عن تأهيل اللغة العربية

د. موسى الشامي

هناك مجموعة من الأسئلة أود الوقوف عندها ، لمقاربة إشكالية ما يقصد ب"تأهيل" اللغة العربية. وأنا في هذا العرض لا أريد أن أتعرض لمسالة الأمن اللغوي بالمغرب لأن ذلك سيقودني للنبش في ملف شائك هو التعدد اللغوي و دور اللغات الوطنية داخل هذا التعدد.و ما يهمني هنا، هو هذه اللغة التي أجدني منخرطا في الدفاع عنها في إطار الجمعية المغربية لحماية اللغة العربية.
    
               1- ما القصد بمفهوم "التأهيل" ؟
                  
                    ما القصد بالضبط عند الكلام عن"تأهيل" اللغة العربية؟
العبارة غامضة وتحتاج إلى تفسير أو إلى توضيح أو إلى تأويل.
                          "تأهيل " اللغة العربية يعني أن شيئا ما ينقصها،و هذا الشيء هو الذي يعرقل تأديتها لمهامها.وهي-حسب هذا التعبير- مشلولة، لاتقوى الآن، في ذهن من يستعمل عبارة "تأهيل"، على القيام بما يمكن أن تقوم به .فاللغة العربية ،إذا أهلت، أي إذا تغير  شيء فيها أوإذا غير أصحابها شيئا فيها أوإذا هم غيروا بعض  مواقفهم منها، يمكن أن تصبح لغة ذات حيوية،لغة "مؤهلة".
                     كما أن العبارة يمكن أن توحي أن اللغة العربية  لم تكن لها أية "أهلية"( قدرة،،كفاءة، قوة...) ،فوجب الاستدراك، ووجب العمل على أن تكون لغة قادرة على مواكبة التطور الحديث، خصوصا و أن هناك دولا عديدة رسمتها في دساتيرها. وهنا وجب التساؤل :"لماذا هذا الترسيم"؟ فالدول عادة لا ترسم إلا اللغات التي تعتقد أنها قادرة على البناء و التنمية.فهل هذا الاعتقاد سليم؟
                        لتبيان إشكالية  عبارة "التأهيل"، من الضروري الر جوع إلى اللغة العربية كبنيان  وككيان، أو كنظام قائم بذاته، و كذا إلى المحيط أو المناخ، المادي و البشري،  الذي تعيش  فيه هذه اللغة

                    2-  لماذا نتحدث عن " تأهيل" اللغة العربية؟

                   نتحدث عن" تأهيل " اللغة العربية لأننا،على بينة من ضعفنا و تأخرنا مقارنة مع أمم أخرى سبقتنا في التقدم بلغاتها، و نعتقد جازمين( وخاطئين بطبيعة الحال ) أن اللغة العربية هي سبب هذا الضعف، و نتهمها بذلك،وفي الوقت نفسه، نهفو إلى أن نقود صراع التنمية و معركة التطور و النماء بهذه اللغة، دون غيرها لأننا نؤمن أننا نحن هم اللغة العربية و اللغة العربية هي نحن. وكذلك، لأننا نشعر في قرارة أنفسنا أن اللغة العربية  قادرة على أن تخرجنا من أنفاق و ظلمات التأخر وأن تقودنا إلى شواطئ التقدم و النجاح  والرخاء،كما حدث ذلك، و بها ، من قبل.
                      لكن،هل فعلا، وعلى أرض الواقع، اللغة العربية قادرة على أن تقودنا اليوم إلى ما نصبوا إليه من رقي و تقدم؟ وإذا لم تكن" مؤهلة "، كيف نؤهلها،  لكي تصبح كذلك؟
                  
                    لنقف مهلة  عند الواقع الحالي للغة العربية . ما هي حالتها اليوم؟



        3- الواقع الحالي للغة العربية اليوم، ماذا يقول؟

          لن أعود إلى الماضي، حتى لا يقال لي:" ليس الفتى من يقول كان أبي..."،لكنني أريد أن أقول في البداية ، وهو ما يقول به كم هائل من الباحثين الغربيين النزهاء، و الفضل ما شهد به
الأجنبي، أن حضارة الغرب لم تكن لتكون ما هي  عليه اليوم، لولا  الإرث الذي أخذته من الحضارة الإسلامية التي سادت العالم، (وسادت هذه الحضارة العالم بفضل اللغة العربية)، منذ ظهور الإسلام إلي سقوط غرناطة. بمعنى آخر أن اللغة العربية، كانت في وقت ما من التاريخ، لغة  "مؤهلة " لمسايرة العلم آنذاك.
            
