مترجم «عبقرية اللغة»: تعصبنا للغتنا العربية خلق لها صورة «سلبية

إيمان الخطاف

 

لا يمكن المرور على المؤلفات السعودية الصادرة هذا العام دون الوقوف أمام كتاب «عبقرية اللغة»، الذي ترجمه حمد الشمري، عن كتاب للكاتبة الصحافية الأميركية ويندي ليسير، وصدر عن دار «أثر» السعودية، ليثير كثيراً من التساؤلات حول مفهوم «اللغة الأم» التي باتت مثقلة بأغلال هيمنة اللغة الثانية، مع جدلية المفاضلة بين لغة وأخرى.

ويرى حمد الشمري، مترجم الكتاب عضو هيئة التدريس في جامعة الملك عبد العزيز بجدة، أنه لا توجد لغة أفضل من أخرى، حتى بالنسبة للغة «الضاد» التي يشعر أبناؤها بالتعصب تجاهها. ويعتقد الشمري أن العرب حملوا لغتهم ما لا تحتمل، رغم أنه يرى أن اللغة العربية لغة ثرية قوية، لكنه يقول: «التعصب تجاه اللغة العربية يؤثر على صورتها في الأذهان، مما يسهم في خلق صورة نمطية سلبية، وربما يؤثر على قبول الآخرين لها».

ويرد الشمري في لقائنا هذا معه على كثير من الآراء المتعصبة حول العربية كـ«لغة أولى في العالم»، مضيفاً أن «التعصب فيه إساءة، إما بشكل مباشر أو غير مباشر، وذلك كمن يعتز بأهله بطريقة جعلت الناس يكرهون هؤلاء الأهل، بسبب تعصب الفرد تجاههم».

وحول ما يقال عن ثراء اللغة العربية، مقارنة بغيرها، يرد على هذه الحجة بقوله: «لو أخذنا المعجم الإنجليزي - على سبيل المثال - لوجدناه (تقنياً) يعد من أغنى المعاجم على الإطلاق، فالإنجليزية أغنى تقنياً، لكن لأن العرب عاشوا في الصحراء، فمعجمهم عن الصحراء أثرى من غيرهم من بقية اللغات، فلكل لغة ثراء في جانب معين، لكن المقارنة بين لغة وأخرى ليس له داعٍ على الإطلاق، وهذه المفاضلة غالباً تأتي بدافع عاطفي».

وبسؤاله عما يُتداول عن كون اللغة العربية صعبة التعلم، وبالتالي من يتقنها يعد متمكناً من لغة صعبة، يرى الشمري خلاف ذلك، مشيراً إلى أن حضور اللغة الإنجليزية في السينما والأغاني والإعلام والفنون المختلفة سهل من وصولها للناس بسبب كثرة تداولها، بعكس اللغة العربية، وهذا ما يجعل من الإنجليزية لغة سهلة الفهم، وليس طبيعة اللغة ذاتها.

وهنا، يتوقف عند ما سماه «سلطة اللغة»، فـ«الإنجليزية صارت لغة البلدان القوية، بعد ظهور أميركا كقوة عظمى عالمياً»، لكن «الإنجليزية الأميركية تحديداً لم تنتشر لأنها ثرية بالأفلام والكتب والأبحاث، بل لأنها مهيمنة اقتصادياً وسياسياً» و«هذه الهيمنة لها دور عظيم في سيادة الإنجليزية، بل أيضاً محاولة البعض محاكاة الإنجليزية الأميركية، فالهيمنة الثقافية تمتد من الجانب الاقتصادي والسياسي».

هل سيخبو ألق الإنجليزية مع تراجع الهيمنة الاقتصادية والسياسية يوماً ما؟ لا يعتقد الشمري بحدوث ذلك فـ«الإنجليزية أصبحت إنجليزيات الآن... إنجليزيات العالم لم تعد حتى ملكاً للإنجليز وحدهم، فلكل شعب إنجليزية تخصه، أدخل فيها ثقافته وبعض أصواته».

ويعالج كتاب «عبقرية اللغة» مفهوم «اللغة الأم»، في مقابل «اللغة الثانية»، حيث تلعب اللغتان دور المرآة، في حالة من الصدق والمكاشفة. فعند الحديث عن «اللغة الأم»، فإننا نتحدث عن أنفسنا بأعمق ما يمكن الوصول إليه، وقد يكون التعرف على الذات في هذا السياق نتيجة للمسافة التي نبتعد فيها عنها. ولربما يجد قارئ عربي ذاته أيضاً في اللغة الثانية، حين يقرأ لكاتب أفريقي، أو حين يقرأ لآخر أوروبي أو لاتيني. فنحن قد نشبه كثيرين ممن يشاركوننا العيش على هذا الكوكب، وقد يلامسنا بشكل عفوي وحميمي كتاب «عبقرية اللغة»، أو إحدى مقالاته التي سرد من خلالها كتابها حكاياتهم، متأثرين بالفنون والآداب والأسرة وأنظمة التعليم والسياسة والهجرة، وبـ«اللغة الأم» وعبقريتها. ويوضح المترجم أن دافع ترجمته لهذا الكتاب هو أن يكون هدية إلى «عبقرية (اللغة الأم)، وإلى أولادها من القراء».

وبسؤال الشمري عن ضرورة الانفتاح على اللغات الأجنبية الذي تعيشه البلاد حالياً، يقول: «لا أظن الأمر سهلاً، بل صعب للغاية. صحيح أني أدعو للانفتاح على تعلم اللغات، ووجود برامج لها حتى في المدارس الثانوية، بحيث تُحسب للطلاب كما هو معمول به في النظام الأجنبي، ولكن أدعو أن يكون هذا التنوع اختيارياً».

ويضيف: «الانفتاح وتعلم اللغات وتعليمها شيء مهم، وربما يظن البعض أنه لا بد أن يكون مرتبطاً بمصلحة واضحة المعالم، وهذا غير صحيح... فالمصالح السياسية والاقتصادية الاستراتيجية ربما تنطلق أصلاً من خطوات، مثل فهم الشعوب ومعرفة سيكولوجياتها، وذلك لا يأتي إلا عبر فهم لغتهم؛ اللغة مفتاح العلاقة مع الشعوب».

وحول اليوم العالمي للترجمة الذي يأتي في ختام شهر سبتمبر (أيلول) الحالي، يقول الشمري: «أشعر أن هناك قصوراً في مجال الترجمة على صعيد الأفراد، وكذلك المؤسسات. البعض يطالب بهيئات للترجمة، وهذا شيء جيد، ولكنهم يطالبون بها لأسباب قد تكون بعيدة نوعاً ما عن الحاجة الحقيقة لها. مسألة التوثق من جودة الترجمة وحقوقها هي مسألة مهمة جداً هنا. ويهمني في هذا اليوم أن الشباب السعوديين من الجنسين يقدمون أثراً بالغاً ومنجزاً كبيراً على صعيد الترجمة، والالتفات إليهم شأن مهم، وأتمنى أن نرى قريباً عدة جوائز ترعاها مؤسسات كبيرة للترجمة بأنواعها، لأن شبابنا المترجمين مبدعون، ويطرحون قضايا عميقة جداً، وما يطرحونه مشرف، وله تأثير معرفي وأدبي وفني رائع».
 

الشرق الأوسط