من أجل التيسير في اللغة - ما نختلف حوله نجيز فيه الوجهين

أ. دوان موسى الزبيدي


اختلفت الآراء حول صرف أو تنوين( أشياء) وعدم صرفها ، وما يختلف حوله يجوز فيه الوجهان لك أن تنونه ولك أن تمنعه من التنوين، ولا أدري لماذا جزم الأخ أسلم من موريتانيا في منعها من التنوين أو الصرف،؛ وقد كثرت الآراء حول أشياء التي وردت ممنوعة من الصرف في موضع واحد في القرآن الكريم :﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ (101-المائدة)؛ فلربما انطلق النحويون من هذا الاستخدام المفرد - لا من واقع استعمال اللفظ عند العرب- فراحوا يفسرون علة المنع من الصرف، وهم يعلمون شذوذ المنع هنا؛ إذ لو لم يكن كذلك لما وجدوا حاجة إلى إفراد القول فيه، ولما وقع الخلف بينهم في علة المنع من الصرف. والخطأ الذي وقع فيه القدماء أنهم لم يستقروا استخدامها عند العرب، ولم يتنبهوا إلى موقعها من السياق؛ فانطلقوا يفسرون جازمين بمنعها من الصرف، وشغلهم الاختلاف في سبب منعها الصرف عن التفكير في القضية الأساسية وهي كونها من الألفاظ التي حقها الصرف. ورأينا كيف سار بحثهم في اتجاهين مختلفين أحدهما ذهبوا فيه إلى أن منعها الصرف كان لأنها مؤنثة حقيقة بانتهائها بألف التأنيث الممدودة، والاتجاه الثاني أنها منعت الصرف لأنها مؤنثة توهما حين حملت -لمشابهتها الشكلية لما ينتهي بألف تأنيث- على مثل: صحراء. ورأينا كيف ذهب الخليل في المسار الأول إلى أن بناء (أَشْياء) هو:(فَعْلاء) وهو بناء تمنع الألفاظ التي جاءت عليه من الصرف وزعم الخليل أن اللام منه قد تقدمت منعًا لتجاور المتماثلات فصار الوزن(لَفْعاء)، وقد لقي جمهور النحويين قوله بالقبول على الرغم من المشكلات التي يثيرها هذا القول. أولها أنه زعم لا دليل عليه، والثاني الاضطرار إلى القول بنقل اللام، والثالث أنّ الواحد على(فَعْل) لا يجمع على (فَعْلاء)، وأما الزعم بأنه اسم جمع فضعيف لأن اسم الجمع لا واحد له من لفظه،والرابع أنه لو كان مؤنثًا لكان العدد معه غير مختوم بتاء التأنيث(ثلاثة أشياء).وقد أعدنا الإشارة إلى قول الخليل لأهميته عند جمهور النحويين أما بقية الأقوال في هذا الاتجاه فنكتفي بما عرض من نقدها سابقًا، أما قول الكسائي فقد حال دون الأخذ به التعصب لرأي الخليل وتقديمه. وهو أجود الأقوال القديمة غير أنه مثلها قد انطلق من جزم مطلق بمنع اللفظ من الصرف. وأما المحدثون فمنهم من قال بأنّ منعها من الصرف أمر خاص بالآية الكريمة، وكأنه ينادي بصرفها في غير هذا الموضع لأنه لا علة لمنعها الصرف. ومنهم من قال بأنها منعت الصرف -في الآية-لعلة صوتية مرهونة بالسياق، وعليه فإنها تصرف متى فارقت ملابسات منعها. ولكن النحويين القدماء والمستخدمين من بعدهم جروا على منع (أشياء) من الصرف في لغتهم وتآليفهم، من ذلك ما نجده في الحديث النبوي الشريف؛ إذ وردت (أشياء) 114مرة ، منها (102) ضبطت الكلمة بالفتحة (أشياءَ) وكانت منصوبة في مواضع ومجرورة في مواضع أخرى، ومنها(12) ضبطت بالضمة (أشياءُ) لأنها مرفوعة. ومن ورودها ممنوعة من الصرف في التأليف هذا النص:"أين كنت؟ قلت: خرجت إلى البادية في أشياءَ استفدتها من العرب".  ومن ذلك أننا نجد ابن مالك في ذكره لأبنية اسم الجمع يقول:"ومنها (فَعلاء) لنحو قصبة، وحَلِفة، وطَرْفاء، وشيء" .  ومعنى ذلك أنها عنده منتهية بألف تأنيث ممدودة؛ لذلك صنفها هذا التصنيف.
والمشكلة أنّ الحديث لا يمكن الاستفادة منه في ظاهرة صوتية كهذه؛ لأن الحديث لم يجمع جمعًا صوتيًا، وجاء تدوينه في وقت استقرت فيه قواعد العربية في أذهان المشتغلين بها، ولاشك أن هذا له أثره في مراعاة مقتضيات الإعراب عند تدوين نصوص الأحاديث. وأما استخدامها في الكتب فهو أيضًا يخضع للتدقيق النحوي يجريه المصنفون والمحققون.
