التّفكير التّأمليّ والقراءة

د. نوال بنت سيف البلوشية

 

يُعدّ العقل من أعظم النِّعم الّتي وهبها الله سبحانه وتعالى على بني البشر،  به يكون التّفكير و التّفكّر،والتّأمّل والتّدبّر، في مختلف شؤون الحياة وتصاريفها. وقد كان العقل والتّفكير محلّ اهتمام الفلاسفة والمفكرين، أمثال: أرسطو ( Aresto)و ديوي ( Dewey) الَّذِي نادى دراسة التّفكير بطريقة منطقيّة، وحتى يتسنى

 لنا توضيح العلاقة بين التّفكير التّأمليّ والقراءة؛ كان من الضّروري أن نبيّن تعريف التّفكير أولاً لغة واصطلاحًا، بعدها توضيح مفهوم التّفكير التّأمليّ، وعلاقتها بالقراءة كونها المهارة الرّئيسة من مهارات اللّغة العربيّة . 
التّفكير لغةً واصطلاحًا
 ورد تعريف التّفكير في معاجم اللّغة، منها معجم الوسيط (2017 ) على أنّه: إعمال العقل في المعلوم 
للوصول إلى معرفة المجهول، يُقال: فكّر في مشكلةٍ؛ أي أعمل عقله فيها ليتوصل إلى حلّها.
أمّا اصطلاحًا: عرّفت فياض (٢٠١٥: ٣٥) التّفكير بأنّها: " عمليّة ذهنيّة منظمة وهادفة، يقوم بها الفرد عندما يواجه مشكلة تعترضه، وليس لها حلّ جاهز لديه؛ ما
 يدفع لتحليل هذه المشكلة إلى عناصرها الأساسيّة، وتحديد العلاقة بين هذه العناصر، وتوظيف ما لديه
 من خبرات ومعلومات سابقة وربطها بالخبرات الحاليّة؛ للاستفادة منها في حلّ المشكلة؛ ولإشباع رغباته
 واحتياجاته".
وعرّفها قشطة والنّاقة ( ٢٠١٦: ٣٧)بأنّه: " نشاط عقليّ معقد يقوم به الفرد لتوليد الأفكار وتحليلها ما يؤدي إلى توليد وتنظيم المعرفة العلميّة لديه لحل مشكلة ما".
نلتمس من التعريفين السّابقين؛ أنّ التّفكير عمليّة عقليّة تجري في الدّماغ بسبب تعرّض الإنسان للمثيرات.

أنواع التّفكير 
يذكر جمل (٢٠٠٥: ٢٩-٣٠) الوارد ذكره في دراسة قشطة والنّاقة؛ أن التّفكير يضم مجموعة من
 الأشكال منها: 
1- التّفكير التّصوري: استخدام وسائط رمزيّة للتعامل مع العالم الخارجي من أجل تكوين المفاهيم، ويرتبط هذا بقدرة الفرد على التّفكير المجرد.
2- التّفكير التّأمليّ:  يستخدم أحيانًا تحت اسم التّفكير لحل المشكلات أو التّفكير المنظم ويعتمد على عمليتين أساسيتين هما الاستنباط والاستقراء.
3- التّفكير الابتكاري: فيه يتمكن الفرد من الرّبط غير العادي للأفكار مما يحقق نواتج جديدة
 تظهر في معالجة المشكلات والمواقف المختلفة.
4- التّفكير الاستدلالي: يقوم على استنتاج صحّة حكم معين من أحكام أخرى.

5- التّفكير الاستبصاري: وهو ذلك التّفكير الَّذِي يصل فيه الفرد الحلّ فجاءة من خلال التّفكير الجاد بالمشكلة وادراك العناصر فيها والعلاقات حتى تأتي مرحلة الاستبصار.
وقد صُنّف الدّارسين مهارات التّفكير إلى أنواع عدّة منها:
١- مهارات جمع المعلومات وتنظيمها.
٢- مهارات معالجة المعلومات وتحليلها.
٣- مهارات توليد المعلومات.
٤- مهارات تقييم المعلومات.
٥- مهارات التّفكير فوق المعرفي .

