
المدخلُ إلى كتاب سيبويه وشروحه - تأليف : أ.د. محمد عبد المطلب البكــّـاء
المدخلُ إلى كتاب سيبويه وشروحه
تأليف : أ.د. محمد عبد المطلب البكــّـاء
دار الشؤون الثقافية العامة – وزارة الثقافة – بغداد
لم يكن أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر الملقب بـ (سيبويه) إلا علماً في الخالدين،خلدته السّـنون،وما فتئت تضيء في كُلِّ حين جديداً يكشف عن عبقرية فذة أحاطت بمملكة اللّغة العربية الواسعة، فأرست قواعد نحوها وصرفها،ورسمت معالمها،وأصولها،فكان بحق كتابه (الكتاب) على الرغم من أن حياته التي انطفأت في عـزِّ شبابه لم تسعفه في أن يضع عنواناً لكتابه، أو أن يكتب حتى مقدمته، وخاتمته، ناهيك عن أن الكتاب لم يقرأه صاحبه على أحدٍ، ولا قرأه أحد عليه، بل أن أستاذه يونس بن حبيب (المتوفي سنة 182هجـ)، لم يعلم بأمره إلا بعد وفـاة مؤلفه،وكان أول من قرأ الكتاب أبو عمرو الجرمي( المتوفي سنة 225هجـ)، وأبو عثمان المازني( المتوفي سنة 248هجـ)،قرأه على أبي الحسن الأخفش( المتوفي سنة 248هجـ).
ولعل هذه القراءة كانت السبب في أن يذاع أمر الكتاب، ويشتهر حتى غدا راغب قراءته (راكب البحر) تعظيماً لما جاء فيه، وإذا كانت هذه الشهرة قد دفعت الباحثين،والدارسين المعاصرين إلى متابعة الكتاب،ومؤلفه، وجهـد من كتب فيه، وعنه بعزيمة صادقة،ويقين لا يخالطه شك في أن جهودهم لن تذهب سدى، وأن متابعتهم لن يبخس حقها – ولهم الحق في ذلك كلّه- إلا أن ماظهر فيها من خلاف في ترجمة حياة سيبويه، أو في متابعة ما كُتب فيه من شروح،وتعليقات لافرق بين متن الكتاب، أو شواهده، كانت الدافع إلى تقديم هذا الكتاب الذي لم يكن بكراً في ميدانه، إذْ سبقني استاذيَّ، الأستاذ المرحوم على النجدي ناصف في كتابه:( سيبويه إمام النحاة- القاهرة 1953م)،والأستاذة الفاضلة د. خديجة الحديثي في كتابها:( كتاب سيبويه وشروحه – بغداد 1966م) التي تفضلت مشكورة بالإطلاع على منهج الكتاب، وغايته قبل أكثر من ثلاثين سنة، ومنذ ذلك الحين وأنا أتابع ماكُتب منقراً،ومدققاً، ومحققاُ،ومصوباً ما أسعفني فيه الدليل لقطع دابر الخلاف بمايشبه اليقين ضمن منهج علمي، يتوخى الدّقة، وترجيح الآراء بما يقارب الصواب، حتى جاء الكتاب على ثلاثة أقسام:
القسم الأول:(سيبويه حياته وكتابه)،وفيه استعرضت الآراء،وخلاصة ماذهب إليه الباحثون،والدارسون في ما يخص حياة سيبويه، ولقبه، وماقيل في كتابه مرجحاً بعضها على بعض بغية تقديم خلاصة وافية تحسم أمر مابقي عرضة للإجتهاد، كان سببه ما وقع من خلاف في كتب التراجم لعلمائنا الأعلام.
