الحاجات اللغوية العملية لمتعلمي العربية من الناطقين بغيرها

د. عيسى متقي زاده

انّ الحاجات اللغوية الأساسية لمتعلمي اللغة العربية من الناطقين بغيرها  تتضمن كلاً من الأصوات و المفردات و التراكيب و الجمل . و عند تقديم المحتوی اللغوي لكل جانب من هذه الجوانب ينبغي أن يراعی الأمور التالية :
  -  أكثرمشكلات متعلمي العربية من الناطقين بغيرها تحوم في دائرة التركيب اللغوي .
  -  يلزم أن نميز في تعليم اللغة بين تعليم مسائل اللغة، و بين كيفية استعمال اللغة .
  - إنّ الأخطاء التي يجترحها متعلمو العربية من الناطقين بغيرها ، هي أخطاء الكفاية.و هذه       الأخطاء تحدث نتيجة استعمال قواعد اللغة خطأ بطريقة منتظمة ، و ليس بطريقة عرضياً .
  - إنّ اختيار المادة اللغوية في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها مهم غاية الأهمية .
  -  ينبغي أن تراعی في اختيار المادة اللغوية لمتعلمي العربية للناطقين بغيرها مجموعة من القواعد ؛ مثل : قواعد الأصوات ، القواعد الصرفية ، قواعد التراكيب ، قواعد الجملة .
  - يُعدّ التدرج في تعليم اللغة أمراً طبيعياً يتماشی مع طبيعة الاكتساب اللغوي نفسه ، و لذلك لابد من أخذ هذا العامل بعين الاعتبار مع مراعاة العناصر الأساسية .
  - يُعدّ التدرج في تعليم اللغة أمراً طبيعياً يتماشی مع طبيعة الاكتساب اللغوي نفسه ؛ إذ يرتقي
المتعلم في اكتساب مهاراته اللغوية من العناصر اللغوية التي يسهل عليه استيعابها و استعمالها الی العناصر المجردة التي تتطلب نضجاً أكثر .
  - انّ لعرض المادة اللغوية دور هام في إنجاح العملية التعليمية ، و أستاذ اللغة مؤهل لإتقان العرض و التقديم .


الكلمات الأساسية : الحاجات اللغوية ، متعلمو العربية ، الناطقون بغير العربية


مقدمة و اهميّة

انّ من يعرف اللغة العربية و تاريخها و الحاجة الماسة الی انتشارها  خاصة في هذا الوقت يعترف بأن ثمة ما يدعو الی تأاليف مجموعة من الكتب المتخصصة لمتعليمها و غيرهم وتتأكد تلك الأهمية اذا أدركنا أن حقل تعليم اللغة العربية للنا طقين بغيرها  يعاني نقصاً بارزاً  و ضعفاً واضحاً في وجود كتب دراسية متخصصة لهذا الغرض.
التجارب العملية في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها لاتتجاوز عدّة عقود ، و ربما تجربة كلية الألسن العليا في مصر في أوائل الستينات أول تجربة في هذا المجال غايتها " نشر اللغة العربية خارج الميادين العربية دعماً للصلات الثقافية و الحضارية " و لكنّها تمثّلت هدفاً تحصيلياً تواصلياً يتمثّل في  " تمكين الدارسين من القراءة و الكتابة بالعربية و النطق السليم و المحادثة بحيث يصبح المتكلمون قادرين علی قراءة الكتب و الصحف و الاستماع .
و كثرت تلك التجارب بعد هذا الجهد الناجح من قبل المراكز و المعاهد ، أهمها ؛ معهد بورقيبه للغات الحية في الجامعة التونسية ،  معهد تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها في كلية الآداب من الجامعة المستنصرية ،  معهد اللغة العربية من جامعة الملك سعود بإصدار سلسلة   "  العربية للحياة " و سلسلة  " القراءة الميسرة "  ، معهد اللغة العربية من جامعة الملك عبدالعزيز في مكة المكرمة ،  معهد الخرطوم الدولي للغة العربية في السودان،  مركزاللغات من جامعة الكويت، مركز اللغات في الجامعة الأردنية ،دار العلوم العربية في ايران، معهد ايران للغات ، و المنظمة العربية للتربية و الثقافة و العلوم بجامعة الدول العربية.
 و ماتزال التجارب في هذه السبيل متواصلة متعاقبة تتراسل و تتقدم نحو التكامل ، و لكنها لم تبلغ غاية الاكتمال. و مايزال تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها في العالم الاسلامي مشروعاً لم ينجز فيه أهل العربية و أصحابها ما أنجزه غيرهم في تعليم اللغة الانجيلزية و اللغة الفرنسية.
اننا نحتاج الی‌مزيد من الجهود و الدراسات الجزئية المتيصرة لنجد طرقاً‌ تساعد متعلمي العربية من الناطقين بغيرها باستثمار المعطيات اللسانية و الوسائل التقنية المتطورة .
 ما هي الحاجات الأساسية في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها ؟ ما هي الحاجات اللغوية العملية لمتعلمي العربية من الناطقين بغيرها؟ هل هناك فرق بين ما يحتاج اليه الناطقون بالعربية وما يحتاج اليه الناطقون بغيرها؟  
   اذا حوّلنا أنظارنا الى طلاب اللغة العربية نشاهد أنّ أكثر مشكلاتهم و أخطرها تحوم في دائرة التركيب اللغوي ، و هم  الناطقون بغير العربية ، اذن يلزم علينا أن نرجع النظر في الحاجات الأساسية العملية لهؤلاء المتعلمين.
نقطة انطلاق الدراسة‌ ترجع الى نوع الطا لب الذي نتعامل معه و نوع الخطأ الذي يجترحه.
انّ دراسات السلف انطلقت من الخطأ الاعرابي للناطقين بالعربية ، فنحن نفعل شيئاً يقترب من ذلك‌، و لكن مع طلاب العربية من الناطقين بغيرها ، فننطلق من أخطائهم التركيبية .

