السين وسوف في القرآن الكريم

د. مناهل عبد الرحمن الفضل


السين : هي حرف مهمل يكون للتنفيس ، الذي هو التوسع ، وذلك لأنها نقلت المضارع من الزمن الضيق ، وهو الحال ، إلى الزمن الواسع وهو الاستقبال ، وقد وردت في مائة واثني عشر موضعاً ، فسين التنفيس مختصة بالمضارع وتخلصه للاستقبال ، وتتنزل منه منزلة الجزء فلذا لم تعمل فيه .

وقد تأتي للاستمرار نحو قوله تعالى : } سَتَجِدُونَ آخَرينَ { ، ونحو قوله تعالى : } سيقولُ السفهاء من الناس ما ولاّهم  عن قبلتهم { ، لأن ذلك إنما نزل بعد قولهم : } ما ولاّهم  { فجاءت السين إعلاماً بالاستمرار لا بالاستقبال ، والسفهاء : جمع سفيه ، والنساء سفاية ، و  } ما ولاّهم  { : ( ما ) اسم تام في موضع رفع بالابتداء ، و( ولاهم ) في موضع رفع خبر .
وقد ذهب الزمخشري إلى أن السين أفادت وجود الرحمة لا محالة في قوله عز وجل :  } أُوْلئك سيرحمهم الله  { فهي تؤكد الوعد ، كما تؤكد الوعيد إذا قلت : سأنتقم منك يوماً ، تعني لا تفوتني وإن تباطأ ذلك ، والوعد نحو قوله تعالى : } الذين آمنوا وعَمِلوا الصالحات سيجعلُ لهُمُ الرّحمنُ وُدّا  { ، أي في قلوب المؤمنين ، وهذا وعد منه تعالى أن سيجعل لهم ود .
والوعيد نحو قوله تعالى : } وسيعلمُ الذين ظلموا أيّ مُنقلبٍ ينقلبون   { ، وفي هذا تهديد لمن انتصر بظلم ،
 و ( أي ) منصوب بـ( ينقلبون ) ، وهو بمعنى المصدر ، ولا يجوز أن يكون منصوباً بـ( سيعلم ) ، ذلك لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله ، ولأن الاستفهام معنى وما قبله معنى آخر ، فلو عمل فيه ما قبله لدخل بعض المعاني في بعض .
ومثله قول سيبويه في قوله تعالى : } فَسَيكْفِيكَهُمُ اللهُ  { ، معنى السين أن ذلك كائن لا محالة ، وإن تأخرت إلى حين .
وأما سين الوقف فهي لغة بكر ، حيث يريدون سيناً بعد ( كاف ) المؤنثة في الوقف لبيان حركة الكاف ، نحو : 
( عليكس ) ، فإذا وصلوا حذفوها كهاء السكت ، وهذه لغة قليلة تسمى كسكسة بكر .
وقد تأتي زائدة ، وذلك نحو قوله تعالى : } يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده  { ، أي تجيبون ، ونحو قوله : 
 } ويستجيبُ الذين آمنوا { .
سوف : حرف يدل على التأخير والتنفيس كالسين وأوسع زماناً منها عند البصريين ، لأن كثرة الحروف يدل على كثرة المعنى . 
وقد وردت في اثنين وأربعين موضعاً ، وتنفرد عن السين بدخول اللام عليها ، وذلك نحو قوله تعالى : } وَلَسوفَ يُعْطِيكَ ربُّك فترضى  { ، قال أبو حيان : إنما امتنع إدخال اللام على السين كراهة توالي الحركات  .
والغالب على ( سوف ) استعمالها في الوعيد والتهديد ، وذلك نحو قوله تعالى : } وسوف يعلمون حين يرون العذاب مَنْ أضلُّ سبيلا  { ، ونحو قوله : } كلّا سوف تعلمون – ثم كلّا سوف تعلمون  { ، ففي الآية الأولى تهديد ووعيد للكفار ، وفي الثانية تهديد للعصاة من المؤمنين .
وأما قوله تعالى :  } فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه   { ، فقد تضمن الوعد والوعيد جميعاً ، فالوعد لأجل المؤمنين المحبين ، والوعيد لما تضمنت من جواب المرتدين بكونهم أعزة عليهم وعلى جميع الكافرين .
والذي يجب أن نشير  إليه  أن السين حرف تنفيس أو حرف استقبال لا محل له من الإعراب ، وهي للمستقبل القريب ، وسوف تعرب حرف تسويف لا محل له من الإعراب وهي للمستقبل البعيد .