القسم الثاني: (من ألَّـف على كتاب سيبويه)،تابعت فيه كلّ من كتب في كتاب سيبويه- شارحاً متن الكتاب، أو شواهده، أو راصداً عيوبه ونكته، أو من خالفه،أو علق عليه- مرتباً إياهم بحسب تاريخ وفياتهم،وموثقاً ما نُسب إلى بعضهم من تأليف، أو تعليق لم تحفظه يد الزّمن في ما وجدته من نقول عنها في كتب علمائنا الآخرين، أو إشارة إليها، كالذي ورد ذكره في ترجمة ابن درستويه( أبو محمد عبد الله بن جعفر، ولد سنة ثمان وخمسين ومائتين للهجرة، وتوفي سنة سبع وأربعين وثلاثمائه للهجرة)، قرأ كتاب سيبويه على المبرد، وكان شديد الإنتصار للبصريين في النّحو، واللغة، وكان له مذهب خاص في اللغة والنّحو تأثر فيه بالفقه في ما يبدو . إذْ ذكر ابن النديم، والقفطي: أن له كتاباً باسم( النّصرة لسيبويه على جماعة النحويين)، و(مناظرة سيبويه للمبرد)، في حين أن كتب التراجم الأخرى لم تشر إلى شرح لابن درستويه على كتاب سيبويه، وقد عالج أستاذي المرحوم د. محمد بدوي المختون الروايات التاريخية التي تنفي وجود شرح لابن درستويه على كتاب سيبويه،والتي أثبتت أن له شرحاً على الكتاب،ثم ليختم معالجته، بالقول:(... وإذن أمام هذه النصوص الصريحة لايسعني إلا أن أسلم أن لابن درستويه شرحاً لكتاب سيبويه، وليس ذلك ببعيد، أوغريب أن تهمله كتب التراجم، مع أنها لم تهمله تماماً كما أهملت كتاب (المكتفي)،وكتبه الأخرى التي وردت في شرح الفصيح.(1). ولتوثيق ما ذهب اليه المرحوم الأستاذ المختون وترجيحه بوجود شرح على كتاب سيبويه لابن درستويه، وما أشار إلىه المرحوم الدكتور عبد الله الجبوري نقلاً عن مجلة اللغة العربية- دمشق.(2). فقد عثرت على نص من شرح كتاب سيبويه لابن درستويه، نقله ابن السيد البطليوسي في كتابه: (المسائل والأجوبة)، قال مانصه:( وذكر ابن درستويه في شرح الكتاب لسيبويه في باب( مايُضْمر فيه الفعل المستعمل)،وذلك كقوله: (النـَّـاسُ مجزيونَ بأعمالِهم إنْ خيرًا فخيرٌ أو شرًا فشرٌ).(3). الأمر الذي يعزز من رأي المرحومين المختون، والجبوري بما عثرتً عليه من نص لشرح الكتاب كما نقله ابن السيد البطليوسي . وذكر المرحوم الأستاذ عبد السلام محمد هارون: أن لابن درستويه: أغراض كتاب سيبويه)،و (المسائل المفردة من كتاب سيبويه)، و(كتاب نكت كتاب سيبويه)،نقلاً عن الفهرست لابن النديم، ولكن هذه الكتب لأبي الحسن علي بن عيسى الرماني(296- 384 هـ = 908 - 994 م) الذي تداخلت ترجمته مع ترجمة ابن درستويه فنقلها المرحوم هارون لهذا.(4).
ذكرت هذا إنموذجاُ لما جاء في هذا القسم من كتابنا.ولمـا كان القصد من هذا الكتاب توثيق ما كُتب في كتاب سيبويه، وعنه فإني لم أشر إلى مؤلفات علمائنا الأخرى الذين ترجمت لهم،لأن الجهد كان منصباً على توثيق ماله صلة بكتاب سيبويه فقط، بعد أن أحصيت ستة وستين علماً كان لهم شرح ،أو تعقيب على الكتاب،وقد وزعتهم بحسب القرون، فكان نصيب القرن الثالث الهجري (ثمانية كتب)،هي: للأخفش الأوسط، والجرمي،والمازني، والزيادي،والسجستاني، والباهلي، والمبرد، وثعلب، ونصيب القرن الرابع الهجري(سبعة عشر كتاباً)، هي: للزجاج، والأخفش الصغير،وابن السّراج، وابن ولاد، والزجاجي، والنّحاس،و مبرمان،والمراغي،وابن درستويه، والسيرافي، وعبد الله بن حمود الزبيدي،وأبي علي الفارسي، والزبيدي، وابن سيد اللغوي، والرّماني، وابن السيرافي، ومحمد بن عيسى العطار النحوي.ونصيب القرن الخامس الهجري( سبعة كتب)، هي: للقرطبي، والباقلاني، وابن شيت، وعلي بن عيسى الربعي، والخطيب الإسكافي، وأبي العلاء المعري،والأعلم الشنتمري. وفي القرن السادس الهجري كان هناك تسعة كتب،هي: لابن الباذش، وابن الطراوة، والزمخشري، وابن يسعون، والخشني، وابن هشام اللخمي، وابن الدهان، والخِدب الأشبيلي، وابن مضاء القرطبي. وشهد القرن السابع الهجري (خمسة عشر كتاباً)، هي: لابن خروف، والكلاعي، والدقيقي،وأبي البقاء العكبري، وابن أصبغ،وابن معط، والصّفار، والشّلوبين، وابن الحاجب، وابن الحاج، والخفاف، والشّلوبين الصغير، وابن الضائع،والكوفي، وابن أبي الربيع، وفي القرن الثامن الهجري (ثمانية كتب)،هي: لابن الزبير،وابن رشيد، والجذامي، والقفصي،وأبي حيان الأندلسي،وابن الفخار،وابن جماعة،والعناني،أما القرن التاسع الهجري فقد كان أقلّ القرون ، إذْ لم تذكر كتب التراجم غير كتابين، هما: للعيني (قاضي القضاة) محمود بن أحمد،وإبراهيم بن إسماعيل بن إسحاق.