صحيح أنّ هناك وجوه شبه بين اكتساب اللغة الأولى ، و تعلّم اللغة الثانية ، اذ يشتركان في ضرورة الممارسة ،‌ و التقليد و التكرار ، و الفهم و التذكر ،‌ و في ترتيب تعلّم المهارات اللغوية ، و عمليات المحاولة و الخطأ و التعزيز،‌ الا أنّ بينها من الفروق ما يُبعِد دعوى التماثل ، و ما يجعل من المستحق برمجة خاصة لكلّ واحد منهما ، و تأ ليف كتابين مختلفين في كل جانب من جوانب التأليف.
 و من أوجه الافتراق ، مثلاً ، ما يتعلّق بدرجة النجاح التي يبلغها المتعلم . فكلّ متعلمي اللغة الأولى عادة ما ينجحون في المحصلة النهائية ، و تكون لغتهم غير مميّزة‌بالفعل عن لغة الناس الآخرين الناشئين في مجتمع الكلام نفسه . أما في حال اللغة الثانية ، فان من المتوقّع أن يُخفِق المتعلم في اكتساب اللغة الهدف بشكل كامل. ladia  white,  ,p41))

و لعل الذي ساعد على ذلك ، أنّ تعلّم اللغة الأصلية يتم في ظروف طبيعية ، بينما يتم تعلّم اللغة الثانية في ظروف رسمية داخل المدرسة في أكثر الأحيان( علي حجاج و نايف خرما،ص77).
في ساحة تعليم اللغة يقتضي بالضرورة المنهجية الحديث عن المبادئ الأساسية ؛لأنّ تعليم اللغة ليس معناه حشو ذاكرة المتعلم بقواعد و ضوابط ثابتة للغة معينة ، و انّما يجب أن نجعل الطالب يشارك و يتفاعل ايجابياً مع المادّة التعليمية التي هي الهدف ، لأنّ تعليم اللغة لا يهدف الی وضع لائحة مفتوحة  من الكلمات و لكن إكسابه المهارات ليسهم هو نفسه في ترقية العملية التعليمية و تحسينها .فالمعرفة كما يقول نورمان ماكنري : " هي تكوين طرائق و أساليب و ليست اختزان المعلومات، فالمتعلم يزداد تعلّماً بفن التعلم و المعلّم هو صانع تقدمه " ( نورمان ماكنري ، ص 37).
في مجال تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها  يلزم أن نميّز بين تعليم مسائل اللغة ، و بين كيفية استعمال اللغة. فان معلم اللغة يصطدم منهجياً بمجموعة من التساؤلات العلمية ، و بدونها سوف يتعذر عليه إدراك حقيقة ما يعلّم؟ و من يعلّم؟ و من هذه التساؤلات : ماذا نعلّم ؟ ما هي الحاجات التعلميّة لدی المتعلم ؟ أية نظرية لسانية نعتمدها لتحقيق الغاية؟
  و لذلك فانّ تطبيق النظرية اللسانية في مجال تعليم اللغة دون الاهتمام بتحديد الحاجات البيداغوجية يسئ حتماً الی عملية التعلم ، و لتفادي ذلك لابد من الفصل أولاً بين القواعد اللسانية البيداغوجية و التعليمية . ( أحمد حساني، ص130).
يخطئ خطأً جسيماً ، من يقوم بتعليم العربية للناطقين بغيرها ، أو من يقوم بتأليف كتبهم،من منطلق أنّ تعليم العربية لهم يشبه تعليم العربية للأطفال الناطقين بالعربية ، و هو أمر كثيراً ما يظنّه العوام. و كذلك يخطئ بالقدر نفسه ، من يقوم بأي من ذينك انطلاقاً من أن تعليم العربية للناطقين بغيرها يشبه الی حدّ كبير تعليم القراءة للأميين العرب(‌الناطقين بها ). (رشدي أحمد طعيمة، ص 129).
أما بالنسبة الی الأخطاء التي يجترحها كل من متعلمي العربية من الناطقين بها ، و متعلميها  من الناطقين بغيرها ؛ فانني أظن أن الناطق بالعربية اذا أخطأ في الفصحی ، فانه لايخطئ  فيما هو مكتسب اكتساباً ، بل يكون خطؤه فيما لم تُتحْ له اللهجة المحكية اكتسابه ، يقول " نهاد موسی " : " لا مجال للقول بأن المرء يخطئ في لغته الأم التي يكتسبها و تستحكم فيه سليقة ، فاذا هفا أو زلّ لسانه نبهه ذلك " المثال الكامن "  فيه ، الذي يتصرف بنظام اللغة عنده و يجريه ". ( نهاد موسی  ، ص 61) .
و ربما أبرز ما يخطئ فيه الناطق بالعربية عند تأدية الفصحی ، العلامات الاعرابية‌ ، ذاك أنه لايكتسبها من اللهجات المحكية ، لخلوّها منها خلواً شبه تام. انّ خطأ الناطق بالعربية يكاد يقتصر ، في الأحوال الطبيعية علی علامات الاعراب عند تأديته الفصحی . و لكنّ خطأ الناطق بغيرها يمتد ليشمل – في ظل غيبة الكفاية اللغوية – مستويات اللغة أجمعها ، و لذلك يكون من الصعب جداً علی المرء آن يسويّ بين الأخطاء التي يجترحها الناطقون بالعربية ، و تلك التي يجترحها الناطقون بغيرها.
انّ الباحثين عند الحديث عن الأخطاء اللغوية و تحليلها ، يفرّقون بين نوعين من الأخطاء ، و هما : أخطاء الأداء ، و أخطاء الكفاية . و يُقصد بأخطاء الأداء تلك الأخطاء العفوية غير المقصودة .( دوجلاس براون، ص292).
و لذلك يمكن أن نطلق عليها هفوات اللسان أو زلاته . و يرتكب الناس كلهم أخطاء الأداء عند حديثهم باللغة الأم أو اللغة الثانية . و لكن الناطقين باللغة عادة قادرين علی إدراك مثل هذه الأخطاء و تصحيحها .( المصدر نفسه ، ص293).
 و تتصف أخطاء الأداء بأنّها أخطاء غير منتظمة ، تنتج بطريقة عشوائية عرضية ، و ليست أنها صفة التكرار . و لاتُردّ الی عجز في الكفاية مطلقاً ، بل الی عوامل نفسية أو جسدية ، مثل : التعب ، أو الخوف ، أو التسرع . و يزول هذا النوع من الأخطاء بزوال تلك الأسباب
 s.p.corder,The Significance of learner s Erros, p.95))
و ينبغي التنبه دائماً الی أنّها أخطاء تتعلق بالبنية السطحية ليس غير.( عاتكة أحمد محمد التل ، تحليل الأخطاء الكتابية لدی متعلمي اللغة العربية من غير الناطقين بها ،ص 15).
أما أخطاء الكفاية فتحدث نتيجة استعمال قواعد اللغة خطأ بطريقة منتظمة ، و ليس بطريقة عرضية . و هذه الأخطاء يرتكبها الناطق بغير اللغة ، كما يرتكبها الطفل في لغته الأم ، و لكن قبل إتمام عملية الاكتساب اللغوي .
يقول s.p.corder : انّ إرتكاب أخطاء الكفاية انّما هو أداة يستخدمها الطفل لاكتساب لغته الأم  و الراشد لتعلم اللغة الثانية . (s.p.corder,The Significance of learner s Erros, p.95)) و يقول أيضاً : إنّ أخطاء الكفاية تعكس المعرفة الكامنة باللغة ، ءو ما يُعرفُ بالكفاية اللغوية الانتقالية . المصدر نفسه، ص 96) .
و من هنا نجد أن الناطق بغير اللغة و الطفل يقومان بتبسيط قواعد اللغة لنفسيهما ، و يظهر هذا الأمر فيما يسمی بفرط التعميم ، و القياس الخاطئ . و الجدير بالذكر دائماً أنّ أخطاء الكفاية مرتبطة بالبنية العميقة .


