العربيّة لسان الآداب والعلوم

د. سعيد بن محمّد القرنيّ

فاضلَ الله بين الألسنة كما فاضلَ بين النّاس وسائر مخلوقاته في الجملة ؛ فجميع مخلوقاته في الكون المنظور متفاضلةٌ متكاملةٌ يأخذ بعضُها بحجز بعضٍ . ولولا هذا التّفاضلُ لما كان التّكامل . وقد كان للعربيّة بين الألسنة الأُخَر القدح المعلَّى والمنزلة المجتباة ؛ فهي منها بمنزلة الثّابت من المتغيّر ، وما كانت لتكون كذلك لولا عواملُ داخليّةٌ وأخَر خارجيّةٌ جعلَتْها لساناً مختاراً لشريعةٍ مختارةٍ ، ولساناً خالداً لكتابٍ خالدٍ ؛ هو القرآن الكريم . كمالُها مستمَدٌّ من كماله ، وجمالها مستضيءٌ بجماله ؛ فاللسان لفظٌ ومعنًى ، ودالٌّ ومدلولٌ .

استوعبَت العربيّة أغراض أهلها الأدبيّة والعلميّة وراثةً واكتساباً في ما غبرَ من الخبر ، وهي اليوم أهلّ لاستيعاب متغيّرات الآداب والعلوم معاً متى ما آمَنَ بها المنتفعون بها ومنها ، وأخذوها بقوّةٍ ومكّنوا لها في الإعلام والتّعليم . فكم لسانٍ لم يستوِ بُنيانه استواءَ بنيانها سادَ في النّاس وتسيّدَ ؛ لأنّ أهله مكّنوا له في الأرض بقوّة الإرادة الوسيلة ، وصدق الضّمائر المستترة والأسماء الصّريحة .

العربيّة جسدُ الأشُدّ من النّاس إذا اشتدّوا واستدّوا ، وتفي بأغراضهم أدباً وعلماً .

من أنعمَ النّظر وأمعنَ في انتشار الإنجليزيّة في مشرق العالم العربيّ والفرنسيّة في مغربه ، ثمّ فحصَ اللسانيْن بمقاييس الدّرس اللغويّ الموضوعيّ – وجد أنّ 85 % من المصطلحات العلميّة فيهما قائمةٌ على دوالّ الإلصاق والنّحت ؛ يونانيّة المنشأ أو لاتينيّة . وتلك الدّوالّ في محيط اللسان العربيّ قريبة المأخذ ، وفيه الغائر الثّائر .

عسى أن تنقشع سحبُ الكَهام عن الصّيّب الطّيّب من الغمام ؛ فيجري ماءُ العربيّة في النّاس كما جرى من قبل ؛ بتداعي أبنائها لرعايتها ونشرها ؛ ليرتوي منها الصّادُون غيرُ الصّادّين ! .