في ذكرى ميلاد شوقي ضيف.. تلميذ طه حسين ووريث كرسيه في رئاسة مجمع اللغة العربية

أحمد عادل

 

لم يعرف تاريخ أدبنا العربي مثيلا لمؤلفاته، ولا نظيراً لكتاباته، بها نهضت علوم العربية أدبًا ولغة ونحوًا بعد جمود، وفى كل بلغ الذروة والإجادة، فارتدت آداب العربية ثوبًا لم ترتديه من قبل ينبض بالحيوية، ويشع بالجمال، هو تلميذ "عميد الأدب العربي" الذي صار أستاذًا لأساتذة العربية، ورئيسًا لمجمعهم اللغوي بالقاهرة، إنه العلامة شوقي ضيف الذي تمر اليوم ذكرى ميلاده التاسعة عشر بعد المائة.

البداية كانت من محافظة دمياط، وفى نفس هذا اليوم الثالث عشر من يناير عام 1910، شهدت قرية "أولاد حمام" ميلاد علامة الأدب واللغة، أحمد شوقي عبد السلام ضيف، وبعد فترة قصيرة من ميلاده أصيب بضعف حاد في نظر عينه اليسرى، لكن هذا لم يحُل دون إتمامه لحفظ القرآن الكريم في سن العاشرة.

وليس غريباً على من يحمل اسم أمير الشعراء "أحمد شوقي" أن يُظهر شغفاً بالقراءة، وولعاً في حفظ الشعر، ونبوغاً فى للأدب، وهنا لم يجد أمامه سوى باب "الأزهر" ليواصل دارسة اللغة العربية وآدابها، فالتحق بمعهد الزقازيق الأزهري الثانوي، وتخرج منه بتفوق، ليلتحق بتجهيزية "دار العلوم" وفى السنة الأخيرة منها علم بتأسيس الدكتور طه حسين لقسم اللغة العربية بجامعة فؤاد الأول (القاهرة)، فالتحق به وأصبح شوقي ضيف أحد أبرز التلاميذ النجباء لعميد الأدب العربي طه حسين، فأصبح الأول على دفعته، وعُين معيدا بقسم اللغة العربية، ثم حصل على درجة الماجستير في النقد الأدبي، ثم درجة الدكتوراة التي أشرف عليه فيه طه حسين، وما أجمل أن يعترف الأستاذ بأستاذية التلميذ في مقدمة رسالته الجامعية، حيث كتب طه حسين في مقدمة رسالة شوقي ضيف: "وإذا كنت حريصا على أن أقول شيئا في التقدمة، فإنما هو تسجيل الشكر الخالص للجامعة التي أنتجت الدكتور شوقي، والدكتور شوقي الذي أنتج هذه الرسالة".

ساهمت تلك الروافد العلمية التي تنقل الدكتور شوقي ضيف ى بين رحابها من "الأزهر" إلى "دار العلوم" إلى "الجامعة المصرية" في أن تجعل من كتاباته حاضنة لمفاهيم الأصالة والمعاصرة، فتمسك بأواصر التراث، ولم ينساق وراء دعوات الحداثة، وقد ظهر هذا جلياً واضحا عندما شرع في تنفيذ مشروعه الأدبي الضخم موسوعة "تاريخ الأدب العربي" فجاءت مادتها الأدبية مختلفة عما سبقها من كتابات، جعلتها أكثر دقة وموضوعية من كتابات طه حسين، والعقاد، ومصطفى صادق الرافعي، وآراء المستشرقين مثل كارل بروكلمان، فقد دخل ضيف من باب الأدب العربي الواسع ليتجول بين رحاب اللغة العربية، فأضحت موسوعته شاملة تمزج التاريخ بالجغرافية، واعية للأدب واللغة، والعادات، والتقاليد فى مختلف عصور العربية.

لقد أرخ شوقي ضيف للأدب العربي في عصوره الزاهية، فجاء ذلك في عشرة مجلدات، أصبحت المرجع الرئيس لأي دارس للأدب العربي، فما من باحث جاء من بعده إلا ومر على مؤلفات شوقي ضيف في تأريخ الأدب العربي التي امتدت لخمسة عشر قرناً من الزمان، منذ العصر الجاهلي، وحتى العصر الحديث، وقد صدرت من هذه الموسوعة قرابة عشرين طبعة مختلفة.

تزامن هذا المشروع الأدبي الضخم بمشروع لا يقل أهمية عنه، وهو تيسير قواعد "النحو العربي"، شمر شوقي ضيف عن ساعديه لتطوير النحو العربي منذ أن انتشل مخطوط "الرد على النحاة" لابن مضاء من غياهب خزانات التراث العربي، ومن ثم قام بتأليف عدة كتب في هذا المجال مثل "المدارس النحوية"، "تيسير النحو"، "الفصحى والعامية"، "تجديد النحو" و"تيسيرات لغوية".

لم تقف مؤلفات شوقي ضيف عند عتبات "الأدب" و"النحو"، بل أثبت أنه بحراً هادراً يفيض بدراسة العربية وآدابها والعلوم الإسلامية، ففي مجال التفسير كان له باعاً كبيراً حيث أفرد عدة مؤلفات مثل "الوجيز في تفسير القرآن الكريم"، "معجزة القرآن"، "الحضارة الإسلامية من القرآن والسنة"، وفى حقل الدراسات البلاغية له من المؤلفات، "في الأدب والنقد"، "في النقد الأدبي"، البلاغة.. تطور وتاريخ"، كما برع شوقي ضيف في صياغة السير الذاتية للشعراء، مثل "شوقي.. شاعر العصر الحديث".. الذي كان يُدرس لطلبة المدارس، و"ابن زيدون"، و"الشعر العذري عند العرب" الذي تناول فيه سير شعراء الحب العذري، "البارودي.. رائد الشعر الحديث"، و"مع العقاد".

ومثلما كان أستاذه طه حسين "عميد الأدب العربي" رئيساً لمجمع اللغة العربية، فقد شغل تلميذه النجيب، الأستاذ شوقي ضيف منصب رئيس مجمع اللغة العربية منذ عام 1996 وحتى وفاته عام 2005.

لقد عاش شوقى ضيف للعلم والعلم وحده، مبتعدًا عن هالات الإعلام، وحب الظهور، فجاءه التكريم منصاعاً مختاراً، فحصده عدة جوائز، منها، جائزة مجمع اللغة العربية عام 1947، وجائزة الدولة التشجيعية في الآداب عام 1955، وجائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1979م، وجائزة الملك فيصل العالمية للأدب العربي عام 1983م.

وبعد مسيرة علمية حافلة مع الأدب ولغته العربية بحثاً ودراسة، أغمض العلامة شوقي ضيف عينيه عن الدنيا في مساء يوم الثالث عشر من مارس عام 2005 عن عمر ناهز 95 عاما ، بعد أن قرت اللغة العربية عينها بمؤلفاته الأدبية الزاهرة.
 

الأهرام