                         تعليمية اللغة و اجراءاتها العملية

 تقتضي تعليمية اللغة في اجراءاتها العملية العوامل البيداغوجية التالية:
1-    الإجراء اللساني :
    انّ  أستاذ الغة لا يكون في غنی عن الحصيلة المعرفية للنظرية اللسانية المعاصرة ، و اكتسابه لهذه المعرفة ستسمح له علی وضع تصور شامل لبنية النظام اللغوي الذي هو بصدد تعليمه  ، و ستفيده علی إدراك حقيقة الظاهرة اللغوية إدراكاً عميقاً ، فيؤثر هذا كله في منهجية تعليم اللغة وفق الأرضية النظرية التي يوفّرها تطور البحث اللساني الذي بإمكانه أن يقدم التفسير العلمي الكافي لكل المظاهر التي لها علاقة بتعليم اللغة و تعلمها (أحمد حساني ، دراسات في اللسانيات التطبيقية : حقل تعليمية اللغات ، ص 142)




2-    اختيار المادة اللغوية

في تعليم اللغة ، ليس معنی تدريس اللغة هو تدريس النظام اللساني بكل شموليته دفعة واحدة ، و انّما تعليم اللغة يهدف الی اكتساب المتعلم المهارات الضرورية التي لها علاقة بالبنی اللغوية الأساسية ، و يجب أن تراعی في تعليم اللغة الغايات البيداغوجية للعملية التعليمية  ، و مستوی المتعلم العقلي و اللغوي ، و اهتماماته و الوقت المخصص للمادة .
وقد يعسر علی المتعلم استيعاب حد أقصی من الألفاظ و التراكيب في مرحلة من مراحل تعلمه ، فالمعرفة اللغوية التي يتلقاها في درس من الدروس يجب أن تكون محدودة جداً مع مراعاة الطاقة الاستتيعابية لدی المتعلم حتی لايصاب بالإرقاق الإدراكي الذي قد ينفره من مواصلة تعلمة اللغة.
( عبد الرحمن الحاج صالح ، أثر اللسانيات في النهوض بمستوی مدرسي اللغة العربية ،‌مجلة اللسانيات ، العدد الرابع ، جامعة الجزائر ،السنة 1973، ص143)
 يتفق معظم الباحثين في مجال تعليم العربية للناطقين بغيرها علی أن تعليم العربية دون خلفية ثقافية محيطة ، و دون مرجعية يقدم المحتوی اللغوي في إطارها هو أمر غير ممكن .
 فالخلفية الثقافية الاسلامية تيسر لمعدي المواد التعليمية تقديم الأنماط  و المفاهيم الثقافية ، و تقديم المفردات و التراكيب اللغوية المشتركة بين العربية و لغات المتعلمين الذين يدينون بالاسلام . ( رشدي أحمد طعيمة ، تعليم العربية لأغراض خاصة ، 1423، ص26)
 و بناء علی  ما ذكرناه ، فإنّ اختيار المادة اللغوية في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها مهم غاية الأهمية .
و سأعرض فيما يلي علی سبيل التمثيل لعدد من القواعد التي ينبغي أن تراعی في اختيار المادة اللغوية لمتعلمي العربية للناطقين بغيرها:



اولاً : القواعد الصوتية :

ان الناطق بالعربية قبل قبل دخول المدرسة يعرف كثيراً من القواعد الصوتية ، منها تحاشي التقاء الساكنيين في النطق ، غير أنّ الناطق بغير العربية سيكون في حاجة ماسة لها .
   " من القواعد التي يتقنها الطفل الناطق بالعربية ، و يعرفها معرفة تطبيقية وظيفية  ، قاعدة إضافة كسرة تجنباً لتوالي ثلاثة أصوات صامتة  " التقاء الساكنين " . ( داود عبده ، نحو تعليم اللغة العربية وظيفياً ،ص6) .
فهو يقول – مثلاً-  : (  إسأل علياً ) بسكون اللام ، و لكن :( إسأل الطالب ) بكسر اللام . و لا شك في أنه اكتسب هذه القاعدة من اللهجة المحكية ، و لن يكون في حاجة الی أن يتعلّمها .
 من القواعد الصوتية التي يلزم أن يتعلّمها الناطق بغير العربية ، تقصير المد الطويل . يقوم الطفل الناطق بالعربية بتقصير المد الطويل اذا كان متلواً بصوتين صحيحين متتاليين  ( أي صحيح ساكن ). فهو يُبقي الكسرة علی حالها في مثل : ( الكتاب في الغرفة ) ، م لكنه يقصّرها في  : ( الكتاب في الغرفة ) (= فِلْغرفَة ) . و يقول : ( المسطرة علی دفتري ) مبقياً الفتحة الطويلة علی حالها في  ( علی ) ، و لكنه يقصرها في مثل  : ( المسطرة علی الدفتر )  (= علَدّفْتَر ).
التاء المربوطة و الهاء من المواضيع التي يجب أن يتعلّمها الناطق بغير العربية . الطفل الناطق بالعربية يكتسب من اللهجة المحكية قاعدة ، في ضوئها يستطيع أن يعرف متی تكون التاء المربوطة تاء ، و متی تكون هاء . فهو ينطقها هاء في مثل : ( السيارة أمام البيت ) ، و ( اشتريت سيارة ) ، و لكنه في المركب الاضافي ينطقها تاء كما في ( ركبت سيارة أبي ) .
من القواعد الصوتية التي يلزم اختيارها في المادة اللغوية ، قاعدة اللام الشمسية و اللام القمرية . اذ نلاحظ أنّ الطفل الناطق بالعربية يدخل المدرسة و هو قادر علی التمييز بين اللامين تمييزاً وظيفياً، فيقول : ( الكتاب ، القلم ، المسطرة ، الولد ، الباب ، المفتاح ،....) بلفظ اللام ، و لكنه في المقابل لا ينطق اللام و يشدد الصوت الأول من الكلمة كما في ( الدار ، الشجرة ، السيارة الصوت ، الشمس ، الطبقة ، الزهرة .....   ).

