الكتابات العلمية فى مجلة العربى والمصطلحات العلمية الحديثة
جمال محمد غيطاس
عند الحديث عن قضية الكتابات العلمية وأثرها فى تطويع اللغة العربية لتتوافق مع المصطلحات العلمية الحديثة تبرز على الفور جملة التحديات التى تعترض سبيل غرس وتوطين المصطلحات العلمية الحديثة فى (تربة) اللغة العربية ، ففى ظل هذه التحديات يكون من السهل أن ننقل أو نعرب أو نترجم مصطلحا علميا من لغته الأصلية ونلبسه لباسا عربيا، لكن هيهات أن نضمن لما قمنا به من ترجمة أو تعريب انتشارا تلقائيا وقبولا جماعيا بين الناطقين باللغة العربية على اختلاف لهجاتهم وثقافاتهم وتوجهاتهم وتفضيلاتهم القطرية والمحلية التى تصوغ لدى كل منهم وعاءً لغويا وفهما عاما به بعض خصوصية قد لا تجدها لدى الآخرين أو بعضهم.
وفى صدارة جملة التحديات التى تعترض سبيل انسياب المصطلح العلمى الحديث والمتجدد على اللسان العربى بسلاسة وسهولة واستساغة يبرز أول تحد وهو التدفق المستمر للمصطلحات العلمية وتنوعها وغزارتها طوال الوقت، مما يستوجب جهدا جماعيا مؤسسيا يبتغى الملاحقة وامتلاك قدرة التطويع والاستئناس وتقديم المرادفات سهلة الغرس والتوطين فى آذان ووعى الناس، ويتماس مع ذلك التحدى الخاص بالتنوع الشديد فى المصطلحات العلمية والناجم عن التفريعات والانقسامات المتوالية فى العلوم المختلفة وما تشهده من انشطار وتشظى مستمر وتوالد تخصص عن تخصص وما يستتبع ذلك من إشكاليات مستمرة على صعيد التعريفات والمعانى.
يلى ذلك مباشرة التحدى الخاص باختلاف وتنوع طرائق ومنهجيات ومفردات الترجمة والنقل للعربية من مكان لآخر، ما بين الخليج والشام ومصر وشمال إفريقيا، ففى كل منها مدرسة لها خصوصتيها التى لا يمكن انكارها فى اختيار اللفظ وتوليد الاشتقاق والتعبير عن المعانى العلمية، أما إذا انتقلنا إلى مجال النشر والتثقيف العلمى عبر وسائل الإعلام الجماهيرية وما تتضمنه من أدوات للإعلام العلمى فحدث ولا حرج عن مشكلات بلا حصر، لعل فى مقدمتها ضعف الاهتمام أصلا بقضايا العلوم داخل وسائل الإعلام العربية الجماهيرية، وما ينجم عن ذلك من قلة الاهتمام باختيار الكوادر وتدريبها والبحث والتنقيب عمن يملكون قدرات راقية فى الكتابة العلمية والاستفادة منهم فى تقديم ثقافة علمية رصينة للجمهور العام، وبالطبع فإن هذا الوضع المثير للأسى يعكس نفسه على أداء الإعلام العلمى فى تعامله مع قضية الكتابات العلمية وأثرها فى تطويع اللغة العربية لتتوافق مع المصطلحات العلمية الحديثة ويجعل منه دورا باهتا ضعيف الأثر، فنحن غالبا أمام إعلام علمى إما يتناول القضايا بخفة وبمنطق الصدفة أو ينقل ما يصل إليه على طريقة المرايا التى تعكس ما يقع عليها من دون أن تهضم منه شئيا أو تضيف إليه، أو بات يلهث وراء مواد يعدها موظفو العلاقات العامة وتحتفى بمنتج علمى دخل دائرة التسويق التجارى وتقف وراءه شركات وجهات لا تخفى أهدافها على أحد بأكثر مما يلهث وراء علم وثقافة علمية يمكن أن تقدم للناس كتابات قادرة على أن تسهم بإيجابية فى تطويع اللغة العربية لتتوافق مع المصطلحات العلمية الحديثة.
قادنا هذا الوضع إلى مشهد نزعم أنه لا يرضى الكثيرين، فنحن أمام ترجمات متعددة للمصطلح الواحد دون اتفاق حاسم حول المعانى والدلالات، أو أمام بدائل عربية ومعربة تتسم بالصعوبة ويتم فيها اللجوء لمفردات وألفاظ مهجورة ولم يعد يستخدمها أو يستسيغها الكثيرون، وإعلام يجد صعوبة شديدة فى الشرح والتبسيط والتوضيح ومن ثم يتراجع دوره فى غرس المصطلحات الجديدة بالوعى العام لدى الجماهير العربية العريضة.
بيد أن هذا المشهد الصعب لا ينفى بالطبع وجود العديد من المؤسسات والجهات بالوطن العربى تمتلك تجارب مميزة فى مجال الكتابات العلمية والنشر العلمى، ولا شك أن دراسة هذه التجارب الناجحة واستخلاص ما فيها من دروس وعوامل إيجابية يعتبر أمرا مهما ومطلوبا لكل من يريد تطوير الوضع الحالى والوصول به إلى الأفضل مستقبلا.
فى هذا السياق تعتبر مجلة العربى حالة جيدة للدراسة، فهى من حيث العراقة تأتى فى صدارة المؤسسات والجهات الاعلامية العربية التى لعبت دورا مميزا فى قضية الكتابات العلمية خلال رحلتها الطويلة التى بدأتها منذ عام 1958 ومازالت مستمرة حتى الآن، حيث خصصت دوما مساحة طيبة من صفحاتها واهتماماتها للكتابات العلمية، كما اتسمت تجربتها بتنوع واضح فى الكتّاب وفى الموضوعات ، ومن هنا فإن تناول دور مجلة العربى فى قضية الكتابات العلمية وأثرها فى تطويع اللغة العربية لتتوافق مع المصطلحات العلمية الحديثة لا يعد أمرا مهما لمجلة العربى وحدها ولكن للقضية ككل وتداعياتها المستقبلية.
استهدف البحث الوقوف على الكيفية التى قامت من خلالها مجلة العربى بمعالجة وتقديم المواد والمصطلحات والأفكار العلمية للقارىء العربى والجهد الذى قدمه كتابها ومحرروها فى تبسيط وشرح المعانى العلمية وتطويع اللغة العربية حتى تتوافق مع المصطلحات العلمية الدائمة التدفق والتنوع والتفرع، والأساليب التى اتبعتها المجلة فى نشر الثقافة العلمية وإثراء اللغة العربية بالمعانى والافكار العلمية المستحدثة.
