مصطلح الصحافة في مصادر اللغة القديمة

د. ثمامة فيصل بن أبي المكارم



الصحافة كلمة محدثة تدل على مهنة من يجمع الأخبار والآراء ، وينشرها في صحيفة أو مجلة ، والنسبة إليها صِحافي ، والصَحَفِيُّ من يزاول حرفة الصحافة.( )
لم ترد كلمةُ الصحافة في مصادر اللغة القديمة مثل الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية لإسماعيل بن حماد الجوهري (المتوفى سنة 93 هـ) ، وكتاب العين لخليل بن أحمد الفراهيدي (المتوفى سنة 170 هـ) ، وجمهرة اللغة لمحمد بن الحسن بن دريد (المتوفى سنة 321 هـ) ، والمحيط في اللغة للصاحب بن عباد (المتوفى سنة 385 هـ) ، والمخصص لعلي ابن إسماعيل المعروف بابن سيده (المتوفى سنة 458 هـ)، ومختار الصحاح لمحمد بن أبي بكر زين الدين الرازي (المتوفى سنة 666هـ) ، والعباب الزاخر واللباب الفاخر للحسن بن محمد الرضي  الصاغاني (المتوفى سنة 650 هـ) ، ولسان العرب لمحمد بن مكرم المعروف بابن منظور (المتوفى سنة 711 هـ)  ؛ وشرح ابن منظور كلمة (الصحيفة) في لسان العرب حيث قال : (الصحيفة هي التي يكتب فيها ، والجمع صحائف وصُحُف وصُحْف ، وفي التنزيل : (إن هذا لفي الصُحُفِ الأولى ، صُحُفِ إبراهيمَ وموسى) ( ) ؛ يعني الكتب المنزلة عليهما ، وصحيفة الوجه: بَشَرَةُ جلده ، وقيل : هي ما أقبل عليك منه، والجمع صحيف ؛ وقوله :
إذا بَدَا مِن وَجْهِكَ الصَّحِيفُ
يجوز أن يكون جمعَ الصحيفة التي هي بَشَرَة جلده ، ويجوز أن يكون أراد بالصحيف : الصحيفة، والمُصْحَف والمِصْحَف : الجامع للصحف المكتوبة بين الدفتين كأنه أُصحف).( )
ونقل ابن منظور في لسان العرب عن الجوهري قوله : (والصحيفة : الكتاب ، وفي الحديث: أنه (صلى الله عليه وسلم) كتب لعيينة بن حصن كتابا ، فلما أخذه قال : يا محمد ، أتراني حاملا إلى قومي كتابا كصحيفة المتلمس؟ الصحيفة: الكتاب ، والمتلمس : شاعر معروف ، واسمه عبد المسيح بن جرير ، وكان قدم هو وطرفة الشاعر على الملك عمرو بن هند ، فنقم عليهما أمرا ، فكتب لهما كتابين إلى عامله بالبحرين يأمره بقتلهما ، وقال : إني قد كتبت لكما جائزة ، فاجتازا بالحيرة ، فأعطى المتلمس صحيفته صبيا فقرأها ، فإذا فيها يأمر عامله بقتله ، فألقاه في الماء، ومضى إلى الشام ، وقال لطرفة : افعل مثل فعلي ، فإن صحيفتك مثل صحيفتي ، فأبى عليه ، ومضى إلى عامله ، فقتله ، فضُرب بهما المثل. والمُصَحِّف والصَّحْفي : الذي يروي الخطأ عن قراءة الصحف بأشباه الحروف).( )
    أما كلمة الصَّحَفي التي يراد بها اليوم من يزاول حرفة الصحافة ، فقد وردت في المعاجم القديمة بمدلول يختلف عن مدلولها المتداول اليوم. فكتب صاحب القاموس عن كلمة (الصحفي) : (الصَّحَفي محركة : من يخطيء في قراءة الصحيفة ، وبضمتين لحن ، والمصحف مثلثة الميم مِن : أُصْحِف بالضم : أي جُعلت فيه الصحف ، والتصحيف : الخطأ في الصحيفة ، وقد تَصَحَّفَ عليه).( )
    ونلاحظ أن اللحن في استعمال هذه الكلمة بضمتين أي : (صُحُفي) ، كما أشار إليه صاحب القاموس ، لا يزال شائعا على ألسنة كثير من الناس إلى يومنا هذا ، وقد أشار الصاغاني في العباب الزاخر إلى هذا الخطأ الذي كان شائعا في عصره أيضا ، فقال : (والذي يقرأ الصحيفة ويخطيء في القراءة : صَحَفي بالتحريك ، وقول العامة صُحُفي  بضمتين : لحن ، والنسبة إلى الجمع نسبة إلى الواحد ، لأن الغرض الدلالة على الجنس والواحد يكفي).( )
    وتجدر هنا الإشار ة إلى كثيرا من الناس ينطقون مصطلح الصحافة بفتح الصاد على وزن حماسة ، مع أن الصحيح هو الصحافة بكسر الصاد بحكم كونها مهنة أو حرفة ، وأسماء الحرف توضع على وزن فعالة بكسر الفاء مثل التجارة والنجارة والنخاسة والوراقة والعطارة.