ويعدّ التّفكير التّأمليّ من أنواع التّفكير فوق المعرفيّ، إذ يمتلك الفرد به مهارات التّفكير العليا والمعرفيّة بحيث يكون أكثر مرونة في التّكيّف مع المشكلات الحياتيّة العلميّة والعمليّة. 
فقد عرّف الدّارسين مهارات التّفكير مثل جون ديوي بأنّه: تبصّر في الأعمال يؤدي إلى تحليل الإجراءات 
والقرارات والنّواتج من خلال تقييم العمليات الّتي يتم الوصول بها إلى تلك الإجراءات والقرارات والنّواتج.

التّفكير التّأمليّ 
وردت تعريفات كثيرة، للتّفكير التّأملي: عرّفها ديوي (Dewey) الوارد ذكره في دراسة العقلة ومحاسنة (2016)؛ أنّه التّبصر المعرفي في الأعمال الّذي يؤدي إلى تحليل الإجراءات والقدرات والنّتائج. 
وعرّفها بني عيسى، وسالم (2016: 10): بأنها: مجموعة الأنشطة العقليّة الّتي يمارسها الطّالب عندما يواجه موقفًا مثيرًا للدهشة والاستغراب، يريد أن يبحث له مخرج ناجح، فيُعْمِل فكره من خلال تحليل الموقف إلى عناصره، وبطرح الأسئلة، ويضع الإجابات لها، ويتأمل في الموقف ليصل إلى حلول مناسبة.

مهارات التّفكير التّأمليّ 
تعددت مهارات التّفكير التّأمليّ، مع الدّارسين وفق الزّاوية المتناولة في دراساتهم فقد حددها عبد الحميد الوارد ذكره في دراسة الفياض( 2016 )
١- الرّؤية البصريّة.
٢- الكشف عن المغالطات.
٣- الوصول إلى استنتاجات.
٤- إعطاء تفسيرات مقنعة.

مستويات التّفكير التّأمليّ
نستطيع من خلال مهارات التّفكير التّأملي، أن نحدد مستوياتها مثل ما وردت عند الدّارسين والمهتمين في
 مجال التّفكير التّأمليّ؛ فقد استطاع هاتون وسميث (Hatton& Smith) الوارد ذكره في دراسة قشطة والنّاقة ( ٢٠١٦: ٤٤):
1. العقلانيّة التّقنيّة:  وهي التّطبيق الفعّال للمعرفة التّربويّة لتحقيق غاياتٍ مسلَّم بها وليست محلّ 
تساؤل.
2. الوصف والتّأويل: وهي تحليل الافتراضات والقناعات الّتي تثوى وراء القرارات والخطط وربطها 
بالقيم والاتجاهات.
3. الحوار: يتضمن المداولة والفهم و وزن وجهات النّظر المتباينة واختيار البديل الأفضل.
4. التّفكير النّاقد: ويشمل تفكيك المقولات وإعادة بنائها ورؤية الأهداف والممارسات في ضوء المعايير الأخلاقيّة.
5. تأطير وجهات النّظر المتعددة: وضع العمل في سياق متعدد الجوانب، مع ما يترتب عليه من
 عواقب على كل سلوك يتخذ لأداء العمل.
أهمّيّة التّفكير التّأمليّ
تنوّعت أهمّيّة التّفكير التّأمليّ لدى الباحثين؛ أثر الزّاوية المتناولة فيها دراساتهم، وقد بيّنت( الفرا وحلس ٢٠١٦: ٢٨) تلك الأهمّيّة في نقاطٍ عدّة منها:
١- تساعد الفرد ربط المعرفة الجديدة بالفهم السّابق.
٢- تُنمي القدرات العقليّة من خلال تنشيط الذّهن أثناء التّأمل.
٣- تساعد على حلّ المشكلات بصورة إيجابيّة أثر تحليلٍ منطقيّ.
٤- تنظم طريقة تفكير الفرد وتضبط ممارساته العلميّة والتّعليميّة.
٥- تصقل شخصيّة الفرد وتكّون النّظرة الموضوعيّة في تقويم الأمور الحياتيّة 

