لمحة تاريخية عن تيسير الكتابة العربية
د. ميمونة عوني سليم
الحمدّ لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على قائد الغرّ المحجلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد :
فإن صاحبة الجلالة اللغة العربية التي تكفّل الله بحفظها حين أنزل القرآن الكريم بها، تواجه تحديات كثيرة، تتطور هذه التحديات مع مرور الزمن وتقدّم التكنولوجيا، حتى باتت خطراً جسيماً يتغلغل في مفاصل اللغة العربية، هدفه إنهاكها وتحويلها إلى مسخٍ دون فائدة منه.
وهذه التحديات اختصت بها اللغة العربية دون غيرها؛ لأنها لغة يتكلّم بها نسبة كبيرة من سكان العالم، وهي لغة حية مازالت تحتفظ بكثير من الخصائص كقوة الألفاظ ورصانة المعاني، ولأنها لغة القرآن الكريم الذي تعهّد الله بحفظه إلى يوم الدين.
ولو دققنا الدراسة فسنجد أن هذه التحديات ليست وليدة اليوم ، ليست وليدة تقدم العصر وتطوره وإنما هي قديمة، انبرى لها ثلّة من الداعين المجاهرين بتغييرها أو تطويرها أو تيسيرها - كما يدّعون- ، وقد خصصت هذه المقالة من أجل أن نتعرّف على أولى هذه التحديات التي ستكون إن شاء الله سلسلة من المقالات تؤرخ لهذه الدعاوى وتبيّن أصولها وأهدافها ومن كان وراءها،فمما واجهته العربية من دعاوٍ تركت أثراً على تاريخها الطويل هي الدعوة إلى تيسير الكتابة العربية وما انطوت عليه من مقترحات.
فالدعوة إلى تيسير الكتابة العربية انقسمت إلى شقّين اثنين:
الأول: دعوة بعض اللغويين لتيسير الخطّ العربي وتسهيل الكتابة العربية عن طريق إيجاد مقترحات جديدة الهدف منها تخليص الرسم العربي من عيوبه.
والثاني: الدعوة إلى هجر الحرف العربي واستبداله بالحرف اللاتيني.
وتُعدّ هذه الدعوة من أخطر الدعوات؛ لأنها تقطع الصلة بين ماضي العرب وتراثهم وبين حاضرهم وما آلوا إليه، وبالتالي هدم الحضارة العربية.
وقد هذه المقالة لدراسة هذه الدعاوى وتاريخها وأهم أعلامها وما آلت إليه، وقد قسّمته لمجموعة فقرات هي:
الفقرة الأولى:: لمحة تاريخية عن تيسير الكتابة العربية.
الفقرة الثانية: أهم محاولات تيسير الكتابة، وتتضمن محاولتين اثنتين هما:
1- مقترح علي الجارم سنة 1944م.
2- مقترح علي عبد الواحد وافي سنة 1946م.
الفقرة الثالثة: أوليات الدعوة إلى الكتابة باللاتينية:
1- مشروع عبد العزيز فهمي سنة 1943م.
2- المؤيّدون لهذه الدعوة.
3- المعارضون لها.
وسنبدأ اليوم بلمحة تاريخية بسيطة عن تيسير الكتابة العربية:
ظهرت دعاوى تيسير الكتابة العربية بأقلام عدد من المستشرقين في أواخر القرن التاسع عشر، وقدّموا مقترحاتهم التيسيرية، وقد تكون هذه الدعاوى ناتجة عن صعوباتٍ حقيقية واجهت أولئك المستشرقين أثناء تعلّمهم العربية، ولكن كثيراً من هذه الدعوات كان الهدف وراءه هو تحقيق أهداف دولهم المستعمرة الطامعة في بلاد المسلمين،وسلخ المسلمين عن تاريخهم وتراثهم وحضارتهم(1).
فقد أثار (ولهلم سبيتا) سنة 1880م قضية صعوبة الكتابة العربية ووصفها بأنها عقيمة ومعقدة؛ لأنها تخلو من حروف الحركات في كتاب (قواعد اللغة العربية العامية في مصر) واقترح لحلّها استبدال الحروف اللاتينية بالحروف العربية(2)،
وقد اهتم مجمع اللغة العربية في القاهرة خاصة دون بقية المجامع بهذه المسألة، فقدّمت اقتراحات ومناقشات إليه وأسهم أعضاؤه في تقديم مقترحات لتيسير الكتابة العربية، فقرر المجمع في جلسته في 21 فبراير (شباط) 1944م وضع جائزة قدرها (1000) ألف جنيه لأحسن اقتراح لتيسير الكتابة العربية، فقُدّمت اقتراحات كثيرة،ولكن لم يحظ أيّ منها بالجائزة(3).
