النحو العربي المعاصر في ضوء السياق
أ. د. عبد الجليل أبوبكرغزالة
يمثل النحو العربي المعاصر نشاطا لغويا تداوليا Pragmaticمعياريا مستداما ، يستعمله المتكلمون لتحقيق التفاهم والاتصال المتنوع فيما بينهم ، والتعبير عن سائر أغراضهم . ولا يحدث التفاهم والاتصال بشكل قويم وسليم بين هؤلاء المتكلمين دون توظيف ( لنحو اتصالي Communicative grammar ) مرجعي سديد ؛ لأنه يحقق الفهم والاستيعاب والتبادل بين الأقوال والملفوظات الأصولية Grammatical التي يتم إنجازها بالفعل في مختلف السياقات Contexts والمواقف .
يقوم النحو العربي الوظيفي المعاصر على قياسات و( عادات لغوية ) اجتماعية ، اتفاقية توظف الكفايات competences والقدرات وبعض المظاهر الفطرية التي تترجم إلى استعمالات Performances ، وأساليب شخصية موضوعية / تجريبية ، تعمل حسب علاقات ووظائف ( النسق الاتصالي ) العربي العام .
يتطلب تحقيق هذه التصور الذهني ، المنطقي ، القيام بعدة مراجعات ، وتقويمات ، وتقويمات Evaluationsنحوية ، تدرج في مجال تخطيط Planningاللغة العربية من خلال الاعتماد على المعجمات الملائمة ، والسياقات والمواقف الجديدة ، والنصوص الفكرية الحديثة ، ومنحها سمة معيارية Standard اتفاقية ، لكي تعمم على العربية المشتركة المعاصرة ، وكذلك هو الشأن بالنسبة للغة الواصفة metalanguage المرتبطة بهذا ( النحو السياقي ) ، كما يجب الاهتمام بالتدريبات التفاعلية Interactive التي تعانق التطبيقات المتنوعة المرتبطة بالقضايا النحوية المدروسة فقط .
أهمية السياق في النحو العربي
يتضح إذن من خلال ما سلف أن اللغة العربية المعاصرة توظف من أجل التفاهم والاتصال بين المتكلمين ، حيث يسعى كل متكلم لإبراز وتعليل قصده لسامعه ، حسب دلالات الكلمات المستعملة بينهما ، وحمولاتها المعرفية ، من حيث السبك التركيبي Syntactic Cohesion والحبك الدلالي Semantic coherence والتلاؤم السياقي والمقامي .
يقوم السياق على العلاقات والقرائن اللفظية والمعنوية الموجودة بين الكلمات.
يرى عبد القاهر الجرجاني أنه لا معنى للنظم ( التركيب اللغوي ) الذي لا يربط بين معاني النحو في الكلم ، كما أن تجاهل دلالات السياقات بالنسبة للنصوص القرآنية يخلق نوعا من الاضطراب والإبهام .
يحدد السياق القضايا اللغوية المجملة ، والمحتملة ، ويجزم في القصد ، ويخصص العام ، ويقنن المطلق ، وينوع الدلالة ، فهو من القرائن الدالة على قصد المتكلم . فإذا احتمل الكلام معنيين مختلفين يتم تفضيل أحدهما ، يكون هو الأوضح والأكثر موافقة للسياق . يرد ذلك كثيرا في تفسير القرآن العظيم .
أنواع السياق
تتنوع السياقات في اللغة العربية حسب تنوع المباني والمعاني . نجد في هذا النحو :
1 _ سياق الفقرة وسياق المقطع .
2 _ السياق المنفصل عنه سواء في النص نفسه السورة أو غيره ، ويدخل تحته نوعان :
أ _ سياق الفقرة الجزئية .
ب _ سياق النص الكلي .
إن سياق الفقرة الواحدة يرتبط بسياق النص والموضوع المحوري Topic، وسياق الجنس الفكري ، والسياق الثقافي ، فهذه عناصر متداخلة ومتكاملة لإبراز المعاني المقصودة .
نجد في الذكر الحكيم أربعة أنواع من السياق :
1 _ سياق المقاصد والمعاني الكبرى .
2 _ سياق المضمون الكلي للسورة .
3 _ سياق المقطع التابع .
_ 4 سياق القصد المستقل .
يرتبط سياق المقال بدلالات معجم القرآن الكريم ، ويعانق سياق الحال التغذية الراجعة الحاصلة بين المتكلم والمتلقي .
بعض القضايا التداولية في النحو العربي المعاصر
إن مقاربة معرفية Epistemic متأنيةً ورصدًا محيطًا للاستعمالات الوظيفية لأقسام الكلام العربي ( اسم ، فعل ، حرف ) الموظفة بين طيات مختلف أجناس الفكر والسرد ووسائل الإعلام العربي المعاصرة توضح لنا وجود نوعين من النحو العربي .
1 _ نحو معياري مهمل .
2 _ نحو وظيفي مستعمل .
والملاحظ من خلال ما سبق أن القضايا النحوية العربية الوظيفية التي يشيع استعمالها وتتردد أكثر من غيرها في مختلف السياقات والمواقف هي :
أ _ الأزمنة الثلاث ( الماضي ، المضارع ، الأمر ) .
ب _ بعض الأساليب الإنشائية ( الاستفهام ، النفي ، التعجب ، النداء ...).
ج _ الضمائر بأنواعها .
د _ التوابع الأربعة ( النعت ، العطف ، البدل ، التوكيد ) .
ه _ الأسماء والأفعال .
و _ النكرة والمعرفة .
ز _ مؤشرات Deictics الزمكان .
ح _ المبني للمعلوم والمبني للمجهول .
ط _ بعض المشتقات السياقية ...
بينما تبقى عدة قضايا نحوية عربية معيارية مهملة ، ولا ترد ضمن أي سياق نحو ي عربي معاصر ( نون التوكيد الشديدة والخفيفة ، أسلوب القسم المقترن بها ، المفعول معه ، أسلوب الاستغاثة ...) . فالنحو السياقي يهتم بالقضايا التداولية ؛ الأكثر استعمالا وتخفيفا ومرونة وتوليدا أثناء الاتصال الاتفاقي Conventional المقبول ، ولا يلتصق كثيرا ب( المحفوظات / المخزون ) المستنزف الذي يعسر على الإنجاز الفردي .
فهل يمكن بناء ( نحو عربي سياقي وظيفي ) ميسَّرٍ يعتمد على مدونات Corpus أجناس فكرنا ووسائل إعلامنا المعاصرة ؟
|