أثر تطبيق التعليم المدمج في تعلُّم العربية للناطقين بغيرها، جامعة ديكن أنموذجاً

أ. عبدالحكيم قاسم

برنامج جامعة ديكن
يعتبر برنامج جامعة ديكن لتعليم العربية كلغة إضافية من البرامج المتميزة والناجحة في أستراليا حيث حصل على جائزتين رفيعتين من مجلس التعليم والتعلّم الأسترالي في عامي 2008 و 2009 لتقديمه طريقة مبتكرة لتعليم العربية الفصيحة المعاصرة الكترونيا، عبر الشابكة؛ وذلك باستخدام سلسلة من استراتيجيات تفاعلية، متطورة، بمساعدة الوسائط المسموعة والمرئية، وبالاستفادة من أسلوب التعلم المدمج.
التحديات التي تواجه متعلمي اللغة العربية كلغة إضافية
من أكبر التحديات التي تواجه متعلمي اللغة العربية كلغة إضافية في أستراليا هي مسألة ممارسة اللغة العربية خارج قاعة الصف لتنمية مهاراتهم اللغوية. أما التحدي الآخر الذي يواجهه الطالب فهو قلة الفرص التي تسمح له بالتعامل مع البيئة الأصلية للغة. فالطالب غالبا ما يكون معزولا عن الناطقين باللغة العربية خارج قاعة الصف.  
كيفية مواجهة التحديات    
لقد أثبتت كثير من الدراسات بأن التعليم الالكتروني يمكن أن يكون أداة فاعلة ومفيدة في تعليم اللغات الأجنبية بشكل عام. كما أشارت الدراسات  أيضا إلى أن تصميم وتطوير موارد لغوية الكترونيا يقدم للطالب فرصا لتنمية قدراتهم ومهاراتهم اللغوية من جانب،  ويوفر بيئة تعليمة تواصلية أصيلة خارج قاعة الصف من جانب آخر مما يؤدي إلى زيادة المدخلات اللغوية الاستيعابية كما أن التعليم الالكتروني يتيح للطالب الفرصة كي يتعلم وفقا لقدراته الشخصية.
من أجل مواجهة التحديات  آنفة الذكروالتي فرضها هذا الواقع الجديد، ومن أجل الحفاظ على برنامج لغوي متميز وفعال، كان لا بد من تطويع منظومة الحاسوب والتكنولوجيا المعاصرة  من شابكة وبرامج إدارة التعلم المتوافرة في الجامعة؛ كأحد سبل العملية التعليمية وذلك باللجوء إلى طريقة مبتكرة لتعليم اللغة العربية الفصيحة، عبر الشابكة؛ وذلك باستخدام سلسلة من استراتيجيات تفاعلية، ومتطورة، بمساعدة الوسائط المسموعة والمرئية، وبالاستفادة من أسلوب التعلم المدمج. ففي عالم العولمة وفي ظل التطور الهائل في تكنولوجيا المعلومات (ICT) الذي شجع على التعلم الالكتروني، أصبح التواصل بين المعلم وطللبته  وبين الطلبة أنفسهم يتم في أي زمان ومكان عن طريق استخدام وسائل التواصل المختلفة وهذه المسألة تشجع الطلاب على التفاعل والمشاركة في عملية التعليم والتعلم. أضف إلى هذا كله، فإن الشابكة تعتبر وسيلة تعليمية حديثة في تعليم اللغات كونها تساهم في خلق بيئة تعليمية جيدة تساعد في جعل التعليم والتعلم أكثر متعة  وتفعّل دور الطلبة في عملية التعليم الذاتي كما أنها  تراعي مبدأ الفروق الفردية بين الطلاب وتتيح الفرصة لكافة الطلاب للمشاركة في عملية التعلم.
