اللغة عربية في تاميل نادو.. في القرنين التاسع عشر والعشرين

 

أصدر د. تاج الدين المناني- رئيس قسم اللغة العربية بجامعة كيرالا الهندية- كتابا جديدا فى 300 صفحة، يرصد جانبا مهما، حول دخول الإسلام واللغة العربية إلى منطقة شبه القارة الهندية.

حيث يطالعنا في الغلاف، بخارطة كيرالا، محتضنة في خارطة الهند، ويهدي المؤلف والباحث كتابه لوالديه الكريمين وإخوته وأخواته، وأساتذته الكرام.

وتصف د. ريمة عبد الإله الخاني، الكتاب بقولها: قليلة هي الكتب التي ترصد جانبا حيويا من جوانب انتشار اللغة العربية، وكيفية انتشار اللغة في غير أرضها، فقد تكررت الكتب عن الكتب، حتى لم تعد تأتى بجديد.

وتقسيم الكتاب بدأ بالحديث عن نادو تاريخيا، ثم الباب الثاني عن اللغة العربية وتطورها، ثم أهم علمائها، ثم تطور النثر والشعر في القرنين التاسع والعاشر الميلادي حصرا.

تاريخ دخول الإسلام

ويذكر الباحث خصوبة الإقليم وإحصاءات مهمة حوله، وتاريخ دخول الإسلام، فى عهد الرسول صلوات الله وسلامه عليه، والصحابة وعالم التجار والتجارة، ووصولهم بتجارتهم، لبلاد الملايو حتى أندونيسيا، مرورا بمدن هندية بسيراف وأبلة، من شواطئ الهند الغربية، وجزيرة سرنديب، وكانوا يصلون إلى شواطئ الهند الشرقية، ومقاطعات مليبار وكجرات وقد أثر الاحتكاك مع المسلمين، في إقامة المدارس والمساجد والمعاهد.

معلومة ثمينة

ويذكر د. تاج، معلومة ثمينة، عن ظروف الهند التي ساعدت على انتشار الإسلام سريعا، ومن ثمة اللغة العربية بالطبع، خاصة المساواة في الإسلام، ومحاولة الشعب التخلص من  العنصرية وعدم المساواة المجتمعية آنئذ، والتي كانت مشكلة واضحة فيه، بحيث يتخلص المجتمع من العناء النفسي الذي ينال منه، وهذا ما قاله الفيلسوف جوستاف لوبون في كتابه حضارات الهند، حيث كانت التجارة تدر على الحكام المال الوفير، مما جعل لهم حظوة عندهم  أيضا.

وألقى د. تاج، الضوء على جهود علماء تامل نادو في خدمة ترقية الدراسات العربية ولاسيما الإسلامية منها، ومجالس ختم البخاري، وتأثير اللغة العربية باللغة التاميلية بصرف النظر عن منجزاتهم الأدبية، ويؤكد المؤلف، أن الكتاب ليس له قصب السبق، بل الأهم فيه هو ما حصل عليه من معلومات مهمة وردت فيه.


 
في الصفحة التاسعة، يبدأ فصل التعريف بولاية تامل نادو، موضحا أن تاريخ الهند يعود لخمسة آلاف عام، وبعضهم يقول أن تاريخها لا يتعدى الثلاثة آلاف سنة، وولاية التامل نادو، تعد من الولايات التي تساهم بشكل فعال في موارد الهند، وهي واحدة من ثمانية وعشرين ولاية هندية، ومن أهم المصادر التي تتكلم عنها وتعود لتاريخ القرن الرابع قبل الميلاد أدب سانغام البدائي. فقد سجل عن أحوالها الأدبية والدينية والاقتصادية والاجتماعية الكثير المهم. ثم يعرض الباحث الأعراق فيها، ويعتبر الدرافيديون من أكبر العرقيات السمراء فيها، ثم الآريون ذوو البشرة الفاتحة القادمون من مناطق جنوب روسيا، وكانوا أكثر تقدما.

الطوائف الدينية

ثم يقسِّم الكتاب، الطوائف الدينية حسب عددهم، الهندوس ثم النصاري ثم المسلمون ثم البوذيون ثم الجينيون، وقد نشأت كغيرها من الطوائف، عبر ثورة على البراهميين، وقد بدأت البوذية تتمظهر بمظاهر الهندوسية شيئا فشيئا، والجينية تدعو للتتخلص من شرور الحياة ولا تعترف بما تعترف به الملل الأخرى من اعتقادات، من تناسخ الأرواح وغير ذلك.

والتاميلية لغة رسمية في الولاية، ويعتبر سكانها نشطون خاصة في التجارة.