علاقة التّفكير التّأمليّ بمهارة القراءة
لو تأمّلنا بعينٍ فاحصة في تعريف القراءة، لوجدنا أنّها مهارة تعتمد على عمليتين أساسيتين؛ أولهما: 
الاستجابة الفيزيولوجيّة لما هو مكتوب، وهي عمليّة آليَّة، وثانيهما: تفسير المعنى، وهي عمليّة عقليّة تشمل
 التّفكير والاستنتاج ( عمَّار:٢٠٠٢: ٩٥) إذا ربطنا التّفكير بالقراءة لوجدنا أنّ بينهما علاقة وطيدة كعلاقة
 السّبب بالنّتيجة؛ إذ لا يمكن تحقيق مهارة القراءة بدون إعمال العقل والفكر؛ أولاً: لترجمة تلك الرّموز الّتي
 خُطّت إلى معنى، ثانيًا: ترجمة المفهوم الشّفويّ فكريًّا؛ إلى مستويات التّفكير المختلفة:
المعرفيّة أو التّحليليّة أو التّقويميّة. 
من خلال التّوضيح السّابق لمفهومي القراءة والتّفكير تبيّن:
1. أنّ هناك مهارات عقليّة مركبة مشتركة بين مهارة القراءة والتّفكير، وبدائرة أضيق تتبيّن لنا علاقة التّفكير التّأمليّ الَّذِي يعتمد على مهارات التّفكير العليا كالاستنتاج والتقويم بمهارة القراءة الّتي  تعتمد  على عمليتين أساسيتين؛ أولهما: الاستجابة الفيزيولوجيّة لما هو مكتوب، وهي عمليّة آليَّة، وثانيهما: تفسير المعنى، وهي عمليّة عقليّة تشمل التّفكير والاستنتاج.
2. أنّ مهارات التّفكير التّأمليّ و مهارة القراءة مهارتين قابلتين للتدريب والتّطّور كغيرها من مهارات   اللّغة الأخرى.

المراجع
1. معجم الوسيط www.almaany.com/ar/dict/ar-ar استرجع 12/10/2017
2. عمّار، سام (2002). اتجاهات حديثة في تدريس اللغة العربية. بيروت: مؤسسة الرسالة.
3. العقلة، أحمد. محمد.، و محاسنة، أحمد. محمد. (2016). الذكاء الانفعالي وعلاقته بالتفكير التأملي لدى طلبة الجامعة (رسالة ماجستير غير منشورة). الجامعة الهاشمية، الزرقاء. مسترجع من http://search.mandumah.com/Record/817654
4. قشطة، آ. خ. إ.، و الناقة، ص. أ. ع. (2016). أثر توظيف استراتيجية التعلم المنعكس في تنمية المفاهيم ومهارات التفكير التأملي بمبحث العلوم الحياتية لدى طالبات الصف العاشر الأساسي (رسالة ماجستير غير منشورة). الجامعة الإسلامية (غزة)، غزة. مسترجع من http://search.mandumah.com/Record/769113
5. بني عيسى، ج. ف. م.، و سالم، ع. أ. (2016). فاعلية برنامج تعليمي محوسب قائم على الوسائط المتعددة في تنمية مهارات التفكير التأملي والتحصيل لدى طلبة الصف العاشر في مادة الكيمياء في الأردن (رسالة دكتوراه غير منشورة). جامعة أم درمان الاسلامية، أم درمان. مسترجع من http://search.mandumah.com/Record/789302