لاختيار المادة التعليمية في القواعد الصوتيه تراعی النقاط التالية:
-    تكون للكلمات فيما بينها- في الجزء الصوتي – علاقة دلالية موضوعية بحيث يسهل الاعتماد عليها بعد ذلك في بناء جمل و تراكيب ، و العلاقة الدلالية مثل تقديم كلمة خريطة ( ترسم ) ، و تقدم معها كلمات مثل شمال، و جنوب ، و شرق ، و غرب ، و- بحر، و محيط، ، و نهر، و كلها يمكن تعرفها علی رسم للخريطة .
-    الأصوات الصعبة ، و المشكلات الصوتية المتصلة بها ، يمكن معالجتها من خلال مفردات سهلة المعنی ، ملموسة في محيط الدارسين ، كما ينبغي أن تعطی عناية مرة ثانية في بناء النصوص و التدريبات في الجزء المكتوب بعد المدخل الصوتي.
-    يعاد تقديم الأصوات من خلال النصوص المكتوبة ، و بشكل وظيفي بحيث يستمع الدارسون الی هذه النصوص مسجلة أو مقروءة ، علی أن تختار معظم كلمات النصوص من الكلمات السابق تقديمها في المدخل الصوتي ، و إن أضيفت كلمات جديدة فينبغي أن تكون مما يمكن أن يتعرفه الدارس.  

ثانياً : المفردات :

المسألة الثانية في اختيار المادة اللغوية لمتعلمي العربية للناطقين بغيرها هي مسألة المفردات و كيفية اختيارها.  
إنّ تعلم المفردات مطلب أساسي من مطالب تعلم اللغة الأجنبية ، و ليس المطلوب هو نطق الأصوات المفردة ، و فهم معناها فحسب، بل استخدامها في مكانها المناسب .
لذلك فهناك مجموعة من المعايير التي يجب أن تراعی في المحتوی اللغوي لمنهج اللغة الثانية منها:
-    التواتر : بمعنی تفضيل الكلمة شائعة الستخدام علی غيرها.
-    الإتاحة : أي تفضيل الكلمة التي تكون في متناول المتعلم ، و التي تؤدي له معنی محدداً.
-    الألفة : أي تفضيل الكلمة التي تكون مألوفة عند الأفراد عن الكلمة المهجورة نادرة الاستخدام .( علي أحمد مدكور، تعليم اللغة العربية،106)
-    الشمول : أي تفضيل الكلمة التي تُغطي عدة مجالات في وقت واحد علی تلك التي لاتخدم إلا مجالات محدودة ، فكلمة ( بيت ) أفضل من كلمة ( منزل ) فيمكن القول : بيت = منزل ، بيت الله = الكعبة ،...الخ .
-    الأهمية : تفضل الكلمة التي تشبع حاجة معينة عند الدارسين ، و تحقق رغباتهم .
-    التجسيد : بالنسبة للأطفال يفضل استخدام المفردات التي يمكن تجسيدها ، أو بيان معناها من خلال الرسم أو الصورة ، علی الكلمات أو المفردات المجردة    
 (‌المصدر نفسه )
-    ان يراعی‌التدرج في عددالمفردات الجديدة .

أما عن عدد المفردات التي ينبغي أن يتعلّمها الطفل في المرحلة الإبتدائية ، فهناك العديد من الآراء . ففي حالة تعلم الطفل اللغة الأجنبية يری البعض أن تعليم الطفل (2000- 2500) كلمة كاف لأن يكوّن لديه قاموساً يفي بمتطلبات الحياة ، شريطة أن يتعلم مهارتين أساسيتين : أولاهما : تركيب الكلمات ، و ثانيتهما : كيفية استخدام القاموس. ( رشدي طُعيمة ، تعليم العربية لغير الناطقين بها مناهج و أساليبه ،ص195)
و نری عملية‌التحديد لعددالمفردات لمتعلم اللغة يتوقف علی متوسط الثقافة في حياته اليومية ، و متطلباته ، و حاجاته التي تُسهل عملية الاتصال بالآخرين . و هذا يستدعي عمل العديد من الدراسات التي تحدد ذلك . فالمجال ما زال في حاجة الی العديد من الدراسات لسد الثغرات في منهج تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها سواء الكبار أو الصغار .


ثالثاً : القواعد الصرفية :

أ‌-    تصريف الأفعال:

  الناطقون بالعربية كلهم ، ممن أنهوا بنجاح مرحلة الاكتساب اللغوي ، يعرفون معرفة ضمنية لا واعية ، قواعد تصريف الأفعال التي لها نظير في لهجته ( داود عبده ،  6). فهو يصرّف الفعل الماضي و المضارع مع المتكلم مفرداً و جمعاً :
                   كتبتُ- كتبنا / أكتبُ – نكتبُ
و مع المخاطب مفرداً ( تذكيراً و تأنيثاً )  و جمعاً ( تذكيراً و تأنيثاً ) :
                  كتبتَ – كتبتِ -     كتبتم – كتبتنّ
                  تكتبُ – تكتبين -    تكتبون – تكتبن
و مع الغائب مفرداً ( تذكيراً و تأنيثاً ) و جمعاً ( تذكيراً و تأنيثاً ) :
                كتب – كتبتْ -      كتبوا – كتبن
                يكتبُ – تكتب -     يكتبون – يكتبن
كما يصرّف فعل الأمر مع المخاطب مفرداً ( تذكيراً و تأنيثاً )  و جمعاً ( تذكيراً و تأنيثاً ) :
            اُكتبْ – اكتبي
             اكتبوا – اكتبن
بيد أن الناطق بغير اللغة العربية يحتاج اليها كثيراً . و عليه أن يمارس في تصريف الأفعال بشكل وظيفي حتی يتعلّمها جيداً .

