السنونو يرحل بعيداً عن شمسية البنفسج - مملكة الخبز والورد تفقد جوزف حرب

عثمان حسن

توفي أمس الأول الشاعر اللبناني جوزف حرب، تاركاً دواوين شعرية بالفصحى والعامية وقصائد غنتها فيروز ومارسيل خليفة، ولد حرب في بلدة المعمرية، جنوب لبنان، ودرس الأدب العربي والحقوق في الجامعة اللبنانية، ثم دخل سلك التعليم وعمل في الإذاعة اللبنانية وكتب وقدَّم برامج عدة، كما كتب برامج تلفزيونية .
غنت فيروز للراحل العديد من القصائد، منها: "لبيروت"، "حبيتك تنسيت النوم"، "لما عالباب"، "رح نبقى سوا"، "روح زورن ببيتن"، "ورقو الأصفر"، "طلعلي البكي" وغيرها . كما لحن غنى له مارسيل خليفة: "غني قليلاً يا عصافير"، "انهض" .
ترك جوزف حرب العديد من الدواوين باللغة العربية الفصيحة ومنها: "شجرة الأكاسيا"، "مملكة الخبز والورد"، "السيدة البيضاء في شهوتها الكحلية"، كما ترك دواوين بالعامية منها: "مقص الحبر"، "سنونو تحت شمسية بنفسج" .
شغل حرب رئاسة اتحاد الكتاب اللبنانيين من عام 1998 حتى عام ،2002 كما حصل على العديد من الجوائز التكريمية منها: جائزة الإبداع الأدبي من مؤسسة الفكر العربي، والجائزة الأولى للأدب اللبناني من مجلس العمل اللبناني في الإمارات .
في سيرة حرب الكثير من الأعمال والبرامج الدرامية: "أواخر الأيام"، "باعوا نفساً"، "قالت العرب"، "قريش"، "أوراق الزمن المر"، و"رماد وملح" .
شكلت وفاة حرب خسارة كبيرة للمثقفين الإماراتيين الذين استذكروا ذلك النقاء والصفاء الفكري الذي جسدته أشعار حرب ومن جايله من الكتاب الذين حسبوا على تيار الحداثة في مراحلها الأولى، أولئك الذين سلطت أعمالهم الضوء على المنجز الشعري بوصفه ناقلاً لهموم الناس ومعبراً عن مرحلة من مراحل الصفاء الفكري التي نفتقدها هذه الأيام، ونحن على أعتاب مرحلة تختلط فيها القيم ويبتعد فيها المثقفون عن معاني الفكر الصافي الخلاق الذي ينشد الجمال والرومانسية والحب .
قال بلال البدور نائب رئيس مجلس إدارة ندوة الثقافة والعلوم "لقد أغلقت نافذة جديدة بوفاة الشاعر اللبناني جوزيف حرب، فهو واحد من المبدعين القلائل في وطننا العربي، ممن كانوا يمثلون بالنسبة إلينا إطلالة على المستقبل" .
وأضاف البدور: "إن الخالدين باقون بآثارهم، وعندما تأتي خبر وفاة أحدهم، تنتابنا لحظات حزن كبير ومؤلم، تجسدها حقيقة لا بد منها تتمثل في فكرة (الموت المجرد)، وبعد فترة يعود الإنسان إلى حياته المعتادة ويتبادر إلى ذهنه ما بقي من حياة المبدع ونصه المنجز، هذا النص الذي يبقى من بعده وهو بالتأكيد نص حي، مما يعني أن الوفاة هي مرحلة من مراحل الحياة بوقعها وصخبها وسيرورتها" .
