من خصائص اللّغة العربيّة
أ.د. عبد الحميد عبد الواحد
اللّغة العربيّة مثلها مثل كلّ اللّغات الأخرى لها خصائصها ومقوّماتها، وهذه الخصائص قد تتّفق فيها مع لغات أخرى أو تختلف ، وذلك باعتبارها لغة بشريّة، مثلها مثل كلّ اللّغات الموجودة في العالم ، وإن اختلفت معها أو اتّفقت في بعض سماتها.
وقد يكون من المفيد أن نقف في هذا المقال عند بعض من خصائص العربيّة. ونرتئي في هذا المقام أن نبدأ بالخصائص التركيبيّة لما للتركيب من أهميّة في بنية اللّغة. والتركيب في عرف النحاة أو اللّغويين هو ما يتعلّق بائتلاف الكلمات في ما بينها. وهذا الائتلاف قد تتكوّن منه الجمل أو بعبارة أدقّ التراكيب الإسنادية ، مثلما تتكوّن منه المركّبات الجزئيّة ، وذلك من قبيل المركّب الإضافيّ أو البدليّ أو النعتيّ أو غيرها. والفرق بين هذه التراكيب والمركّبات، يتلخّص في أن الأولى هي قائمة على الإسناد، في حين أنّ الثانية ينعدم فيها الإسناد. واحتمالات التراكيب في اللّغة العربيّة عديدة متنوّعة، تشمل علاقة الاسم بالاسم، وعلاقة الاسم بالفعل، وعلاقة الفعل بالاسم ، وعلاقة الحرف بالاسم أو الفعل. وقد تكون علاقة الاسم بالاسم علاقة إسنادية أو غير إسنادية، وذلك من نحو قولنا " الطقس جميل " أو " الطقس الجميل ". ولا يخفى في هذا المضمار أنّ التركيب الأوّل هو تركيب إسنادي ، أي هو جملة اسميّة تتكوّن من مبتدأ وخبر، في حين أنّ التركيب الثاني هو مركّب نعتيّ. وللتمييز بين التركيب الأوّل والتركيب الثاني، لا بدّ من النظر في أحكام هذين التراكيبين، باعتبار أنّ التركيب الأوّل تركيب إسناديّ ، لا بدّ أن يجيء فيه المسند إليه معرفة والمسند نكرة، في الوقت الذي يكون فيه التركيب الثاني مركّبا نعتيّا لا تحصل منه الفائدة المعنويّة التامّة، ومن مستلزماته أن يتّبع النعت منعوته في كلّ شيء، وذلك من نحو الإفراد والتثنية والجمع، والتذكير والتأنيث، والتعريف والتنكير وغيرها.
وأمّا بشأن علاقة الفعل بالاسم، فبالإمكان أن يسبق أيّ منهما الآخر، أي أن يجيء التركيب متضمّنا اسما مع فعل، أو العكس. ويكون التركيب في الحالة الأولى تركيبا إسناديّا أو جملة اسميّة، يكون الخبر فيها فعلا، أو بالأحرى جملة فعلية ، وذلك بالنظر إلى التلازم أو شدّة الاتّصال بين الفعل وفاعله، وهذا من نحو قولنا "الولد قام" أو " الولد يقوم ". وتكون الجملة الاسميّة والحالة هذه جملة مركّبة، لأنّها قائمة على إسنادين، أي على نواة إسناديّة رئيسيّة ونواة أخرى فرعيّة. وأمّا التركيب في الحالة الثانية، أي في حالة مجيء الفعل مع اسم، فمن شأنه أن يعطينا جملة فعليّة ، تتكوّن من فعل وفاعل، أو من فعل ونائب فاعل ، وذلك من نحو قولنا " جاء الولدُ "، أو" ضُرب الولدُ "، ولا اعتداد في هذه الحالة بالأسماء التي ترد متمّمات، من نحو المفعول به أو المفعول فيه أو لأجله أو غيرها.
وأمّا في ما يتعلّق بالتركيب القائم على الحرف مع الفعل أو الاسم، فالأمر يتعلّق في الغالب بمركّب حرفيّ أو فعليّ أو اسميّ، ذلك أنّ الحرف لا يمكن أن يكون مكوّنا إسناديّا، أي أنّه لا يجيء مسندا ولا مسندا إليه. وهذا من نحو قولنا "في البيت" أو "بالقلم" أو"لا أخْرُجُ" و"ما خرجتُ" وغيرها، وفي كلّ هذه الأمثلة يتّصل الحرف بالاسم أو الفعل، وهو في كلّ الحالات يجيء سابقا لهما .
وأخيرا وبالنظر إلى كلّ هذه الاحتمالات المفترضة قد يكون من المفيد أن نشير إلى أنّ الفعل لا يأتلف مع الفعل، لأنّ الفعل يجيء مسندا ولا يمكن أن يجيء مسندا إليه البتّة. وأمّا تأويل أمثلة من نحو "قال اخرُج" أو "جاء يضحك" فهذه أمثلة لا بدّ من افتراض وجود اسم فيها وإن من باب التقدير، ف "قال" في المثال الأوّل و"جاء" في المثال الثاني كلّ منهما يتضمّن ضميرا مستترا تقديره هو، وهو الفاعل الذي قام بالفعل.
|
|
|