       الواقع الحالي للغة العربية يقول:" إن اللغة العربية،بعد أن كانت اللغة الأولى في العالم فيما أسماه الغرب اعتباطا "القرون الوسطى"و يعني بذلك" القرون المظلمة"، وبعد  دخول العالم العربي والإسلامي في سبات طويل و غيبوبة عميقة، وهذا هو حال الحضارات الكبرى،استرجعت أنفاسها،في أوائل القرن العشرين، عصر النهضة. و بعد فترة نقاهة،تجد نفسها اليوم تعاني من بعض بقايا هذه الغيبوبة الطويلة، و هو أمر عادي ، كما عند  أي كائن يتعافى،  وربما كانت هذه المعاناة  أمرا صحيا، لأنه يساير طبيعة الأشياء. وأريد أن أذكر هنا بسرعة أنه عند سقوط غرناطة في أواخر القرن الخامس عشر،لم يكن العالم ،في ذلك الوقت، يعرف لغة اسمها" اللغة الفرنسية"، اللغة التي يحاول البعض اليوم إحلالها محل اللغة  العربية في شمال إفريقيا ،فهذه اللغة لم يستقم عودها إلا في أوائل القرن السابع عشر الميلادي،وهي اليوم،رغم ما تعانيه من مشاكل سواء في إملائها المعقد أو نحوها المتشعب،، تعد لغة عالمية من بين اللغات الأوائل علميا .و من الملاحظ أن اللغة التي سادت العالم بعد سيادة اللغة العربية و أفولها، كانت هي اللاتينية،وقد ازدهرت  اللاتينية   لمدة  من الزمن،ثم اندثرت، و لم تندثر اللغة العربية،الشيء الذي وجب التأمل فيه.

                 وكنظام لسني، فإن للغة العربية خصائصها كجميع اللغات. و ما تعرفه  من " مشاكل  "، هو من قبيل ما يمكن نعتها ب" المشاكل الخارجة عنها"،أي  أن مشاكلها غير متعلقة بها كلغة  و لا علاقة  للغة بها. و قبل أن أتعرض لهذه المشاكل الخارجة عن اللغة العربية  باقتضاب شديد ، لابد لي   أن أقف لحظة عند  بعض الانتقادات التي توجه للغة العربية  والتي تجعل منها لغة غير" مؤهلة" عند من يوجهون لها هذه الانتقادات المجانية غير العلمية .
        

      * اللغة العربية غير" مؤهلة" لأنها صعبة.هكذا تبدو عند من تعودوا على الأبجدية اللاتينية، فهي لا تعرف الشكل،أي الحركات،أي أنها لغة صوامتية، وحروف الكلمات فيها تتغير حسب موقعها في أول أو وسط أو آخر الكلمة، و لها أصوات،( فونيمات)، متشابهة  "يصعب " التمييز بينها(ذ،ض،؟،ز…) و أصوات أخرى لا توجد ببعض اللغات الأوروبية( ع،خ،ح ،ص،ث…) وليس فيها أصوات توجد في اللغات الأخرى و تعرف المثنى وهو غير موجود في اللغات الأخرى ،وتتوفر على أشكال فعلية خاصة بالإناث ،واللغة العربية  يجب أن تفهم قبل أن  تقرأ، و غير  هذا من الأساطير المحبوكة من قبل الخصوم لتحقيرها....و الواقع أن هذه الانتقادات هي فقط تبريرات يلجأ إليها من  لا يريد بذل أي مجهود لتعلم اللغة العربية ، فهذه هي خصائص اللغة العربية. و لكل لغة خصائصها التي تميزها، وفي هذا يقول علماء اللغة أن ليس هناك لغات أحسن من الأخرى، بل ما هنالك هو لغات مهيمنة و لغات مهيمن عليها.وللمقارنة ، لنتمعن كيف يكتب، على سبيل المثال، في اللغة الفرنسية، حرف "الفاء" أو صوت"أو"؟ و لماذا حرف "إكس" يتغير نطقه حسب المفردات التي يوجد بها و السياق الذي يستعمل فيها؟