وأهم محاولات تيسير الكتابة العربية هي(4):
1- مشروع المطبعة الأميرية بالقاهرة لتكوين القاعدة الجديدة لحروف الطباعة العربية من (470) حرفاً على أساس خطٍّ جيد سنة 1903م.
2- مشروع داود الجلبي الموصلي لكتابة اللغات العربية والتركية والفارسية بالخط اللاتيني سنة 1905م.
3- مشروع إسماعيل حقي الميلاسي لتيسير الكتابة العربية، وذلك عن طريق فصل الحروف وتدوين الحركات بحروفٍ مستحدثة تكتب في سياق الكلمة سنة 1906م.
4- مشروع جمعية مركز عموم ياسين في سوريا لتيسير الكتابة عن طريق فصل الحروف وتدوين الحركات بحروفٍ مستقلة في سياق التدوين، وحذف العلامات الإضافية، فالحرف المشدد يعبّر عنه بتكرار الحرف سنة 1909م.
5- إعداد القاعدة المختصرة لحروف الطباعة بالمطبعة الأميرية بالقاهرة والتي تتكوّن من (238) حرفاً بالاستغناء عن كثير من الحروف المتداخلة والمقنطرة سنة 1920م.
6- مشروع أنستاس ماري الكرملي في العراق لتدوين الحركات واندماجها في سياق الكلمة نفسها سنة 1935م.
7- دعوة طه حسين إلى النظر في إصلاح الكتابة العربية سنة 1937م.
8- قرار مجمع اللغة العربية في القاهرة بتشكيل لجنة لبحث الحروف العربية وتحسينها على ألاّ يخرج هذا التحسين عن أصول أوضاعها العامة سنة 1938م.
9- تكليف وزارة المعارف المصرية للمجمع ببحث موضوع تيسير الكتابة العربية سنة 1941م.
10- مشروع علي الشافعي في القاهرة للكتابة العربية بحروف ذات أشكال جديدة، والحروف ذات طابع رأسي وتدون الصوامت والحركات، ويكون للهمزة رمز واحد، والعلامات الإضافية محدودة سنة 1943م.
11- مشروع عبد العزيز فهمي للكتابة باللاتينية سنة 1943م.
12- مشروع يوسف العش في سوريا بتذييل الحروف النهائية بعلامة تكميلية دالة على حركة الإعراب والبناء سنة 1944م.
13- مشروع يوسف صابر في لبنان لتيسير الكتابة بأن يصبح للحرف الواحد رسم واحد بغض النظر عن موقعه في الكلمة سنة 1944م.
14- إعلان مجمع القاهرة عن مسابقة الكتابة العربية سنة 1944م.
15- مشروع داود الحلبي في بغداد لتدوين اللغة العربية بالحروف اللاتينية مع الإفادة من طريقة المستشرقين في تدوين العين والهمزة سنة 1945م.
16- مشروع سالم ساطم في القدس؛ لتدوين اللغة العربية بحروف مطورة عن الحروف العربية، ولكنها تدوّن منفصلة سنة 1946م.
17- مشروع عثمان صبري في مصر للتدوين بحروف جديدة منفصلة للصوامت والحركات، ويدوّن النطق الحقيقي للألف واللام الشمسية، وفيه فرق طفيف بين حروف الكتابة وحروف الطباعة سنة 1947م.
18- مشروع الأب جان ستاركي في بيروت للتدوين بحروف لاتينية للدلالة على الصوامت والحركات مع إكمال الحروف برموز إضافية دالة على أصوات الإطباق وأصوات الحلق سنة 1947م.
19- مشروع محمود تيمور إلى مجمع اللغة العربية، ويقوم على اختصار صور الحروف ليصبح لكل حرف صورة واحدة قابلة للاتصال وللضبط بالحركات سنة 1951م.
هذه بعض المشاريع والمقترحات التي فكر فيها اللغويين، وأصحاب الفكر وقدّموها من خلال نشرها في الصحف والمجلات أو تقديمها إلى المجامع العلمية اللغوية،أو تقديمها على شكل كتيب، ولكن أياً من هذه المشاريع لم ينجح، وبقيت مجرد محاولات والأهداف من ورائها مختلفة ومتعددة، فبعضها كان يتعلّق بتقليل أشكال حروف العربية في المطابع القديمة، وبعضها جاء لطمس العربية وقطع صلة الأجيال بماضيها من خلال اعتماد الحروف اللاتينية، وبعضها الآخر كان يسعى إلى معالجة علامة الحركات بجعلها رموزاً تُرسم في السطر، وهذه المقالة خطوة أولى وبذرة صغيرة تحتاج إلى من يرعاها ويعتني بها لتنمو وتكبر وتثمر عن مقالات تكمل بعضها بعضاً .وللحديث بقية...
|
|
|