العربية ومكانتها في اسرائيل

أ. علي محمد رشيد

 

يعد اللقاء الحقيقي الاول بين الشقيقتين الساميتين ( العربية والعبرية) في الاندلس في العصور الوسطى ، أو ما يسمى بالعصر الذهبي للفترة ما بين ( 711 م – 1146 م ) ، حيث بدأت العبرية بمحاكاة العربية في العديد من المجالات العلمية والثقافية المتنوعة . اما اللقاء الثاني فقد حدث في بداية القرن العشرين في فلسطين ، والذي مايزال حاضراً حتى الان . اذ دأبت العبرية باستقطاب الكلمات العربية وتوظيفها واعادة صياغتها لتكون كلمات عبرية بحتة يستخدمها اليهود في لهجتهم العامية ، لا بل تعدته الى بروزها في مجالات الادب والثقافة الاسرائيلية ووسائل الاعلام والخطابات السياسية .

ان اللغة هنا كائن حي ينمو ويتطور ، ثم يضمحل ويموت ويتغير بتغير الزمن . واللغة العبرية ليست مختلفة عن اللغات الاخرى ، لذا فهي بالتاكيد يطرأ عليها ما يطرأ على اللغات الاخرى من التأثر والتغير سواء اكان سلبياً ام ايجابياً، وهذا الامر متروك بالتاكيد الى المتحدثين بها ، فهم من تقع على عاتقهم المسؤولية باحياء اللغة ورُقيها او انحطاطها واندثارها . وعليه فهم ملزمون – دون غيرهم – ان يحافظوا عليها مهما اشتدت النوائب ، ويضيفوا اليها ما تحتاج من المفردات والمصطلحات الملائمة لتطور الازمان والتقدم والحضاري .
فبعد أن اختفت العبرية وماتت مع السبي البابلي ) ٥٦٧ ق.م) عادت إلى الظهور على أطلس اللغات في القرن العشرين. وكان معظم الوافدين إلى فلسطين المحتلة يجهلون العبرية إلا أن التخطيط اللغوي هنالك عمل على جعل هذه لغة رسمية.
وتُصنف إسرائيل انها دولة متعددة اللغات؛ إذ أن العبرية في إسرائيل هي اللغة الأم ولكن ينتشر بين يهودها العديد من اللغات الأصلية كلغة أم، وهي: الفرنسية، والرومانية، والهنغارية، والبولندية والفارسية، والإنجليزية والأمهرية والتيجرية ، والأسبانية والألمانية واليديشية. كما أن كبار السن ( فوق 65 سنة ) الذين هاجروا من البلدان العربية لا يتكلمون العبرية بل العربية، كما أن لغة (الدروز) في إسرائيل هي العربية. واللغة المحكية بين أغلب عرب ٤٨ هي العربية التي هي لغتهم الأم

