المقامة المدرسية

عمر الحسني


حدثنا عيسى بن هشام قال: دعاني أحد الحجاج المغاربة لزيارته في بلده المغرب لما قفل عائدا من موسم الحج، فعزمت على زيارته في موسم الدراسة، حيث يشمر المعلمون عن سواعدهم في سعي ونبوغ، ويسرع الصبيان والولدان إلى المدرسة، ينشدون العلم والمعرفة.

وقد صادفت في زيارتي لهذا البلد أن وجدت معلم صبية، يعلمهم سورة "لا أقسم بهذا البلد، وأنت حل بهذا البلد، ووالد وما ولد"، ولهول ما رأت عيناي، لم تقو على حملي رجلاي، فتوكزت على عكازي، أطلب استفاقة من هول الصدمة. إني وجدت في المدرسة معلما تكالب عليه طلابه، وهم يشدون بتلابيبه، فواحدهم يعضه من أذنه، وثانيهم يجره من رجله، وثالثهم يرفسه أرضا، ويكنس بوزرته طولا وعرضا، ورابعهم خلع عنه نعله وهو يلعنه، وخامسهم وسادسهم كلبهم يشق وجهه. وحسب كل منهم أن لم يره أحد. فعجبت لهؤلاء الصبية بالمغرب أصبحوا كالوحش والنعم في المَسْرَب، لا يوقرون معلمهم، وليس منهم من بالأدب تحلَّى، ولا بالمروءة والحياء تزكى، فخشيت على أمة المغرب من الزوال بعد ما ذهبت أخلاق أبنائهم، وعز الحياء والحشمة في أشرافهم، وقل الخير في أعيانهم. ثم لملمت عمامتي وشددت إلى إِزْرِي إِزَارِي، وأصررت لنفسي على أن أعود إلى بلدي في حيني، قبل أن يأتي علي من الدهر حين، وأصبح مثل هؤلاء لا يوقر صغيرهم كبيرهم.

خرجت من باب المدرسة، وإني والله يشدني الحنين إلى ما عرفت عن المغاربة، وما استنكروه منذ القدم من نظام الغابة، واعتزازهم بروح الحوار، وتقديس لحقوق الجوار، وإذا بمنادٍ ينادي على لسان طَوْقَان، حين جاءه الطوفان:

يقول شوقي وما درى بمصيبتي قـــم للمعلم وفــــــه التبجيـــلا

أقعد فديتك هل يكون مبجــــــلا من كان للنشء الصغار خليلا

وأردف قائلا: هلا عرجت علينا بعرفك حتى نعرفك، وإذا هو معلمي أبو الفتح، فهرعت إليه وأسلمت وجهي، وأرشدني إلى داره، ودلني على مراده وحكيت له ما ألم بنفسي وأوجع قلبي، لكنه طمأنني بأن الأصل أصلٌ، وللفرع أصل فلا بد من تشذيب الأصول قبل الفروع.