وسائل الإعلام ونشر اللغة العربية في جنوب شرق آسيا - 1
أ. سيف الدين حسن العوض
مقدمة:
تطلع الاندونيسيون الي تعلم العربية منذ امد بعيد، ورغب العرب المهاجرون الي ارخبيل الملايو (اليمنيون والشوام والسودانيون وغيرهم) في تعليمها لهم، وتعددت الدوافع على طلب العربية، بعضهم يلتمسها يقيم بها عباداته من صلاة وصوم وذكر ودعاء وحج وعمرة، ويتعرف على شرع الله كمسلم في كتاب الله تعالى وعلى دستور المسلمين من خلال السنة المطهرة. وآخرون كانوا يرومون اللحاق بالعرب وتحقيق المجد الادبي ويتبوأون باللغة العربية مناصب العلم والعلماء ويرتادون بها مجالس العلماء. والبعض الآخر يرى ان الاهتمام باللغة العربية هو من الإسلام فالله تعالى اختار اللغة العربية لتكون هي لغة القرآن، ويعتبرون تعلمها قربة لله تعالى وطاعة من الطاعات.
وتعمق بعض الناطقين بغير اللغة العربية في طلبها فبلغ بعضهم منزلة الادباء والعلماء، كالحسن البصري وابي حنيفة النعمان من الفقهاء، وعبد الله بن ابي اسحاق وابي عبيدة معمر بن المثنى من اللغويين، وسيبويه والكسائي من النحاة، وبشار بن برد والحسن بن هاني من الشعراء، وابي عبد الله البخاري وابي داواد السجستاني من المحدثين الي غير هؤلاء الذين كانوا يعتبرون في العربية والعلوم الاسلامية افذاذاً يسابقون العرب.
وكان من اسباب ذلك نشأة البعض في البيئات التي يسود فيها اللسان العربي كالبصرة والكوفة والقاهرة، وحضرموت، وتيقّظ الهمم عند الآخرين. وتقدم الزمن وبعدت العربية عن دارها ووهنت السليقة، فوضعت الكتب لتذكير العربي وتعليم الاجنبي، وكان المجتمع قد تكفل بالوجه الشفوي من العربية أو اعان عليه فتارة تنحو العربية الي الفصحى وتارة تلتوي فتبعد عن الفصحى بعض الشئ.
وفي العصور الحالية سهل الاتصال وتشابكت المصالح وتقدم الاستنباط ولم تبق أمة مستغنية بلسانها، وصار غير العرب يتطلعون الي اللغة العربية لاسيما المسلمون منهم، ولا تكاد تخلو اليوم دولة من جامعة او كلية او معهد او قسم للغة العربية.
ولقد لعب الاعلام العربي (برسائله الواقعية كالاخبار مثلاً والخيالية احياناً كالقصص والتمثيليات) دوراً مقدراً في نشر اللغة العربية والتعريف بها وفي ترقيتها وانتشارها، بجانب تعليمها للناطقين بها وللناطقين بغيرها كذلك. ولقد استخدمت الصحافة والراديو ومن بعد التلفزيون بجانب الكتيبات المصاحبة، وحالياً الانترنت عبر الحاسب الآلي، بصورة واسعة في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، من خلال سلسلة من البرامج المعدة والمخطط لها بصورة جيدة من اجل تمكين المتلقي غير العربي والعربي احياناً الدارس للغة العربية من التحدث باللغة العربية وقراءتها وكتابتها ايضاً. ولقد نجحت سلسلة برامج تعليم اللغة العربية بالرديو منذ العام 1966م عبر موجات الاذاعة القصيرة في ذلك الوقت، لانه ثبت ان التعرف على اي لغة من اللغات يكون عن طريق الاستماع اولاً ثم تأتي من بعد مهارات التحدث والقراءة ثم الكتابة.
وتطور الاعلام اليوم وصار هناك ما يعرف بمحطات الأف أم ومواقع الانترنت الإجتماعية مثل الفيس بوك بجانب صحافة المواطن وغيرها من التطورات الحديثة في مجال الاتصال الجماهيري، فلم يعد الاتصال اعلاماً ذو اتجاه أحادي بل صار الإعلام إتصالاً ذو إتجاهين، وهو ما يعرف حالياً بالإتصال التفاعلي.
