دينامية اللغة العربية بين الإملائي والنحوي

د. بشرى عبد المجيد تَاكَـفْـرَاسْـت


 اللغة العربية تتميز عن غيرها من اللغات بخصائص وميزات جعلتها حقا خليقة بأن تكون لغة القرآن الكريم، نلمس ذلك في قواعدها: من نحو وصرف، وفي كتابتها من قواعد إملائية وترقيمية، وفي خطوطها من زخارف وتنوع في الرسم، بل إنك لتجد الصلة وثيقة بين النحو، والإملاء، وفن الخط، فحتى هذا الفن الأخير جعلوا له قواعد من النقط أو التنقيط ليكون ميزانا لكل حرف ،  فالخط العربي من الفنون الجميلة، وله عندنا معاهد خاصة، وهو مادة لها وزنها في كليات الفنون الجميلة... ويعنينا هنا في هذا المقام الصلة بين النحو والإملاء لحاجة المتعلمين من أبنائنا لهذه الصلة ،وجل المتعلمين ممن يقعون في أخطاء إملائية فاشحة مما لا نجد له نظيرا في غيرنا من الأمم الأخرى فلا نجد انجليزيا يخلط بين هذه الألفاظ : goods،go، good إذ مجرد الخطأ في الهجاء ضياع لمعنى كل واحدة. ولا نجد فرنسيا يخلط بين Peur, Peu, Peux مع التشابه في اللفظ والرسم.
 ولنتناول هذه القضايا وهي على سبيل المثال لا الحصر:

1-   عدم التمكن من وضع الهمزة في  مواقعها المختلفة بحسب موقعها الإعرابي فإذا وضعنا أمامك هذه الكلمات الثلاث وطلبنا منك أن تجعلها في جمل:
        زعماؤنا             زعماءنا           زعمائنا

   لأدركنا من أول وهلة أن تكون الأولى مرفوعة، والثانية منصوبة، والثالثة مجرورة، ومن هنا ندرك الصلة القوية بين الرسم الإملائي وعلم النحو، ومادامت الصلة قوية إلى هذا الحد فلنسمه "الإملاء النحوي" حتى يتميز بذلك عن الإملاء العثماني، وهو ما كتب به المصحف الكريم، و"الإملاء العروضي" الذي يعنى بالمنطوق فقط، فكلا الإملاءين الأخيرين يختلفان اختلافا جوهريا عما نحن فيه ... ووضع الهمزة يختلف من مكان إلى آخر، فالهمزة الفوقية غير الهمزة التحتية ،مما يجعلنا نميز بين :الأعلام و الإعلام ،والأشراف والإشراف والأصحاب والإصحاب ، فالهمزة الفوقية دلالة على الجمع و الهمزة التحتية دلالة على المصدر.

2-   و أداة التعريف و دخولها على الحروف الشمسية تذوب مع أداة التعريف. ونقصد بأداة التعريف هنا "اللام" على خلاف في ذلك "أل حرف تعريف أو اللام فقط" و اللام هذه يتوصل إليها بالألف فتصبح "ال" كما توصلوا للألف وهي من حروف الهجاء فقالوا : لام الألف "لا" و يقصدون بذلك عد الألف فقط لأنها ساكنة .و لا يمكن النطق بالساكن فكانت هناك مقاصة بين الألف و اللام استعين بكل منهما للنطق بالآخر.
 و الحروف الشمسية أربعة عشر و كذلك القمرية قسمة عادلة للغة عادلة فالشمسية هي:
1-النون و اللام و الراء و هي حروف ذلـقية.
2- الضاد، الشين.. 1  وهي حروف شجرية نسبة إلى الشجْر.
3-السين و الصاد و الزاي وهي أسلية نسبة إلى الأسلة .
4- الدال والتاء والطاء وهي حروف لثوية .
      أما القمرية فهي:
1- الواو 2 والميم والفاء و الباء وهي حروف شفوية .
2-الهاء والغين و العين و الخاء و الحاء و الألف 3 وهي حروف حلقية .
3- الياء والواو والألف وهي حروف لينة.
4-الكاف و القاف و هما حرفان لهويان... وذوبان الحروف الشمسية في لام التعريف يعطي لغتنا موسيقى فريدة قلما تجدها في غيرها من اللغات تلك الموسيقى النابعة من إدغام اللام في الحرف الشمسي فيعطي تنغيما خاصا نجد حلاوته عند المهرة من المقرئين والمطربين وأصحاب الأصوات"الرخيمة والرقيقة".