استخدم البحث مزيجا من المنهج الإحصائي ومنهج تحليل المضمون، وذلك للوصول إلى أرقام وإحصاءات ذات علاقة مباشرة بالقضية ثم البحث عن دلالاتها فى ضوء تحليل المضمون، وعلى ذلك فإنه من الناحية الإحصائية تم تتبع واستعراض جميع المواد المنشورة فى باب طب وعلوم وتقنيات فى عينة من أعداد المجلة، وتم تصنيفها من حيث عدد المصطلحات الواردة بكل مقال أو مادة منشورة، كما تم حصر وتصنيف الكتاب من حيث عدد مرات الكتابة وتوزيعهم على مجالات الكتابة المختلفة، ومن حيث المضمون: تمت مراجعة المصطلحات والمعانى الواردة بالمقالات ثم تحليل الأدوات المستخدمة فى عرضها والتعامل معها باللغة العربية وبناء على التحليل أمكن تصنيف عشر أدوات أو مستويات مستخدمة فى عرض وتوضيح المصطلحات والمعانى والافكار العلمية الواردة بالمواد المنشورة وسيتم توضيحها لاحقا.
استند البحث إلى عينة من المواد المنشورة بمجلة العربى، تحدد إطارها الزمنى فى الأعداد المنشورة من المجلة خلال الفترة من 1 / 12 / 1991 إلى 1 / 2 / 2007، وهى تقريبا الاعداد الصادرة من المجلة فى فترة ما بعد تحرير الكويت من الغزو العراقى وحتى الآن والتى تمثل 185 عددا (فيما عدا الاعداد الصادرة من فبراير إلى ديسمبر 2007)، وتحدد نطاق العينة فى جميع المواد المنشورة بباب (طب وعلوم وتقنيات) من أخبار وتقارير صحفية ومقالات ودراسات، وقد اعتمد الباحث فى ذلك على المواد المسجلة بقاعدة بيانات الأرشيف الالكترونى لموقع مجلة العربى على الإنترنت ، ومن حيث الحجم تم تجميع وتصنيف 588 مادة منشورة بالباب شملت اخبارا وتقارير ومقالات ودراسات، وإن كانت الغلبة فيها للمقالات.
تكونت مصفوفة التحليل من مجموعة أعمدة تم فيها تفريغ البيانات الخام الاساسية التى تم استخلاصها من المواد المنشورة الممثلة للعينة، وتكونت المصفوفة من الأعمدة التالية ( رقم المسلسل ـ رقم العدد ـ رقم تاريخ العدد ـ عنوان المقال ـ الكاتب ـ المصطلحات الواردة بالمقال ـ شرح المصطلحات كما وردت بالمقال ـ عدد المصطلحات الواردة ـ مجال الكتابة ـ ادوات وأنماط الكتابة ـ العثرات والقصور ـ ملاحظات)،
مصفوفة التحليل
طب (208 مقالات)، (83 مقالة)، تكنولوجيا المعلومات (69 مقالة)، فضاء وفلك (54 مقالة)، فكر علمي (32 مقالة)، متنوعة (26 مقالة)، فيزياء (19 مقالة)، تغذية (18 مقالة)، بيولوجيا (16 مقالة)، وراثة وجينات (14 مقالة)، طاقة (11 مقالة)، جيولوجيا (10 مقالات)، تكنولوجيا عامة (7 مقالات)، كيمياء (6 مقالات)، زراعة (4 مقالات)، زراعة (4 مقالات)، علوم عامة (3 مقالات)، ظواهر طبيعية (2 مقال)، مستقبليات (2 مقال)، اقتصاد وأعمال (1 مقال)، جغرافيا (1 مقال)، رياضيات (1 مقال)، لا يوجد مقالات (1 مقال)، إجمالي (588 مقالاً).
معايير التحليل: استنادا إلى الهدف المحدد للبحث وحجم العينة التى خضعت للتحليل وإطارها الزمنى والمنهجية المستخدمة فى التحليل تمت مناقشة القضية محل البحث والنتائج التى تم التوصل إليها وفقا لأربعة معايير أو محاور هى:
(مجالات الكتابة ـ الكتاب ـ المصطلحات العلمية ـ أنماط وأدوات الكتابة العلمية)، وسنحاول فيما يلى استعراض هذه المعايير أو المحاور كل على حدة فى جزأين الأول يستعرض نتائج التحليلات الإحصائية وتحليلات المضمون والثانى يركز على استخلاص الدلالات والنتائج مما تم التوصل إليه من تحليلات إحصائية وتحليلات مضمون.
نتائج التحليل الإحصائى وتحليلات المضمون
(1) مجالات الكتابة العلمية
أولا: مجالات الكتابة
تتمثل أهمية هذا المعيار فى كونه يكشف مدى أو حجم الاهتمام النسبى الذى أولته المجلة لكل فرع من أفرع العلم وهى تقدم الكتابات العلمية لجماهير القراء، والمجالات العلمية التى ركزت عليها أكثر من غيرها، ومدى استيعاب هذه المجالات للتطورات المتوالية فى حركة العلم وما تتضمنه من بروز علوم ومجالات جديدة، وفى ضوء ذلك يمكن استشفاف حدود الدور الذى لعبته المجلة من حيث قدرتها على استيعاب المصطلحات العلمية فى العلوم المختلفة.
وبعد عمل التصنيف والعرض الإحصائى وتحليل المضمون الخاص بهذه النقطة أمكن رصد 21 مجالا من مجالات الكتابة العلمية توزعت على العلوم المختلفة وتطرقت إليها وتناولتها المواد المنشورة خلال فترة العينة وهذه المجالات هى: (طب ـ بيئة ـ تكنولوجيا المعلومات ـ فضاء وفلك ـ فكر علمى ـ فيزياء ـ تغذية ـ بيولوجيا ـ وراثة وجينات ـ طاقة ـ جيولوجيا ـ تكنولوجيا عامة ـ كيمياء ـ زراعة ـ علوم عامة ـ ظواهر طبيعية ـ مستقبليات ـ اقتصاد واعمال ـ جغرافيا ـ رياضيات ـ متنوعة)، ويوضح توزيع المواد الصحفية التى نشرتها المجلة خلال فترة الدراسة على مجالات الكتابة الـ 21 السابقة.
وبناء على التوزيع الوارد بالجدول يتضح أن مجال العلوم الطبية كان له نصيب الأسد من اهتمام المجلة، حيث بلغت المقالات والمواد الصحفية الطبية المنشورة به 208 مواد من بين 588 مادة تم رصدها خلال الدراسة، يليها علوم البيئة بنصيب بلغ 83 مقالا ومادة، ثم تكنولوجيا المعلومات بـ 69 مقالا ثم الفضاء والفلك 54 مقالا ثم الفكر العلمى 26 مقالا والباقى موزع على باقى المجالات بأعداد تتراوح بين 1 و26 مقالا ومادة.، ويلاحظ أن مجالات الكتابة الحائزة النصيب الاكبر من الكتابة كانت هى ( الطب ـ تكنولوجيا المعلومات ـ البيئة ـ الفضاء والفلك) تعرف عادة بأنها المجالات ذات الاهتمام الجماهيرى الاوسع وفى الوقت نفسه تعبر عن العلوم الأكثر تدفقا وتنوعا وتطورا فيما تخرجه من مصطلحات وافكار ومعان علمية جديدة، وربما أفلت من الانضمام لهذه المجموعة علوم كان يتوقع أن يكون لها نصيب أكبر كعلوم البيولوجيا والوراثة والجينات.