أهمية الدراسة:
على الرغم من التوسع التعليمي الحادث في العالم ابتداءً من تعليم الصغار الى تعليم الكبار، إلا أن الإعلام قد اتسعت آثاره وتعمقت في قطاعات عريضة بما يملكه من وسائل اتصال جماهيرية تقليدية ( تلفزيون، إذاعة وصحف ومجلات) ووسائل إعلام جديدة (التلفزيون النقال، والتلفزيون عبر الانترنت، ومواقع تواصل اجتماعي، واقمار اصطناعية .. الخ ) حتى أصبح عصرنا الحالى يعرف بعصر الإتصال التفاعلي أوعصر الانفوميديا ( وذلك اشارة لدمج وسائل الاعلام مع وسائل المعلومات ) لا لأن الإعلام ظاهرة جديدة في تاريخ البشر، بل لأن التقنية الحديثة في مجال الإعلام والاتصال قد بلغت غايات بعيدة جداً في سعة الأفق وعمق الأثر وقوة التوجيه، وكلما كانت الأداة الإعلامية أكثر قوة وانتشاراً كانت المسؤولية المترتبة على حملها أخطر. واليوم صارت وسائل الاعلام الجديدة اكثر جرأة وتأثيراً على الناشئة، وصار التلميذ او التلميذةو يقضون امام شاشة الكمبيوتر او شاشة الجوال اكثر مما يقضون في المدرسة او مع اهلهم وذويهم واصدقائهم.
ماذا تستطيع وسائل الاعلام إزاء ذلك ؟ يمكنها مساعدة الطلاب في إيجاد وتطوير التعلم من خلال وسائل الاعلام، والقدرة على فحص وفهم وتقييم الرسالة الاعلامية. وحتى نتمكن من مساعدة الطلاب ليصبحوا مستهلكين إعلاميين أفضل تلقياً للمعلومات وأكثر مقدرة على التحليل، فإننا نحتاج الى التوجه لوسائل الإعلام الجماهيري ضمن نظام المدرسة باعتبارها عنصراً رئيسياً في عملية التعليم والتعلم. وهو ما يعرف حالياً بعملية محو الامية الاعلامية او التربية الاعلامية.
أهداف الدراسة:
يهدف هذا البحث الي متابعة وتحليل الدور الذي يمكن أن تلعبه وسائل الاعلام بمختلف انواعها التقليدية والجديدة في ترقية ونشر اللغة العربية في جنوب شرق اسيا بالتطبيق على اندونيسيا وماليزيا، واهم الصعوبات التي تعترضها، مع دراسة عينة من الصحف التي تصدر في ماليزيا واندونيسيا باللغة العربية، ويخلص البحث الي مجموعة من التوصيات التي يرى البحث ان العمل بها سيدعم اكثر نشر اللغة العربية، ويساهم في ترقيتها في كل من اندونيسيا وماليزيا مستقبلاً.
أهمية اللغة العربية:
إن القرآن الكريم ذكر في آيتين أهمية اللغة العربية الآية الأولى في سورة يوسف آية رقم 2 ((إنا أنزلنه قرآنا عربياً لعلكم تعقلون))، والآية الثانية في سورة الزخرف آية رقم 3 ((إنا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون((. وهذا الإرشاد والهداية القرآنية تجعلنا في موقف علينا أن ندرس اللغة العربية دراسة عميقة أكثر مما يتصوره بعض الناس.
وتعلم اللغة العربية فرض عين في بعض جوانيها وفرض كفاية في جوانب اخرى. لأن القرآن الكريم والأحاديث النبوية كلها باللغة العربية هذا يفرض على المسلم أن يعرف اللغة العربية، فقراءة الفاتحة في الصلاة واجبة وهذا فرض عين بمعنى أن كل مسلمة أو مسلم عليه أن يعرف سورة الفاتحة حتى يقرؤها في الصلاة ... ومن ناحية فرض الكفاية والذي يعني إذا أداه البعض يسقط عن الآخرين .. فعلى كل المثقفين أن يعرفوا خصائص اللغة العربية حتى يصلوا من معرفة تلك الخصائص إلى معرفة أسرار القرآن الكريم، وإلى معرفة الرموز التي أودعها الله سبحانه وتعالى، في القرآن الكريم وإلى معرفة خصائص الأحاديث النبوية التي لها خصائص ورموز وأسرار لغوية وبلاغية لا يمكن الوصول إليها إلا بدراسة قواعد اللغة العربية، يعني الحد الأدنى الآن لتعلم اللغة العربية على كل مسلم سواء كان عربياً أم أعجمياً أن يستطيع حفظ سورة الفاتحة وقراءتها وفهم معانيها. أما بالنسبة للمتخصصين فعليهم أن يغوصوا في أعماق اللغة ويحاولوا فهم كل جوانبها حتى يستخلصوا منها الأشياء الأساسية المتعلقة بفهم هذه اللغة ونشرها.
