الذي يقومون به.
وكانت النسخة الثانية من ملتقى المترجمين العمانيين قد أقيمت أمس في فندق جولدن توليب تحت عنوان «ترجمة الكتاب في سلطنة عمان». وقدم خلال الملتقى الذي استمر يوما واحدا فقط 7 أوراق عمل تضمن بعضها الحديث عن تجارب شخصية في مسيرة ترجمة الكتب.
وفاجأ الملتقى الحضور بإحصائية تشير إلى أن عدد الكتب التي ترجمها المترجمون العمانيون تبلغ 140 كتابا فقط خلال أكثر من نصف قرن، حيث بدأت الإحصائية من ستينات القرن الماضي.
ويأتي الملتقى متزامنا مع اليوم العالمي للترجمة الذي يوافق يوم 30 سبتمبر من كل عام.
وفي بداية الملتقى قال المهندس عبدالأمير بن عبدالحسين العجمي المدير التنفيذي للشؤون الخارجية والقيمة المضافة بشركة تنمية نفط عمان «من الملفت تنامي المشهد الترجمي في البلاد، بدءا بازدياد عدد البرامج الأكاديمية المختصة بالترجمة، وما يعقبها من مـخرجات وكوادر ترفد السوق الوطنية، وليس انتهاء بالإصدارات المترجمة التي تدخل المكتبة العمانية كل عام، في مظهر يبشر بنجاح الجهود التأسيسية لهذا القطاع الحديث نسبيا في السلطنة».
وطرح العجمي سؤالا: أنّى لشركة معنية باستكشاف النفط والغاز وإنتاجهما أن تنظم ملتقى حول الترجمة؟ ما الرابط بين النفط والترجمة؟
وعاد العجمي ليجيب عن سؤاله بنفسه. أولا: إن الشركة تعد أول مؤسسة في البلاد تصدر نشرة ثنائية اللغة ـ تحديدا في مايو 1968 ـ وهي نشرة «أخبار شركتنا»، ومنذ ذلك الحين أصدرت الشركة نحو عشر مطبوعات وكتب مترجمة.
وأضاف: ثانيا الجواب يكمن في هذه الكوادر الشابة ذاتها؛ فالشركة وإن كانت متخصصة في عمليات النفط والغاز إلا أنها تضع نصب عينيها دائما شباب عمان الأوفياء.. تأخذ بأيديهم، وتصقل مهاراتهم، وتمكنهم من المضي قدما، وتجاوز التحديات مهما اختلفت تخصصاتهم، بل حتى وإن كان ذلك خارج قطاع النفط والغاز، وفاء بمسؤوليتنا الاجتماعية، وترجمة حية لرؤيتنا بأن «يشار إلينا بالبنان بما لدينا من مواهب بشرية متميزة وما نحققه من فوائد لعمان وأهلها وذوي الشأن».
وقدم يعقوب بن ناصر المفرجي كلمة الملتقى التي استهلها باقتباس من الدكتور عبدالله الحراصي المنشور في العدد الأول من ملحق الجسر الذي كان يعنى بالترجمة «إن الجسر الذي نفرح اليوم بتشييده ملفاً ثقافياً، ينبغي أن يقودنا في ضفته الأخرى إلى «مصنع الترجمة العماني» الذي ينبغي أن نشيّده في أسرع وقت قبل فوات الأوان».
ويقول المفرجي إن بين سبتمبر 2007 حيث صدر العدد الأول من ملحق الجسر وبين سبتمبر 2017 حيث تقام النسخة الثانية من ملتقى المترجمين 10 سنوات حافلة بالندوات والمؤتمرات وبالمخرجات المتوالية من الكوادر الشابة التي تقدح في مجملها جذوة «مصنع الترجمة العماني» الحالم، وإن شاء الله لا تضيق البلاد على أحلام الرجال /‏‏ أو قل أحلام المترجمين والمترجمات.
وتحدث المفرجي في كلمة عن التحديات التي تواجه الترجمة في السلطنة مشيرا إلى ثلاثة تحديات أساسية وهي عدم وجود «مؤسسة» تعنى بالترجمة وتنظيمها وتقنينها، وتجمع المترجمين تحت مظلتها لتوحيد جهودهم، والافتقار إلى قواعد البيانات الضرورية للخروج من بوتقة الرؤية الرومانسية للترجمة بوصفها وسيلة لتلاقح الحضارات، إلى كونها رافدا من روافد الاقتصاد الوطني، ووجود قدر كبير من الكتب والمقالات والدراسات الأجنبية التي تناولت عُمان، والتي، أولا: لا تزال تنتظر من يترجمها إن كانت تستحق الترجمة طبعاً، وثانياً وهو الأهم: لا توجد إحصائية بها.