(2) توزيع الكتاب طبقا لمجالات الكتابة
ثانيا: الكتاب
يهتم هذا المعيار بتتبع كتاب المقالات من حيث العدد الإجمالى والتخصص وعدد مرات الكتابة فى المجالات المختلفة، وتعود أهمية هذا المعيار إلى كونه يكشف مدى الثراء والتنوع والتعدد فى الكتّاب، كما يكشف من ناحية أخرى الدور الذى لعبته المجلة فى تقديم وبناء أجيال متعاقبة من كتاب المادة العلمية للقراء عبر رحلتها الطويلة، باعتبار أن التنوع والثراء فى عدد الكتاب يضمن إلى حد كبير تنوعا وثراء فى المادة المقدمة، وفى الوقت نفسه فإن استمرار الكاتب لفترة طويلة يوفر له فرصة جيدة لإحداث تراكم معرفى ومهارى مع الوقت، وكلا الأمرين ينعكسان فى النهاية ايجابيا على طريقة التعامل مع المصطلحات والافكار والمعانى العلمية وكيفية تطويعها للغة العربية.
وقد كشف الحصر والإحصاء الذى تم على المواد المنشورة أن إجمالى عدد الكتاب الذين ساهموا بالكتابة خلال فترة البحث قد بلغ 230 كاتبا، كتبوا 556 مقالا وتقريرا من إجمالى 588 مادة منشورة، بينما نشرت 32 مادة بلا اسم ، وتم توزيع الكتاب على مجالات الكتابة الـ 21 التى تم رصدها فى الجدول الأول، ويوضح هذا الجدول أن حوالى نصف الكتاب (44.8%) كتبوا فى مجال الطب، و17% منهم كتبوا فى مجالى البيئة وتكنولوجيا المعلومات على التوالى، فيما كتب 10% فى مجال الفكر العلمى، أما باقى المجالات فكانت نسبة من كتبوا فيها أقل من 10%، كما لوحظ أن 23.5% من الكتاب قد كتبوا فى مجالين أو أكثر، والبعض منهم كتب فى خمسة مجالات.
(3) توزيع الكتّاب طبقا لعدد مرات الكتابة
أما توزيعات الكتّاب طبقا لعدد مرات الكتابة، ويتضح منه أن 130 كاتبا يمثلون اكثر من نصف الكتاب ( 56.5% ) قد كتبوا لمرة واحدة فقط، بينما كتب 44 كاتبا يمثلون 19.1% لمرتين، ومن كتبوا ما بين 3 و9 مرات تراوحت نسبتهم بين 0.4 و8.3%، ومن كتبوا ما بين 10 و27 مرة وهو أقصى عدد بلغه كاتب علمى بالمجلة خلال هذه الفترة تراوح عددهم بين كاتب واحد وكاتبين بنسبة تدور حول 0.4%.
ثالثا: المصطلحات العلمية
فى هذا المعيار تم تجميع ورصد وفحص المصطلحات العلمية الواردة بالمواد المنشورة ، وتوزيعها على مجالات الكتابة المختلفة وكذلك توزيعها من حيث العدد الوارد منها بكل مقال، كما تم كذلك استخلاص وتجميع وفهرسة المعانى والشروحات التى وردت بالمواد المنشورة لهذه المصطلحات، وتنبع أهمية هذا المعيار فى التحليل من كونه يكشف عن مدى اعتماد الكتاب على المصطلحات بشكلها التقليدى المباشر فى التعبير عن الافكار والمعانى العلمية، كما يكشف عن نمط استخدام المصطلحات العلمية وكثافة هذا الاستخدام.
نمط توزيع المصطلحات على أعداد المجلة من حيث مجالات الكتابة
العلوم المختلفة، يضاف لذلك أن تجميع المصطلحات الواردة ومعانيها يعد أمرا ضروريا لعمليات تحليل مضمون هذه المصطلحات وكيفية تقديمها للقارىء.
وقد كشف التحليل الإحصائى وتحليل المضمون الذى تم فى هذه النقطة عن أن إجمالى المصطلحات العلمية التى أوردتها المجلة وقامت ـ بطريقة أو بأخرى ـ بشرحها باللغة العربية ووضع تفسيرات وتعريفات لها قد بلغ 1884 مصطلحا، احتلت مصطلحات العلوم الطبية مركز الصدارة فيها بـ 649 مصطلحا تمثل 34.4% من إجمالى المصطلحات الواردة خلال فترة الدراسة، تليها مصطلحات تكنولوجيا المعلومات التى ورد فيها 367 مصطلحا تمثل 19.5% ، ثم البيئة بـ 173 مصطلحا بنسبة 9.2% من الإجمالى، وتوزعت النسبة الباقية على بقية مجالات الكتابة
نمط توزيع المصطلحات من حيث العدد الوارد منها بكل مقال
من ناحية أخرى تم تتبع ورصد نمط توزيع المصطلحات العلمية على المواد المنشورة استنادا إلى عدد المصطلحات الواردة بكل مقال بغض النظر عن المجال، وذلك كمحاولة للكشف عن مدى اعتماد كتاب المجلة وكتاباتها على المصطلحات العلمية المباشرة فى عرض ما يتناولونه من أفكار وقضايا.
وقد وردت 167 مادة دون أن تظهر بها مصطلحات مباشرة أى كان عدد المصطلحات بها (صفر) وهذه النوعية من المواد تشكل 28.4% من إجمالى المواد البالغ 588 مادة، وتلا ذلك المواد التى ظهر بها مصطلح واحد فقط وكان عددها 70 مادة بنسبة 11.9%، ثم المواد التى ظهر بها مصطلحان
وكان عددها 87 مادة بنسبة 14.85، ثم المواد التى ظهرت بها خمسة مصطلحات وكان عددها 47 مادة بنسبة 8%، ثم المواد التى زاد فيها عدد المصطلحات على خمسة وحتى 36 مصطلحا ـ وهو العدد الاقصى للمصطلحات داخل المقال الواحد ـ وتراوحت نسبتها بين 0.2% و3.2% .