وارتبط انتشار العبرية في إسرائيل بزيادة عدد المستوطنات والمستوطنين، إذ وصل عدد السكان اليهود في فلسطين عام ١٩٢٥ إلى ١١٨ ألفاً ، وقد ساعد هربرت صمويل، على نشر العبرية بعدة طرق من بينها الاعتراف بالمؤسسات السياسية الصهيونية في فلسطين والاعتراف باللغة العبرية كإحدى اللغات المحلية فيها .وقد زاد عدد المستوطنات الصهيونية في عهده من ٤٤ إلى ١٠٠ مستوطنة. ثم أصبحت العبرية اللغة الرسمية للدولة بعد إنشائها سنة ١٩٤٨ ولعل في إصرار الصهاينة على أن تكون لغة الدولة هي العبرية وليس الإنجليزية
واللهجة العامية لغة حديثنا اليومي المتداول في الشؤون العامة ، وهي لا تخضع لقوانين تضبطها وتحكم عبارتها؛ لأنّها تلقائية متغيّرة ، فتتغيّر بحسب تغيّر الأجيال والظروف التي تحيط بها، وهي لغة الإحساس ولغة العجلة، إن أي لغة فجائية تلقائية انفعالية، ومعروف أن الانفعال بيولوجي الطابع، لا يتسع له الوقت للتفكير، ولهذا تظهر العامية على سطح الوجدان، وهي لا تخضع للقواعد النحوية، بل تكتفي بالتعبير عما يجول في نفوسنا ببساطة ويسر.
اقتبست العبرية الاسرائيلية الكثير من الكلمات والتعابير الدخيلة – لا تعد جميعها ضمن اللهجة العامية – التي تغلغلت الى اللغة الفصحى بطرق مختلفة . وتشير ( حيا فيشرمان) بان تاثير لغة على لغة اخرى يحدث بطريقتين : الاولى التاثير المباشر ، اذ تقتبس فيه اللغة الاولى الكلمات على بنائها وصيغتها لا بل حتى معناها الدلالي بدون اي تغيير ، والطريقة الثانية : الطريقة الغير مباشرة وهي عن طريق الترجمة او اقتراض كلمات جديدة تفتقر لها اللغة المقترضة ، فيضاف اليها لواحق او تجري عليها بعض التغييرات سواء في البناء الصرفي او النبر
طرق اقتباس الكلمات
تتطلب عملية اقتباس كلمات من لغة الى لغة اخرى ايجاد الاشتقاق الملائم في اللغة الهدف ، اذ يتضمن الاشتقاق العديد من التغييرات ، الصوتية ، النحوية ، القواعدية .
اغلب الاقتباسات من اللغة العربية قد حدثت بصورة مباشرة للاسماء ، للافعال ، الصفات ، التعابير الاصطلاحية والالفاظ المعجمية وغيرها. جاءت هذه الاقتباسات بعدة طرق، اهمها:
اقتباس تام بالشكل والمعنى
دخلت الكثير من الكلمات العربية الى اللغة العبرية بطريقة مباشرة بدون اي تغيير بالمعنى او بالشكل ، كما في الكلمات التالية :
אָבּוּ (أبو) بمعنى ” اب ، والد ) وتأتي ايضا بمعنى صاحب مهنة او عاهة .
אהבל – (أهْبَل)
אַהְלָן – ( اهلا) ., אּוקְצּור ( فعل امر بمعنى قصّر ) اي تكلم بنبذة مختصرة . (, אַחְסַן – احسن ), אִיכְסָה – تخسا ، او في العربية العامية نقول : اخص عليك ، اي عيب عليك . אַשְּכָרָה – اشكرة ، اي بوضوح ., בוסָה – بوسة (قبلة), בַלְּבָלָה – بلبلة, גָ’אסּוס – جاسوس, וַואחְש – وحش )( חַוואגָ’ה – خواجة اي يا رجل ، وتطلق على الاغلب على الاجانب غير العرب ), כַסַח – (كَسّحَ ) بمعنى دمّر او حطّم, לַטְמָה – لطمة (ضربة قوية), מַּבְסּוט – مبسوط اي سعيد, מַגְ’נּון – مجنون, מַזְּבּוט – مضبوط, מַחְשִי – محشي, מַסְּכִין – مسكين, נַחְס – نحس (עָלָא טּול – على طول اي مباشرة ) עָלֵיהּום – عليهم بمعنى لنهجهم عليهم: מתקפה ), שַּבְרִייה – شبرية – خنجر ملتوي, שַקְשּוקָה – شكشكة – وهي اكلة تتكون من البيض والجبن, תַעְּבָאן – ‘עייף’, تعبان – وبعض الاحيان تاتي بمعنى ” غير جدي حيال الامر “.בַרַּכַה – بركة )
يطرأ في بعض الاحيان تغيير بسيط في لفظ بعض الكلمات المقتبسة من العربية ، على سبيل المثال : בַרַּכַה – بركة تلفظ في العبرية ( בַּרַכֶּה – بركي ) ، وكذلك ג’בֶּל (جَبِل) بكسر الباء
ג’דע ( جيدع) اي جدع بمعنى قوي ، דבע (ديبغ) بمعنى دبغ او صبغ . חפלה – حفلاة اي حفلة … وهكذا ، يمكننا القول ان ان التغيير يحدث باطالة النبرة في الكلمات ، على ما يبدو بسبب صعوبة لفظ الكلمات العربية عند اليهود الغربيين
ان الاقتباس المعجمي للكلمات العربية اقتصر على الاغلب باقتباس التعابير والمصطلحات ، وهنا سنستعرض بعض التعابير العربية المقتبسة في اللغة العبرية :
שו אסמו ( شو اسمو – لسؤال عن الاسم ) على الاغلب تستهدم في العبرية للاستهزاء والتقليل من الشيء او الشخص ، שו הדה – شو هذا ؟ للاستفهام عن شيء معين ، חומוס אסלי – حمص اصلي ، اي حمص جيد ، כיף חאלק ? – كيف حالك ؟ ، כלאם פאדי – كلام فادي – اي كلام فارغ
ملائمة الكلمة المقتبسة للكتابة العبرية :
هناك الكثير من الحروف العربية التي ليس لها نظير في اللغة العبرية ، وهذه الحروف هي : ( ض ، ظ ، غ ، ذ ، خ ، ث ) ، لذلك فقد طرأ تغيير على لفظها وعلى كتابتها ولفظها على النحو التالي :
 
