أيّ الموصولة في الدرس النحوي
د. مناهل عبد الرحمن الفضل
المعنى اللغوي للموصول :
جاء في اللسان : وصلت الشيء وصلاً ووصيلة ، والوصل ضد الهجران ، واتصل الشيء بالشيء إذا لم ينقطع ، والصلة : الجائزة والعطية ، يقال : وصل حبله وبرّه ، إذا أعطاه مالاً ، فهو موصول .
يُفهم من هذا أن المادة تفيد الالتحام والاتصال اللازم بين شيئين ، وعليه فإن الموصول يقصد منه ما التحم به غيره متصلاً به اتصالاً وثيقاً .
أما لدى النحاة : فهو اسم مبهم الدلالة غامض المعنى في حاجة إلى صلة تأتي بعده تعين مدلوله وتوضح معناه فيصبح كامل الفائدة ، فيجوز أن يقع فاعلاً ومفعولاً ، ومضافاً إليه ومبتدأ وخبراً .
فالمكونات الأساسية لتحقق الموصول نحوياً هي : اسم الموصول ، وجملة الموصول ، بمعنى أن تكون له صلة تتصل به فيتبين المقصود منه ويتحدد معناه ، والعائد على الموصول ، وذلك بأن تشتمل هذه الصلة على ضمير عائد على اسم الموصول يربط جملة الصلة به .
والموصولات في اللغة العربية إما أن تكون حروفاً ، وهي تشمل كل حرف يؤول مع صلته بمصدر ، وإما أن تكون اسماً .
من الأسماء الموصولة ( أيّ ) ، وهي تحتاج إلى كلام بعدها تتم به اسماً كاحتياج ( الذي ) ، ويعمل فيها ما قبلها من العوامل كما تعمل في ( الذي ) ، فتقول لأضربن أيّهم في الدار ، والمعنى : الذي في الدار منهم ، فـ( أيّ ) بمنزلة ( الذي ) إلا أنها تفيد تبعيض ما أضيفت إليه ولذلك لزمتها الإضافة ، وقد تُفرد ومعناها الإضافة وهي في هذه الحالة تكون معربة ، وذلك نحو قوله تعالى : ( أيّاً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ) ، فالمعنى – والله أعلم – أي الاسمين دعوت الله به فله الأسماء الحسنى ، فـ( أيّاً ) : مفعول به منصوب بـ( تدعوا ) .
وهي تختلف عن باقي أخواتها – من الأسماء الموصولة المشتركة – إذ ليس من بين هذه الأسماء ما يجوز إضافته ، كما تضاف ( أيّ ) في بعض حالاتها ، وهي جميعها مبنية عدا ( أيّ ) فإنها تأتي مبنية حيناً ، ومعربة أحياناً .
أحوال بناء ( أيّ ) وإعرابها :
وتُبنى ( أيّ ) على الضم ، وذلك إذا أُضيفت ، وكانت صلتها جملة اسمية صدرها – وهو المبتدأ – ضمير محذوف ، كقوله تعالى : ( ثم لننزِعنّ من كلِّ شيعةٍ أيُّهم أشدُّ على الرحمن عِتِيّا ) ، فـ( أيّ ) - في الآية الكريمة – مبنية على الضم لإضافتها ، وهي اسم موصول في محل نصب مفعول به ، و( أشدُّ ) : خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير : هو أشدّ
وقد ذهب سيبويه إلى أنه إنما بنى ( أيّ ) على الضم تشبيهاً بـ( قبلُ ) و( بعدُ ) و ( يا رجل ) ، لأنه يكون معرباً في حال ومبنياً في حال ، كما تقول : جئت من قبل ومن بعدُ ، ويا رجلاً ، ثم تقول : جئت من قبل ومن بعد – إذا أردت المعرفة – ويا زيد .
والكوفيون يخالفونه في هذا الأصل وينصبون ( أيّا ) إذا وقع عليها فعل سواء حذفوا العائد من الصلة أو لم يحذفوه ، وأما قوله : ( ثم لننزعن ...) الآية ، فإنهم يقرؤنها بالنصب ، حكاه هارون القارئ عنهم ، وقرأ بها أيضاً .
أما ( أيّ ) فإنها تكون معربة إذا لم تتوافر لها شروط البناء السابقة ، وذلك إذا أضيفت وذكر صدر صلتها ، وإذا لم تضف وذكر صدر صلتها ، وإذا لم تضف ولم يذكر صدر صلتها .
زمن العامل في ( أيٍّ ) الموصولة :
أما زمن العامل في ( أيِّ ) الموصولة من حيث المضي والاستقبال ، فقد ذهب بعضهم إلى كون عاملها مستقبلاً ولا يصح أن يقع ماضياً ، وهم الكوفيون وعلى رأسهم الكسائي ، ونسب أبو حيان هذا المذهب لسيبويه والجمهور .
وذهب البعض الآخر إلى أن عاملها يجوز أن يكون ماضياً ، وأن يكون مستقبلاً وهو مذهب البصريين وعليه أكثر المتأخرين كالشلوبين وابن مالك .
والذي نراه أن زمن العامل في ( أيّ ) يجب أن يكون مستقبلاً مُقدّماً عليها وأن تكون صلتها غير ماضية ، لأنها موضوعة للعموم و الإبهام ، فكان المستقبل مناسباً لها ، والماضي منافياً ، كما أنه لم يرد من كلام العرب ما يفيد أن الماضي عمل في ( أيّ ) .
وأما صحة وقوعها مبتدأ فقد أثبته سيبويه ، بقوله : ( ويقال : أيّها تشاء لك ) فـ( تشاء ) : صلة لـ( أيّها ) حتى كمُل ( أيّها ) اسماً ثم بنيت ( لك ) على ( أيّها ) كأنك قلت : الذي تشاء لك ) .
فـ( أيّاً ) اسم موصول مبتدأ ، و( تشاء ) صلته ، والخبر الجار والمجرور ( لك ) .
نخلص من هذا كله إلى أن ( أيّاً ) إذا وقعت في أول الكلام ، تارة تأتي موصولة فتكون مبتدأ ، وتارة تكون شرطية فتكون موصولة في محل رفع مبتدأ إن لم يقترن بخبرها الفاء نحو : (أيّها تشاء لك ) ، فإن اقترن خبرها بالفاء فهي شرطية ويجب نصبها مفعولاً به .
|