ب‌-    الضمائر المنفصلة و الضمائر المتصلة

الناطق بالعربية يكتسب كثيراً من اللهجات المحكية . انه يستخدم : أنا ، إحنا ، انتَ ، انتِ ، انتو ، انتن ، هو ، هي . بل انه يكتسب الضمائر المتصلة بالأسماء ، فيقول : كتابي ، كتابنا ، كتابك ، كتابكِ ، كتابكم ، كتابكن ، كتابه ، كتابهم ، كتابهن .
 كما يكتسب القدرة علی استعمال كل نوع من الضمائر في مكانه الصحيح ، فلا يُحلّ المنفصل مكان المتصل أو العكس ، و لذلك لايمكن للناطق بالعربية أن يقول خطأ ما يقوله الناطق بغيرها في بعض الأحيان : ( كتاب أنا ، كتاب نحن ، سيارة أنت ، قلم هو ...) ( عمر يوسف ، 110).
و يكتسب اضافة الی ما سبق ، ضمائر الرفع المتصلة بالأفعال ، فيقول : خرجتُ ، جرجنا ، خرجوا ، خرجن ، خرجتم  ، خرجتَ ....) . كما يكتسب ضمائر النصب المتصلة بالأفعال ( ساعدني ، ساعده ، ساعدهم .....) .
 بل انه يكون قادراً علی التمييز بين الضمائر المختلفة‌ ،‌ بين ضمائر الرفع و ضمائر النصب المتصلة بالأفعال ، فلا يجترح ما يجترحه الناطق بغير الغربية من أخطاء في هذا المضمار : ( ساعدها ) قاصداً : ( ساعدتْ ) و ( ساعده ) قاصداً : ( ساعد ) . و لايخطئ الناطق بالعربية خطأ الناطق بغيرها ، فلايضع ضمير الرفع المنفصل مكان ضمير الرفع المتصل : سأل هم – سألوا ، كتب أنا- كتبتُ ، كتب هن – كتبن ) .
و زيادة علی ذلك ، يستعمل الناطق بالعربية استعمالاً صحيحاً ضمائر النصب المنفصلة ، و يُميّز بينها و بين ضمائر الرفع المنفصلة ، فلايقول ما يقوله الناطق بغير العربية من مثل : الأوراق التي أعطيتكم هي ) قاصداً : ( الأوراق التي أعطيتكم اياها ).
 
ج – الفعل المعتل
                  
من الملاحظ أن الناطق بالعربية ، عكس الناطق بغيرها ، لايخطئ غالباً في تصريف الفعل الأجوف و الفعل الناقص . اذ تُكسبه لغته الأم القدرة علی ردّ حرف العلة  " الألف " الی أصلها الواوي أو اليائي . فهو يقول في الماضي  : ( قلتُ ، قلنا ، قال ، قالتْ ، ... )دون خطأ. فلا يقول : (قالتُ ، قالنا ، ... ) ، و يقول في المضارع ك ( أقول ، نقول ، تقول ، تقولين ، ...) دون خطأ . فلايقول : ( أقالُ ، نقالُ ، تقالُ ، تقالين ،...).
 و هكذا بالنسبة الی الفعل الناقص  و صيغه في الماضي و المضارع  ، فان الناطق بالعربية يعرفه معرفة تطبيقية ، و لكنّ الناطق بغيرها يجب أن يتعلّمه في إطار قواعد صرفية .
كما يعرف الناطق بالعربية معرفة تطبيقية ، أنّ الفعل ( سار ) مثلاً – يائي  لا واوي . فيقول ( سِرتُ ، سِرنا ، سِرتَ ، سِرتِ ، سِرتم ، ...) وفي المضارع يقول : ( اسير ، نسير ، تسير ، تسيرين ، تسيرون ، ...) و لايقول ) : سُرتُ ، سُرنا ، سُرتَ ، سُرتِ ، سُرتم ...) كما لايقول : ( سارتُ ، سارنا ، سارتَ،.... أسار ، نَسار ،.....)

د – صياغة فعل الأمر

الناطقون بالعربية في مرحلة الاكتساب اللغوي ، يعرفون معرفة ضمنية طريقة صوغ فعل الأمر في اللغة العريية ، يعرفون أنه يُشتقّ من المضارع، و يقومون بذلك بكل الاقتدار و نجاح .  فهم يعرفون أن الأمر من : ( كتب – يكتب ) هو : ( اُكتبْ ) ، والأمر من ( فتح – يفتَح ) هو : ( اِفتحْ )  ، والأمر من : ( جلس – يجلِس ) هو : ( اِجلسْ ) ، والأمر من : ( سافر – يسافِرُ ) هو : ( سافرْ ) ، و هكذا  .
 و مع ذلك ، فلو سألنا ناطقاً بالعربية : كيف تصوغ فعل الأمر في لغتك ؟ لكانت إجابته علی الأرجح  : لاأعرف. ( داود عبده ، دراسات في علم اللغة النفسي ، 59)
 إنني أری من اللازم أن نُعلّم الناطق بغير العربية طريقة اشتقاق الأمر في اللغة العربية ، لأنه يحتاج اليها كثيراً . بل إنه دونه لن يتعلم صوغ الأمر مطلقاً . يجب أن يُقال له في هذا : احذف صدر الفعل المضارع  ( أو ما يُسمی بحرف المضارعة ) ، ثم انظر الی الصوت الأول بعد الحذف ، فإن كان صامتاً متحركاً  ( متلواً بحركة ) كان الناتجُ فعلَ الأمر دون تغيير أو تعديل أو إضافة  : ( تُسافرُ -  سافرْ ) ، و إن كان صامتاً ساكناً ( متلواً بصامت آخر) أضف الهمزة المكسورة الی صدر الفعل  :
 
 ( تفتَحُ ← فْتحْ   ← اِفْتحْ ) ، ( تضرب ← ضْربْ ← اِضرِبْ ).
و لكن اِن تلت عينَ المضارع ضمةً كانت الهمزة المضافة مضمومة :
( تكْتُبُ ← كْتُبْ  ← اُكتُبْ ) .