رابعا: أنماط وأدوات الكتابات العلمية
يشكل هذا المعيار العمود الفقرى للدراسة، لكونه يعتمد بالأساس على تحليل المضمون ومراجعة المواد الصحفية محل الدراسة والمصطلحات الواردة بها كاملة بهدف استكشاف الأنماط والأدوات التى استخدمت فى هذه الكتابات بغرض التعامل مع المصطلحات العلمية وكيفية تطويعها للغة العربية، وفى ضوء عملية تحليل المضمون الشاملة للمواد محل الدراسة تم رصد عشرة مستويات أو أنماط من الكتابة العلمية الواردة بالمجلة، تدرجت تنازليا من حيث الجودة والكفاءة فى معالجة المصطلحات والأفكار والمعانى العلمية وتطويعها للغة العربية، بحيث كان المستوى الأول على قمة الجودة، وتميز بثرائه الواضح فى المعانى والافكار العلمية ومع ذلك لم يلجأ تقريبا لاستخدام مصطلحات مباشرة بل اعتمد فى تقديم المصطلح والفكرة وتطويعها للغة العربية على مهارات الكاتب وخلفيته العلمية والثقافية ومستوى فهمه للقضية فى العرض والشرح والتبسيط ، وكان المستوى العاشر فى ذيل القائمة وبدت فيه المواد المنشورة خالية تقريبا من المصطلحات والمعانى ذات القيمة، وتوضح الجداول من رقم (6 إلى 14) المزيد من التفاصيل حول هذه المستويات وهى كما يلى:
ـ المستوى الأول: تبسيط وشرح ممتاز بلا مصطلحات تقريبا
التوزيع الإجمالى العام للمواد المنشورة فى فئة (طب) طبقا لأدوات التعامل مع المحتوى العلمى ومصطلحاته
فى هذه الفئة من المواد والمقالات يتجلى مستوى الكتابات العلمية بمجلة العربى فى أروع صوره، حيث تقدم الافكار والمعانى العلمية شديدة التعقيد بأسلوب سلس وسهل وجذاب دونما حاجة تقريبا إلى استخدام المصطلحات العلمية المباشرة أو اللجوء إليها وذكرها بصورتها الصعبة إلا فيما ندر، ويمكننا القول إن المواد المنتمية لهذا المستوى قدمت محتوى علميا راقى المستوى وعالى القيمة فى قوالب وكتابات شديدة التبسيط والوضوح، وذلك لأنها اتبعت منهجا يمكن أن نطلق عليه ( المصطلحات الذائبة فى النص) والذى يجعل الأفكار العلمية تنساب بسلاسة دون أن يكون بها كلمات أو مصطلحات تستعصى على الفهم أو تحتاج إلى شرح أو تشكل عثرات أمام القارىء، ومن ثم فهى تنجز مهمتها فى تطويع اللغة العربية وإثرائها بالمحتوى العلمى على خير وجه، وقد تم إحصاء 52 مادة ومقال فى هذه الفئة تمثل 8.9% من إجمالى عدد المواد التى خضعت للتحليل وعددها 588، وبلغ عدد المصطلحات الواردة بهذه الفئة 54 مصطلحا فقط تمثل 2.9% من العدد الإجمالى للمصطلحات التى أمكن رصدها بالدراسة ككل وبلغ 1884 مصطلحا. وعلى مستوى المجالات المختلفة وجد أن هذه النوعية من المقالات تمثل 4.3% من المقالات الطبية و10.8% من المقالات فى مجال البيئة، و7.2% من مقالات تكنولوجيا المعلومات و24.1% من مقالات الفضاء والفلك و9.4% من مقالات الفكر العلمى.
ـ المستوى الثانى: تبسيط وشرح مع مصطلحات قليلة
التوزيع العام للمواد المنشورة فى فئة (بيئة) طبقا لأدوات التعامل مع المحتوى العلمى ومصطلحاته
كشف تحليل المضمون عن فئة من المقالات والمواد الصحفية تستلهم منهج المستوى الأول، لكنها تليه من حيث القدرة على هضم المصطلحات العلمية وتحويلها إلى معان وأفكار ذائبة فى سياق النص، ففى هذه الفئة نجد أيضا التبسيط والشرح والاعتماد الواضح على المعانى والمفاهيم ولكن مع استخدام للمصطلحات بمعدل يفوق الفئة الأولى وإن كان لايزال قليلا بشكل عام، فقد اوضح الفحص وتحليل المضمون أن عدد المقالات المنتمية لهذه الفئة يصل إلى 85 مقالا ومادة تمثل 14.5% من إجمالى عدد المقالات الخاضعة للتحليل، وكان إجمالى المصطلحات الواردة بها 130 مصطلحا تمثل 6.9% من اجمالى عدد المصطلحات العام.
ـ المستوى الثالث: شرح مصطلح واحد فى مقال
كشف التحليل عن مجموعة من المقالات والمواد التى خصص فيها كتابها المقال بالكامل لشرح مصطلح علمى واحد من مختلف جوانبه، مع ربطه بشروحات ومعانى وأفكار من مختلف الزوايا ومع غيره من العلوم بل إن البعض منها كان أكثر تميزا وربط المصطلح بقضية عامة مثارة إما على المستوى الانسانى ككل أو فى المنطقة العربية، والأغلب ان هذه الطريقة فى التعامل مع المصطلحات العلمية نادرة الاستخدام فى الصحافة العربية إن لم تكن انفرادا لمجلة العربى، وقد كشف التحليل عن وجود 41 مقالا ومادة خصص كل منها لشرح مصطلح علمى واحد وتقديم تعريفاته والمصطلحات المرتبطة به ومحاولات تطويعه للغة العربية، وهو رقم يشكل 7% من إجمالى المادة الخاضعة للتحليل واحتوى على 107 مصطلحات رئيسية وفرعية تمثل 5.7% من الاجمالى العام للمصطلحات على مستوى البحث.
ـ المستوى الرابع:تقديم لعلم جديد
توزيع المواد المنشورة بتكنولوجيا المعلومات طبقا لأدوات التعامل مع المحتوى العلمى ومصطلحاته
صادف الباحث مجموعة من المقالات (الجسورة) التى خصصها كتابها لتقديم علم جديد إلى القارىء عبر ( مصطلح جديد) يحمل اسم العلم، وهذه أيضا طريقة غير شائعة فى التعامل مع المصطلح العلمى لكنها تحقق فائدة كبرى فى تطعيم اللغة بالمستجدات العلمية ومصطلحاتها، وفى الوقت نفسه تتطلب من الكاتب جهدا وإلماما واسعا بالعلم الذى يتحدث عنه، ومهارات وتمكنا من اللغة التى يكتب بها، وقد وجد أن هناك 4 مقالات خصصت لتقديم علوم جديدة تمثل 0.7% من إجمالى عدد المقالات وورد بها 14 مصطلحا مثل ايضا 0.7% من اجمالى عدد المصطلحات
ـ المستوى الخامس: استخدام مصطلحات عربية ومعربة
فى هذا المستوى يلاحظ حدوث تراجع جديد فى معدل الاعتماد على المعانى والمفاهيم وارتفاع فى معدل الاعتماد على إيراد المصطلحات المباشرة، لكن الميزة فى هذه الفئة من المقالات أنها اعتمدت على ذكر مصطلحات عربية أو معربة مع تدعيمها بشرح للمعانى والمفاهيم وتظليلها بمحيط من الأفكار التى تتعايش فيها وبها، وذلك كله دون اللجوء لاستخدام كلمة أجنبية سواء فى الشرح أو التوضيح أو ذكر المصطلح، وهو مستوى متميز ايضا من الكتابات العلمية ربما نجده فى مطبوعات وصحف أخرى عند تعاملها مع المصطلحات العلمية وتطويعها للغة العربية، ويحسب للعربى أنها توسعت فى استخدامه، فقد اشار التحليل الإحصائى إلى أن المقالات والمواد المنتمية لهذا المستوى عددها 159 مقالا تمثل 27.1% من الإجمالى العام للمقالات المنشورة، وعدد المصطلحات التى استخدمت تحت هذه المنهجية وصل إلى 254 مصطلحا تشكل 13.5% من الاجمالى العام للمصطلحات.
