المدينة
قال مدير المركز النيجيري للبحوث العربية الدكتور الخضر عبد الباقي محمد، إن الحفاظ على اللغة العربية وتجديد رسالتها في الحاضر والمستقبل والعناية بمكتسباتها الحضارية خارج البلاد العربية، أصبح خط الدفاع الأول لحماية التراث العربي الإسلامي.
جاء ذلك، في محاضرة للدكتور عبد الباقي افتتح بها الموسم الثقافي لمجمع اللغة العربية الأردني السابع والثلاثين، الذي انطلق مساء أمس في مبنى المجمع ضمن فعاليات مبادرة (ض).
المحاضرة التي حملت عنوان: " اللغة العربية في أفريقيا جنوب الصحراء ورهانات المستقبل"، حضرها رئيس المجمع الدكتور خالد الكركي، ونائب رئيس الجامعة الأردنية لشؤون الكليات الإنسانية الدكتور أحمد مجدوبة، وعدد من أعضاء مجمع اللغة العربية، وطيف واسع من الجمهور المهتم.
ولفت عبد الباقي إلى أن "أفريقيا تأتي كأبرز المناطق التي شهدت حضوراً ملموساً ومكثّفاً للغة العربية وثقافتها الإسلامية حتى أصبحت تمثّل عنصراً مهماً في حياة الشعوب الأفريقية المسلمة، وغدا للتعليم العربي قيمة اجتماعية كبيرة ودلالة ثقافية عميقة في الساحة الأفريقية".
وسلّط الدكتورعبد الباقي محمد في محاضرته، التي أدراها الدكتور علي محافظة، الضوء على واقع اللغة والثقافة العربية في أفريقيا جنوب الصحراء، حيث استعرض واقع المؤسسات المعنية باللغة العربية والإسلامية في أفريقيا، وقال: إن هناك امتدادا وتوسعا للمدارس العربية في أفريقيا، فالمدّ الإسلامي واستمرار الدعوة إليه، عامل كبير ومؤثر لانتشار الحركة الثقافية العربية والمتمثلة في المدارس متوزعة الانتماء.
وأشار عبد الباقي إلى أن المدارس العربية تعاني من إشكالات تربوية يمكن تلخيص أبرزها كالتالي: عدم وجود مناهج ثابتة، وفقدان عناصر المنهج التربوي السليم، وعدم توفر الكتب والمقررات المدرسية، وضعف المنهج وغبرها من الإشكالات.
وفيما يتعلق بالتحديات التي تواجه المستعربين الأفارقة، قال المحاضر: إن هناك تحديات تتمثل في التغييب المتعمد للمستعربين الأفارقة في الساحة الثقافية الفكرية، وتنامي تداعيات ظاهرة الازدواج اللغوي التي تضعف بل تقضي على العربية كمنافسة الأنغلفونية والفرنكفونية للعربية، فضلا عن التحدي الاقتصادي وإشكالية مواصلة الدراسة الجامعية لخريجي المدارس العربية والتي لا تتوفر بسهولة في معظم البلدان الأفريقية.
وتناول عبد الباقي في محاضرته واقع الإنتاج الثقافي الفكري الأفريقي بالعربية، وقال: يمكن تلخيص هذا الواقع بان معظم الإنتاج ياتي في مجال العلوم الدينية والأدب وعلوم اللغة، فيما هناك ضآلة واضحة في مجال الإنتاج الفكري الفلسفي، حيث ما زال الجانب الأكبر من النتاج الفكري والعلمي للمستعربين الأفارقة يغلب عليه الاتجاه التقليدي القديم.
واضاف ظهرت بوادر إيجابية في الأفق تحرك معها المشهد الثقافي العربي تحديداً على خلفية تطورات داخلية وأخرى خارجية منذ مطلع الألفية الجديدة، ما أفسح المجال أمام حركة ثقافية فكرية نشطة باللغة العربية في الوسط الأكاديمي. و قدّم عبد الباقي عددا من المتغيرات التي قد تسهم في إحداث تطورات نوعية لخريطة هذا الواقع مستقبلا، ومنها: المصالحة التاريخية بين العرب والأفارقة؛ فتاريخ العلاقات العربية الإفريقية قديم غير أن تفاعلات الطرفين في جزئياتها لدى بعض الأفراد تحمل ذكريات غير مريحة على خلفية وجود تجاوزات وممارسات غير مقبولة، الشيء الذي كان ولا يزال مثيراً للجدل، ويتجلى ذلك بالامتعاض الموجود لدى بعض الأطراف الأفريقية، ويضربون على وترها، في التضييق على اللغة العربية والقبول بثقافتها كجزء من الثقافات المحلية في سياق البلدان الأفريقية.
واعتبر المحاضر أن الاحترام القانوني للغة العربية في بلادها من الرهانات المهمة في تحسين وضع اللغة العربية في أفريقيا؛ ويكون هذا الاحترام من خلال إعطاء قيمة معتبرة للغة العربية في البلدان العربية نفسها على مستوى القوانين والأنظمة المرتبطة بالعمل والتشغيل، ما سيُنعش حركة الإقبال والتعلّم للعربية لدى الشعوب غير العربية، كما يسهم في الأمن القومي الثقافي العربي وتوسّع حركة الاستعراب الثقافي بطريقة عصرية مرنة.
وبشأن العرب والمثاقفة مع أفريقيا، أوضح عبد الباقي محمد أن هذا الرهان يرتبط بمدى الانفتاح الحقيقي من قبل الأطراف المساهمة في الحضارة العربية على إسهامات بعضهم البعض، ومدى انفتاح الطرف العربي على النتاج الثقافي والعلمي لنظيره الأفريقي باعتباره (العالم العربي) مركزاًومنطلقاً لتلك الحضارة.
وفيما يتعلق باللغة العربية وإنتاج المعرفة، يرى المحاضر أن دخول اللغة العربية طرفاً بل مكوّناً بارزاً في إنتاج المعرفة العلمية عامل أساسي للإبقاء عليها حية وحاضرة بقوة في المحافل العلمية.
يُذكر أن الدكتور عبد الباقي نيجيري الجنسية ومن مواليد 1970، وهو متخصص في الإعلام الدولي ومهتم بالعلاقات الثقافية بين العرب والأفارقة، ولديه العديد من الإسهامات الفكرية والبحثية في مجال تأصيل الفكر الثقافي العربي في أفريقيا، ورؤى خاصة بأطر التنمية الثقافية للمستعربين الأفارقة.
المدينة نيوز