3- و تاء التأنيث في الفعل تختلف عن تاء التأنيث في الاسم، فهي إذا لحقت الفعل كانت مبسوطة و إذا لحقت الاسم كانت مربوطة، كما في قولك:" نجحت فاطمة"... فتحذف تاء الفعل فيما إذا قلت:" نجح اليوم فاطمة" للفصل بين الفعل والفاعل، بينما نجد تاء الاسم تحذف في المنادى المرخم كما في قول امرئ القيس:

أفاطم مهلا بعد هذا التدلل   
                  وإن كنت قد أزعمت صرمى فأجملي.

ومما يجب التنبيه إليه الفرق بين تاء التأنيث وتاء المفاعلة وهاء الضمير وهاء البنية، وإليك الأمثلة على التوالي: القاهرة، المساواة، سيارته، التوجيه ، فالكلمتان الأولى والثانية منطوقتان في الحرف الأخير منهما و ليس الأمر كذلك في الكلمتين الأخيرتين ، والخطأ في هاء البنية كثير وشاسع فنجدهم ينقطون الكلمة الأخيرة متناسين أن أصل الكلمة و هو الفعل وجه بدون نقط .
            
4- الخلط بين الحروف وما يناظرها من الحركات أمر جد خطير، فالضمة  واو قصيرة، والكسرة يا قصيرة ،و الفتحة ألف قصيرة ، فإذا أشبعت الضمة تولدت الواو، و إذا أشبعت الكسرة تولدت الياء، وإذا أشبعت الفتحة تولدت الألف، و في اللغات الأخرى يدللون على الحركات بحروف فالانجليزي يقول لك إني مسافر إلى كانو "ثلاثة حروف" و تكتب هكذا KANA" أربعة حروف"فالحرف Aدلالة على الفتحة ، بينما العربي ينطق نفس الكلمة كانو KANOلأن Aحرف قائم بذاته قد أشبع الفتحة فكانت الألف.  
و يخطئ الكثيرون عندما يخاطبون المؤنث بتاء الخطاب المكسورة فيقولون "قلتي "بدلا من قلت، والسر في ذلك هو إشباع الكسرة التي أتت بالياء .

5- الخلط بين الحروف ذات الأصوات المتشابهة وهي القاف و الكاف كما في قلب و كلب ، والتاء والطاء كما في تين وطين ،والدال و الضاد كما في درب وضرب، والذال والزاي والظاء كما في ذل و زل و ظل.ويأتي الخلط من جهة أن بعض هذه الحروف أحادية التركيب بينما الأخرى ثنائية فمثلا :ض= دد، ط= ت ت ، ظ= زز.
ووضع الكلمة في الجملة هو الذي ينفي عنها الجهالة ومن هنا يأتي دور النحو في فهم حقيقة الحرف وفي فهم المعنى المراد فلو قلت: أكلت تينا تُعَيِّن المراد به وهو الفاكهة المعروفة و لم يسألك المملي عليه عن قصدك لأن الطين لا يؤكل .

