الإعلام واللـّغة – مستويات اللـّغة والتطبيق - كتاب للدكتور محمد البكاء

                    صدر مؤخرا للاستاذ الدكتور محمد عبد المطلب البكـــّــاء  كتاب:
 ( الإعلام واللـّغة – مستويات اللـّغة والتطبيق )  عن دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع- سورية – دمشق .

    تقديم: أ.د. أحمد مطلوب رئيس المجمع العلمي العراقي
                          بسم الله الرحمن الرحيم
  قرأت كتاب( لغة الإعلام – دراسة نظرية، تطبيقية) بدقة لغرضين: الأول: شخصي لأنني معني بهذا الكتاب ، وما فيه من معلومات. الثاني: علمي لما تضمن من فصول تصب في لغة الإعلام، وما انتهى إليه الباحث من أهمية اللغة، والحفاظ على أصولها، وتطويرها لتستوعب المستجدات في الإطار الذي لا يخل، وإنما يجعلها صالحة للإعلام الذي هو من أهم وسائل الاتصال الآن بوسائله المختلفة.
وُفِق الباحث في كتابه، الذي جمع فيه بين قضايا اللغة الأساسية، والإعلام بمفهومه الواسع فضلا عن المعلومات التي تثري ذهن القارئ، وتجعله يلم بما يدور الآن من ثقافة، ومعرفة ومعلومات .على وفق منهج واضح بعد أن جاء الكتاب في مباحث تعرضت للغة والإعلام ،وللغة الإعلام، ومستويات اللغة ،ولغة الصحافة ، فضلا عن الجانب التطبيقي، والملاحق التي أرى أنها ضرورية لمن يعمل في حقل الإعلام . لذا فإن الكتاب مهم ينفع طلبة كلية الإعلام، والعاملين في الإعلام، والمثقفين عامة.

