جهاد في خدمة الضاد

أ. نورالدين صمود
 
تمهيد للقصيد
 
كل بيت من هذه القصيدة مبدوء بحرف من حروف الهجاء حسب ترتيبها المشرقي، وقد مَيَّزتُ الحروف المفخمة في بداية الأبيات بوضعها بين معقفين، والحروف المرققة بوضعها بين قوسين، وقد جعلت البيت الأول منها (فاتحة) على ألِف الوصل، والبيت الثاني على همزة القطع، كما جعلت البيت الأخير منها (خاتمة) ليتم عدد أبيات القصيدة ثلاثين بيتا، على عدد نصف أحزاب القرآن الكريم:
 
فاتحة
(ا)(اللهُ أكبرُ !) هذا الصَـوتُ في الأُمَم ِ* سرى سريعا مَسيرَ النور في الظـُّلـَم ِ (*)
****
 (أ) أقـْــسَمْــتُ باللهِ رَبِّ الناسِ كـُلـِّهـِــمِ*فـهْـــوَ الذي عــلـَّـمَ الإنسانَ بالقــلــم ِ(1)
(ب) بَـرَاهُ مَنْ أمرُهُ في الكونِ مُمْتـَـثَـَلٌ*(بالكاف والنون) كانَ الكونُ مِنْ عَدَم ِ(2)
(ت ) تاللهِ تـَفـْتـَأ ُ، يا إنسانُ، تبحثُ عَنْ*أيِّ اللغاتِ تـَـراها أحْــسَـنَ الكـَـلِــم ِ(3)
(ث) ثِـقْ أنها اللغةُ الفصحى التي وَسِعَتْ*رسالـة َ اللهِ في القــرآن للأمــم ِ(4)
(ج) (جبريلُ) نادَى الرسولَ: (آقـْرأ!)فقال له*ما كنتُ قارئَ حَرْفٍٍ خـُط َّ بالقلم ِ(5)
ح) حَمْدًا لمن فضـَّـل الفصحى فأنزله*مُفـَصَّــلَ الآيِ ِمِثلَ البرق في الظـُّـلـَم ِ(6)
[خ] خيرُ البَريَّةِ ظـَلَّ الوحيُ يُـرشده*به اقتدَى الناسُ مثلَ الجيــش ِ بالعَلـَم  ِ(7)
(د) دَلـَّتْ على أنه وَحْيٌ بلاغتـُهُ* إذ ْ أعجزتْ بُلـَغـَاءَ العُــرْبِ والعَـجَــم ِ (8)
(ذ) ذاك الذي أ ُنـْزِلَ الوحيُ المبينُ على*فـؤاده، فيه فيض العلم والحِكـَم ِ(9)
[ر] رَبُّ السماءِ رعــاه منذ نشأتِـهِ*فكــان أفضــلَ مَنْ يَمشي على قــَدَم ِ(10)
(ز) زاغتْ بصائرُ مَن خالـُوا بأنهمُ*ذ َوُو البلاغــة في نـثـْر ٍ ومُـنـْتـَظِــم ِ(11)
(س) ساءتْ وجوهُـهُـمُ إذ أنهمْ صُرفوا*أو أنهم هُزمـوا، تـَعْسًــا لمنهــزم ِ(12) 
 (ش) شـَنَّ الضياءُ على أهل الظلام وغـًى*فلم يفوزوا بما حازوه من قِــدَم ِ(13)
[ص] صلاةُ خالِقِِنا رَبِّ السماء على *مَن ِِ اصـطـفـاهُ لِـهَـد ْي الناس ِ كلـِّهـِم ِ(14)
[ض] ضَلَّ الذي ظلَّ يَمشي في الضَلالِ، ومَنْ*قدِ اسْتشاطوا وساروا في ضَلالِهـِم ِ(15)
[ط] طـالـتـهمُ قـُدرة ُالخـلاق فـانكـَفـَؤوا*ومَــنْ يقــفْ ضدَّ أمــرِِ الله يــنهـزم ِ(16)
[ظ] ظل الأولـَى صدَّقوهُ في تـَشـَبُّــثِـهـِـمْ*(بالضاد)  حـتى بدا كالمُـفــردِ العَــلـَم ِ(17)
(ع) عَيْنُ الحقيقةِ لا تـُبـقـي على أحَـدٍ*ضـل الصـوابَ، وعـيـنُ الله لم تـَنـَمِ(18)
 [غ] غـَــدَتْ لناَ اللغة ُالفصحى كأغنيةٍ*تـظــلُّ في سـمعنا من أعــذب النـغـّــمِ(19) 
(ف) فيها جلالٌ يهزّ القلب إن تــُلِِـيـَتْ*وفي المصاحف مثلُ الـسِّـرِّ مكتـَـتـَمِ(20)
[ق] قـد قـال خالِـقـُـنا: إنـّا سنحفـظــه*مـن كل باغ ٍعلى الإسلام ذي نِــقـَــمِ(21)
(ك) كن يا إلهي لنا، في حفظه، سندًا*واجعله نورا لنا في غـَيْهَـبِ الظـُّلـَمِ(22)
ل) لا تــحـسَــبوا البحر والأشجارَ كافية*لأنْ تـَخـُط َّكـلامَ اللهِ ذا القِِـِـــدَم ِ(23)
(م) مَنْ لم يكنْ بكتاب الله معتصِمًا*فلن يكون، بفــن القــول، ذا عَـــلـَم(24)
(ن) نـُور الإلهِ على نور الكتاب، وذي*مِشـْكاة نورِ إله الكون  في الظـُّلـَم ِ(25)
(هـ) هذا الكتاب الذي الرحمنُ أنـْزَلـَهُ*والنورُ يسبقه في الحِــلِّ والحــرم ِ(26)
(و) واللهُ يـحـرسـه مــمَّـنْ يناهــضُــه*ومَــنْ يـقـاومْ كــتابَ الله يـنهــزم ِ(27)
(ي) يا مَن بَعثتَ لنا القرآن في لغة*اِحْفـَظ ْ لنا (الضادَ) من باغ ومُنتقم ِ !(28)
خاتمة
(ي) يعلو على كل عال صوتُ من رفعوا:*(اللهُ أكبرُ) في بَــدْءٍ ومُخـْـتـَـتـَم ِ *
 