ـ المستوى السادس: استخدام مصطلحات أجنبية وعربية معا
التوزيع الإجمالى للمواد المنشورة بفئة فضاء وفلك طبقا لأدوات التعامل مع المحتوى العلمى ومصطلحاته
فى هذا المستوى استخدم كتّاب العربى المصطلحات الاجنبية والعربية والمعربة معا من أجل توضيح المعانى وشرح المفاهيم وتطويع الالفاظ المستخدمة للغة العربية، وإذا كان ظهور الألفاظ الانجليزية والعربية والمعربة معا يمثل تراجعا عن المستوى السابق فإنه يحسب لكتّاب هذه الفئة أنهم لم يتركوا المصطلح العلمى وحيدا عاريا وسط مقالاتهم، سواء كان بالانجليزية أو العربية، وإنما اجتهدوا فى تدعيمه بتقديم شروحات لما يحتويه من معان وأفكار، وبالتحليل الاحصائى وجد أن هذا المستوى ينضوى تحته 58 مقالا ومادة تمثل 9.9% من إجمالى المواد المنشورة، كما يضم 302 مصطلحا تمثل 16% من إجمالى المصطلحات العام.
ـ المستوى السابع: استخدام مصطلحات اجنبية مع شرح لمعانيها
وجدنا كتابات العربى العلمية فى هذا المستوى تستخدم مصطلحات اجنبية فقط دون مصطلحات عربية أو معربة، وبالمقارنة مع الطرق المتبعة فى المستويات السابقة فإن هذا الأمر أمر يقلل دون شك من قدرة القارىء والكاتب معا على التواصل مع المصطلح العلمى، ومن ثم تقل إلى حد ما الفرص المتاحة للتطويع والاستساغة والقبول العام، وقد دخل فى هذا المستوى 23 مقالا ومادة تمثل 3.9% من اجمالى المقالات والمواد المنشورة، واحتوت على 107 مصطلحات تمثل 5.7% من اجمالى المصطلحات العام.
ـ المستوى الثامن: استخدام مصطلحات اجنبية وترجمتها الحرفية
توزيع المواد المنشورة بفكر علمى طبقا لأدوات التعامل مع المحتوى العلمى ومصطلحاته
يعتبر استخدام المصطلحات الاجنبية والترجمة الحرفية العربية لمرادفاتها هى الوسيلة الاوسع انتشارا بالصحافة العربية بل والبديل (السهل) الذى يلجأ إليه الكثيرون بالصحافة العربية عند التعامل مع المصطلحات العلمية وتطويعها للغة العربية، وفى هذا النسق من التعامل تظهر المقالات العلمية وهى محشوة بكلمات أجنبية ومرادفاتها العربية الحرفية وهى خالية تقريبا من أى معانٍ أو مفاهيم تظللها، بل يمر عليها الكاتب مرور الكرام بلا اجتهاد، وتبرز هذه الحالة أوضح ما يكون حينما يكون صاحب المقال ذا خبرة تقنية بحتة وغارقا فى تخصصه ولا يمتلك المهارات والأدوات المطلوبة للكتابات العلمية، ومن حسن الحظ أن هذه الفئة من الكتابات العلمية خلال فترة الدراسة بلغت 126 مقالا ومادة تمثل 21.5% فقط من إجمالى المقالات التى نشرتها المجلة عبر السنوات التى خضعت للبحث، لكن ورد بها كم كبير من المصطلحات وصل إلى 862 مصطلحا تشكل 45.8% من الإجمالى العام للمصطلحات.
ـ المستوى التاسع: مواد تحتوى مصطلحات بها عثرات واخطاء
لا تشكل المواد المنضوية تحت هذا المستوى نمطا مستقلا خالصا بنفسه، فهى فى الاصل مواد ومقالات تم تصنيفها ضمن مستويات أخرى،لكنها تنفرد بأنها احتوت على عثرات وأخطاء وجوانب قصور فى التعامل مع بعض المصطلحات التى وردت بها، وقد كشف التحليل الإحصائى عن أن عدد هذه النوعية من المقالات.
التوزيع العام للمواد المنشورة بفئة (متنوعة) طبقا لأدوات التعامل مع المحتوى العلمى ومصطلحاته
لم يتعد 38 مادة، ويصعب تحديد نسبتها إلى إجمالى المقالات أو إلى إجمالى المصطلحات لانه ليس كل المصطلحات الواردة بها احتوت على عثرات بل بعضها فقط، وقد تنوعت هذه العثرات والاخطاء فكان منها التعقيد فى شرح المعنى بدلا من تبسيطه مثل (لولب الزمكان المخيف)، والتضارب فى ترجمة المصطلحات وليس فى شرحها أو معانيها مثل استخدام (حاسوب وكمبيوتر) فى مقال واحد، وتقديم كتابة علمية بها صعوبة واضحة فى عرض المعانى والتعبير مثل (فغرة للأمعاء) بدلا من التعبير عنها بفتحة فى الأمعاء، ومثل مصطلح (تكرز الامعاء التقرحى) الذى لم أعرفه إلى الآن، واعتماد ترجمات حرفية صعبة بالرغم من وجود مرادفات سهلة، مثل استخدام الخمج أو الانتان فى ترجمة مصطلح (Infection) وهو العدوى أو الإصابة، واعتماد ترجمة غير دقيقة وغير شائعة لبعض المصطلحات مثل ( نصف ناقلة) بدلا من (أشباه الموصلات).
ـ المستوى العاشر: مواد ليس بها مصطلحات أو معانٍ
اتسمت هذه النوعية من المواد والمقالات بخفة المحتوى من حيث القيمة وصغره من حيث الحجم، وكانت فى معظمها تقارير إخبارية سريعة تلاحق ما يجرى فى ساحة العلم والبيئة والتكنولوجيا عالميا، كما كانت مجموعة منها عبارة عن حكايات طبية لا علاقة لها بالمصطلحات والمعانى ذات القيمة العلمية، وقد بلغ عدد هذه المواد 30 مادة ومقالا تمثل 5.1% من إجمال المواد المنشورة.