(צֹ – ד) اي يتغير حرف (الضاد) الى حرف (الدال) كما في : אינתיפאדה – انتفادة اي انتفاضة ، פאדי – فادي اي فاضي بمعنى فارغ ، דחקה – دحكة اي ضحكة ، תפדל – تفدل اي تفضل ، פדיחה – فديحة اي فضيحة … وهكذا
(חֹ- ח ) اي يتحول حرف الخاء الى حرف الهاء – على الرغم من لفظ الحاء احيانا خاء في العبرية عند اليهود الغربيين إلا أنها تتحول لفظاً كما في – בטיח – بطيح اي بطيخ وياتي بمعنى لا شيء بقولهم ( …… ولا بطيخ ) اي لا شيء سيحصل او حصل ، חוביזה – حوبيزة اي اكلة الخبيزة الشهيرة. חליאה לאאלה – حلية لالله – اي خليهة على الله ، חלס – حالاص اي خالص نهائي او انتهى ، وتاتي بمعنى نهائيا كما في اللهجة المصرية (خلاص) ، חמארה – حمّارا اي خمّارة ، חפיף – حفيف اي خفيف ، מסחרה – مسحرة اي مسخرة بمعنى الاستهزاء … الخ
(ד’ – ד ) اي يتحول حرف الذال الى حرف الدال ، كما في ( כדאב – كداب اي كذاب )

 

(ע’ – ג ) يتحول حرف الغين الى حرف جيم (المصرية) كما في ( דוגרי – اي دوجري بمعنى دغري اي مباشر ) وفي بعض الاحيان يتحول حرف الغين الى حرف راء في العبرية .
الاقتباس عن طريق تغيير النبر والصوت وتغيير بالكتابة
هناك الكثير من الكلمات العربية التي دخلت الى اللغة العبرية طرا عليها تغيير من ناحية الصوت للتلائم مع اللفظ العبري ، كما في :
ע > א : تحول حرف العين الى حرف الف كما في – אפריט – افريت اي عفريت ، אוונטה – اونطا – اي عونطا وهي كلمة دخيلة على العربية بمعنى هباء، ארס – ارس اي عرس אספור – اسفور اي عصفور
ה > א : تحول حرف الهاء الى حرف الف كما في אבלה – ابلة اي هبلة. 