ثم تساءل المفرجي لماذا ملتقى المترجمين العمانيين؟ ثم أجاب على سؤاله: يمكن لأي منا أن يرسم ما يشاء من طموحات وإيجابيات ومنافع لهذا الملتقى، ولكن الشركة تهدف إلى تحقيق 3 أهداف؛ الأول: رفد الشباب العماني من المترجمين والمترجمات بالفرصة المثلى لطرح أوراق العمل، وتشجيعهم على المساهمة في إعداد الدراسات في مجال الترجمة، في جو علمي تكاملي تفاعلي. أما الهدف الثاني فهو كما يقول المفرجي: اخترنا اللغة العربية لغة للحوار لأن ندوات الترجمة في عمان درجت – في الغالب – على استخدام اللغة الإنجليزية، بينما نرى ضرورة تمكين العربية، حتى نكسر ذلك الحاجز الزائف بين المترجم العماني ودراسات الترجمة.
أما حول سبب اختيار موضوع «ترجمة الكتاب» موضوعا رئيسا للملتقى فيعود إلى توالي المبادرات الفردية أو شبه المؤسسية في ترجمة الكتب في السنوات القليلة المنصرمة؛ فبدا من المناسب تماماً تسليط الضوء على هذا الجانب.
وفي الجلسة الأولى من جلسات الملتقى قدم أحمد بن حسن المعيني المحاضر بكلية العلوم التطبيقية بصحار عرضا شخصيا لتجربته في ترجمة الكتب. وأكد المعيني على أهمية عرض التجارب الشخصية بنفس أهمية التأطير النظري للترجمة.
وبدأ المعيني حديثه بتساؤل جوهري.. لماذا الكتب العمانية المترجمة قليلة؟ ورغم أن المعيني لم يطرح إجابة حاسمة على هذا السؤال إلا أنه قال إن قنوات النشر اليوم متوفرة من خلال وجود دار نشر عمانية تدعم الكاتب العماني وتدعم كذلك المترجم العماني وهي بيت الغشام، إضافة إلى وجود النادي الثقافي والجمعية العمانية للكتاب والأدباء ومجلس البحث العلمي الذين يدعمون نشر مثل هذه الكتب المترجمة.
وقال المعيني الذي صدرت له 5 كتب مترجمة إضافة إلى مشاركته في ترجمة كتب أخرى وموسوعات إن أهم الحلول التي كنا قد اقترحناها هو أن تكون هناك مشاريع تخرج لطلاب قسم الترجمة بحيث يطلب من كل طالب أن ينجز ترجمة كتاب مع نهاية دراسته، والطالب الذي يتخرج ولديه كتاب مترجم سيفرق الأمر معه كثيرا وسيكون دافعا له لترجمة كتب أخرى.
إلا أن هناك من قال إن هذه الكتب تحتاج إلى شراء حقوق من أجل أن يقوم الطالب بترجمتها ولا يمكن للطالب شراء تلك الحقوق ولكن المعني رد بأن هناك كتبا كثيرة سقطت حقوقها وصارت متاحة للجميع. وتحث المعيني عن تحديات تواجه المترجمين ومن بينها أن أصحاب دور النشر يعتمدون على مترجمين معتمدين لديهم ومجربين ولا يحبون تجربة مترجمين جددا إلا في حالات نادرة وعلى المترجم أن يتنازل عن الكثير ويبحث وراء دور النشر التي يمكن أن توقع معه عقود ترجمة كتابه الأول. ورغم تأكيده على أن لدور النشر دوائر ضيقة جدا في تعاملها مع المترجمين وليس من السهل الدخول لتلك الدوائر إلا أن من يدخلها وينجح في تجربته الأولى ليس من السهل عليه الخروج.. والسؤال المهم كيف تدخل لتلك الدائرة؟ واستخدم المعيني كلمة لا بد أن «تذل» نفسك وتبعث رسائل كثيرة وتنتظر فترات طويلة قبل أن يأتيك رد وقد لا يأتي أبدا.