أي دور يمكن ان تلعبه اللغة العربية في أندونيسيا، سواء في أوساط العرب المهاجرين أو أبنائهم، أو حتى الأندونيسيين الذين باتوا يقبلون على تعلمها بشكل متزايد؟ لقد تضاعف عدد المقبلين على تعلم اللغة العربية منذ امد بعيد، لكن ما تقر به الدراسات أن الأندونسيين يربطون بشكل قوي بين اللغة والدين. إن الإسلام، بالإضافة إلى أنه دين، يمكن أن يساهم في المحافظة على اللغة العربية في اندونيسيا.
اللغة العربية الان في اندونيسيا هي لغة أقلية. ويريد بعض الاندونسيون خطبة الجمعة بالعربية. لكنهم، اضطرارا يوافقون على أن تكون أيضا بالاندونيسية بسبب أطفالهم وبسبب مسلمين غير عرب. خطبة الجمعة هي الوسيلة والهدف في نفس الوقت. هي الإسلام وهي رسالة الإسلام. ولأن أصلها هو العربية، صارت العربية هي الوسيلة والهدف في نفس الوقت. يفضل الأطفال والأحفاد الحديث باللغة الإندونسية، وإذا خوطبوا بالعربية، يردون بالإندونسية، لكنهم على وعي بصلة العربية القوية بالإسلام والمسلمين. ولكن مع زيادة التخاطب باللغة العربية، تزيد أهمية اللغة العربية في أندونسيا.
لقد نجح المسلمون في نشر الإسلام في ربوع الدنيا تقريباً وهناك أكثر من مليار ومائتي ألف مسلم موجودين في أنحاء العالم حالياً، فيما لا يتجاوز عدد العرب 250 مليون فقط، بمعني أن هناك ما يقرب من مليار مسلم غير عربي، هؤلاء لا يعرفون اللغة العربية. إن المسلم كمسلم فهو مهتم باللغة العربية ومهتم بالقرآن الكريم، ومهتم بسماع القرآن الكريم، ومهتم بسماع الخطب التي تلقى باللغة العربية، فإذا تجولت في آسيا وفي بعض دول جنوب شرق آسيا مثل اندونيسيا وماليزيا رأيت أن خطبة الجمعة احياناً تلقى بنصها العربي ولكن المصلين لا يفهمون شيئاً إلا القليل، ومن ثم تجدهم يتناومون اثناء الخطبة العربية أو يتلاعبون. وان الكثيرمنهم يحفظون القرآن عن ظهر قلب احياناً، ولا يفهمون من معانيه شيئاً، تجد الماليزي او الاندونيسي يتلو القرآن تلاوة جيدة وإذا قلت له ما اسمك بالعربية لم يفهم حتى ما معني هذا الأمر، مما يعني ان هناك أسباب حالت دون انتشار اللغة العربية رغم انتشار الإسلام. من تلك العوائق التي أدت إلى عدم نشر اللغة العربية في تلك الأقطار أو وصولها إلى هؤلاء المسلمين: الدعوة إلى تبسيط اللغة وإلى تبسيط قواعد اللغة، لا سيما النحو الذي يحفظ اللغة العربية والذي يعتبر أحد العمد والأسس في هذا الأمر، الي جانب قاعدة النزول إلى مستوى الطالب وليس رفع الطالب إلى مستوى اللغة، فضلاً عن قضية تدمير اللغة العربية من خلال الاهتمام باللغة العامية.
اللغة العربية في ظل العولمة:
للغة العربية أهمية لغوية وحضارية للمسلمين، فضلاً عن ارتباطها المصيري بالاسلام. فهي أكبر لغات المسلمين عدداً من حيث المتحدثين الاصليين، واكثرها إنتشاراً في الاتصال اللغوي في ديار المسلمين بغض النظر عن مستويات إجادتها والوظائف اللغوية التي تشغلها فيها. ومن جانب آخر يقدر تعداد المسلمين في العالم بحوالي 1.3 بليون نسمة من بين ما يربو على 6 بلايين نسمة من سكان العالم، وتبلغ نسبة العرب من تعداد المسلمين حوالي 20%.
ولكن اللغة العربية شأنها شأن بقية اللغات الاخرى معرضة لغزو اللغة الإنجليزية عبر تقنيات المعلومات، وتزاحمها اللغتان الانجليزية والفرنسية في عقر دارها في وسائل الاعلام، حيث شاعت جرائد ومجلات محلية باحدى هاتين اللغتين، واستخدمت إذاعات خاصة باحداهما تبث إرسالها داخل الدول العربية وخارجها، كما تستخدم إحدى اللغتين الانجليزية أو الفرنسية في الوصائق الرسمية من جوازات وبطاقات شخصية ورخص قيادة وإعلانات عطاءات، ولوحات عربات بجوار العربية وغيرها من وثائق يمكن ان يكتفى فيها باللغة العربية. ونلاحظ من جانب آخر مزاحمة اللغات الاوروبية للغة العربية في الحياة اليومية العامة بالتدريج، سواء في الخطاب الشفوي، او المراسلات عبر الانترنت، أو في وسائل الاعلام، بل واختيارها لغة للتعليم في المدارس والمعاهد والجامعات في الدول العربية والاسلامية.
