د. هاشم غرايبه
يقول علماء اللغة إن اللغة كائن حي، تعيش وتنمو وتزدهر بمقدار متكلميها، وتذوى وتذبل بمقدار تاركيها الى غيرها، لذلك يطلق مسمى اللغات الحية على اللغات التي هي الأكثر استعمالا.
بعد أن وصلت وسائل التواصل الإجتماعي سجل الى أوجها، بات من السهل قياس عدد المتكلمين باللغات الحية، وفي عام 2019 الذي بلغ فيه عدد سكان العالم 7.67 مليار نسمة، نالت لغة الماندرين وهي لغة 80 % من الصينيين الدرجة الأولى، إذ يتكلم بها 1.390مليار شخص.
أما المرتبة الثانية فهي للغات الهندية والأوردية التي يتكلم بها 588 مليونا من سكان الهند والباكستان.
تليها في المرتبة الثالثة اللغة الإنجليزية، حيث أن هناك الكثير من البلدان المختلفة التي تعتمدها لغة رسمية للبلاد، ويتحدث بها 527 مليونا، وهم إضافة الى المملكة المتحدة، كل من جنوب أفريقيا، هونغ كونغ، منطقة البحر الكاريبي، كندا، أستراليا، زيمبابوي، الولايات المتحدة الأمريكية ونيوزيلندا.
فيما تحتل لغتنا العربية المرتبة الرابعة، ويتحدث بها أكثر من 467 مليون شخص كلغة أصلية، لكن لو احتسبنا عدد من يستعملها يوميا لاحتسبت اللغة العالمية الأولى، فهي التي يستعملها أكثر من 1.5 مليار مسلم يوميا في الصلاة وتلاوة القرآن.
في المرتبة الخامسة تأتي الإسبانية التي يتحدث بها 389 مليونا، وهم الى جانب اسبانيا كل أقطار أمريكا الجنوبية ما عدا البرازيل التي تتحدث لغة يطلق عليها “بليز”.
الأمر الصادم أن إجادة اللغة العربية في كافة الأقطار العربية في تراجع متسارع، وذلك بسبب سياسة الإلتحاق بالغرب وثقافته التي تبنتها جميع الأنظمة العربية، حيث تم تعديل المناهج المدرسية خلال الأعوام العشرين المنصرمة، وفق المنهج الذي اتبعه أتاتورك قبل قرن في تركيا، والمتمثل بتحييد الدين، ولما كانت اللغة العربية لغة القرآن وبغير تعلمها لا يمكن فهمه، لذا كان محاربة اللغة العربية عنوانه.
في تركيا كانت هنالك اللغة الأولى هي التركية، لذا كان الأمر سهلا، فلم يحتج الأمر إلا الى استبدال الحروف اللاتينية بالعربية، وبقيت المعاني واحدة، لكن نشأت أجيال جديدة لا تستطيع قراءة القرآن ولا كتب التاريخ والتراث، فنجح التغريب الثقافي بتثبيت قبضة العلمانيين على مقاليد الأمور لقمع أية محاولة للتمرد على المنهج الأتاتوركي المقيت المعادي للمنهج الإسلامي، وتم احباط كل المحاولات بقسوة وصرامة، وكان أولها محاولة “عدنان مندريس”، ثم محاولة “أربكان”، وأخيرا نجحت المحاولة الثالثة “أردوغان” عام 2003 ، لكن محاولات الإطاحة به لم تتوقف الى الآن، وتجري كلها على صعيدين: دعم الإنقلاب عليه عسكريا كما حدث في انقلاب السيسي في مصر، وتكالب عملاء الأنظمة والقوى المضادة للإسلام لتشويه صورته في العالم الإسلامي والتشكيك بصدق انتمائه للأمة.
الإلتزام بالمنهج الأتاتوركي التغريبي، كان صعبا على الأنظمة العربية، كون العربية هي لغة الأمة الأولى، وإلغاؤها بطريقة أتاتورك مستحيلة، لذا كانت وسيلتهم هي الإحلال، فجعلت اللغة الإنجليزية في الشرق العربي هي لغة العلم والطب والتكنولوجيا، وفي المغرب العربي جعلت الفرنسية، وعملت الأنظمة بدأب على تشجيع هذا الإحلال.
ظلت وتيرة التغريب تسير بخطى مترددة، كونها تستهدف عقيدة الأمة من أساسها، الى أن قرر الغرب تجييش حملة صليبية جديدة تحت مسمى الحرب على الإرهاب، ولم تكتف القيادة الأمريكية العليا بانخراط الأنظمة عسكريا، بل طولبت بتسريع عملية التغريب، كحرب فكرية مساندة، فنشطت أجهزتها في ما سمي (تطوير المناهج لمواكبة العصر)، ونجح عملاء الغرب ممن يرتدون أقنعة العلمانية بالتحكم بالمناهج وتعديلها لتفريغها من المحتوى اللغوي العربي والديني، حيث أصبحت المادتان تدرسان للتلاميذ كثاقة عامة وليست مادة أساسية.
نلاحظ الآن نجاحا مضطردا لهذا المنهج خلال العشرين سنة الماضية، فقد أصبح لدينا جيل من مواليد الألفية الجديدة يجهل تاريخ أمته، ويكتب لغتها بأحرف لاتينية، ولا يمكن أن يكتب جملة صحيحة.
في المقابل تجد الشعوب غير الناطقة بالعربية تتسابق لتعلمها، فقد ورد في الأخبار أن كوريا الجنوبية اعتمدت اللغة العربية اللغة الرسمية الثانية، وهنالك إقبال كبير على تعلمها بعد إذ أصبحت ستة جامعات فيها تعلم العربية.
والأمر كذلك في الصين وفي أمريكا، بينما نحن نترك لغتنا، ونلحق أبناءنا بالبرامج الأجنبية، ونتفاخر بأنهم يدرسون بلغة غير عربية.
فإلى أي دار بوار ستوردنا أنظمتنا أكثر مما فعلت بنا الى الآن!؟.
سواليف