ثم تحدث المعيني عن الأجور التي سوف يصدم بها مترجم الكتب العماني.. وقال المعيني إن المعدل المتعارف عليه في السلطنة أن يحصل المترجم على مبلغ يتراوح بين 40 إلى 50 ريالا عن ترجمة كل 1000 كلمة، فيما يحصل مترجم الكتب على مبلغ 32 دولارا، (دولارا وليس ريالا)، عن كل 1000 كلمة وهذه أولى المفاجآت قد تواجه مترجم الكتب. كما أكد المعيني أن المترجم لا يحصل على أي عائد من عوائد بيع الكتاب الذي قام بترجمته، وربما يتكرم عليه صاحب دار النشر ويعطيه خمس نسخ مجانية من الكتاب بعد صدوره. وقال المعيني إن أجور ترجمة الكتب في دول الخليج متدنية، رغم أنها جيدة في دولة الكويت وفي دولة الإمارات العربية المتحدة.
كما يواجه المترجم أيضا سلطة المحرر وسيفرض عليك أسلوبا معينا في ترجمة بعض المصطلحات كما يقول المعيني.
ووجه المعيني نصيحة للراغبين في ترجمة الكتب أن لا يقبلوا التوقيع على شرط التنازل عن حقوق الترجمة لصالح دار النشر معتبرا أن هذا الشرط الذي يورده بعض الناشرين غير قانوني.
كما قال المعيني موجها حديثه للمترجمين المبتدئين أن لا يقبلوا بترجمة إي كتاب، لا بد للمترجم أن يكون له رأي في نوعية الكتاب الذي يترجمه.. لأنه في النهاية هذا مشروعك.
بعد ذلك تحدثت المترجمة شيخة بنت محمود الجساسية عن ترجمة التطبيقات والمواقع الإلكترونية. إلا أن الجساسية بدأت حديثها بمدخل استعراض تجربتها الذاتية والتحديات التي واجهتها باعتبارها كفيفة.
ومنذ البداية قالت الجساسية إنها تعتبر الترجمة «خدمة إنسانية» ومن هذا المنطلق تسير في طريق الترجمة.
ومنذ البداية واجهت الجساسية تحدي توفر الكتب، معتبرة أن الترجمة تحتاج إلى قراءة، إضافة إلى كون القراءة حق للجميع لكن الكتب المكتوبة بلغة برايل للمكفوفين نادرة، إضافة إلى تحد آخر متمثل في اعتقاد سائد أن الكفيف لا يمكن أن يتعلم اللغة الانجليزية لكن هذا التحدي تلاشى أمام الإصرار وأمام مساعدة أساتذتي في الجامعة.
وتضيف شيخة الجساسية: التكنولوجيا اليوم سهلت الأمر من خلال قارئ الشاشة رغم أن هذا غير متوفر كثيرا في كتب اللغة العربية. ومن التحديات التي واجهت شيخة أن المدرسين كانوا يعطونها أوراقا مصورة عليها نصوص تحتاج إلى ترجمة، ولما كانت كفيفة ولا تستطيع قراءة المكتوب فكانت هذه أحد التحديات التي واجهتها ولكنها تجاوزت تلك المرحلة. ومن المواقف التي تحدثت عنها الجساسية أنها خاضت في عام 2014 تجربة الترجمة الفورية إلا أنها لم تستطع الصمود في تلك المحاولة إلى النهاية وعادت وجلست على الكراسي إلى جوار الحضور وسمعتهم يتحدثون عن سوء الترجمة الفورية دون أن يعرفوا أنها هي التي كانت تترجم.. وتقول كان الأمر صعبا عليّ ولكن أيضا تجاوزت تلك المرحلة. وتواصل الملتقى بتقديم أوراق أخرى تحدثت عن الترجمة الفورية بين الواقع والطموح في السلطنة قدمها عبدالله بن سعيد العجمي، وورقة عن الترجمة في السياق القضائي قدمها محمد بن هلال الحجري.
وفي الجلسة الثانية قدمت ثلاث أوراق عمل بدأت بورقة قدمها الشاعر حسن المطروشي الذي تحدث عن «الترجمة بدافع المسؤولية: تجربتي في ترجمة كتابي «اقتصاد المعرفة» ومذكرات رجل عماني من زنجبار».
كما قدم أيمن بن مصبح العويسي ورقة بعنوان «دور الترجمة في العلاقات الخارجية: دراسة لعهد السيد سعيد بن سلطان» واختتمت أوراق العمل بتقديم ورقة بعنوان «الأدب في لغة الحوار بين العربية والإنجليزية».
 

عُمان