الدلالات والنتائج
تضع الأرقام والتحليلات السابقة بين أيدينا العديد من النتائج والدلالات حول دور مجلة العربى فى معالجة قضية المصطلحات العلمية وكيفية تطويعها للغة العربية وفى كيفية تناولها للقضايا العلمية وذلك على النحو التالى:
أولا بالنسبة لمجالات الكتابة:
من حيث مساحة الاهتمام والانفتاح والتنوع فى مجالات الكتابة يمكن القول إن مظلة اهتمام العربى كانت من حيث المبدأ واضحة الاتساع، فقد تضمنت كما تمت الاشارة إليه سلفا 21 مجالا علميا مختلفا قل أن نجدها مجتمعة فى مطبوعة ثقافية شاملة، وقد فتح ذلك المجال لإمداد اللغة العربية بوجبة مصطلحات ومعان وأفكار علمية متنوعة المصادر والمشارب لا تقتصر على علم بعينه، بيد أننا عند النظر إلى كيفية توظيف هذه المساحة عمليا نجد أنفسنا أمام ملاحظتين:
ـ الملاحظة الأولى أن المظلة على اتساعها كان بها نوع من عدم العدالة النسبية فى توزيع مساحات الاهتمام على العلوم المختلفة، إذ وجدنا أن علوما طغت وعلوما انزوت وعلوما لم تظهر تقريبا أو كان حضورها رمزيا لم يتعد مرة أو مرتين فى فترة الدراسة بالكامل، فكما سبق وأن أوضحنا نجد أن العلوم الطبية استأسدت وحصدت 208 مواد من بين الـ 588 مادة التى تم رصدها خلال الدراسة، تلتها علوم البيئة بنصيب 83 مادة وتكنولوجيا المعلومات 69 مادة، ثم الفضاء والفلك 54 مقالا ثم الفكر العلمى 26 مقالا والباقى موزع على باقى المجالات بأعداد تتراوح بين 1 و26 مقالا ومادة.
ـ الملاحظة الثانية أن مجالات الكتابة التى حازت النصيب الأكبر كانت هى العلوم المعروفة بأنها تحظى باهتمام جماهيرى واسع مقارنة بغيرها من العلوم، وفى الوقت نفسه تعبر عن العلوم الأكثر تدفقا وتنوعا وتطورا فيما تخرجه من مصطلحات وأفكار ومعان علمية جديدة، وهى مجالات ( الطب ـ تكنولوجيا المعلومات ـ البيئة ـ الفضاء والفلك) وربما أفلت من الانضمام لهذه المجموعة مجالات كتابة فى علوم كان يتوقع أن يكون لها نصيب أكبر كعلوم البيولوجيا والوراثة والجنيات.
ثانيا بالنسبة للكتاب:
على التوازى مع اتساع وشمول وتنوع مجالات الكتابة كان هناك اتساع وشمول وتنوع فى الكتاب عددا ونوعية، فإذا كانت العينة قد كشفت عن 21 مجالا للكتابة، فقد كشفت أيضا عن 230 كاتبا كتبوا 556 مقالا وتقريرا من إجمالى 588 مادة كما سبق القول، ورقم الـ 230 كاتبا يعنى أن المجلة اعتمدت نهج الانفتاح على طيف واسع من الكتاب والمحررين العلميين إضافة للعلماء والباحثين من مختلف المدارس والأجيال والاتجاهات والتخصصات العلمية والفكرية، وكما هو الحال فى مجالات الكتابة فتح هذا النهج المجال لتعميق التنوع فى مصادر المصطلحات العلمية وفى طرق وخبرات وأدوات منهجيات عرضها وشرحها وتفسيرها وتطويعها لتستخدم مع اللغة وتطويع اللغة لتكون قادرة على استيعابها، ويعزز هذه النتيجة النمط السائد فى المجلة من حيث عدد مرات الكتابة التى ساهم بها كل كاتب، فكما سبق التوضيح فإن أكثر من ثلاثة أرباع الكتاب كتبوا لمرة واحدة أو مرتين فقط.
وقد كان طبيعيا أن تحتل العلوم الطبية مركز الصدارة من حيث توزيع الكتاب على مجالات الكتابة باعتبار أنها احتلت مركز الصدارة من حيث استحواذها على أكبر عدد من المواد المنشورة، فقد كتب ما يقرب من نصف الكتاب فى الطب وحوالى الثلث فى البيئة وتكنولوجيا المعلومات، لكن اللافت للنظر أن نسبة من كتبوا فى أكثر من مجال لم تصل إلى ربع عدد الكتاب، وهو ما يعزز أيضا فكرة التنوع فى مصادر الحصول على المصطلح العلمى ومن ثم التعدد فى خبرات التعامل معه.
فى المقابل فإن اختيار هذا النهج بحد ذاته يحتوى على نقطتى ضعف:
ـ الأولى: فتح المجال لاستقبال ونشر كتابات علمية متذبذبة الجودة فى تعاملها مع المصطلح صعودا وهبوطا، وقد رصدت الدراسة بالفعل ظلالا لهذا التذبذب فى المستوى ظهر بالذات لدى قطاع من فئة الكتاب الذين كتبوا لمرة واحدة أو الذين ليسوا على خبرة واحتكاك كبير بمجال الكتابة العلمية والتعامل مع المصطلح واستندوا فقط إلى خبراتهم ومعارفهم البحثية والعلمية التخصصية البحتة وقد شكل كل من المجال الطبى ومجال تكنولوجيا المعلومات المسرح الأكبر لهذه النوعية من الكتابات متذبذبة الجودة فى عرض المصطلح العلمى وكيفية تطويعه واستخدامه لغويا.
ـ الثانية: أن الحرص على التنوع واستيعاب أكبر عدد من الكتاب يقلل من فرص إحداث تراكم فى الخبرة لدى من يدخلون مجال الكتابة العلمية لأول مرة ووجدوا لهم فرصة على صفحات العربى، لأن البعض ينتهى ويتوقف عن المساهمة والكتابة بعد أن يكتب لمرة واحدة ، بل قد لاحظ الباحث ان هناك أقلاما من الفئة التى لديها مهارة كتابة المصطلحات (الذائبة فى النص) الأرقى فى الجودة على الإطلاق قد كتبوا لمرة واحدة او اثنتين أو ثلاث وتوقفوا، وفيما يبدو أن التدفق القادم من قبل كتاب آخرين قد جعل المجلة لا تشعر بأن هناك مشكلة.
ثالثا بالنسبة للمصطلحات:
قد يبدو للوهلة الأولى أن هناك تواضعا فى العدد الإجمالى للمصطلحات (الظاهرية) التى وردت بالمواد العلمية خلال فترة الدراسة، حيث لم يتم رصد سوى 1884 مصطلحا فقط خلال ما يقرب من عشر سنوات و185 عددا، ومن ثم فإن مجلة العربى خلال هذه السنوات لم تطعم اللغة العربية إلا بنذر يسير من المصطلحات العلمية المتدفقة ليل نهار، بيد أن تحليل المضمون الذى جرى للمادة العلمية يكشف عن أننا يجب ألا نتعامل مع الرقم الإجمالى للمصطلحات على هذا النحو، لأن منهجية الكتابات العلمية بمجلة العربى خلال فترة الدراسة لم تقم بالأساس على عرض المصطلح بشكله المجرد ثم الإتيان على مقابله بالعربية، وإنما كان السائد فيها هو منهج (المصطلحات الذائبة فى النص) كما سبق القول والذى يعتمد على عرض المعانى والمفاهيم والشروحات بطريقة سلسة تفكك المصطلح وتقوم بتذويبه داخل النص بدرجات متفاوتة وصلت فى كثير من الكتابات العلمية إلى حد اختفاء المصطلح تماما وعدم اللجوء إليه وتقديمه كفكرة ومعنى، ولو نظرنا إلى الأرقام السابقة فسنجد أن حوالى 55% من المواد المنشورة إما اختفت منها المصطلحات تماما أو ظهر بها ما بين 1 و2 مصطلح واعتمدت كلية على نهج المصطلحات والمفاهيم الذائبة فى النص، بل يمكننا أن نلاحظ فى الجدول الخاص بتوزيع عدد المصطلحات على المواد أنه كلما زاد عدد المصطلحات قل عدد المواد.