رابعاً  : قواعد المركب (التركيب )
 
ينبغي التنبه الی أن التركيب الحاصل في كل من المقطع و الكلمة ، إنما هو تركيب لايتعدی المستويين الصوتي و الصرفي من اللغة . بيد أنّ المركب المقصود في هذا الموطن من البحث ، ينتمي الی مستوي آخر من المستويات اللغوية ، هو المستوی التركيبي .

     أ- المركب الوصفي

الطفل الناطق بالعربية ، قبل دخوله المدرسة ، عندما يُكْملُ مرحلة الاكتسلب اللغوي ، يكون قادراً علی استخدام قواعد المطابقة بين الموصوف و الصفة استخداماً صحيحاً لايخطئ فيه. اذ يطابق بينهما  من حيث التعريف و التنكير ، و التذكير و التأنيث  ، و الإفراد و الجمع ، فيقول : (  طالب مجتهد ، الطالب المجتهد ، طالبة مجتهدة ، الطالبة المجتهدة ، طلاب مجتهدون ، الطلاب المجتهدون ) . و لانجده يقول جملاً خاطئة ، كتلك العبارات التي تكثر في الأداءات الشفوية و الكتابية للطلاب الناطقين بغير العربية ، من مثل ، ( قلم الجديد لي ، الكتاب أخضر في الحقيبة ، أحب الركوب في السيارة الكبير ، أحب الطلاب المجتهد ، جاءت الطبيبات النشيطة ....) .
و أری  أنّ الطفل الناطق بالعربية يستخدم بشكل صحيح قاعدة أخری ، تتعلق بترتيب الصفة
و الموصوف . إذ هو يعرف معرفة تطبيقية أن الصفة تتبع الموصوف ( داود عبده ،60 ) فلايجترح أخطاء بعض الناطقين بغير العربية  من مثل :  ( هو طيب ابن ، هي طيب بنت ، صديقي مهم رجل ،...) .
ِانّ الدكتور نهاد الموسی يعتقد أنه من الضروري أن لاتحتوي كتب الناطقين بالعربية علی أي من تلك المكتسبات اللغوية ، لأننا إن فعلنا نكون قد شغلنا مساحة كبيرة من تلك الكتب، و أرهقنا الطلاب و معلميهم ، و أضعنا الوقت ، و هدرنا المال ؛ في أمور يعرفونها معرفة ضمنية ، و يطبقونها تطبيقاً صحيحاً . هذا إذا كنا مقتنعين بأن الهدف من درس النحو " تقويم اللسان عند الكلام ، و تقويم اليد عند الكتابة " .(نهاد الموسی و آخرون ، قواعد اللغة العربية ،8).
و إذا كان الناطق بالعربية ليس في حاجة الی أن يتعلم قاعدة ترتيب الصفة و الموصوف ، و لا أن يتعلم قاعدة مطابقة الصفة للموصوف من جهة التعريف و التنكير ، و التذكير و التأنيث ، و الإفراد و الجمع ، فانّ الناطق بغير العربية يحتاج اليها احتياجاً تاماً . و من جهة أخری يحتاج كلا الفريقين الی قاعدة مطابقة الصفة للموصوف من حيث العلامة الإعرابية .

ب‌-    المركب الاضافي

 من  القواعد التي يكتسبها الطفل الناطق بالعربية من لغته الأم ، و يتقن تطبيقها في الفصحی إتقاناً كاملاً ، القواعد المتعلقة بالمضاف و المضاف اليه . فهو يعرف أن المضاف يسبق المضاف اليه  ،( داود عبده ، 60 ) . فيقول : ( كتاب الطالب ) ، و لا يقول : ( طالب الكتاب ).
 كما يعرف أنّ المضاف لا يُسبقُ بدالة التعريف : (ال ) ، فيقول : ( باب السيارة مفتوح ) ، ولايقول  : ( الباب السيارة مفتوح ) ، أو : ( الباب سيارة  مفتوح ) .
يضاف الی ذلك أنه يعرف أنّ صفة المضاف لاتتبعه مباشرة ، بل تقع بعد المضاف اليه ، فيقول : ( فستان البنت الأحمر ) ، و لايقول : ( فستان أحمر البنت ) ، رغم أنه يقول : ( الفستان الأحمر) أو ( فستان أحمر ) عندما لايكون ( الفستان ) مضافاً. ( المصدر نفسه ).
 إنّ الناطق بالعربية يعرف أن المضاف قد يكتسب التعريف من المضاف اليه ، فيقول : ( أخذ سعيد قلم الطالبة الجديد ) ، ولايمكنه أن يقول : ( أخذ سعيد قلم الطالبة جديد ) .
هذه القواعد التي يعرفها الناطق بالعربية علی وجه الاكتساب ، لاععرف الناطق بغير العربية شيئاً منها ، و لابد له أن يتعلمها بأسلوب صحيح .

ج- العدد ( المركب العددي )

عادة ، الطفل الناطق بالعربية قبل أن يدخل المدرسة ، يُتقن بعض قواعد المركب العددي. إذ إنه يُفرّق بين العدد الأصلي و العدد الأصلي تفريقاً تطبيقياً صحيحاً . إنه يقول في العددالأصلي : ( أربعة  طلاب ، خمس بنات ، ستة كتب ،...) و في العدد الترتيبي : ( الطابق الأول ، الفائز الثاني ،المرة الخامسة ،.... ).
 و لكننا نشاهد متعلمي العربية من الناطقين بغيرها ، يُخطئون في المركب العددي ، و تشهد التجربة العملية هذه الأخطاء :
                  هذه الزجاجة الثلاث التي أشربها.
    و يقصد :( هذه الزجاجة الثالثة التي أشربها .)
               دخل المدرسة الطالب الأربعة .
  و يقصد :( دخل المدرسة الطالب الرابع . )
       ..........
اننا نلاحظ أن الناطق بالعربية يُطبّق تطبيقاً صحيحاً قاعدة كون معدود العدد (أو تمييزه ) جمعاً مع الأعداد (3-10) ، و مفرداً مع ما فوق العشرة من الأعداد. و لكنه تقصر هذه الأخطاء علی الناطقين بغير العربية .
 و لذلك من اللازم ،‌أن تحتوي هذه القواعد كُتُب الناظقين بغيرالعربية .

