عبد الكريم خليفة: معظم دساتير العرب تقصي العربية السليمة عن مجالاتها الحيوية

عمر أبو الهيجاء

 استضاف المنتدى العربي، مساء يوم أمس الأول، رئيس مجمع اللغة اللغة العربية د. عبد الكريم خليفة، في محاضرة بعنوان «كيف نحمي اللغة العربية أساس نهضة الأمة العربية ووحدتها»، أدارها د. سمير قطامي وسط حضور من المثقفين والمهتمين.

واستهل د. خليفة محاضرته بالاشارة إلى جذور العربية، فقال: تمتد جذور العربية، في أعماق التاريخ، امتداد وجود العرب وتاريخهم في الماضي السحيق. وإنَّ هذه العربية قد أصبحت ما يسمى «العربية الفصحى»، التي اختارها الله –سبحانه وتعالى- لتكون لغة الوحي الإلهي الذي نزل على قلب خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم. فنزل القرآن الكريم على قلب الرسول الكريم بلسانٍ عربي مبين. وكان النصّ القرآني وقد نزل بلسان قريش مفهوماً ومؤثراً في نفوس العرب، باديها وحاضرها وبين مختلف قبائلها في جميع أنحاء جزيرة العرب على اختلاف لهجاتهم، وقد انتقلت اللغة العربية الفصحى، بفضل هذا الحدث الإلهي العظيم إذ أصبحت لغة القرآن الكريم، إلى لغةٍ ثابتة من حيث قواعد نظمها وصرفها ونَظْمها وهي في الوقت ذاته متطورة من حيث مفرداتها وأساليبها واصطلاحاتها، ومن المعروف أن ثوابت اللغة هي التي تحفظ اللغة، وأنَّ أي خللٍ في هذه الثوابت ينقل اللغة من حيث الجوهر إلى لغة أخرى.
وبيّـن د. خليفة أن معظم دساتير البلاد العربية تنص على أن «اللغة العربية لغة الدولة»، ومع ذلك تنفذ سياسة غير معلنة، تجسد على أرض الواقع بإقصاء اللغة العربية السليمة عن مجالاتها الحيوية في التعليم الجامعي والبحث العلمي بل وقد امتد هذا الإقصاء إلى المدارس الخاصة والأجنبية والأهلية لا سيما في العقدين الأخيرين!
وفي خضم هذه السياسات غير المعلنة التي تنفذ في الواقع المشاهد، يجري تهميش اللغة العربية الفصيحة «السليمة»، والتقليل من شأنها، بل وازدرائها في أوساط متنفذة معينة، وجملة القول: إنَّ هوَّية الأمة العربية هي المستهدفة في جميع هذه السياسات، وإن من أهم ثوابت هوية الأمة العربية هي لغتها وهي اللغة العربية الفصيحة «السليمة»، وأكد أن رفض الخصوصية الثقافية واللغوية أو التقليل من شأنها وازدرائها هو إنكار لهذه الهوية، فلا أمةً عربية من دون لغة عربية، ومن دون حضارة عربية إسلامية، وإنَّ السياسات التي تنال من اللغة العربية السليمة «الفصيحة»، وخصوصية الثقافة العربية الإسلامية، هي سياسات معادية لوجود الأمة العربية ووحدتها وهويتها.
وعن أزمة اللغة العربية الفصيحة، قال: في الوقت الحاضر، فإنما نتحدث عن أزمة الثقافة العربية وأزمة الفكر العربي، إذ لا فكر خارج اللغة، بل اللغة هي الفكر وإن الإنسان يفكر من خلال لغته، وبالتالي فإنَّ سلامة الفكرة ووضوحها يقتضيان سلامة اللغة، وإنَّ اللغة الدقيقة تستدعي الأفكار المبدعة وتعبِّر عنها بوضوح وسهولة ويُسر. فاللغة ليست أداة يَنْتَقيها الإنسان ويستبدل بها لغة أخرى، كما يستبدل الصانع بالأداة القديمة أداة حديثة، وإنما اللغة هي ذات الإنسان وهي فكره، وهي وسيلته الوحيدة للأصالة والإبداع والتقدم. وهذا يلقي الضوء على ما تجتازه أمتنا العربية في الوقت الحاضر من أزمات في اللغة والثقافة والفكر والاقتصاد والسياسة، إنَّه يعني أزمة وجود الأمة العربية مُوَحَّدة بهويتها العربية الإسلامية ومفاهيمها الإنسانية الراقية، مفهوم الحرية والمساواة والعدل عبر القرون، بل ولأكثر من أربعة عشر قرناً.
ورأى د. خليفة أن اللغة العربية الفصيحة «السليمة»، تُعَدُّ من أسهل اللغات، لو أنصفها التاريخ وأنصفها أهلها الناطقون بها، إذ هي تُلفظ كما تُكتب مشكولةً. فالشكل جزء أساسي من الحرف العربي وليس زينةً تُحذف أو تُضْمَرُ في الكتابة، وأن طباعة النصِّ العربي بالحروف المُشْكلة هي قضية إجرائية وقانون ملزم التنفيذ ولا علاقة له باللغة العربية من حيث هي لغة في نظمها ونحوها ونطقها. وإن التقنيات الحديثة بأجهزة الحاسوب ووسائل الاتصالات الإلكترونية المتطورة، التي يجب أن تدخل في خدمة اللغة العربية، وأن تطوَّع لبناء أجهزة حاسوبية وفق خصائص العربية نحواً وصرفاً وكتابةً، وليت تطويع اللغة العربية، وليِّ عنقها لتتواءم مع هذه التقنيات. موضحا أن أي لغة  تكتسب اكتساباً بالاستعمال، وإن قواعدها نحواً وصرفاً ونطقاً هي المرجعية لتسديد مسارها وتقويمها وكذلك في تعليمها وتعلمها وفي دراسة علومها الفقهية والنحوية والصرفية واللسانية.