وفى تصورى أنه لو لجأت الكتابات العلمية بالمجلة إلى أسلوب عرض المصطلح والاكتفاء بمرادفه العربى لكانت بالفعل قد عرضت ونشرت عشرات الآلاف من المصطلحات العلمية خلال فترة الدراسة، لكن ذلك كان سيحرم القارىء العربى واللغة العربية من الجهد الأعلى فى القيمة الذى أمكن توفيره من اتباع منهجية تقديم المعانى والمصطلحات والمفاهيم العلمية بصورة (ذائبة) فى نص سهل العبارة جميل اللفظ محبب إلى النفس، ولجوء مجلة العربى للخيار الثانى هو اختيار موفق حتى وإن كان يصطدم مع التوقعات والتصورات
(التقليدية) لدى البعض حول مفهوم وطريقة عرض المصطلح.
نلحظ فى الأرقام المتعلقة بالمصطلحات أن العلوم الطبية هى أيضا صاحبة النصيب الاكبر من حيث عدد المصطلحات الواردة، وهنا يختلف الأمر عن الارقام التى حققتها العلوم الطبية فى مجالات الكتابة والكتاب، فزيادة عدد المصطلحات هنا تدل على أن الكتابات الطبية اعتمدت بشكل أوسع على أدوات وأنماط أقل جودة ومهارة فى التعامل مع المصطلح.
رابعا: بالنسبة لأنماط وأدوات الكتابة:
قبل أن نقرأ الأرقام وتحليلات المضمون الخاصة بالأنماط وأدوات الكتابة التى استخدمتها الكتابات العلمية بمجلة العربى فى التعامل مع المصطلحات العلمية علينا ان نسأل التساؤل التالى: كيف نحكم على أو نحلل طريقة ومنهجية المجلة فى التعامل مع المصطلح العلمى؟
والإجابة: أنه يجب ألا نتعامل مع الأنماط والأدوات المستخدمة فى التعامل مع المصطلح العلمى بالمعايير التى تستخدمها الجهات القائمة على بناء القواميس أو تلك التى تستخدمها المجامع اللغوية عند وضع مصطلح لأول مرة، ذلك لأن المهمة الأساسية لوسائل النشر الجماهيرية ـ كمجلة العربى ـ ليست صك المصطلح العلمى ولا تقديمه بصورة صارمة الانضباط والنمطية كما هو الحال فى القواميس والموسوعات، ولكن دورها الأساسى هو زرع وتوطين المعرفة العلمية السليمة بلطف ورشد فى عقول جماهيرها وقرائها سواء استخدمت المصطلح كما هو او اتبعته بشروحات وتفسيرات أو فككته وقامت بتذويبه فى نص علمى رشيق وسهل وجذاب وسليم المحتوى.
انطلاقا من ذلك يمكننا النظر إلى ما باحت به الأرقام وتحليلات المضمون على النحو الذى عرضناه فى المستويات العشرة السابقة، والتى تجعلنا نقول إن الأدوات والأنماط التى استخدمتها مجلة العربى فى التعامل مع المصطلح تبدو وكأنها نظام (ايكولوجى) أو بيئى متكامل من حيث الغنى والجودة والتعدد، ففى الحقيقة نحن أمام مستويات عشرة تتدرج نزولا ممن يكتبون فيقدمون ما أطلقت عليه سابقا (المصطلحات الذائبة فى النص) أى المصطلحات التى تنقل للقارىء مصطلحا علميا معقدا متخفيا مفككا إلى عناصره الأولية السهلة الجزلة مغلفة فى جملة أو فقرة أو فكرة حلوة المذاق عند القراءة، وانتهاء بالمواد التى لا تحتوى مصطلحا ولا فكرة ولا معنى ذات قيمة علمية، مرورا بفئات استخدمت قليلا من المصطلحات وأخرى استخدمت مصطلحات عربية أو معربة وشرحتها، وثالثة استخدمت مصطلحات انجليزية واجتهدت فى شرحها ورابعة قدمت المصطلح الإنجليزي ومرادفه الحرفى العربى، وفئة خامسة قدمت مصطلحات بها بعض العثرات... إلخ.
وفى ضوء الأرقام السابقة يمكن القول إن جزءا كبيرا من الكتابات العلمية فى مجلة العربى ـ ربما النصف ـ قد اعتمد منهج تذويب المصطلح فى النص بما فيه من تميز فى التعامل مع المصطلح العلمى ، وهذا يجعلنا نخلص إلى أن الكتابة العلمية التى يمكن تصنيفها على أنها رفيعة المستوى ليست هى المحشوة بعدد كبير من المصطلحات ومرادفاتها، ولكنها الكتابة التى يصل فيها عدد المصطلحات العلمية الصلدة والمباشرة إلى الصفر، لأن هذه النوعية من الكتابة ـ بمقاييس النشر الصحفى والجماهيرى ـ تعكس فهما عميقا وهضما كاملا من جانب الكاتب أو المحرر لما يكتب، بل إن الكاتب يصل فى بعض الأحيان إلى درجة من (الحب والعشق) للفكرة أو المفهوم أو المعنى الذى يكتبه والتوحد معه، وبالتالى تخرج (الوجبة العلمية الصحفية) فى قالب محبب للقارىء.
يدل على ذلك أنه كلما ارتقى الفهم قل استخدام المصطلح الانجليزى وساد العربى فقط، وكلما تقارب الكاتب ومادته أصبح الأمر قائما على تبسيط المعانى وليس ترجمة الألفاظ، وكلما لاح العشق بين الكاتب وموضوعه ذاب المصطلح فى النص واصبحت الفكرة أو المفهوم كالشراب السائغ الذى يتناوله المرء بسهولة لأنه لا يحتوى شيئا صلدا يقف فى الحلق.
افرزت هذه الطريقة فى التعاطى مع المصطلح العلمى بعض الجوانب الإيجابية الأخرى، فتحليل مضمون المقالات كشف عن أن مجموعة غير قليلة منها لم يتوقف فيها كتابها عند التبسيط العلمى للفكرة وشرح مصطلحاتها والتعامل معها لغويا وعلميا بل تعدوا ذلك إلى إبراز ومعالجة القضايا ذات العلاقة بهذه الفكرة ومصطلحاتها، فهناك من تحدث عن تكنولوجيا تحلية مياه البحر ومصطلحاتها فى سياق حديثه عن أزمة المياه بالوطن العربى وكيف تصبح التحلية بديلا لحل المشكلة.