إن أهم ما يجب مراعاته في محتوی التراكيب اللغوي لمنهج اللغة العربية للناطقين بغيرها يتمثل في :

-    التدرج في تقديم التراكيب من البسيط الی المركب .
-    التدرج في تقديم التراكيب من السهل الی الصعب .
-    توزيع التراكيب و القواعد علی الدروس المقدمة في المحتوی ؛ بحيث لايستخدم التركيب الا بعد التأكد من استيعاب السابق .
-    الإكثار من التدريبات باستخدام التراكيب اللغوية .

خامساً : قواعد الجملة:

إنّ الجملة أكبر مركبات اللغة و منتهاها . و لعله بسبب من هذا ، يُنظر الی الجملة في الدرس اللغوي الحديث بوصفها الوحدة الأساسية للبحث ، ( ميشال زكريا ، بحوث ألسنية عربية ،ص51)، أو بوصفها أكبر وحدة يعرفها اللغوي ( صلاح الدين حسين، التقابل اللغوي ،ص113).
قد تكون الجملة أكبر وحدة للتحليل في كثير من الأحيان ) 173 , JOHN  Lyons) ،غير أنها تنطوي علی " وحدات نحوية " أخری أصغر منها . و تعامل اللغة هذه التجمعات علی أنها  " وحدات تركيبية " تساهم بوضوح في نظم الجملة . فالجملة ، في نهاية الأمر ، ليست حصيلة تفاعل مباشر بين الكلمات في الحالات كلها ، إنما تتفاعل الكلمات في بعض الأحوال لتدخل في مركبات ،‌تحكمها فيها علاقات خاصة . و تتحد هذه المركبات بعضها بعضاً‌ ،‌و مع المكونات الأخری ، بغية انتاج الچملة .
صحيح أن الجملة سلسلة من المكونات تتفاعل فيما بينها كي تؤدي المعنی الواحد المنشود ، وأنّ‌ هذا التفاعل يقوم علی أساس من النظام النحوي . ( مصطفی حميدة ، نظام الارتباط و الربط في تركيب الجملة العربية ، 131) ، إلا أنّ مكونات الجملة المتفاعلة  " لاتكون جزئيات مستقلة في صورة كلمات فقط ، بل قد تكون جزئيات مركبة . ( محمد ابراهيم عبادة ، الجملة العربية ،27).

 في تعليم قواعد الجملة لمتعلمي العربية من الناطقين بغيرها ،‌ يجب أن نتفق ، و لو من بعض الأوجه ، مع منهج من مناهج النظر اللغوي الحديث ، و هو منهج  " التحليل الی المكونات المباشرة  " و هو منهج يقوم بتحليل الجملة ، و لكن ليس بوصفها مؤلفة من كلمات متتابعة مرصوفة بعضها بجانب بعض أفقياً ، بل بِعَدّها نسقاً منظوماً علی نحو مخصوص ، نری فيه الجملة مؤلّفة من مكونات بعضها أكبر من بعض ، الی أن يتمّ تحليلها الی عناصرها الأولية من الكلمات .( نهاد الموسی ، نظرية النحو العربي ، 29).
 و لذلك يُعتمد هذا المنهج ، في بداية التطبيق ، علی تقسيم الجملة الی جزأينِ رئسيين ، ثم يُقَسّمُ كل جزء منهما الی جزأينِ‌ ، و هكذا حتی يصل التحليل الی أصغر الوحدات اللغوية ، و هي الكلمة .(محمد ابراهيم عباده ،190) .
على هذا الأساس ، فالترابط في الجملة ليس بين الكلمات المفردة، بل بين المكوّنات الجملية.و هذا يعني أنه ليس ترابطاً طولياً كما يقول بعض السلوكيين ، بل انه ترابط هرمي. ( متقي زاده ، ص3).


3-    التدرج في تعليم المادة اللغوية

يُعدّ التدرج في تعليم اللغة أمراً طبيعياً يتماشی مع طبيعة الاكتساب اللغوي نفسه ، و لذلك لابد من أخذ هذا العامل بعين الاعتبار مع مراعاة العناصر الأساسية الآتية :
3/1  السهولة :
  التدرج من السهل الی أقلّ سهولة أمر طبيعي و ضروري في عملية التعلم ، إذ يرتقي المتعلم في اكتساب مهاراته اللغوية من العناصر اللغوية التي يسهل عليه استيعابها و استعمالها الی العناصر المجردة التي تتطلب نضجاً أكثر .
     3/2   الانتقال من العام الی الخاص :
    تهتدي العملية التعليمية بهذا المبدأ ، و تعمل علی تطبيقه في أي عملية تسعی الی اكتساب المتعلم مهارة لغوية معينة . و لهذا يجب أن تدرس القاعدة العامة قبل الخاصة التي ترتبط باجراءات تحويلية معينة ، و تدريس الألفاظ التي لها علاقة بموجودات محسوسة قبل الألفاظ التي لها علاقة بإحالات مجردة ، و التراكيب البسيطة قبل التراكيب المعقدة .
    3/3  تواتر المفردات
   مما لا شك فيه ، هو أن الألفاظ التي تشكل القاعدة المعجمية في اللغة و تختلف فيما بينها من حيث درجة تواترها ، فهناك ألفاظ تتواتر في الأداء الفعلي للكلام بدرجة أكثر من سواها ، و هي الألفاظ التي تنعت عادة بالألفاظ الأساسية ، و لذلك فإن التدرج في تعليم اللغة يقتضي بالضرورة الاهتمام بمبدأ التواتر أثناء وضع البرامج التعليمية للغة ما .

