الرد بالعربية على من قال بأنه لا تصلح إلا العامية

أ. عمر الحسني

  المقامة المغربية
   حدثنا عيسى بن هشام قال: بينما أنا في المغرب، وقد دخلت إليه والشمس تدنو من المغرب، فبلغني من العلم ما علم القاصي والداني أن قوما ظهروا في البلاد وخالفوا عادة الناس والعباد، بأن جاؤوا بما لم يورثه السلف وورثه الخَلْف. زعموا أن الدارجة المغربية أحق في المدرسة من اللغة العربية. وقد ظهر فيهم قائد يدعى عيوش قيل بأنه فَاشُوش، بل إن ما قال كَالْبٍيشٍ، وأصبح زعمه كالأَشِّ بفَشِّه هذا الباب فَـشّا. قال فيما لم تقله العرب بأن التلقين بالضاد في الفصول لا يصلح زادا وصْفا بالفضول. وروي عنه أنه كان جالسا في ناديه يقرئ من حوله من المريدين ويرأسهم شيخا لزاويته وقد انزوى في زاويته، وبينما هو فيما هو عليه من النادي حتى سمع فتى حسن الغرة وافر العزة ينادي:  يا أخ العرب، يا أشرف الحسب والنسب، ما تقول فيمن سبك الحروف بماء الذهب، وصاغها عقدا فريدا من ثمانية وعشرين جوهرة بأيِّها بدأت اعتبرها أوله؟ فإذا بالجمع يولون وجوههم عن الشيخ وقد شاظ به الغضب حتى أصبحوا كالسِّيخ، فتولوا عنه شطر هذا الفتى الهمام الذي طلع إليهم وتطلع من الأمام، إذ ليس فيهم أحد يعرف مَن هذا الإمام الذي أعجز اللسان بالحسام، ولم يجرؤ أحد بأن يهرف بما لا يعرف. ثم بدأ الغلام يحدث بالبيان ويقلب أوجه الكلام ورأس ماله التبيين. فعجب القوم لهذا الغلام وقد أفحم الحاضرين بكلام حلو زلال، وبعبارات منمقة هزت ما نسج في العقول من نُوَاس ونَوَّصَ نورها، وأذكرهم بما قالت الحسناء عن نفسها وهي تمشي في استحياء بين القرطاس والقلم:
       رموني بعقم في الشباب وليتنـــي        عـــقمت فلم أجزع لقول عداتــــــي
      أنا الـبــحــــــر في أحشائه الدرر        فهل سألوا الغواصين عن صدفاتـي
   قال عيسى بن هشام: لعمري إن المقام حلو وإن المقول عذب، ثم دنوت لأصغي بالكمال والتمام، وقد راعني ما سمعت من الدرر المسبوكة بالذهب وما لحق بي من العجب، فملت حذاء الفتى وقد نزع الحذاء وطالعني عَرفُه فعرفته، وسألته : أنت والله .. أبو الفتح الإسكندري، فأنشأ يقول:
                        إنَّ لله عَـــــــــبيدا      أخذوا العُمْر خَليطا
                        فهمُ يُمسُون أعْرا       با ويُضْحون نبيطا