لقد ضعف اهتمام المسلمين بشكل عام والعرب بشكل خاص باللغة العربية ونشاهد ضعف الاهتمام في صور عديدة منها على سبيل المثال لا الحصر: عدم التحدث باللغة العربية ووجود كلمات غير عربية في حوارات ومناقشات العرب، كثرة عناوين المحلات والشركات التي ليست من اللغة العربية، بدأ استخدام اللغة العربية بالحروف الأجنبية في كتابات العرب ولاسيما على الشبكة العنكبوتية وفي رسائل البريد الإلكتروني وكذلك الرسائل القصيرة، استخدام المصطلحات العامية في الكتابة في الجرائد والمجلات وكذلك المنتديات الإلكترونية، الرسوم المتحركة لم تسلم من هذا الإيذاء فظهرت بعض الأفلام المتحركة باللهجات العامية وتركت اللغة العربية الفصحى. وأصبح العرب، والمسلمون يتباهون بتدريس أبنائهم في المدارس والجامعات الأجنبية، فيما لغتهم العربية، لغة القرآن والتشريع، تتقهقر وتتضعضع، فبينما نجحت فرنسا في فرنسة الجزائر وأكثر من عشرين قطراً إفريقيا آخر كانت تحتلها، فإن العرب الذين نجحوا في نشر الإسلام في ربوع الدنيا لم ينشروا لغة القرآن، بل إن اللغة العربية أصبحت مهددة في عقر دارها، وينفق الفرنسيون والألمان والبريطانيون وغيرهم من أمم الأرض مئات إن لم يكن آلاف الملايين من الدولارات من أجل نشر لغاتهم، اما العرب فحدث ولا حرج.
هناك من يقول أن العرب هم الذين ضيعوا هذه اللغة، أو هم الذين أهملوها ولم يهتموا بهذه اللغة، كذلك هناك من يقول لك انه كلما استمع إلى إذاعة أو قناة عربية عند قراءة النشرة الاخبارية مثلاً، تجدهم يتكلمون بلهجات غير عربية او كلمات غير عربية احياناً، وهناك من يرى إن الذين خدموا الإسلام وخدموا اللغة العربية في السابق أكثرهم ليسوا عرباً. أننا لا نلقي اللوم في اضعاف اللغة العربية هنا فقط على العرب. إن العرب، وغير العرب، كلهم مسؤولون تجاه نشر اللغة العربية، وهذه مسؤولية ملقاة على عاتق المسلمين، وعلى المسلمين أن يحلوا هذه المشكلة. اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم، والقرآن الكريم للمسلمين كلهم فعلى المسلمين أن يساهموا في خدمة اللغة العربية كلهم.
إن لغتنا العربية اليوم تعيش تحديات عارمة أمام الانفجارات العلمية والتكنولوجيا الهائلة ومصطلحات التعريب والترجمة وفي مواجهة مستمرة مع العامية وقنواتها المختلفة وهذا ما يجعل المسؤولية كبيرة جداً.
الاسلام والتحبيب في اللغة العربية:
إن انتشار اللغة العربية نشراً كاملاً في اي قطر غير ناطق بها، مثل اندونيسيا، يعتبر قضاء على اللغات السائدة بين هذه الشعوب، ولا يمكن أن تقبل تلك الشعوب غلبة اللغة العربية على لغاتهم، ولكن بقي شيء آخر، وهذا هام جداً وهو أن الإسلام ليس عنده تعريب بل تحبيب اللغة العربية، وتعريب اللغة العربية معناه التكليف، والإسلام لم يكلف الشعوب المسلمة، الشعوب المفتوحة بأن يتعلموا اللغة العربية، لأن الإسلام يقول: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) وهذا خارج عن الوسع والطاقة، فالتعريب شيء والتحبيب شيء آخر، والتحبيب شئ يعرف بالطرق المختلفة كما ورد في الحديث النبوي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال :" أحب العرب لثلاثة : لأن القرآن عربي وأنا عربي وكلام أهل الجنة عربي" فمعناه جعل الموقف في موقف التحبيب. بمعنى أنه ليس هناك ما يفرض على غير العربي أو يلزمه بأن يترك لغته ويتعلم اللغة العربية فقط، وإنما هناك ما يحببه في تعلم هذه اللغة يحببه بقدر ما يفهم به دينه وبقدر ما يكون متمايلاً ومتذوقاً لأسرار القرآن الكريم ولأسرار دينه، وكلما تيسر للإنسان أن يفهم اللغة العربية ويعرفها خاصة إذا كان عالماً أو أكاديمياً أو غير ذلك كلما ساعده ذلك وأهَّله لكي يفهم الإسلام فهماً صحيحاً ويعلمه أيضاً للناس بشكل صحيح.