ونحن الآن أمام أمور واضحة هي:
1 - لا نعلم علم اليقين أن العرب صرفت (أشياء) أو منعتها الصرف.
2  - الأشعار التي وردت فيها (أشياء) مصروفة محتملة أن تكون صرفت فيها ضرورة؛ لأنهم مما يضطرون إليه صرف ما لا ينصرف.وهي أشعار قليلة يدخلها الاحتمال وما يدخله الاحتمال يبطل به الاستدلال.
 3  - أن (أشياء) من حيث هي جمع لـ(شيء) لا علة لمنعها الصرف.
 4 - أن منعها الصرف في القرآن محتمل لأن يكون لعلة صوتية على نحو ما بيّن علماء الأصوات، ولكن ذلك غير مقطوع به كل القطع، لما ذكر من ورود ما تحققت فيه العلة الصوتية ولم يمنع الصرف؛ ولأن اللفظ من الألفاظ المتداولة الشائعة التي يستبعد أن يغيب شأنها عن اللغويين والنحويين، ولعل ما يؤنس بهذا قول أبي حاتم إن النحويين سمعوها من العرب ممنوعة من الصرف وقد مر ذكر قوله آنفا.
5  - أن النحويين القدماء مطبقون على أنها ممنوعة من الصرف، وعلى هذا جرى استخدامها في لغتهم إلى يومنا هذا. وقد اعتمد النحويون في منعها الصرف على موضع واحد؛ غير أن القرآن قد يصرف فيه الممنوع من الصرف وقد يمنع ما حقه الصرف وذلك رعاية لمقتضيات صوتية.
 6  - إن من يدعو إلى صرفها إنما يقيسها على أمثالها أي يعود بها إلى الأصل فيها.
 إذن؛ أفنصرف (أشياء) رعاية للأصل فيها ومتابعة لبعض الأشعار ولأن علة منعها في القرآن كراهة المتماثلات أم نتابع القدماء في الذي جروا عليه من منعها الصرف؟ والجواب عندي أن اللغة ليست عقلاً؛ بل هي اصطلاحية، وكثير من الاستخدامات كانت نتيجة ظروف خاصة ونتيجة أخطاء ونتيجة أوهام، وكل ذلك أخذ طريقه في اللغة وأصبح جزءًا منها؛ فمهما يكن السبب الذي جعل القدماء يستخدمونها ممنوعة من الصرف فهي صارت في الاصطلاح ممنوعة من الصرف؛ لذلك أرى أن تستخدم (أشياء) مصروفة وفاقًا للقياس أو ممنوعة من الصرف وفاقًا للعرف الشائع، وهذا نظير أعلام الإناث الثلاثية ساكنة الوسط مثل(دعْد)،و(هنْد)؛فهي تصرف أو تمنع الصرف، قال عمر بن أبي ربيعة:
ليت هندًا أنجزتنا ما تعد         وشفت أنفسنا مما تجد
 ومثلها الأسماء الأعجمية الثلاثية ساكنة الوسط مثل(نوح)،قال تعالى:﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا﴾
ويمكن القول وفاقًا لذلك أنه ليس من قبيل الضرورة الشعرية صرف أشياء في قول بهاء الدين زهير :
وفيه أشياءٌ وأشياءٌ أخرْ          وقهوةٍ تسدّ أبوابَ الفِكَرْ
إذن يمكن لمن أراد صرف (أشياء)أن يقول: هذه أشياءٌ كثيرةٌ، وجمعت أشياءً كثيرةً. وعُنيت بأشياءٍ كثيرةٍ. ويمكن لمن أراد منعها الصرف أن يقول: هذه أشياءُ كثيرةٌ، وجمعت أشياءَ كثيرةً. وعُنيت بأشياءَ كثيرةٍ.
المراجع:
الشايب؛ فوزي:
منع الصرف بين الاستعمال والتقعيد النحوي(مجلة مجمع اللغة العربية/ دمشق،1996م.) ص ص 694-767.
ابن أبي طالب؛ مكي القيسي (ت 437ﻫ):
مشكل إعراب القرآن،تحقيق:ياسين محمد السواس(ط1،مجمع اللغة العربية/دمشق،1974م.)
العالمية(صخر):
موسوعة الحديث الشريف(قرص ليزري)
عبدالتواب؛ رمضان:
التطور اللغوي بين القوانين الصوتية والقياس،كتاب الموسم الثقافي(جامعة الملك سعود/الرياض، 1974م.)
ابن عقيل؛ بهاء الدين عبدالله بن عبدالرحمن(ت 769ﻫ)
المساعد على تسهيل الفوائد (جامعة أم القرى/ مكة المكرمة، 1980م.)   
الفراء؛أبوزكرياء يحيى بن زياد(207ﻫ)
معاني القرآن،تحقيق:أحمد نجاتي ومحمد علي النجار(ط1،دار الكتب المصرية/القاهرة،1955م.)