ولكي نواجه هذا التحدي ومن  أجل إتاحة الفرصة لطالب اللغة العربية للتفاعل مع اللغة العربية خارج الساعات الصفية  كان لا بد لنا من استثمار الحاسوب والشابكة لتحقيق هذا الهدف. لذا فقد بدأنا في سنة 2006 بتصميم وتطوير موارد لغوية تفاعلية   مستوحاة من منهاج أهلا وسهلا المستخدم  في الجامعة ومكملة له من خلال الشابكة وباستخدام نظام إدارة التعليم المستخدم في جامعة ديكن (Desire 2 Learn). وقد اعتمدنا في تصميم هذه الموارد على طريقة مرتكزة على أساس المخرجات، ومؤمنة بأن التقنية يمكن أن تلعب دورين: أحدهما أداةً للتعلم، والآخر مدرساً. فالتقنية هنا تعتبر  مظهراً من مظاهر تصميم المنهج؛ أي أن نقطة الانطلاق ستكون تحليل الحاجات، والمنهج الذي ينتج عنه، وليست التقنية المستخدمة ذاتها، بحيث لا تكون هذه الموارد الالكترونية بديلا للمعلم وإنما مكملة لدوره. فهذه الموارد تنمي مهارات الطلاب في استخدام اللغة العربية  من خلال مجموعة من الدروس والأنشطة التي تتضمن نصوصا تفاعلية تربط بين النص والصوت والصورة، والتي بدورها تساعد في تبسيط المفاهيم المجردة وإثرائها كما تتضمن كما هائلا من الأنشطة والتدريبات التطبيقية والاختبارات الذاتية التي تساعد الطالب على تطبيق وتوظيف ما تعلم من أهداف لغوية وتواصلية. إضافة إلى تمرينات التقييم التي تساعد الطالب على اختبار ما تعلم من مهارات لغوية.
التعلم المدمج
تعتمد منهجية التعلم المدمج أو المتمازج (كما يسميها  بعضهم) على جمع الإستراتيجيات الممكنة في التعليم والتعلم، فهو  مزيج من عدة طرائق تجمع ما بين التقليدي والإلكتروني باستخدام أحدث تكنولوجيا التعليم المتوافرة،  والمعلمُ  مُيسّر ٌ ومُوجّهٌ لتعلُّم الطّالبِ . لقد بدأنا في عام 2008 بالتطبيق التدريجي لأسلوب التعلم المدمج على طلبة السنة  الأولى (المبتدئين) وبحلول عام 2010 تم تطبيق أسلوب التعلم المدمج هذا على طلبة جميع المستويات: المبتدئ والمتوسط والمتقدم.  
أهداف البحث
بعد مضي أكثر من ثلاث سنوات  على تطبيق تجربة التعلم المدمج على جميع طلبة اللغة العربية في جامعة ديكن كان لا بد من القيام بعملية تقييم شاملة لهذه التجربة للوقوف على عدة قضايا من أهمها:   
أولاً: التعرف إلى  وجهة نظر الطلاب فيما يتعلق بموارد  اللغة العربية الالكترونية  المتوافرة لهم من خلال الشابكة ودور التقنيات الحديثة في تسهيل عملية تعلم اللغة العربية كلغة إضافية
ثانياً: مدى رضا الطلاب واستمتاعهم بنموذج التعلم المدمج
ثالثاً: مدى رضا الطلاب  بتعلم اللغة العربية في جامعة ديكن بشكل عام
العينة
اعتمد الباحث في دراسته على عينة تتألف من (127) طالبا وطالبة يدرسون في المستوى المبتدئ والمتوسط والمتقدم . وجميعهم يدرسون اللغة العربية كتخصص أو كمادة اختيارية في كلية الآداب والتربية في جامعة ديكن في ملبورن، أستراليا. منهم (68) طالبة و (59) طالباً. جميعهم يتحدثون الإنجليزية كلغة أولى. فقط 13 طالبا من العينة ينحدرون من خلفيات عربية ولديهم معرفة قليلة بلهجة عربية (اللهجة اللبنانية، أو المصرية أو الفلسطينية).

النتائج
لقد أشارت نتائج الدراسة إلى أن الطلاب الذين يتعلمون العربية بأسلوب التعليم المدمج، وبشكل شامل، يستمتعون بدراسة العربية بهذا الأسلوب، ويجدون بيئة التعليم والتعلم عبر الشابكة بيئةً مريحة، كما أنها تمثل جزءاً مكملاً لنظامهم الدراسي، الذي يساعد المتعلمين المستقلين، على تطوير أنفسهم، وفق مايختارونه، من زمان، ومكان، وفي بيئة مرنة وملائمة.