إن الإسلام لم يجبر أي من الأمم أو الشعوب التي دخلت في هذا الدين على أن تترك لغتها أو تترك قوميتها وتذوب في القومية العربية أو في اللغة العربية، على اعتبار أن الله سبحانه وتعالى جعل من حكمته تعدد الألسنة وتعدد الألوان، ويستطيع الإنسان بأي لسان أن يعبد الله سبحانه وتعالى وأن يتقرب إليه، وهناك تعريب وهناك تحبيب، الفرق بين التعريب والتحبيب بأن التعريب فيه تكليف وليس هناك تكليف ولكن الإسلام لم يترك الناس حتى يكونوا في سياسة اللامبالاة تجاه اللغة. لأن التعريب بمعنى التكليف لم يكن في الإسلام وهذا هو السر في نشر الإسلام فإن الفاتحين لما كانوا يذهبون إلى فتح البلاد كان معهم توصيه من القادة المسلمين وهي: احترام المعابد وعدم حرق الأشجار وعدم قتل كذا وكذا وكذا، بمعنى إن الإسلام أنتشر عن طريق الحالة الطبيعية والإبتعاد عن الحالة القصرية، ولذلك نقرأ في تاريخ الإسلام بأن الفتوحات الإسلامية كانت تتركز على الدعوة وعلى نشر الدعوة أكثر من تركيزها - كما يدعي بعض أعداء الإسلام - بأنه كان فيه قتل وقتال وما إلى ذلك، لم يكن القتال كان فيه الأسباب إذا لم تنجح الأسباب الأخرى بدأوا بهذا، ولذلك هذا كله يدل على أن الإسلام هو راعى الحالة الأصلية للشعوب، ولكن بالنسبة للغة العربية جعل موقف الشعوب في موقف يحبب إليهم اللغة العربية، فلما حبب إليهم اللغة العربية، هذا التحبيب وسيلة، لأيه؟ فنبغ علماء أعلام من غير أن يكون هناك وسائل، الإمام البخاري الإمام البخاري كتابه عند أكثر العلماء هو أصح الكتب بعد كتاب الله صحيح البخاري وهو من بخارى وهو من غير العرب فمعناه أن تحبيب اللغة العربية وصل إلى درجة بأن الناس تجمعوا حول هذا المركز، وجعلوا هذا محوراً ومن هذا المحور تأدبوا وتعلموا، والتحبيب صار أنفع بالنسبة للتكليف، لأن التكليف يتوجه إلى الكل ولكن التحبيب يتوجه إلى المثقفين.
لقد انتشرت اللغة العربية بفضل الإسلام في آسيا، وأفريقيا، وأوروبا، واقتبست لغات عدة نسبةً عاليةً من مفرداتها. ولم يقف انتشارها عند ذلك الحد، بل إنها تزدهر اليومَ في معظم بلدان العالم من خلال انتشار الإسلام فيها، وتطلُّع المسلمين إلى تعلم لغة القرآن الكريم، ليعرفوا دينهم ويتفقهوا فيه.
وتأسيساً على ما سبق ذكرُه، فإنّ لغة الضاد تشهد حالياً إقبالاً عظيماً على تعلّمها، سواء من طرف المسلمين غير الناطقين بها باعتبارها لغةَ الذكر الحكيم ووعاءَ الثقافة الإسلامية، أومن قِبَل الدارسين والباحثين الذين أدركوا قيمة اللغةَ العربية باعتبارها اللغةَ التي احتضنت حضارةً عظيمةً بالغة الثراء، موفورةَ العطاء، لها فضلٌ على الحضارات الإنسانية عبرالقرون، إذ أمدّتها بثمرات العلوم والمعارف، وأغنت ذخيرتَها، وأثرت رصيدَها، فصارت بذلك مفتاحاً لكنوز حضارية مكّنتها من أن تكون موضع اهتمام المراكز العلمية عبر العالم كلِّه.
عُنيت الدول العربية، باللغة العربية وبنشرها، وبتطوير تعليمها، وبتعميق الوعي بأهميتها، فصممت العديدَ من البرامج والأنشطة التي تهدف إلى توفير المناهج الدراسية الملائمة، وتدريب معلمي اللغة العربية على طرائق التدريس من خلال اعتماد الأساليب والتقنيات الحديثة، وقد نفذت هذه البرامج في العديد من الدول المسلمة، وحيث توجد الأقليات والجاليات الإسلامية في المهجر.