العلاقة الهندية العربية

ويلخص الباحث سمة إيجابية عن العلاقة الهندية العربية بالتالي: اقتراب المسافة الحضارية بين المنطقتين.

-اهتمام العرب بالهند كبلاد الغرائب والعجائب.

-عدم التجارة بين العرب والهند، أبعد العلاقة عن المشاكل.

-النضال المتشابه ضد الاستعمار الأوروبي.

وما يثبت قدم العلاقة بين الهند والعرب، السفن المحملة بالمعادن الثمينة منذ عهد النبي سليمان عليه السلام، وهناك صحابيين- رضي الله عنهما- دفنا فيها وهما: تميم الأنصاري في كوولم، وعكاشة في محمود بندر.

وتحدث عن العرب والإسلام في ولاية تامل نادو، وتجارة المحيط الهندي في عصر السيادة الإسلامية، ويشير الى معلومة هي: دخل "كافور" جنوب الهند، مع رجاله في منطقة معبر سنة 1210م والفتوحات التي حققها المسلمون، لم تكن عسكريا فحسب، بل أنهم دخلوا البلاد ومعهم الأساتذة والعلماء والقضاة والأدباء والقراء والكتاب، مما يدل على أنهم اهتموا بالثقافة المحلية، كما اهتموا بالسياسة وحكم الدولة تحت راية الإسلام. أما عن الحديث الوارد في البعث للهند، فعن أبي هريرة قال: حدثني خليلي الصادق المصدق، صلى الله عليه وسلم، أنه يكون في هذه الأمة بعث إلى الهند والسند. فإن أدركته فاستشهدت فذاك الذي أريد، وإن أنا رجعت، رجعت، وأنا أبو هريرة المحرر، قد أعتقني الله من النار (معجم ابن الأعرابي 1/103).

والصحابي تميم الأنصاري وعكاشة في زمن النبي، صلوات الله عليه وسلامه، ووجود قبريهما على شاطئ البنغال، مع وجود مسجد على طراز قديم، يعرف بمسجد مالك بن دينار.

مصر والهند

ثم يتناول الحديث عن وصول المصريين للهند، خاصة عندما حدثت فتنة خلق القرآن، حيث رسى على شواطئها الكثير من العلماء والمفكرين. وقد قدر هذا الهندوس، لما كان للمسلمين من أخلاق وتأدب. وهنا يبرز قول جواهر لال نهرو في كتابه المشهور: اكتشاف الهند، أن العلاقات الوطيدة بين الهند والبلاد الأخرى، وحضور الدعاة المسلمين العرب، لنشر الإسلام إلى الهند، وبناء المساجد والمدراس بلا نواع ولاقتال.

وتتوالي زيارات العرب لمنطقة التامل نادو لأسباب تجارية وسياحية ولزيارة مقبرة هابيل  في رامشورن، جنوب منطقة تامل نادوالأقصى، وتعد تلك المنطقة متوسطة ما بين الفرس والصين، لذا كان لها علاقات طيبة معهما، إضافة لأماكن الاستراحة فيها للمسافرين.


 
ويذكر الباحث الداعية الإسلامي عبدالله بن أنور، إلى الولاية، في عهد حكام شولا وبنى مسجدا، ولا يزال يوجد هذا المسجد في ترشيرابلي حتى اليوم، بحالة متهدمة، وقد جاء من الشام الشيخ الصوفي نطهر ولي الله، في القرن العاشر، بغرض نشر الإسلام، فأسلم على يديه كثير من العلماء الهندوسيين، والاطباء وأبرزهم يعقوب ستار ومقبرة الشيخ موجودة في ترشنافلي بالقرب من المسجد المذكور، وغيرهم ممن ذكره الباحث في هذا المقام، مما يؤكد الجهود الصادقة المبذولة لنشر هذا الدين، حيث ترك أولئك بلادهم وعوائلهم في سبيل الله.

مجالس البخاري

ويفرد الباحث فقرة عن مجالس البخاري للعامة، كملقي ومتلقي ومستمع، خاصة قصيدة البردة، برئاسة الشيخ أبو بكر المعروف بقمر العلماء كانتو بورام، وكان كثير من الطلاب يتضلعون من العلوم النقلية والعقلية، مثل التفسير والفقه وأصول الدين والنحو واللغة والمعاني والبيان والبديع والكلام والمنطق وما إليها، وكان كثير من الطلاب يتخرجون على هؤلاء العلماء الأفذاذ ويبلغون درجة الأستاذية. حتى أن بعضهم غدا غزالي وقته ورازي دهره في العلوم والفنون، هذا بصرف النظر عن شهادات الماجستير والدكتوراه في اللغة العربية.

ويذكر أن العرب أدركوا أهمية الدين في حياة البشر فعكفوا على دراستها، وغيرها من الثقافات الأخرى.

