تحسين كُتُب المطالعة أنموذجاً - الولد سرّ أبيه - لنبيه الحداد

جوزف ب. ابي راشد

تمرّ الثقافة التي تعتمد على الكتاب المطبوع، بفعل تطور تكنولوجيا الاتصال والعلوم، في مرحلة صعبة في العالم أجمع، وبخاصة في العالم العربي الذي خفّ فيه تداول الكتاب، في طلب الثقافة، ولم تسعفه التكنولوجيا، غالباً، إلاّ في الاعمال والمبادلات، ما أدّى الى زيادة تفشّي الأميّة.

وقد أصبح التشجيع على المطالعة وإتقان اللغة العربية الصحيحة وتحسين استعمالها مرهوناً بتعلّمها من مصادرها اي الايتمولوجي: أصل الكلمة واشتقاقاتها، مرتكزة على قواعد عِلْمَيْ الاصوات والدلالة، مُنتقلة من فصاحة المفردات والتركيب الى البلاغة المطابقة لمقتضى الحال، فيبلغ المتكلم أو الكاتب حاجته بحسن إفهام السامع او القارئ، مشدّداً على حقيقة اللفظ أي المستعمل في ما وضعه له واضع اللغة.
وبعد ان يُتقن الكاتب أو الطالب هذه الأمور يمكنه الانتقال الى علم البيان: وهو الذي يعرف به: إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة في وضوح الدلالة عليه، واستعمال أنواع البديع المعنوي أو اللفظي: أي تحسين وجوه المعنى أو اللفظ.
وهو ما حصل للفنانين الكبار والادباء المجيدين الذين اتقنوا الأساس قبل الاتجاه الى أمور جديدة، فبيكاسّو، الرسّام العالمي، أبدع في المرحلة التكعيبية، لأنه أتقن الكلاسيكية، وجبران خليل جبران أتقن العربية الأساسية وجمالات تحسينها في مدرسة الحكمة فتمكّن، في ما بعد، من استعمال مختلف وجوه تحسين الكلام من بيان وبديع مع تفاصيلهما، فأعطانا لغة الحب واللين والخيال الرحب بتراكيب رَوَتْ جفاف الأدب العربي في بداية القرن العشرين.
وبما ان كل حرفة في حاجة الى اتباع الأصول بحسب الأهمية، هكذا وردتْ هذه المراحل، وبخاصة الأساسية في فصاحة المفرد والمركب، مع البلاغة التي يقتضيها التعبير، عند الأديب والروائي الاستاذ نبيه فؤاد الحدّاد الذي أتقن تأليف كتب المطالعة المفيدة لطلاب المراحل الدراسية الثلاث، وبخاصة الابتدائية والمتوسطة، فاتحفنا أخيراً بروايته ذات الرقم (15) بعنوان "الولد سرّ أبيه" مضافة الى سابقاتها التي أقرّتها معظم مدارس لبنان الرسمية والخاصة إذ أُعيد طبع بعضها مرتين وثلاث مرات، وقد اعتمد فيها، الى جانب لغتها الصحيحة الفصيحة، التشويق المُنتهي بعبر اخلاقية حياتية تُفيد شباب اليوم.
أضاف المؤلف، في نهاية كل فصل، باباً بعنوان "الاستثمار التربوي" يعتمد مجموعة اسئلة تَسْبر غور الطالب في "الفهم والتحليل" وفي اللغة وغناها، والأسلوب وسلاسته، والتعبير وصحته، مُضيفاً، الى ذلك، عبارات مختارة لتقوية الطالب في مادة الانشاء،، ومُتبعها بايراد بعض الأمثلة السائرة التي جاءت في سياق القصة، ما يفتقده طلابنا شيئاً فشيئاً، لأنها تشكّل تراثاً غنياً إذْ وراء كل مثل حياة مَعِيشة بكل أفراحها وأتراحها وحِكمها.
مع الافادة من هذا المستوى في التأليف الصحيح والتشويق والعِبَر، ننتظر من الأديب الحدّاد الاستمرار في خدمة اللغة العربية والتعبير السليم وإصدار الرواية رقم (16).


النهار