 تأملوا معي  "  السلوك الهذياني  "  لحرف " إكس " باللغة الفرنسية على سبيل المثال :
Fixe ,  x =  x
Six élèves , x=z
Il  y a six cahiers sur le bureau , x= 0 , الحرف هنا  لا ينطق
Examen , x= gz

        كيف  يمكن لمتعلم  اللغة الفرنسية ،من أية جنسية كانت ،  أن يتعامل مع هذا السلوك الغريب في الكتابة؟..و سأعود لهذا الموضوع في مقال لاحق لأبين أن اللغة العربية الفصيحة في تعلمها أسهل من اللغة الفرنسية ، حتى و إن كان اللسانيون  يجزمون أن ليس هناك لغات سهلة و لغات صعبة ...هذا رأي المنظرين ،و لكن للعاملين في الميدان الديداكتيكي رأيا آخر مخالفا لرأيهم  ...
 و لنتأمل كيف نكتب جملة بالحرف اللاتيني بخط اليد و بالطباعة،و لنقارن هذا بكيفية الكتابة  خطيا و طباعة  باللغة العربية .. ولنقف عند الحروف التاجية في الأبجدية اللاتينية، و نوعية المشاكل التي تخلقها للمتعلم عندما يقارنها بالحروف العادية الصغيرة. هذه الأمثلة البسيطة أسوقها للتأكيد على أن اللغة العربية  ليست معقدة كما هو حال اللغة الفرنسية كما يذهب  إلى ذلك خصوم اللغة العربية من الفرانكوفونيين ...
                                      
* اللغة العربية غير" مؤهلة " لعدم توفرها على المصطلحات الازمة لولوج عالم المعرفة. وهذا مشكل   مصطنع وطرحه بهذه الكيفية غير علمي، لأن أية لغة يمكن لها أن تنشئي آلاف المصطلحات التي تحتاج إليها . (الإنسان هو الذي ينتج المفردات و يقوي اللغة)، وهو أمر موكول للعلماء المتخصصين
 في الميادين العلمية التي يهتمون بها. و الرجل العادي ليس في حاجة إلى الإلمام بالمصطلحات العلمية التي تظل من اختصاص العلماء، كل في ميدانه. المشكل في المصطلحات بالنسبة للغة العربية ليس في إنشائها، بل في تداولها وتبنيها و العمل بها ،لأن الدول التي تستعمل اللغة العربية تصل إلى 22 دولة وتجد صعوبة في الاتفاق فيما بينها على المصطلح الملائم في مساحة جغرافية  شاسعة جدا.وهو أمر طبيعي، وليس بمشكل كبير. و على أي ، وإن تعددت المصطلحات للتعبير عن مدلول واحد،فالاستعمال الشائع هو الذي يحيا مع الوقت و الاستعمال، و البقاء يظل دائما  للأصلح.
      
    
     *اللغة العربية غير" مؤهلة  "لأنها غير متداولة شفهيا، أي أن أهلها لا يتكلمون بها في حياتهم اليومية،و هي لغة المثقفين،تستعمل شفهيا في بعض المواقف فقط ( محاضرات ،أخبار في وسائل الإعلام ،خطب...)،وبهذا المعنى، فهي لغة كتابة أكثر منها لغة تداول شفهي.  هي لغة المثقفين؟، و ماذا يمنع  أن يكون جميع الناس مثقفين؟أو ليست الأمية هي المسؤولة هنا؟ هذا ليس مشكل اللغة العربية لأن التواصل بها ممكن وهو أمر قائم بين من نال حظا من الثقافة العربية ،وهو أمر لا يريد الاعتراف به الحاقدون الدجالون . على أن الثنائية "لغة كتابة"، "لغة خطابة و تداول"موجودة في كل اللغات، أي أن اللغة المستعملة في الكتابة هي عادة لغة عالمة واللغة المستعملة في التخاطب هي لغة متراخية، منحلة. اللغة الفرنسية مثلا تعرف هذه الثنائية، فاللغة التي يكتب بها الفرنسيون هي لغة منقحة، محكمة، مخالفة  للغة رجل الشارع، التي تظل مهلهلة ، تستعمل عبارات  وتراكيب لا تقبلها اللغة العالمة، وهي دارجة كجميع الدوارج لدرجة أن غير الفرنسيين  لا يفهمونها في كثير من الأحيان لأنهم لم يتعلموها في المدرسة.
      