التراث الإسلامي الهندى

أما عن التراث الإسلامي للهند، يقال في بعض المراجع أن آدم عليه السلام أبو البشر، ظهر أول ما ظهر في سرنديب، ورحل إلى مكة ولقي حواء هناك، وقد وردت هذه المعلومة كما بينها الباحث في تفسير البغوي، حيث قيل أنه حج أربعين حجة ماشيا، وأن جبريل قال له، أن الملائكة طافوا بالبيت قبله بسبعة آلاف سنة، ونزول آدم في الهند شرف عظيم لاشك. ويورد أدلة كثيرة عن ذلك، ناهيك عن اهتمام العرب بالهند حتى بعد رحيل رسولهم الكريم.

ويتحدث الباحث، عن العوامل التي سهلت انتشار العربية في الولاية، ومنها:


 
-حاجة الناس أن يتعاملوا ويتكلموا العربية في عالم التجارة.

- زواج العرب المقيمين من السكان.

- رغبة تجار الإقليم في رفع مهارة أبنائهم التجارية فعلَّموهم العربية.

-حضور الصحابة والعلماء والدعاة وتأثيرهم.

-تعلم الناس طقوس العبادة.

-إرسال السكان أبنائهم للبلاد العربية للعمل.

-كثرة المعاهد والمدراس وغيرها.

-بعد توثق العلاقة بين الحكام العرب والحكام الهنود، غدت اللغة العربية تدرس في المدارس والكليات.

-حتى وظائف الحكومة، قضت تعلم العربية، خاصة أنهم علموا أن الوظيفة ستكون خدمة للدين ودراساته.

ومن اللغات التي تأثرت باللغة العربية، الأردية والفارسية والكشميرية والبشتونية والطاجيكية وكافة اللغات التركية والكردية والعبرية والأسبانية والصومالية والسواحيلية والتجرينية والآرومية، والفولانية والهوسية والمالطية والبهاسا (مالايو) وديفيهي (المالديف) وغيرها، وبعضها مازالت تستعمل الأبجدية العربية للكتابة ومنها: الأردو والفارسية والكشميرية والبشتونية والطاجيكية والتركستانية الشرقية والكردية والبهاسا (بروناي وآتشه وجاوة)، ودخلت بعض الكلمات العربية في لغات أوروبية مثل الألمانية والانجليزية والإسبانية والفرنسية.

وقد أورد الباحث الاختلافات بين العربية واللغات السامية كخطوة منطقية لتوضيح الاختلافات الجوهرية بينها في الصفحة الخامسة والخمسين.

وتحدث عن نشأة لغة عربي تاميل (لغة أروي) أورد الباحث بعض كلمات تاميلية وما يقابلها من العربية، تثبت التقارب بوضوح، وفي فصل المدارس الابتدائية والثانوية، يعرض أهم المنجزات التعليمية والمدارس المتعلقة بتعليم العربية ضمن المنهج المدرسي، إلى جانب اللغة الأم والانجليزية.

ويقدم نبذة عن الكليات والجامعات في تامل نادو والإحصائيات المتعلقة، والتفاصيل الأخرى، الخاصة بالهند. ويعرض المنهج اللغوي في المنهج التعليمي:

أرشيف ضخم

وصنف المؤلف ما كتبه معظم من وردت أسماؤهم، وهو أرشيف ضخم، ثم يبين الباحث قيمة الترجمة خاصة الأدبية والتشجيع عليها، سواء من التامل للغات الأخرى، أو العالمية للتامل، ويلفت النظر لأهمية اطلاع الشعب العربي على النتاج التاملي، وفهم أفكارهم وثقافتهم، والعكس صحيح طبعا، ويقدم الباحث أخيرا جهده المتواضع، وحثه على ضرورة قمع الفتنة برفض السنة، وكذا المقالات التاملية، فقد ألفت مئات الكتب والمقالات حول هذه الفتنة في شبه القارة الهندية، سواء داخل تامل نادو أو خارجها.

وتنبع أهمية الكتاب، في اطلاعنا على جهود حثيثة وجدية لدعم اللغة العربية بهمة وإصرار، وعطاء هؤلاء الذين أعطوا بسخاء وأثروا المكتبة العربية، فى بادرة تعاون ودعم في عصر باتت اللغة بحاجة لمزيد من الجهد للفت الأنظار ورفع وتيرة حضورها بين الجيل الجديد المتجه لعالم ليس بعالمه، بل بإمكانه إثبات حضور تلك اللغة الغنية في أماكن يصعب على كثير منا أن يكون فيه، بل هذا يدفعنا لدعم كل من يدعم لغتنا الغالية.
 

البدع