6-التمييز بين الألف المقصورة والألف اللينة والألف اليائية والياء كما في هذه الأمثلة على التوالي ندا (من النداء ) وندى(المطر والجود و البلل)، ونادى فعل ماض، و نادي(اسم مكان). مع ملاحظة أن العرب ربما يقصرون الممدود كما في:  لا بد من صنعا و إن طال السفر، ويمدون المقصور كما في: فلا فقر يدوم ولا غنا . وهم يكتبون (ندى) بالياء رجوعا إلى الأصل كما يكتبون عصا بالألف لأنك تقول في التثنية (عصوان) كما وضعوا مؤشرات على أصل الألف ياء في الاسم والفعل الثلاثيين وهي:
1-الإمالة وهي حركة بين الفتحة و الكسرة نحو: كفى، الندى.  
2-افتتاح الكلمة بواو نحو: وعى، الورى.
3- توسط الواو في الكلمة نحو: غوى، الهوى.
4-افتتاح الكلمة بهمزة نحو أبي فعل الأذى.
5- توسط الهمزة في الكلمة نحو رأي اللأي (الثور الوحشي).
6- هناك مشكلة الخلط بين همزة الوصل و همزة القطع. فهمزة الوصل يجب كتابتها وإن لم ينطق بها وهي لا تكتب همزة ، فقد جئ بها لغرض وهو النطق بالساكن، ولقد نجح النحويون في حصر هذه الهمزة بل في حصارها حتى لا تختلط بهمزة القطع، فهي محصورة في الأسماء في عشرة هي:ابنة،اينم،ابن،اثنان،اثنتان،امرأة،امرؤ، اسم، أيمن،ايم (لغة في اليمن)وهي في الأفعال في الأمر من الثلاثي وفي أفعال الخماسي والسداسي ومصادرها وهي في الحرف في (ال) التعريفية . ولم يكتفوا بهذا، بل فرقوا بين حركاتها فمنها المكسور مثل (الْعَبْ) و منها المضموم مثل (اكْتُبْ) ومنها المفتوح كما في (ايمن)، ولقد ميزوا في الشكل بين الهمزتين فكانت همزة القطع رأس عين كما في الشكل(أ) وكانت الوصل رأس صاد هكذا (اٌ)، و الخطأ الشائع  هو جعل همزة الوصل همزة قطع ، إذ نحن مغرمون بالهمز مع أنه ثقيل والعرب يفرون منه إلى تسهيل الهمزة، فنجدهم يكتبون ايمن الله في القسم بالهمز بينما يكتبون إبراهيم بدون همز وفي هذا إجحاف بحق الهمزتين.

7- الفرق بين واو الجماعة وواو الجمع، الأولى في الفعل مثل "قالوا" و الثانية في الاسم مثل "مهندسو المدينة"، و لأن واو الجماعة في نهاية الكلمة و الواو ضعيفة لا تتحمل النهاية وضعوا لها بجانبها سندا لها، أما واو الجمع فليست في نهاية الكلمة وإنما نون الجمع هي نهاية الكلمة فأصل "مهندسو" هو مهندسون و حذفت النون للإضافة،إذ يثقل على اللسان والسمع أن يقال "مهندسون المدينة" من هنا كان الفرق بين واو الجماعة وواو الجمع .
والواو لها وضع آخر في الحذف و الزيادة فنجدهم يحذفونها من (داود)و (طاوس) تخفيفا ويزيدونها في (عمرو) للفرق بينه وبين (عمر) الممنوع من الصرف للعلمية ، وعلى ذلك لو كان لفظ عمرو منونا فإنه يكتب بدون واو حيث لا لبس إذا، لأنه يتعين في قولك رأيت عمرا أن يكون المراد هو عمرو لا عمر لأن الثاني ممنوع من الصرف أي التنوين.