            إذا كانت اللغة العربية غير مسؤولة عن هذه العيوب التي تنعت بها ، فأين ،إذا، تكمن عوائقها و التي تجعلنا نتكلم عن" تأهيلها"؟
 
    
4- ما هي المشاكل التي  تعرقل ا تقدم اللغة العربية ويجعل البعض منا يتحدث عن ضرورة" تأهيلها"؟    


         هناك عوائق شتى لا علاقة لها ببنية اللغة العربية،بل هي عوائق خارجة عنها، منها على سبيل المثال:

              * الأمية :تعدد الدول العربية كان من شأنه أن يدفع في اتجاه تنمية اللغة العربية نظرا لتوفر هذه البلاد على ساكنة مهمة كان بالإمكان أن تمثل مشتلا خصبا  لتناسل و تكاثر  المتخصصين فيها،لكن الأمية الضاربة أطنابها في هذه الدول جعل منها عائقا أمام الإنتاج العلمي  و المعرفي باللغة العربية، فاللغة العربية لا تستفيد من سكانها،إذ نسبة كبيرة تسبح في ظلمات الأمية. كيف للغة ما أن تتقدم إذا سادت الأمية عند أبنائها؟ وكيف للغة العربية أن تنتج المعرفة  عندما يفضل العلماء في العالم العربية اللغات الأجنبية ، وهذا التفضيل هو نوع آخر من الأمية  تعاني منه اللغة العربية ...

              * الاتكالية في الحقل العلمي :   تعدد الدول التي تستعمل اللغة العربية كلغة رسمية ينتج عنه  أن كل دولة تتكل على الدول الأخرى للأخذ  بيد اللغة العربية  في ميدان المصطلحات بالخصوص.ولو أن اللغة العربية كانت خاصة بدولة واحدة لكانت الأمور قد أخذت مجرى آخر، كما هو الحال مثلا في دولة كإسرائيل. فهذه الدولة تعتبر نفسها المسؤولة الوحيدة عن لغتها. فهي التي  تقرر ،ثم تنجز . وأما الدول العربية ،فهي  لسيت سيدة قراراتها في اللغة . إذ، عندما نقرر شيئا في المغرب(مثلا، نحت مصطلحات)، علينا أن نستشير الدول التي تتقاسم معنا اللغة الرسمية.و هذا يخلق متاعب شتى،وهي متاعب نابعة من شساعة جغرافيا العالم العربي التي تعرقل التنسيق ،زيادة على  الخصومات السياسية  التي تفرق بين الدول العربية.
 
             * النفوذ اللغوي الأجنبي:  هناك دور سلبي كبير تلعبه البلاد الاستعمارية  القديمة التي هيمنت على  الدول العربية والتي تشتاق  إلي العودة بلغاتها إليها، و تعمل جاهدة  و بكل الوسائل من أجل ذلك،و ترى في اللغة العربية منافسة شرسة لها. وهذا هو حال اللغة الفرنسية بالمغرب،إذ أصبحت، بسبب هيمنتها على جميع المجالات الحيوية، هي اللغة الرسمية الفعلية للبلاد ولا يمكن اجتثاث  هذا الورم السرطاني  لا بأكاديمية للغة العربية و  لا بمجلس للغات  إذا لم تكن لهذه المؤسسات صلاحيات  تقريرية  بالمعني الصحيح لهذه الكلمة . و أما اللغة العربية ،فهي لغة رسمية على الورق و نخشى أن يكون هذا هو مصير  الأمازيغية  كذلك  بمختلف فروعها . و لتصل فرنسا إلى هذا الأمر، فهي تستعمل كل ذكائها ونفوذها المالي لترسيخ لغتها في الواقع المغربي.وتكون،في مدارسها نخبة مغربية  فرانكفونية،  لا تتقن سوى هذه اللغة  وتمارس عملها الدعائي لنشر لغتها في معاهدها عبر المدن...

