اللغة الصامدة

د. زياد بن علي بن حامد الحارثي

لقد اختار الله لكتابه أفصح اللغات, فقال في كتابه: (إنا جعلناه قرآناً عربياً), وقال سبحانه: (نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين, بلسان عربي مبين), وقوله: (وقرآناً عربياً غير ذي عوج لعلهم يتقون).
إنها تشريفات من الله سبحانه وتعالى للغة العربية, ومن ذلك اكتسبت القداسة, وقد حفظها الله بحفظ كتابه فقال: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون), وهي باقية ببقاء كتاب الله عز وجل, وقد اختارها الله لكتابه لما تمتاز به من قدرة على الاشتقاق والنحت والتصرف, مما يسهل على الرسول تبليغ رسالته إلى الناس كافة, بلغة مفهومة رقراقة تصل إلى قلوب الناس بسهولة ويسر.
ورسولنا  شجع على تعلمها فقال: (تعلموا العربية وعلموها الناس), وقال: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه), وقيل للرسول : ما الجمال في الرجل؟ قال: (فصاحة لسانه).
وأدرك السلف الصالح أن عنايتهم باللغة العربية هي السبيل إلى فهم الدين الإسلامي, وفهم القرآن الكريم, والوقوف على مراميه, وقوة إعجازه, يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "تفقهوا في العربية فإنها تزيد في العقل وتثبت المروءة".
ويؤكد شيخ الإسلام ابن تيمية على مكانة اللغة العربية وأهميتها بقوله: "كنا نعتبر اللغة العربية من العلوم الشرعية, والعلوم الشرعية نوعان: (علوم مقاصد, وعلوم وسائل) فاللغة العربية من علوم الوسائل ولذلك سماها العلوم الإلهية فنتعبد لله سبحانه وتعالى بتعلمها", وقد عرف علماء الغرب سحر اللغة العربية, يقول المستشرق الفرنسي رينان: "من أغرب المدهشات أن تنبت تلك اللغة القومية وتصل إلى درجة الكمال وسط الصحاري عند أمة من الرُّحل, تلك اللغة التي فاقت أخواتها بكثرة مفرداتها, ودقة معانيها, وحسن نظام مبانيها, ولم يعرف لها في كل أطوار حياتها طفولة ولا شيخوخة, ولا نكاد نعلم من شأنها إلا فتوحاتها وانتصاراتها التي لا تبارى ولا نعرف شبيهاً بهذه اللغة التي ظهرت للباحثين كاملة من غير تدرج وبقيت حافظة لكيانها من كل شائبة", أما العالم الفراد نعوم تشومسكي الذي ذاع صيته في كافة المعمورة لما أنجزه من بحوث علمية حول اللغة وطريقة اكتسابها فإنه أقر بالحق العربي, وبمكانة اللغة العربية, وكذلك المستشرق الأمريكي وليم ورل الذي قال: "إن اللغة العربية من اللين والمرونة ما يمكنانها من التكيف وفق مقتضيات العصر, وهي لم تتقهقر فيما مضى أمام أي لغة أخرى من اللغات التي احتكت بها, وهي ستحافظ على كيانها في المستقبل كما حافظت عليه في الماضي", وهذه آراء الغرب حول اللغة العربية التي كان من المفترض أن يهتم بها أبناؤها, وعدم التشدق بلغات أخرى غير لغتهم, فهي الأجدر والأقوى والأثرى بين لغات العالم, مع أني لا أعارض تعلم اللغات  الأخرى على أن تكون لغات ثانوية وليست أساسية في حياتهم.