ولم يقتصر اهتمام الدول العربية على ما سبق، بل إنها أسست منذ وقت باكر مراكز تربوية لتعليم اللغة العربية ومنها على سبيل المثال لا الحصر مركز الإيسيسكو التربوي في جمهورية تشاد، كما أنشأت اقساماً للدراسات الإسلامية واللغة العربية في عدد من دول العالم كما في جامعة الدولة في موسكو، حيث تقدم هذا الاقسام خدمات تربوية وثقافية وأكاديمية للطلبة الروس ولأبناء الدول المستقلة حديثاً عن الاتحاد السوفياتي السابق. ولقد أصدرت بعض الدول العربية في إطار اهتمامها بتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها أو للناطقين بغيرها، مجموعة من الكتب والدراسات الخاصة بتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، سواء باللغة العربية، أو ببعض لغات الشعوب الإسلامية، وبعضها تُرجم إلى اللغات الأوروبية.
إنّ إنجازاتِ الدول الاسلامية في مجال نشر اللغة العربية والثقافة الإسلامية، عديدةٌ ومتنوعة، ولا يتسع المقام لحصرها، بل إنّ ما ذكرناه غيض من فيض. كما ان الدول الناطقة بغيرها كذلك اهتمت بهذا الامر ولعل أوضح برهان وأسطعه على الاهتمام الذي توليه اندونيسيا للغة العربية ونشرها، وإشاعة قيم العقيدة الإسلامية، يتجلى في تنظيم جامعة مولانا مالك ابراهيم الاسلامية الحكومية بمالانق باندونيسيا لهذه الندوة الدولية حول تجربة تعليم اللغة العربية في اندونيسيا بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية واختيار جاكرتا عاصمة للثقافة الاسلامية للعام 2011م، لبحث واقع لغة الضاد وآفاقها، وبهدف تشخيص العلل التي تقف أمام تطورها وانتشارها.
وهكذا تتواصل جهود الدول الإسلامية الهادفة إلى اتخاذ الوسائل الكفيلة باستمرار اللغة العربية حيةً ومنتجةً في وجدان الأمة، لبناء الذات الإسلامية، وتفعيل دور اللغة العربية في صياغة المستقبل الإسلامي، في ظل عصر العولمة وصراع الحضارات الذي تسعى جادّة، إلى أن يكون حواراً للحضارات، وتعايشاً فيما بينها.
كتب الأستاذ فهمي هويدي مقالاً في صحيفة الشرق الأوسط بعنوان: (دعوة إلى تعريب لسان العرب) بتاريخ 14 فبراير من عام 2002. وقد تعرض الأستاذ فهمي هويدي في بداية حديثه إلى تاريخ الحرف القرآني ومدى تعرضه إلى الهجمات الاستعمارية الشرسة لإحلال الحرف اللاتيني مكانه في الدول الإسلامية التي كتبت لغاتها بالحرف العربي، مشيراً إلى أنه لم يبق من هذه الدول الإسلامية إلا ثلاث فقط، هي إيران وأفغانستان وباكستان، موضحاً مدى أهمية المناهج التأسيسية في شدّ الناشئة إلى لغتهم العربية وخاصة في المراحل المبكرة من سنوات التعليم، وحمّل المؤسسات الدينية والتعليمية في العالم العربي مسؤولية الاهتمام باللغة العربية، وأن يقفوا في وجه التصاعد المستمر في مؤشرات التعلق باللغات الأجنبية، خصوصاً إلى الثقافة الغربية والحديث بلغتها، ثم أنهى المقالة بتحريض العرب على الاحتفاظ بلغتهم التي تجسد هويتهم ومكانتهم الحضارية.
جنوب شرق آسيا واللغة العربية:
جنوب شرق آسيا المسلم (أي ارخبيل الملايو) يشمل إندونيسيا، وماليزيا، وبروناى ذات الاغلبيات المسلمة، وسنغافورة، وتايلاند، والفلبين، وبورما، ولاوسو ذات الاقليات المسلمة، وهي من أوائل المناطق التي خضعت للاستعمار الاوربي، الضي بدأت طلائعه بسيطرة البرتغاليين على ملاكة الاسلامية عام 1511م، وتوطن نفوذه باستيلاء الهولنديين على الجزر الاندونيسية في القرن السابع عشر للميلاد، وتعاظمت مصالحه بتأسيس الانجليز لشركة الهند الشرقية التي استطاعت أن تسيطر على مراكز تجارة التوابل والحرير في المنطقة والمناطق المجاورة لها. ومنذ ذلك الحين اضحى جنوب شرق آسيا هدفاً يرمى وموضع نزاع بين القوى الاوروبية العظمى، التي حاولت ان تسيطر على موارده الاقتصادية، وتطمس معالم هويته الاسلامية.