وجدنا أيضا من يستخدم طريقة إذابة المصطلح فى النص فى إزالة الالتباس وفض الاشتباك بين مصطلحات قائمة وأخرى جديدة وشرح ذلك للقارىء.
وإذا كان هناك من يرى أن هذه النوعية من الكتابة الهاضمة للمصطلحات والمعيار المستخدم فى تقييمها لا يجعل المطبوعة تلعب دورا مباشرا فى نشر المصطلح العلمى و(تطويعه) أو تطويع اللغة لاستيعابه، فهو رأى يرد عليه بأن الكتابة وفق هذا المستوى تفتح المجال لبناء وعى علمى وثقافة علمية تجنب القارىء والجمهور العام الاصطدام بعقبة تعقد المصطلح وصعوبة فهمه، وهذه بلا شك الأرضية التى تمهد هذا العقل وتعده لاستيعاب المصطلحات بمرور الوقت، أما الانكفاء حول المصطلح الصلد المباشر والتوقف عنده فى كتابات علمية داخل مجلة جماهيرية فهو إما يعكس الخوف وعدم الجرأة فى كتابة مصطلحات عربية دون مرادفاتها الانجليزية، أو يعكس درجة من عدم اطمئنان للترجمة العربية للمصطلح المتداول.
وفضلا عن هذا وذاك فإن الاستخدام الكثيف للمصطلحات الصلدة يعرض المادة أو المقال لبعض القصور والثغرات، ويمكننا أن نجد دليلا على ذلك إذا ما راجعنا الأرقام والتحليلات السابقة والتى تكشف عن أن المقالات والمواد التى ظهرت بها عثرات وقصور فى معالجة بعض المصطلحات كانت منتمية إلى فئة المقالات التى ابتعدت عن نهج (إذابة المصطلح بالنص) وركزت على نهج استخدام المصطلحات الصلدة البارزة.
التوصيات
ليس بإمكان الباحث إصدار أية توصية فيما يتعلق بمساحة ونوعية النشر وأسلوب المعالجة، فهذه حقوق خالصة للمجلة وهيئة تحريرها يجب عدم الاقتراب منها، ولكن التحليل السابق يضعنا أمام أمر لافت للنظر يستحق أن يكون توصية تقدم لمجلة العربى وهيئة تحريرها والمسئولين عنها لمناقشتها من مختلف جوانبها ألا وهو أن المادة العلمية المتوافرة على موقع المجلة بالإنترنت بصورتها الراهنة الجيدة الفهرسة والتصنيف والتكامل إنما هى محتوى علمى ثرى لكنه (خفى) وفى غير متناول القاعدة العريضة من القراء ومستخدمى الإنترنت العرب، كما أنه يحتاج إلى خطوات (تجهيز إضافية) توسع من قاعدة استخدامه والاستفادة منه، وهذا يلقى على المجلة بمسئولية إضافية نحو البحث عن أساليب أكثر سهولة وتفاعلية تتيح للقارىء ومستخدم الإنترنت العربى الوصول لهذا المحتوى العلمى شديد الثراء بسبل أكثر سهولة وتنوعا، ولعل أبسط ما يمكن عمله هو اعتبار هذا المحتوى نقطة انطلاق نحو تأسيس منظومة معرفية للثقافة العلمية العربية تستلهم خبرة ونهج مجلة العربى فى التعامل مع المصطلح العلمى كما كشفت عنها التحليلات السابقة، بحيث تعمل بمفاهيم تتجاوز الأطر والمعايير المتبعة فى القواميس ودوائر المعارف المتاحة حاليا، ويفترض أن تستند هذه المنظومة المعرفية للثقافة العلمية إلى دعامتين:
الدعامة الأولى: المحتوى العلمى الثرى الذى تكون لدى مجلة العربى عبر تاريخها كله وليس فقط السنوات المنشورة على الانترنت، وليس فقط فى باب طب وعلوم وتقنيات بل يضاف إليها ابواب اخرى مثل باب مستقبليات أو أى مقالات أخرى تتصل بالعلوم الإنسانية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتى
بلا شك احتوت على مصطلحات علمية تتصف بالتنوع والغنى الذى ظهر فى المواد التى خضعت للبحث.
الدعامة الثانية: الأجيال الجديدة من أدوات ونظم تكنولوجيا المعلومات المستخدمة فى مجالات تجميع وتصنيف وتخزين وفهرسة واسترجاع المحتوى، والتى بإمكانها أن تشكل بنية أساسية تقنية يدار من خلالها المحتوى العلمى والتثقيفى الثرى الموجود بالمجلة.
إننا لا نطلب من «العربى» بناء قاموس للمصطلحات العلمية بالمفهوم التقليدى، ولا موسوعة علمية على غرار ما شهدناه فى الموسوعات الأخرى، بل نطلب تشييد نظام متكامل للتثقيف العلمى يربط بين المصطلح كلفظ وبين مهارات الكاتب فى الشرح بالمعنى وفى إذابة المصطلح داخل النص، بمعنى أننا بصدد منظومة عند البحث فيها تكون النتيجة مركبة متشعبة غير مقصورة على المرادف الحرفى للمصطلح كما هي الحال مع القواميس أو بعض الشرح المفصل كما هي الحال فى الموسوعات، بل يضاف لذلك المقالات المرتبطة بهذا المصطلح سواء كانت قد أوردته صلدا مباشرا مستقلا أو ذائبا فى نص ، أو اتسعت رؤيتها لتتناول ارتباطاته بما يجرى على الساحة من قضايا تنموية وفكرية وثقافية وعلمية أو كانت مقالا أو دراسة خصصت بالكامل لشرح المصطلح، والحديث منصب على اقتراح (هرم معرفى) يتكون من ثلاث طبقات:
ـ طبقة الرأس الصغيرة ويحتلها المعنى القاموسى الضيق للمصطلحات.
ـ طبقة الوسط ويكمن فيها المعنى الموسوعى الذى يتدعم فيه المعنى القاموسى ببعض الشرح والتفسير.
ـ الطبقة الأرضية العريضة الثراء ويوضع فيها المحتوى العلمى لمجلة العربى بما فيه من تنوع على مستوى مجالات الكتابة والكتاب، وتعدد فى مستويات معالجة النص وأدواتها وأنماطها، وبالطبع فإن مثل هذه المنظومة يتعين أن تعمل عبر الإنترنت بارتباط كامل ووثيق بالأرشيف الحالى.
أما كيف يتحقق هذا الربط بين المعنى القاموسى والموسوعى مع المحتوى العلمى لمجلة العربى ونهجها فى عرض والتعاطى مع المصطلحات العلمية، وما هى مكونات هذه المنظومة من البرمجيات والتصميمات والتحليلات والأجهزة، وكيف يمكن التخطيط لها وبناؤها لتحقق الربط بين المحتوى العلمى لمجلة العربى وقوة أدوات التكنولوجيا والفهرسة والتخزين والخبرات السابقة فى بناء الموسوعات والقواميس فهو أمر يحتاج إلى مزيد من المناقشة والتحليل يمكن مناقشته فى سياق آخر.
مجلة العربي
|
|
|