----------------------
تعاليق وهوامش
 *) (الله أكبر): هي أول ما  يدخل آذان كل أبناء وبنات المسلمين فور الولادة والله أكبر هي تكبيرة الأذان وتكبيرة إقامة الصلاة وتكبيرة الإحرام ، وآخر أربع تكبيرات  يُوَدّع بها الميت في صلاة الجنازة التي تصلى بدون أذان، فكأن الأذان في أذن المولود إقامة لصلاة الجنازة تعبيرا عن قصر الحياة.
 والملاحط ُأن القصيدة مفتتحة ببيتين أولهما مبدوء بالألف وثانيهما مبدوء بالهمزة، وختمتها ببيتين يبدآن بالياء وهكذا يصبح عددُ أبياتها ثلاثين، وهذا العدد يُساوي نصف أحزاب القرآن الكريم.  
1) في البيت الأول إشارة إلى قوله تعالى: (اقرأْ بسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق)سورة العلق: 1 - 2
2) بَـرَى يبري أي خلق، وفي البيت إشارة إلى قول الباري:  (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُون) (سورة البقرة 117) وفي كلمة براه تلميح إلى بَرِيِ القلم المناسب للمقام.
3) تفتأ: أي لا تفتأ ولا تنفك كما جاء في قوله تعالى على ألـْسِنة إخوة يوسُفَ الذين قالوا لأبيهم يعقوب عليه السلام: (قَالُوا تـَاللهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنْ الْهَالِكِينَ. (سورة يوسف 85)
4) إشارة إلى قول حافظ إبراهيم على لسان اللغة العربية:  
وسِعتُ كتاب الله لفظا وغاية*فما ضقت عن آيٍ بها وعِِظاتِ
فكيف أضيق اليوم عن وصفِ آلة* وتنسيق أسماء لمخترعات؟
5) إشارة إلى قصة بداية نزول الوحي في غار حراء وبدايته كانت أمرا بالقراءة.
6) إشارة إلى قوله تعالى: ( قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا(سورة الإسراء 88)
7) ظل رسول الوحي جبريل يمد خاتم الأنبياء بالوحي بداية من سورة العلق إلى أن قال له:
 (اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيتُ لكم الإسلام دينا) سورة المائدة الآية 3)
8) قال تعالى (قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا)(سورة الإسراء88)
9) قال تعالى لنبيه المصطفى عليه الصلاة والسلام في سورة الشعراء: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ(192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ(193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ(194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ(195)
10) فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنْ الْمُشْرِكِينَ(94) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ(95) الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) (سورة الحِجْر 96)
11) إلى 13) تضمين لمعنى الآيات الأولى من سورة المدَّثِّر.
12) من دلائل الإعجاز في القرآن (الصَّرفة) وتعني أن الله جل جلاله صرفهم عن (محاولة الإتيان بمثله) ..
 13) إشارة إلى قوله تعالى الذي تحداهم في ميدان البلاغة الذي نالوا فيه البراعة: (قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا(سورة الإسراء الآية 88)
17) لولا القرآن الكريم، الذي حفظ اللغة العربية التي تدعى لغة الضاد، لصارت الفصحى لغة ميتة ولأضحى كل قطر عربي مستقلا بلهجته التي استقلت عن أمها العربية بطول عهد الانفصال مثل اللغة اللاتينية التي طغت عليها اللهجات المتفرعة عنها، فحلت محلها اللهجات الفرنسية والإيطالية والإسبانية والبرتغالية، ثم صارت لغات لا يستطيع المتكلمون بواحدة منها أنْ يفهموا غيرهم من المتكلمين بسواها.
  18) -  19) -  20) إشارة إلى عظمة تأثير تلاوة القرآن على السامعين من أفواه مشاهير القراء.  
    21) إشارة إلى قوله تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ(سورة الحِجْر الآية9)
 22) - 23)إشارة إلى قوله تعالى: (قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا(سورة الكهف الآية 109)
  24) تضمين لمعنى بيت أمير الشعراء أحمد شوقي:
فما عرف البلاغةَ َذو بيانٍ*إذا لم يتخذكَ له كتابا
وهذا يؤكد أن مَن لم يكن حاقظا للقرآن فلن يكون بليغا.
25)إشارة إلى قوله تعالى: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لاَ شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(سورة النور  الآية35)
  26)  إشارة إلى قراء القرآن ومشاهيرالمجودين وحفظة القرآن في كل عصر ومصر، والمولعين بالاستماع إلى قراْهم لآي الذكر الحكيم.
27/28) تـُلقب العربية بلغة القرآن ولغة الضاد ولكن لا يكاد يميز كثير من الكتاب العرب بين الضاد والظاء إلا في كتابة الكلمات المستعملة بكثرة، أما وجود هذين الحرفين في الكلمات القليلة الاستعمال فلا يستطيعون عندما تملى عليهم أن يكتبوها صحيحة وقد جمع الحريري في إحدى مقاماته الكلمات التي تشتمل على الظاء للتمييز بينها وبين ما يكتب بالضاء.