عندما ظهرت المجلات العربية الاسلامية من امثال مجلة المنار ومن قبلها مجلة العروة الوثقى في مصر وغيرها من الدول العربية كان اقليم جنوب شرق آسيا المسلم يعيش في حالة انقسام فكري بين تيارين متعارضين. احدهما تقليدي- مذهبي يسعى الي تمكين قيم المذهب الشافعي وما خالطه من عادات وتقاليد موروثة في تصريف شؤون الناس الحياتية، ويستأنس في الوقت نفسه بأدبيات المدرسة الصوفية القائمة على زيارة القبور والاضرحة، والاعتقاد الجازم في كرامات الاولياء والصالحين وبركاتهم، اما التيار الثاني فقد كان تياراً نخبوياً، ينتشر نفوذه في اوساط الصفوة الوطنية المتعلمة، التي كانت تؤمن بقيم الحضارة الغربية في الاصلاح والرقي، وتشكك في أهلية الاسلام وفاعليته في حل مشكلات المسلمين وقضاياهم الآنية في جنوب شرق آسيا. وبين هذين التيارين ظهر تيار ثالث، ينادي بمحاربة المستعمر وضرورة العودة الي الاسلام القائم على ثوابت الشرع وهدى السلف الصالح. إلا أن هذا التيار كان يفتقر الي السند الشعبي والتوجه الفكري النافذ لتحقيق أهدافه المنشودة، ومن ثم فقد وجد نشطاؤه ضالتهم في المجلات الاسلامية الصادرة باللغة العربية والتي من ابرزها مجلة المنار، التي وثقت عرى ترابطها بجنوب شرق آسيا قبل ان يكتمل عامها الاول.
الصحافة العربية في اندونيسيا:
صدرت في اندونيسيا العديد من الصحف والمجلات الصادرة باللغة العربية، منذ العام 1917م ومن امثلة ذلك صحيفة الإقبال: وهي اول صجيفة اصدرها العلويون الحضارم في جاوة (سورابايا) في اكتوبر 1917م رأس تحريرها محمد حسن بن سالم بارجاء، كانت في البدء نصف شهريةو ثم تحولت الي اسبوعية. احتجبت عن الصدور بعد ثلاثة اعوام من تاريخ تأسيسها. ثم صحيفة الارشاد: وهي صحيفة اسبوعية ناطقة ياسم الاصلاح والارشاد العربية، صدر العدد الاول منها في سورابايا في 11 يونيو 1920م. رئيس تحريرها حسن علي الثقة. كانت تمثل منبراً اعلامياً حراً للارشاديين في صراعهم مع آل باعلوي. احتجبت عن الصدور في اواخر العام 1921م. الاحقاف: وهي جريدة اسبوعية إرشادية صدرت في مدينة سورابايا عام 1925م وتولى رئاسة تحريرها الاستاذ عمر بن هبيص. توقفت عن الصدور قبل بلوغ عامها الاول. صحيفة بروبودور العربية، صدر العدد الاول منها في مدينة بتافيا (جاكرتا) في الخامس من نوفمبر 1920م وتولى رئاسة تحريرها محمد الهاشمي التونسي. توقفت بعد خمسة اعوام من تاريخ تأسيسها. ثم مجلة الذخيرة الاسلامية: وهي مجلة دينية أدبية اصدرها الاستاذ احمد محمد السوركتي في بتافيا في سبتمبر 1923م. اهتمت بقضايا الفكر الاسلامي وبث اكار وفتاوي الاستاذ1 السوركتي. توقفت في مايو 1924م. ثم مجلة الرابطة : وهي مجلة شهرية اسسها العلويون في جاكرتا في يناير 1929 وتولى رئاسة تحريرها السيد هاشم بن محمد الحبشي، كان هدفها الدفاع عن انسابهم وجمعيتهم والرد على دعاوى الارشاديين التي تقلل من شأن آل البيت. أستمرت اربع سنوات في ميدان العمل الصحفى ثم احتجبت.
