المجمع العربي للغة في ندوة على هامش مؤتمره الدولي: علِّموا الصغار لضمان المستقبل.. وحاصروا اللغة الهجينة
محمد حجازي
«اللغة العربية في مواجهة احتياجات العصر» عنوان الندوة الثقافية التي عقدت مؤخراً في المجمع العلمي للغة العربية بالقاهرة، لمعرفة ما الذي يُمكن إتخاذه لإنقاذها من التقهقر في مواجهة ما يطرأ على المجتمعات من تبدّلات، بحيث تبقى في قيمتها كرابع لغة في العالم بعد الانكليزية، الصينية والهندية، خصوصاً أن وسائل التواصل الإجتماعي تؤثّر سلباً على كل الخطط الموضوعة دفاعاً عن تراجع لغتنا عن الحضور في كل العالم العربي.
هذا المناخ يجري على هامش المؤتمر الدولي للمجمع الذي يرأسه الدكتور فاروق إسماعيل الذي اعترف بوجود صعوبات كبيرة تعترض كل الخطط التي توضع لمعالجة هذا التدهور، محمّلاً المسؤولية للجميع عمّا آلت إليه الأمور رغم حملة تقودها الدكتورة هادية صابر تحت عنوان جاذب: «زيرو أميّة» والعمل يجري على إقتراح عنوانه: مئة مليون لغة عربية، على نسق الحملة الناجحة التي أنجزت تحت عنوان: مئة مليون صحة.
الطرح المنطقي يقول بالفم الملآن: لا تتعبوا أنفسكم في البحث عن حل همايوني: علِّموا الأطفال أولاً لكي تكسبوا جيلاً يتربّى على العربية منذ تفتّح إدراكه. وهذا الكلام له قوّته وفعاليته، فمعظم ما وصلنا إليه اليوم يتوقف على السلبيات التي اعتمدناها في تربيتنا لأطفالنا الذين أصبحوا اليوم شباباً يفضّلون الإنكليزية أو الفرنسية أو غيرهما على العربية. وجاء الأنترنت ليزيد الطين بلّة، فكل الأبحاث فيه بالانكليزية، مما عزّز واقعية الفراق بين شبابنا ولغتهم الأم.
والسؤال هنا: لماذا تركنا وسائل التواصل هذه تأخذ مداها في إمتلاك عقول أبنائنا، وقد كنا قادرين على إستغلالها لصالحنا، لكن من الذي سيفعل ذلك، والكل منغمس في خيانة اللغة وإضعافها، في وقت تبدو فيه الأمور حالياً أقرب إلى المستحيل في محاولة المعالجة بعدما تجذّرت المشكلة وباتت من صميم التشكيل المنهجي للغة، فكيف سنفصل هذا الإلتحام بغير البتر، خصوصاً وأن لغة هجينة ولدت من رحم هذا التداخل باتت تحتاج هي الأخرى لعملية تدخّل فورية لإيقاف مفاعيلها، بعدما أصبحت معتمدة في حوارات وكتابات وتفكير أجيالنا المعاصرة.
بعض المتفائلين بالحل يوصّفون هذا الواقع بـ «الموضة» التي لا تلبث أن تزول سريعاً كمثيلاتها، لكن يغيب عن ذهن هؤلاء أن الموضة يستتبعها موضة ثانية وثالثة وعاشرة ومن يدري قد تكون الأولى هي الأفضل من السيئ الذي قد يليها بعد ذلك... من يدري..
طرح آخر يطرق باب المجمع في القاهرة، يقول بأن فرض الكفاءة في اللغة لكل المتقدّمين إلى الوظائف العامة أو الخاصة سيجعل الأمور أكثر توازناً ويضمن على الأقل وجود نموذج حقيقي من الإصلاح في هذا المجال لا يُعيد مناخ لغتنا إلى الوراء... إلى الجحيم، وهذا التدبير سيحد مما إصطلح على تسميته بالإزدواجية اللغوية، ما بين العربية التي تربّينا على جرسها وموسيقاها وفحواها، وإحدى اللغات الأقوى عالمياً الانكليزية لنسمع من شبابنا عبارات تمزج بعض العربية ببعض الإنكليزية لنحصل على لغة غريبة، لا هي عربية ولا هي انكليزية بل هي إبتكار جديد لا يُسمن ولا يُغني (العربيزي).
ولقد ثبت ميدانياً وبما لا يدع مجالاً للشك بأن الدول القوية تفرض لغتها على لغات الدول الضعيفة، وهذه السياسة ليست من باب الإستنتاج بل هي واقع نعيشه، ويكفي أميركا أن تكون زرعت لغتها في كل أقاصي الدنيا من خلال آلاف الأفلام التي تصدِّرها سنوياً وتجعل من الانكليزية لغة أولى. إن مهمتنا لإنقاذ العربية أقرب إلى المستحيلة.
اللواء