وهذا الإحصاء الذي قدمناه لم يسبقنا إليه من ذكر التآليف التي اهتمت بمتن كتاب سيبويه،وشواهده،بإستثناء ما أشار إليه المرحوم أستاذنا على النجدي ناصف، بالقول:(وقد رجعت إلى بغية الوعاة،وكشف الظنون أتتبع دراسات الكتاب،واستوعبها، إحصاء،وعـدّا،فإذا للأندلس،وما يسامتها من برِّ المغرب قرابة أربعين ، وللعراق وما يليه خمس وعشرين،ولمصر أربع لاغير).(5)
القسم الثالث: (مواد شروح كتاب سيبويه)، وفيه قدمت للشروح التي ظلت تقاوم يد الزّمن،واصفاً نسخها،وأماكن وجودها، وما طُبع منها على الرغم من قلته، ومستعرضاً موادها مقارناً إياها بعناوين أبواب كتاب سيبويه،وقد رتبت الشروح بحسب تسلسلها، كالآتي:
1- شرح كتاب سيبويه لأبي سعيد السيرافي- الحسن بن عبد الله بن المرزبان (ولد سنة 284هجـ على الأرجح، وتوفي في بغداد سنة 368 هجـ).
2- شرح كتاب سيبويه لأبي الحسن علي بن عيسى الرماني (- 384 هـ = 908 - 994 م).
3- شرح عيون كتاب سيبويه للقرطبي (أبو نصر الأديب،هارون بن موسى القيسي القرطبي المتوفي سنة 401هجـ).
4- النّكت في تفسير كتاب سيبويه للأعلم الشنتمري( أبو الحجاج،يوسف بن سليمان المتوفي في إشبيلية سنة 476هجـ).
5- شرح كتاب سيبويه، المسمى( تنقيح الألباب في شرح غوامض الكتاب) لأبن خروف (أبو الحسن،علي بن محمد الأندلسي النّحوي المتوفي سنة 606هجـ على الأرجح.
6- شرح كتاب سيبويه، للقاسم بن علي الأنصاري البطليوسي(الشهيربالصّفار المتوفي بعد سنة 630هجـ).
وفي الختام أخص بالشكر الأخوة الذين يسروا سبل إنجاز هذا الكتاب الذي قيض له أن يرى النور طيلة سنوات خلت،عسى أن أكون قد وفقت في ما صبوت إليه في حسم الخلاف، وتباين الآراء في اسم سيبويه،وكنيته،ولقبه وكتابه، وما ألف عنه خدمة لتراث أمتنا العربية،ولغتها الكريمة،والله سبحانه ولي التوفيق .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ابن درستويه النّحوي (رسالة دكتوراه)، جامعة القاهرة( 1961م)،ص75.
(2) انظر: المجلد (38)،ص 314.
(3) المسائل والأجوبة (رسالة دكتوراه)، تحقيق ودراسة محمد سعيد الحافظ،جامعة القاهرة، ص702.
(4) انظر: الفهرست ص 95،94،ومقدمة تحقيق لهارون 1/ 39.
(5) سيبويه إمام النحاة، مطبعة لجنة البيان العربي(1953م)، ص 119.
|
|
|