من أهم ما تم استنتاجه على ضوء عملية تحليل البيانات أن التعلم المدمج يمكن أن يكون أداة فاعلة في تعليم العربية كلغة إضافية؛ لأنه - ودون شك -  يزيد المدخلات اللغوية الاستيعابية والتي تعتبرعاملا مهما جدا في تعلم اللغات الأجنبية. كذلك ومما لا شك فيه فإن التعليم الالكتروني يساعد على خلق بيئة غنية بالفرص تسمح للطالب بتنمية وتطوير قدراته اللغوية في بيئة تفاعلية أصلية وهذا ما أكده الكثير من الطلبة في تعليقاتهم. ومما لاشك فيه أن المستحدثات التكنولوجية يمكن أن تقدم حلولا مبتكرة لكثير من مشكلات تعليم اللغة العربية كلغة إضافية، ولرفع كفاءة التعليم وزيادة فعاليته بصورة تتناسب وطبيعة العصر الحالي، هذه الحلول الفكرية افرزتها الثورة المعرفية والتطور في مجال العلوم التربوية والسلوكية وعلم الاتصالات، ممثلة في النظريات والإستراتيجيات المختلفة في مجال تعليم اللغة العربية كلغة إضافية تلك التي صممت وطوعت لتناسب الموقف الاتصالي، مما جعلها تتميز بالتفاعلية والفردية والتنوع والتكامل.
إن استخدام نموذج التعلم المدمج بشكل متوازن يمكن أن يكون أداة فعالة في تعليم اللغات الأجنية لأنها تعتبر وسيلة مناسبة لتقديم مواد وأنشطة لغوية دقيقة للمتعلم. فهي تتصف بالمرونة حيث يمكن للمتعلم الحصول عليها متى شاء وأينما شاء ويمكن للمتعلم أن يتعلم بالسرعة التي تناسبه، كما ورد في تعليق لأحد طلبة المستوى المتقدم حيث قال "إن الموارد الالكترونية للغة العربية هي أداة فاعلة ومهمة في دراستي في هذا الفصل الدراسي. إنها مورد متاح لي دائما في أي وقت، وأوجد لي الفرص للتفاعل مع اللغة بطريقة لايمكن الحصول عليها ببساطة من خلال قراءة الكتاب المقرر ". أضف إلى ما تقدم أن  تعليم وتعلم بعض الجوانب اللغوية  كالقواعد وغيرها قد تستهلك كثيرا من والوقت؛ حيث يحتاج الطالب  لقضاء وقت طويل في تطبيق وممارسة وإنتاج التراكيب اللغوية الجديدة. فالطالب يشعر بالثقة أكثر حين يقوم بمثل هذه الأنشطة اللغوية خارج الصف مما يقدم حلولا فعالة لتعليم قواعد اللغة بطريقة تفاعلية (Nelsen .
كذلك لا بد لنا من الإشارة إلى أن بيئة التعلم الالكترونية تدعم فكرة التعلم الذاتي والمستقل للمتعلمين الذين بإمكانهم إدارة عملية تعلمهم في مكان ووقت من اختيارهم، الأمر الذي يسمح لهذا النوع من الطلبة أن يتعلموا وفق زمن يناسب احتياجاتهم التعليمية، ويزيد من فرص المجازفة (D’Aquilla 1999; Kearsley 2000) والتي تعتبر مهمة في تعلم اللغات الأجنبية؛ فمن المعروف أن التعليم الالكتروني يقلل من شعور المتعلم بالحرج من خلال توفيره لبيئة تعليمية مستقلة، حيث أن الطالب ليس بحاجة لممارسة اللغة أمام  أقرانه، مما يؤدي إلى استخدام الطالب بشكل أكبر لمفردات وتراكيب لغوية جديدة. كذلك فإن هذا النوع من التعليم يقدم التغذية الراجعة الفورية للطالب بشكل شخصي وفي جو بعيد عن الحرج الذي قد يشعر به داخل الصف.
أخيرا لا بد من الإشارة إلى أن  طبيعة التعلم الالكتروني التفاعلية والمسلية  يمكن أن تكون  مشجعة وتزيد من الحافز التعليمي لدى الطالب.