الي جانب ذلك صدرت العديد من الصحف والمجلات الاسلامية ومن امثلة ذلك: صحيفة الاصلاح الاسبوعية (1930-1931م)، صحيفة الدهناء مجلة شهرية (1928-1929م)، صحيفة الهدى نصف شهرية (1930-1931م)، صحيفة الوفاق (1923- 1924م)، صحيفة حضرموت الاسبوعية (1923- 1933م). صحيفة الحق الاسبوعية (1923- لم تكمل عام الاول). صحيفة المعارف الاسبوعية (1927- 1928م ). مجلة المصباح الشهرية (1928 – 1929م). صحيفة المشكاة نصف شهرية (1931م لم تدم طويلاً في العمل الصحفي)، صحيفة السلام ، اسبوعية (1920 صدر عدد واحد منها فقط). صحيفة العرب الاسبوعية 1935، صحيفة القسطاس الاسبوعية 1923م، صحيفة القصاص نصف اسبوعية (1932 – 1933م)، مجلة الشفاء الشهرية (1921- 1923م).
إن العربية في جنوب شرق آسيا تستحق اهتماماً خاصاً، وذلك لظروف المنطقة، وقد حفلت اندونيسيا منذ مطلع القرن الماضي إلى الآن بجملة من المجلات الثقافية والعلمية، وكانت في كل فترة تواكب مسيرة قضية اللغة العربية بأبعادها السياسية والثقافية والاقتصادية وغيرها، وكان لها دور مباشر وغير مباشر في تنمية اللغة العربية وتطويرها؛ لأنها كانت تصدر باللغة العربية ولا تسمح للغة العامية بالولوج إليها.
والملاحظ ان اغلب هذه المجلات والصحف لم تستمر كثيراً في الصدور ولكنها لعبت دوراً مهما في حركة الاصلاح الديني والارشاد الديني في اندونيسيا في ذلك الوقت وكان معظمها يصدر باللغة العربية او بلغة الملايو الجاوية، مما جعلها تلعب دورا فاعلاً في نشر اللغة العربية وتعليمها للاندونيسيين في ذلك الوقت، ولو كتب لاحداها الصدور حتى اليوم لكانت قد احدثت تحولاً كبيراً في تطوير تعليم اللغة العربية ليس في اندونيسيا فحسب ولكن في ارخبيل الملايو باكمله.
مفهوم الإعلام:
إن كلمة إعلام إنما تعني أساسا الإخبار وتقديم معلومات، أن أعلم، ويتضح في هذه العملية، عملية الإخبار، وجود رسالة إعلامية (أخبار – معلومات – أفكار- آراء) تنتقل في اتجاه واحد من مرسل إلى مستقبل، أي حديث من طرف واحد، وإذا كان المصطلح يعني نقل المعلوات والأخبار والأفكار والآراء، فهو في نفس الوقت يشمل أية إشارات أو أصوات وكل ما يمكن تلقيه أو اختزانه من أجل استرجاعه مرة أخرى عند الحاجة . كما يعني المصطلح "تقديم الأخبار والمعلومات الدقيقة الصادقة للناس، والحقائق التي تساعدهم على إدراك ما يجري حولهم وتكوين آراء صائبة في كل ما يهمهم من أمور
ويعرف الدكتور ابراهيم امام الاعلام بانه ( هو بث رسائل واقعية أو خيالية موحدة على اعداد كبيرة من الناس، يختلفون فيما بينهم من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والسياسية، وينتشرون في مناطق متفرقة).
وهذا تعريف لما ينبغي أن يكون عليه الإعلام، ولكن واقع الإعلام قد يقوم على تزويد الناس بأكبر قدر من المعلومات الصحيحة، أو الحقائق الواضحة، فيعتمد على التنوير والتثقيف ونشر الأخبار والمعلومات الصادقة التي تنساب إلى عقول الناس، وترفع من مستواهم، وتنشد تعاونهم من أجل المصلحة العامة، وحينئذ يخاطب العقول لا الغرائز أو هكذا يجب أن يكون، وقد يقوم على تزويد الناس بأكبر قدر من الأكاذيب والضلالات وأساليب إثارة الغرائز، ويعتمد على الخداع والتزييف والإيهام، وقد ينشر الأخبار والمعلومات الكاذبة، أو التي تثير الغرائز، وتهيج شهوة الحقد، وأسباب الصراع، فتحط من مستوى الناس، وتثير بينهم عوامل التفرق والتفكك لخدمة أعداء الأمة، وحينئذ يتجه إلى غرائزهم لا إلى عقولهم، وهذا ما يجري في العالم الإسلامي من خلال جميع وسائله الإعلامية باستثناء بعض القنوات التلفازية، والمجلات الإسلامية؛ لهذا فالتعريف العلمي للإعلام العام يجب أن يشمل النوعين حتى يضم الإعلام الصادق والإعلام الكاذب، والإعلام بالخير، والإعلام بالشر، والإعلام بالهدى، والإعلام بالضلال.
|
|
|