قضايا اللغة العربية في العصر الحديث

يستهل المؤلف. د. سمر روحي الفيصل، أبحاث كتابه، بالتطرق إلى حقيقة أن العرب خرجوا إلى الأمصار فاتحين وهم يحملون لغة القرآن المشتركة ولهجات قبائلهم، وإذا كان نزول القرآن بهذه اللغة الأدبية المشتركة إيذاناً بتحوّل رؤيتهم إلى اللغة، فإن الفتوحات عمّقت هذا في وجدانهم، وصهرت اللهجات واللغات السائدة في الأمصار في بوتقة واحدة.

وبذا فإن العاميات العربية تنتمي إلى اللغات العربية وترتبط بها ارتباطاً وثيقاً، وإنها في الوقت ذاته مزيج من اللهجات العربية ولغات البلاد الأصلية، وساعدت القرابة اللغوية على تشكلها، كما ساعد تنوع البيئات وتعدّد القبائل التي حلت فيها على منحها أشكالاً تعبيرية وصوتية تباينت بحسب التفاعل اللغوي بين لغة البلد ولهجات القبائل التي استقرت فيه وراحت تختلط بأهله وتُنشئ مجتمعاً إسلامياً جديداً، والمجتمع الإسلامي الجديد في البيئات كلها استعمل لغة أدبية واحدة هي لغة القرآن الكريم التي وحّدته وما زالت توحّده .

ويبين الفيصل، أن صعوبة اللغة العربية خرافة، لأن هناك فرقاً بين اللغة وقواعدها ومهارة استعمالها، وبين الكتابة والنطق، وأثبتت التجربة على خطل المناداة بإهمال الإعراب وتسكين أواخر الكلم واستبدال الحروف اللاتينية بالحروف العربية، وتحديد قدرات المتكلم العربي .

وتقديم القدر الملائم لها من النحو، وتوجيه التربية إلى العناية بالمهارات اللغوية الأساسية، والعناية بعلم التجويد والنطق، والجمع بين علمي النحو والمعاني في الدروس النحوية والبلاغية، وتوحيد رسم الكلمات، والإفادة من علم الحديث في أثناء البحث عن حلّ يقتضي الحركات والتنوين.

وهكذا فإنّ التشبث باللغات الأجنبية وضعف الأمة العربية ومناخ القهر، عوامل سبّبت خللاً في الاستيعاب، وهو خلل سياسي وليس لغوياً، لأن الخلل السياسي يوهن الجهود اللغوية في الحقل العلمي العربي، ويقودها بعيداً عن التأثير في المستوى العلمي للمجتمع العربي .

ثم إنّ الحضارة العربية الإسلامية لم تضع ذاتها بديلاً من الحضارات السائدة آنذاك، بل وضعت ذاتها امتداداً لها، وإذا وعت حركة الترجمة والتعريب في العصر الحديث هذه الحقيقة، وجب عليها الانفتاح على ثقافة العالم، دون أن تقتصر على الثقافة العالمية وحدها، لأن الحضارات عملية تواصل وليست عملية انقطاع، وهذا يعني أنّ اللغة العربية الفصيحة ما زالت تحتاج إلى عمل لغوي مماثل في حقل المصطلحات العلمية وتوحيدها وترجمة ما يستخدم منها في حقل العلم .

ويؤكد المؤلف أن الخطأ في تدريس اللغة العربية هو المسؤول عن التردّي في إعداد الطالب والكاتب والمعلم المربي، وهو نفسه المسؤول عن القصور في الكتب الخاصة بطرائق تعلّم اللغة العربية وبصناعة الكتابة الإبداعية، وقد حُدِّد هذه الخطأ في الاتجاه إلى تزويد الطالب بالمعارف اللغوية الأدبية، وإهمال تدريبه على المهارات الخاصة بالكتابة .

إنّ لغة الحوار تغيرت تغيراً إيجابياً واضحاً، ومن علاماته نقل لغة الحوار من الموقف اللغوي الصرف إلى الموقف الفني، واعتماد الفصيحة وحدها لقدرتها الذاتية على النهوض بأعباء الموقف الفني الجديد، ولانتقالها النوعي إلى لغة الأدب الموضوعي، وذلك طوال العقود الستة الأخيرة من القرن العشرين .

فخدمة اللغة العربية تعني ترسيخ الوعي القومي الممكن، أي تجسيد العلاقة بين اللغة العربية والوعي القومي، وجعلها حتمية يفضي إليها السلوك اللغوي للإنسان العربي، كما تفضي إليها التربية داخل المدرسة وخارجها، وإلا فإن الوعي الزائف سيبقى مسيطراً، تدل عليه الاستهانة بتعليم اللغة العربية وتعلمها، ويرسخه بقاء المشكلات اللغوية العربية دون حلول ناجعة، ومنها :

صنع المعجم التاريخي الذي يضمّ تطوّر دلالات الألفاظ من الجاهلية إلى الوقت الحاضر، صنع المعجمات الاختصاصية في العلوم والفنون والآداب، صنع معجمات المعاني والموسوعات العامة والاختصاصية، الإفادة من اللسانيات في تأسيس نظرية عربية ذات مستويات صوتية ونحوية ودلالية، الاستفادة المعمقة في تعامل اللغة العربية الفصيحة مع الحاسوب ومصرف المعلومات والمصطلحات، التركيز على حلّ أزمة المصطلح العلمي والترجمة الآلية وتعليم اللغة العربية للأجانب، إزالة اللبس بين العامية واللهجات، تقديم معيار للصواب والخطأ في قضية الأغلاط الشائعة، حلّ مشكلات الإملاء ورسم أسماء الأعلام الأدبية والمصطلحات الوافدة.

البيان