ב> פ : تحول حرف الباء الى حرف الفاء كما في פוסטה (فوسطة – وهي عجلة لنقل السجناء) يقابلها في العربية بوسطة
ג’ > ג :تحول حرف الجيم الى حرف الجيم ( الجيم المصرية) كما في גלח كلح – بمعنى حلق يقابلها في العربية (جلخ).
ת>ט : تحول حرف التاء الى حرف الطاء كما في : טמבל – طمبل اي تمبل في العربية
ט > ד : تحول حرف الطاء الى حرف الدال كما في : קדיף – قديف اي قطيف وهو نوع من الحلويات العربية المشهورة.
כ > ק : تحول حرف الكاف الى حرف القاف كما في : דחקה – دحقة اي ضحكة ، כאדר – كادر اي قادر ، אחוק – احوق وتلفظ اخوك ، بمعنى اخوك ايضا ، דיר באלאק – دير بالاق اي دير بالك بمعنى انتبه ، סלאמתק – سلامتاق اي سلامتك ، מברוק – مبروك اي مبروك …. الخ
צ’ > כ : اي يتحول حرف (ﭺ) الى حرف كاف ، كما في : כלבה – كلبة من كلمة بـﭼرة بمعنى بكرة.
ה > ע : اي يتحول حرف الهاء الى عين ، كما في : מעבול – معبول اي مهبول
ע’ > ג : اي يتحول حرف الغين الى حرف جيم (المصرية) كما في ( דוגרי – اي دوجري بمعنى دغري اي مباشر ).
ע’ > ר : اي يتحول حرف الغين الى حرف راء كما في ( רולה – رولة اي غولة بمعنى انثى الغول ). و ראזאלה – رزالة اي غزالة .
צ > ס اي يتحول حرف الصاد الى حرف السين كما في ( סתחין – سحتين اي صحتين אסלי – اسلي اي اصلي )
وبناءً على ما تقدم يمكن أن نعرّف العامية بأنها لغة حديثنا اليومي المتداول في الشؤون العامة، وهي لا تخضع لقوانين تضبطها وتحكم عبارتها؛ لأنّها لغة تلقائية متغيّرة، فتتغيّر بحسب تغيّر الأجيال والظروف التي تحيط بهم، لذلك؛ فهي تمتاز بأنّها تعاني من تحريف اللفظ الفصيح وغموضه في بعض الأحيان.
ان اللغة العبرية ، على مر العصور ، وخصوصا في تلك الفترة الفترة التي اصبحت فيها لغة محكية ، تعد لغة مستقرة ومنفتحة ، مبنية على مرتكزين اساسيين وهما : الكلمات المقتبسة من اللغات الاخرى في العصور السابقة بسبب شتات اليهود ؛ والمصادر اليهودية منذ عصر المقرا وحتى يومنا هذا.
ان الكلمات العربية المقتبسة في اللغة العبرية كانت ضمن جميع المجالات الحيوية ، وتظهر لنا جليا في اللغة المحكية ووسائل الاعلام . وفي الحقيقة يمكننا القول ان العربية قد اثرت بصورة كبيرة ايضا على البناء الصرفي للكثير من الكلمات العبرية وبذلك فقد اثرت اللهجة العامية الاسرائيلية . حيث اقتبست اللهجة العامية الاسرائيلية الكثير من الكلمات بصورة مباشرة ، وجزءا اخرا من الكلمات قد جاء مع المهاجرين اليهود من اصل عربي.
اغلب الكلمات المقتبسة قد بقيت محافظة على لفظها ومعناها الدلالي ، اي انه بقيت كاسماء ، صفات ، ظروف وافعال … الخ ، هذا الاقتباس قد حدث وفق ملائمة الكلمات من الناحية اللغوية ، الصوتية والصرفية . اضافة الى ذلك ، الاقتباس الغير مباشر للتراكيب اللفظية وذلك عن طريق الترجمة الكلمات المقتبسة او اقتباس المعاني ، وكان الاقتباسات جميعها قد اثرت المفردات العبرية ، وهناك الكثير من الكلمات والتعابير والمصطلحات العربية قد دخلت الى القواميس والمعاجم العبرية المتخصصة باللهجة العامية الاسرائيلية .
ان الكلمات العربية لها وقع كبير في اللهجة العامية الاسرائيلية ، الامر الذي اوقع اللغة العربية بالمركز الثاني من ناحية التاثير على العامية الاسرائيلية بعد اللغة الانكليزية.
 

كتابات