8- وهم يحذفون الألف من (ابن) إذا وقعت بين علمين و لم تقع في أول السطر كما في قولك "الحسين بن علي سيد الشهداء" ،لأن همزة (ابن) هي همزة وصل ووجودها بين علمين أعطاها حصانة استغنت بها عن تلك الهمزة الضعيفة، أما إذا وقعت (ابن) في أول الكلمة كما في ابن مالك أو في أول السطر فإنها تكون في حاجة ماسة إلى هذه الألف حتى لا يختلط معناها بغيرها .
 وهم كذاك يحذفون الألف في البسملة في لفظ "اسم "
فيكتبون البسملة هكذا "بسم الله الرحمن الرحيم" بينما لا تحذف ألف اسم إذا لم تكن البسملة كاملة كما في قولك "باسم الله " أو "باسم الشعب" لأن في البسملة كاملة تجانسا بين حذف الألف من اسم و حذف الألف من الرحمن لذا حسن حذف ألف اسم لهذه المناسبة وهذا التجانس...
و هم أيضا قد حذفوا الألف من اسم الإشارة "ذا" إذا رُكبت مع لام البعد و كان الخطاب كما في "ذلك الكتاب لا ريب فيه"  حتى لا تختلط بقولهم "ذلك" المكونة من اسم الإشارة ولام الجر و حرف الخطاب، إذ التركيب الأخير جملة مستقلة مكونة من "ذا" الإشارية و هي مبتدأ خبرها الجار والمجرور "لام" الجر و"الكاف"، ومع حذفهم لها فيما سبق فقد زادوها في "مائة" للفرق بينها وبين "فئة" وحتى لا تختلط إحدى الكلمتين بالأخرى .
9- والفصل والوصل الكلمي من أهم ما يجب مراعاته  عند الكتابة، فلأن للاستفهام الصدارة تفصل (مَنْ) الاستفهامية عن (مِنْ) الجارة فنقول مَن مِنَ الطلاب حضر؟ بينما إذا سبقت (مِن) الجارة فإنه لا يكون فصل بينهما بل يكونان كلمة واحدة فتقول ممن أنت؟ تريد من المسئول أن ينتسب فيقول لك: أنا من آل كذا.
  وهم يفصلون "أَنْ" المخففة من الثقيلة عن لا النافية احتفاظا واعتزازا بمكان ضمير الشأن بين أن ولا،كما في قولنا أشهد أن لا إله إلا الله، بينما يوصلون أن الناصبة للفعل ولا النافية كما تقول: من دعائم الإسلام ألا نتهاون في الصلاة، ويجب الفصل بين أداة الشرط والفعل، فخطأ كبير أن تقول: إنشاء الله سأفعل كذا، بل يتحتم عليك أن تقول: إن شاء الله لأن وصل أداة الشرط بالفعل يوهم بالمصدر فلفظ إنشاء مصدر أنشأ ،كأن تقول إنشاءُ الله الخلق من العدم دليل على وحدانيته.
10- ويتجلى الفصل والوصل الكلمى في "ما" استفهامية أو موصوفة، أما الاستفهامية فتوصل ببعض حروف الجر وهي (من) و(إلى) و(عن) و(على) و(في) و(حتى) و(الباء) و(اللام) مثل مم ؟ إلام؟عم؟ علام؟ فيم؟ حتام؟ بم؟ لِم؟ وتوصل كذلك بالاسم المضاف إليها نحو بمقتضام تتكلم؟ وتحذف ألفها في جميع ما تقدم...
  أما إذا لحقتها هاء السكت فإنها تفصل عما قبلها مثل:
     إلام الخلف بينكم إلى مه؟
      أما 'ما' الموصوفة فتوصل بنعم إذا كسرت عينها كقوله تعالى "نِعِمًّا يعظمكم به" ومثلها قوله تعالى "إن تبدو الصداقات فنِعما هي"فإذا سكنت العين فقد أتت على أصلها وحينئذ لابد من الفصل فتقول :"نِعْم ما يقول الأب لابنه من نصح". ولأن الأصل في الأشياء الوصل ولأن الوصل جميل فقد أجروا بئس مجرى نعم مكسورة العين فوصلوها بما الموصوفة لأن بئس لا تكسر عينها لأن عينها همزة والهمزة ثقيلة، فلا نزيدها ثقلا بالكسر كما جاء في قوله تعالى:"بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله"  وقوله جل شأنه "بئسما يأمركم به إيمانكم"
11- اللغة العربية تكتب من اليمين إلى الشمال ولذلك يأخذ الحرف فيها أربعة أوضاع مختلفة.
أ‌-     وضع الحرف غير متصل .
ب- وضع الحرف وهو متصل بما قبله.
ج- وضع الحرف وهو متصل بما بعده.
د- وضع الحرف في الوسط.
 ويكون بذلك للحرف أربعة أشكال بحسب هذه الأوضاع ويجب مراعاتها عند الكتابة وإليك أمثلة لبعض الحروف

الحرف    الوضع 1    الوضع 2    الوضع
3     الوضع 4

الهاء

الياء

العين    
     ه

    ي

   ع    
    ـــه

    ي

    ــع    
   هـــ

    يـــ

   عــــ    
  ــهــ

  ــيــــ

ــعــــ   

   

فمن الخطأ إذاً أن تكتب الزكاة هكذا الزكاهـ كما هو شائع بين بعض أبناء دول الخليج لأن هذه الهاء في غير وضعها الصحيح، وخطأ كذاك أن تكتب سمع  أو العدد هكذا سمـ ع الـ  عدد لأن لكل حرف وضعا خاصا كما أسلفنا.
هذه بعض القضايا الإملائية التي يجب أن نعنى بها في حياتنا، حتى تسلم لغتنا و يسلم تفكيرنا الذي هو نتاج اللغة،ولا عجب أن يمتد علم النحو إلى علم الإملاء فقديما قالوا-عنه:إنه علم العلوم، وقالوا-عن النحو أيضا:إنه العلم المستطيل.... وأنا مع هؤلاء وأولئك فيما قالوه أو قرروه عن علم العلوم بل والفنون.