     
                                                               مقدمة الكتاب
                                                         بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وأصحابه المنتجبين، وبعد:
إذا كانت اللغة وسيلة إنسانية لتوصيل الأفكار، والانفعالات والرغبات عن طريق نظام من الرموز التي تصدر بطريقة إرادية كما رأى معظم الباحثين التقليديين ، فإن الإعلام يهدف إلى :تزويد الناس بالأخبار الصحيحة، والمعلومات السليمة، و الحقائق الثابتة التي تساعدهم على تكوين رأي صائب في واقعة من الوقائع، أو مشكلة من المشكلات، بحيث يعبر هذا الرأي تعبيراً موضوعياً عن عقلية الجماهير، واتجاهاتهم، وميولهم.
وبذا تتضح العلاقة بين اللغة و الإعلام، التي حاولنا في هذا الكتاب إلقاء المزيد من الضوء في تبيان حقيقتها، ثم اشتراطات هذه العلاقة من حيث سلامة اللغة الإعلامية، التي لا تخرج عن إطار اللغة النثرية في التعبير عن الفكرة وصياغتها في رموز لتكوين الرسالة الإعلامية، وهذا بخلاف ما ذهب إليه بعض الباحثين الإعلاميين الذين عدّوا (لغة الإعلام) أحد مستويات اللغة في مقابل: الشعر، و الفنون عامة (المستوى الفني)، و العلوم (المستوى العلمي).
لقد جاء الكتاب في خمسة مباحث استعرضنا في (المبحث الأول) تعريفات اللغة من وجهات نظر مختلفة ،ثم انتقلنا إلى عرض ما توصل إليه الإعلاميون من تعريف للإعلام، مرجحين بعض التعريفات على بعضها الآخر منطلقين من قناعة ضرورة وجود (معنى) حتى يمكن لدائرة الاتصال أن تتم، و تؤدي دورها في الإبلاغ، وإن من أهم اشتراطات سلامة المعنى: سلامة اللغة بحكم كونها وسيلة اتصالية .
وفي المبحث الثاني (لغة الإعلام) كان لـ(عنصر الدلالة) العناية الكبرى، وذلك لأن عناصر أية لغة ترجع إلى أمرين،هما: الصوت والدلالة.
وتتكون الدلالة من: معاني المفردات (Lexicology) وقواعد التنظيم – النحوsyntax))، وقواعد البنية-الصرف (morphology)، وقواعد الأسلوب –البلاغة(Rhetoric) ، وذلك لأنها تشكل نظام الرموز التي تصدر بطريقة إرادية قصد التعبير عن غرض معين،ولاسيما إذا كانت هذه الرموز مكتوبة، فضلاً عن أن هذه الأقسام الأربعة هي مكونات (الرسالة الإعلامية) التي تعد العنصر الثاني في عملية الإتصال (communication) التي لا تخرج عن إطار اللغة الفصحى.
أما المبحث الثالث (مستويات اللغة) فقد عالجنا فيه (المستوى الفني) إذ عرف العرب قيمة لغتهم، ورقيها، وجمالها، فحرصوا على تجويدها،كما تجلى هذا الحرص على سلامة اللغة (نطقاً و كتابةً) وبلاغتها في شدة إيجازها، وفخامة لفظها بأسلوب غير معقد اتضح في صياغة العبارة، و الميل إلى التلميح، والإشارة. وفي مقابل المستوى الفني كانت لنا وقفة مع (المستوى العلمي) الذي ضمَّ نوعين من النثر، هما: النثر العلمي، والنثر الصحفي (الإعلامي) لأني آثرت أن يكونا قسماً واحداً في مقابل (النثر الفني)، وأن ما يصطلح على تسميته بـ (اللغة الإعلامية) يدخل في صميم النثر العملي شأنه في ذلك شأن لغة العلوم عامة، ولكننا اصطلحنا على تسمية كل منهما بـ(الأسلوب العلمي) و (الأسلوب الإعلامي).
كما استعرضنا في هذا المبحث (النثر الصحفي) على وفق منهج تاريخي – أدبي،آخذين بالحسبان التطور الذي عرفته الكتابة العربية ثم ما شابها من تدهور، ولاسيما في زمن السيطرة العثمانية إذ بلغت حد الإسفاف، والترهل مما جعلها ترسف في قيدين ثقيلين ،هما: الصناعة اللفظية المتكلفة، والركاكة العامية ،اللتان غالباً ما كانتا تجتمعان في أسلوب واحد.
أما المبحث الرابع (لغة الصحافة) فقد اتجهنا فيه إلى تقييم: لغة الصحافة العربية، وتقويمها، وذلك بعد أن بالغ بعض الباحثين الصحفيين في بيان فضل الصحافة على اللغة العربية، لأننا نرى: إذا كان جزء من هذا التقييم يصدق على بعض رواد الصحافة العربية الذين وقفوا بين طريقين (العامية والفصيحة) ثم هداهم التفكير إلى أن يختاروا لأنفسهم حلاً وسطاً، هو: الكتابة باللغة العربية التي هي لغة القرآن الكريم على أن يخففوا شيئاً فشيئاً من القيود الكتابية التي كان يرسف في أغلالها الأدب الشائع في القرن التاسع عشر، تسعفهم في ذلك قدرتهم اللغوية وتمثيلها (قواعد ومفردات و أساليب) على الرغم من أن ذلك ليس حكماً عاماً على كل ما كتب إبان ظهور الصحافة العربية، ولاسيما إذا أخذنا بنظر الإعتبار ما فعلته (الترجمة) التي ما نزال نقاسي الأذى مما خلفته في لغتنا الكريمة .
أما المبحث الخامس (الجانب التطبيقي) فقد حرصنا فيه على تبيان ما يقع فيه الصحفيون من أخطاء لغوية، ونحوية،وصرفية،عن طريق رصد بعض الكتابات الصحفية لمدة شهر واحد في صحف عراقية، ثم تصويب هذه الأخطاء وصولاً إلى نتائج نراها ضرورية لأنها بنيت على أساس النسب المئوية (الجزئية و الكلية) لتكرار الخطأ ونوعه ، كما أنها تصلح أن تكون أساسا لوضع منهج لغوي – نحوي ننطلق منه في تدريس (اللغة العربية) في كليات الإعلام التي لا يمتلك رجل الإعلام وسيلة غيرها لإبلاغ رسالته التي يشترط فيها: الصحة، والوضوح، وحسن الدلالة.ثم أعقبته بـ ( ملاحق ) توخياً لزيادة الفائدة، الأول: (علامات الترقيم)، والثاني: ( الإعراب في اللغة العربية، وعلاماته الأصلية والفرعية)،والثالث:(كشف بما ألف في ميدان التصويب اللغوي), والرابع: (المصطلحات البلاغية التي وردت في متن الكتاب). وبذا آمل أن يسهم الكتاب في خدمة لغة الإعلام خاصة، والعربية عامة لأن أي نهضة لا يمكن أن تبدأ إلا من اللغة، فهي وحدها التي يتعلق بها الفكر، وهي وحدها الدال على مستوانا الفكري، والعملي ، وحالتنا الذهنية، وهي الحضور للذات، والهوية، فاللغة ليست مجموعة مفردات وإن بدأت بالجملة، فاللفظ المفرد وإن كان حاملاً للمعنى إلا إنه لا يعطي دلالته إلا في علاقته بالألفاظ المجاورة له في تركيب الجملة.
وفي الختام: لقد كان الهدف من تأليف هذا الكتاب هدفاً تعليمياً بحتاً، توخينا فيه الدقة، وتقسيمه ضمن منهج علمي اعتمد عليه الكتاب في مباحثه الخمسة، وأن أضيف إليه،ما استوجبته الإفادة العلمية، زيادة في الإيضاح في بعض المواضع، وإضافة بعض العناوين الفرعية بغية التيسير على الإعلاميين عامة، وطلبة كليات الإعلام خاصة، والله أسال أن ينفع بالكتاب على قدر ما بذل فيه من جهد ، وعليه سبحانه قصد السبيل ، ومنه التوفيق .


الدكتور محمد البكاء