            *التيه السياسي لأصحاب الحل و العقد بالعالم العربي:
                       
                 أغلب الساسة العرب في واد بعيد عن انشغالات شعوبهم، و وضعية اللغة العربية من الأمور الثانوية لديهم  و يكفي في هذا المجال أن نستمع  إلى  "بلاغتهم " عندما  يقرؤون  خطبهم . الموارد المادية متوفرة و لا عمل جدي بخصوص اللغة العربية على أرض الواقع. وهل فاقد الشيء  يمكن أن يأتي به ويعطيه ؟.


        5-ماذا يجب علينا فعله إزاء هذه الوضعية لتصبح اللغة العربية" مؤهلة" أي لتقوم  بدورها على أحسن  حال ؟
                                                                                           
             وجب التكرار من جديد أن اللغة العربية مؤهلة في حد ذاتها و لها طاقات و قدرات داخلية يعرفها علماء اللغة العربية ،من اشتقاق و نحت و تعريب ، و إمكانيات لغوية ضخمة  لوضع المصطلحات...لكن مشكلتها الكبرى هي أنها تعيش في مناخ  ثقافي غير صحي و غير مؤهل،كما رأينا، وهو الذي يؤثر سلبا فيها و يخلق جوا ينعدم فيه الإنتاج العلمي  وبالتالي  الأمن اللغوي. اللغة العربية لغة مؤهلة في مناخ عام  غير مؤهل ...
           
        -أول غول يجب التجنيد له لأنه يعتبر العدو اللدود للغة العربية هو الإنسان العربي الأمي حاكما كان أو محكوما  ،وإذا علمنا أن نسبة الأمية في العالم العربي كبيرة جدا وهي غير مستساغة و مرفوضة ، لما يتوفر عليه العالم العربي من موارد مادية، فهمنا أن العيب فينا و ليس في اللغة العربية .
           تأهيل الإنسان العربي،بنشر العلم و الثقافة هو الحجر الأساس الذي به تصبح اللغة العربية "مؤهلة". و هذا أمر يتطلب الوقت و الصراع مع من لهم المصلحة في أن يظل الإنسان العربي غارقا في يم الأمية و الجهل . و ما نشاهده اليوم من غليان في العالم العربي يمكن اعتباره أيضا رفضا للجهل و الأمية والمرتبة الدونية التي يشعر الإنسان العربي أنه حشر فيها حشرا.
     
- و بطبيعة الحال ،يظل تأهيل الإنسان من اختصاص الدولة، وفي غياب ذلك،فإن دور المجتمع المدني و السياسي، ممثلا في جمعيات الدفاع عن اللغة العربية و جمعيات حقوق الإنسان اللغوية و الثقافية  ،و الأحزاب والنقابات و غيرها من الهيئات، و بالتنسيق مع علماء الأمة و أعني بهم علماء اللسانيات  بالدرجة الأولى ،يصبح ضروريا  للضغط على أصحاب القرار. و بإمكان مفكري الأمة أن يضغطوا على من بيدهم زمام السلطة ، لخدمة اللغة العربية والدفع في إنتاج المعرفة بها. و إلا فلم يصلح فكرهم هذا وما جدواه؟ بدون هذا الضغط المشروع والذي يستخدم الحجة العلمية بالأساس لتبيان قدرة اللغة العربية على إنتاج المعرفة ، ستظل هذه الأخيرة تنتظر من يأخذ بيدها.
                                                             
            ومع هذا كله ،فإن الملاحظ أن حالة اللغة العربية ليست من التدهور كما يصوره لنا بعض المتشائمين ،بل هي لغة جاهزة ،مؤهلة و في حالة جيدة  إذا ما قورنت بالحالة التي كانت عليها في بداية العقد الخامس من القرن الماضي .نحن الآن نعيش مرحلة انتقالية وحالتنا هي أحسن مما كانت عليه سابقا، لكن العمل ما زال طويلا و يتطلب جهودا كثيرة و نفسا طويلا  و مثابرة و أناة...وليس هذا بعزيز على المتمسكين  باللغة العربية الفصيحة...