الكاتبة والشاعرة صالحة غابش قالت: "إن رحيل المبدع الكبير جوزف حرب قفز بذاكرتي إلى البدايات، وأذكر حينها أنني قرأت ديوانين من دواوينه هما: "شجرة الأكاسيا"، "مملكة الخبز والورد"، وقد بهرني في هذين الكتابين أسلوبه الشعري بمثل ما بهرني أيضاً أسلوب الراحل غازي القصيبي، وكما تأثرت بجوزف والقصيبي، حرصت دائماً على قراءة كل ما يكتبه هذان العلمان اللذان سنفتقدهما كما سنفتقد تلك المرحلة الجميلة والرومانسية من فترات ازدهار ثقافتنا العربية التي مثلت وجهاً مشرقاً نتمنى أن تعود إلينينا في هذه الأيام التي تسودها أوقات عصيبة من الرتابة والألم" .
واستذكر الشاعر كريم معتوق اللقاء الأول الذي جمعه بالراحل وذلك في مهرجان الشعر في عمان في ،1992 وقال "كنت حينها قد كوّنت فكرة لا بأس بها عن ميل الشاعر حرب لكتابة القصيدة العامية، وأعرف مسبقاً تجربته الجديدة في كتابة الشعر الفصيح، لكنني فوجئت بأن حرب شاعر بمعنى الكلمة، فقد كان يدافع عن القصيدة الجميلة بمعزل عن كونها مكتوبة بالعامية أو الفصيحة ويتبع حسه كما تتبع الظباء المراعي، فلم يكن يفكر بلون القصيدة وجنس كاتبها" .
ومنذ اللقاء الأول يؤكد معتوق بقوله "لقد أحببت جوزف حرب وتكونت بيننا صداقة بقيت لسنوات طويلة" .
ويؤكد معتوق أن الراحل كان مكثراً في الكتابة، وهذه طبيعة الشعراء، وليست قراراً مسبقاً، فقد كان الشعر زاده اليومي، وكان نقاء سريرته هو الصفة اللازمة له، لقد عاش حرب كما يؤكد معتوق عاشقا للحب والسلام وغنت له فيروز قصائد عن الحب والوطن، وها هو يغادرنا في هذه الأيام من دون أن يدرك السلام الذي كان يريده لوطنه لبنان كما كان يريده للأمة العربية .
الشاعر والتشكيلي محمد المزروعي اعتبر الراحل واحداً من سلالة مؤسسي جيل الحداثة الشعرية العربية الذي بدأت في أربعينات القرن الماضي، هذا الجيل الذي وصفه المزروعي بأنه بدأ ينسحب من الحياة واحدا تلو الآخر بحكم العمر، هؤلاء الطليعيون من الشعراء والكتاب بحسب المزروعي سيظلون رمزاً من رموز الثقافة العربية في عز ألقها وعنفوانها وصفائها الفكري، على عكس ما نعيشه اليوم من أسباب الخراب التي تسم الجيل الحاضر الذي يعاني كل أسباب التأخر والانغلاق على الذات .
بين هذين المستوين المتنافرين، نتذكر جوزف حرب ونتذكر أننا ابتعدنا كثيراً، وما يعزينا أن هؤلاء الذين يعتبر حرب رمزاً من رموزهم الكبار سيظلون شهوداً لكي نحذو حذوهم في هذا الزمن المر والبائس .
الشاعر أحمد المطروشي اعتبر الرحيل حرب جزءاً من ذلك التاريخ الثقافي والشعري العربي الذي لن يتكرر، فحرب بالنسبة للمطروشي هو شاعر كبير من الرواد الذين سيظل المثقف العربي يتذكرهم بنوع من الحنين إلى ذلك الزمن الجميل، كما أن ارتباط اسم حرب بفيروز له وقع خاص يجسد هذا الحلم الذي كانت فيه الأغنية وهي تستند إلى نص شعري جميل واحدة من ركائز الأصالة والحب والشفافية التي نفتقدها في هذه الأيام .
من دواوين الراحل جوزف حرب الأخيرة واحد بعنوان "كم قديم غداً" اشتمل على قصائد تراوح في شعريتها بين مؤثر المباشر والرومانسي في حزنه وبين أخرى تبدو ميكانيكية منسوجة بشكل منطقي آلي .

الخليج