الجسر: اللغة هي الهوية وسيادتها ترتبط بسيادة سياسية



رعى النائب سمير الجسر اللقاء التأسيسي للمؤتمر اللغوي الأول لجمعية "مبدعون"، الذي عقد في غرفة التجارة والصناعة والزراعة في طرابلس تحت عنوان: "بالعربية مبدعون".

واعتبر الجسر في كلمة ألقاها في المناسبة أن "اللغة هي الهوية، واللغة هي التي تخزن الفكر والأدب والفن والفلسة والعلم، الذي تراكم على مدى العصور، وتنقله وتوصله"، آسفا لأن "الكثيرين لا يدركون أهمية اللغة في حياة الشعوب، ولا يدركون أن حفظ اللغة، وضمان استمراريتها، يكون بقدر محافظتنا عليها كأفراد ناطقين بها، من دون أن يحول ذلك دون تعلم واتقان لغات أجنبية".

ورأى أن "لغتنا التي باتت مهددة بين مناهج لا تحقق الغرض منها، أو قل بشكل أدق، بعدما تبين من خلال امتحانات اللغة العربية في السنة الماضية، عقم مخرجات التعليم التي كشفت ضعفا هائلا لدى التلاميذ...ضعف لم يعد غائبا عن أي بصير، في مجالات العمل، خاصة في الكتابة، أو التعبير بلغة صحيحة سليمة تحترم قواعد اللغة".

وإذ دعا الحاضرين الى "التعلم والاستفادة ممن سبق من امم، قال: "لنتعلم ممن سبقنا، ولنتعلم من عدونا الذي سبقنا...ففي اميركا، وهي اليوم رائدة التقدم العلمي والعمراني، ثلاثة مواد لا يترفع التلميذ من دون النجاح فيهم، ثلاثة مواد تعتبر قاعدة التعليم هي: اللغة الاميركية، تاريخ اميركا، والحساب (الرياضيات)، الذي هو أساس في كل علم. أما في اسرائيل فقد جعلت اللغة العبرية أساس التعليم في كل مراحله...العبرية تلك اللغة التي كانت تسمى قبل 1947 لغة القبور، لأنها كانت تكتب في العالم فقط على شواهد القبور"، لافتا إلى أن "اللغة العربية هي أكثر اللغات تحدثا بين مجموعة اللغات السامية حوالي (422) مليون نسمة، ويتكلمها عدد مواز كلغة ثانية في العالم الاسلامي".

وأشار إلى ان "سيادة اللغة ترتبط غالبا بسيادة سياسية، فحين ساد العرب سادت لغتهم، وحين خلوا الأمر الى المماليك والعثمانيين والفرس، تراجع ازدهار اللغة، وتزامن ذلك مع تراجع العلوم والفكر والفقه والأدب لدى العرب...حتى أن الكثير من اللغات الأخرى تأثرت بالعربية في زمن سيادتها "منها الانكليزية والفرنسية والاسبانية والايطالية والالمانية".

ونبه إلى ان "تعليم اللغة العربية، يواجه العديد من المشاكل حاليا. فالثنائية اللغوية (الفصحى والعامية)، وازدواجية اللغة (تعلم أكثر من لغة)، يسببان مشكلة في تعليم اللغة العربية، فهناك بواق من لغات قديمة في العديد من البلدان العربية، مثل "النوبية" في شمال السودان، وجنوب مصر، و"الأشورية" من بقايا الأشورية، و"الكردية" في العراق، و"الارمنية" في بلاد الشام، و"الامازيغية" في شمال افريقيا".

واعتبر أنه "من الصعب للناس تعلم لغتين في آن واحد، فتعلم سكان تلك المناطق لهذه اللغات في بداية حياتهم يجعل تعلم العربية لاحقا أمرا صعبا. وهذا عدا مشكلة اللهجات العربية، فالسكان المحليون يفضلون تحدث اللهجات العامية، ولا يحبون الفصحى. وقد بدأت الكتابة العامية (وبخاصة بالحرف اللاتيني) بالانتشار على الانترنت والمواقع الاجتماعية، مما أصبح يشكل تهديدا حقيقيا للغة العربية الفصحى. وبالإضافة الى هذا فقد بدأت المدارس العالمية التي تدرس باللغة الانكليزية بالانتشار بشكل واسع مؤخرا في الوطن العربي، مما يشكل أزمة إضافية للغة العربية، وتهديدا آخر لها. وغير المدارس العالمية فالجامعات هي مشكلة أخرى، فاللغة العربية تواجه ضعفا شديدا في توفير بدائل عربية للمصطلحات الحديثة. ولذلك فقد أصبحت المواد في الجامعات تدرس باللغة الانكليزية، وهذا أيضا يسبب مشكلة للغة العربية".

وختم الجسر: "بالرغم من كل المخاطر التي أبديتها، فإني لا أخشى على اللغة العربية من الانقراض، كما حصل لبعض اللغات التي تخلى أبناؤها عن التكلم بها...وحتى عن استعمال العامية سواء بالحرف العربي، أو بالحرف اللاتيني، التي تستعمل على وسائل التواصل الاجتماعي...فإني الاحظ منذ فترة، أنها على تراجع أمام استعمال الفصحى في وسائل التواصل هذه على الأقل فيما هو منقول".


lebanonfiles