 4- عرض المادة اللغوية
 
  انّ لعرض المادة اللغوية دور هام في إنجاح العملية التعليمية ، و أستاذ اللغة مؤهل بحكم تكوينه الأولی لإتقان العرض و التقديم . ( أحمد حساني ، 2000، ص146) و لتحقيق ذلك لابد من أن يطرح علی نفسه الأسئلة التالية :
1-    ما هي الوسيلة الناجعة لعرض المادة ؟
2-    ما هي العناصر اللسانية التي يجب التركيز عليها في عرض المادة ؟
3-    كيف يمكن لي تبسيط إدراك العلاقة بين الدال و المدلول لدی المتعلم ؟

تشكل الإجابة عن هذه التساؤلات وعياً عميقاً لدی معلم اللغة في وضع استراتيجية لعرض مادته و تقديمها ، و لذلك يجب التركيز أساساً علی الخبرة أو المهارة اللغوية المراد تعليمها للمتعلم من خلال عرض المادة اللغوية المنتقاة . و من ثمة فإن منهجية عرض المادة التعليمية حتی تكون ناجعة يجب أن تتوافر فيها العناصر التالية : ( المصدر نفسه )
-    تحديد نظام اللغة المراد تعليمها .
-    مراعاة مراحل التدرج في تعليم لغة معينة .
-    مراعاة المقاييس اللسانية و النفسية لترتيب هذه المراحل .
-    ضبط الوحدات الأساسية المكوّنة للعرض .
-    تقسيم الوقت بين هذه الوحدات.
و من ثمة‌ فإن عرض المادة التعليمية يشكل أساساً من الأسس التي يوضع عليها البرنامج الدراسي ، و لاتتحقق أهداف هذا البرنامج إلا بالعرض الناجح للمادة اللغوية ، و هي المادة التي تتضمن بالضرورة الخبرات التالية :
 - اكتساب النظام الفونولوجي للغة ( الجانب الصوتي في اللغة ).
 - إدراك العلاقات الدالة المكونة للنظام اللساني .
 - إدراك العلاقة بين الكلمة و ما تحيل اليه في الواقع الحسي .
 - إدراك العلاقة بين البنية المورفولوجية ( الصرفية ) و النظام الفونولوجي للغة ( الصوتي)
 - إدراك آلية التركيب و التأليف .
 - إتقان القراءة و الإملاء .
 - إمتلاك آلية الحوار و الخطاب الشفوي و الكتابي .
غير أن هذه الخبرات لا يكتسبها المتعلم بسهولة و بسرعة إلا اذا كانت مؤسسة علی مقومات علمية تستمد أصولها من النظرية اللسانية بعامة و اللسانيات التطبيقية بخاصة .                


خاتمة البحث

لايمكن تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها الا من خلال منهج علمي ، معدّ علی أسُس واضحة و بطريقة‌ منظمة ،‌ و مكون من عناصر محددة ، إذن من الواجب أن نُلقي الضوء علی الأسس العلمية لتصميم منهج تعليم اللغة العربية لمتعلميها من الناطقين بغيرها ، و تحليل مهام التعلم ، و تطوير الإستراتيجيات المناسبة له ، مع الإشارة الی كيفية تصميم المقرر، و تصميم وحدة الدرس .
انّ المشكلة الحقيقية في مجال تعليم العربية للناطقين بغيرها قد تعود الی :
-    ندرة توافر منهج محدد واضع الأهداف ، مع غياب تصور واضح لأسسه النفسية و الثقافية .
-    ندرة المواد التعليمية المقدمة لمتعلمي العربية من الناطقين بغيرها ، مع قلة استخدام الاستراتيجيات الحديثة المناسبة لهم .
-    ندرة توافر المعلم الجيد ، المعدّ لغوياً  ،و تربوياً ، و ثقافياً .
-    ندرة اختيار المحتوی اللغوي و الثقافي و تنظيمهما ؛ لتحقيق الأهداف ، بما يشبع الحاجات العملية للدارسين .
فلذلك يهتم تنظيم المحتوی بتنظيم مهام التعلم في سلسلة متتابعة متكاملة بحيث تنسج خيوطاً متنوعة و متكاملة من المعارف و المهارات و الخبرات . . تنظم في أجزاء ، بحيث يحتوي كل جزء علی وحدات ، ثم مجموعات ، ثم نوعيات ، ثم كميات

المصادر و المراجع


1-     ابراهيم عباده ، الجملة العربية : دراسة لغوية نحوية ، منشأة المعارف ،‌الاسكندرية ،1988م.
2-    أحمد حساني ، دراسات في اللسانيات الحديثة : حقل تعليمية اللغات ،ط1، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر، 2000.
3-    داوود عبده ،دراسات في علم اللغة النفسي ،ط1 ، مطبوعات جامعة الكويت ، 1404ھ – 1984م .
4-    داود عبده ، نحو تعليم العربية وظيفياً ، ط2، دارالكرمل للنشر و التوزيع ، عمّان ، الأردن، 1990م.
5-    دوجلاس براون ، مبادئ تعلم و تعليم اللغة ، ترجمة: إبراهيم بن أحمد القعيد وعيد بن عبد الله الشمري ، مكتبة التربية العربي لدول الخليج، 1414 ھ / 1994 .
6-    رشدي أحمد طعيمة ، دليل عمل في إعداد المواد التعليمية لبرامج تعليم العربية ، جامعة أم القری ، معهد اللغة العربية ، وحدة البحوث و المناهج ، مكة المكرمة ،‌1406 ھ / 1985م
7-    رشدي أحمد طعيمة ، تعليم العربية لأغراض خاصة ، المنظمة العربية للتربية و الثقافة و العلوم ، معهد الخرطوم الدولي لتعليم اللغة العربية ، الخرطوم ، 1423/ 2003م .
8-    صلاح الدين حسين، التقابل اللغوي و أهميته في تعليم اللغة، دار الكتاب ،بيروت ،د. ت.

  9 -  عاتكة أحمد محمد التل ، تحليل الأخطاء الكتابية لدی متعلمي اللغة العربية من غير الناطقين بها ،جامعة اليرموك ، 1989 م .
10- عبد الرحمن الحج صالح ، أثر اللسانيات في النهوض بمستوی مدرسي اللغة العربية       ،‌مجلة اللسانيات ، العدد الرابع ، جامعة الجزائر ،السنة 1973 .
11-      علي أحمد مدكور، تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها ، ط1، دار الفكر العربي ، القاهرة ، 2006 م .
12-    عمر يوسف عكاشه ، النحو الغائب ،ط1،المؤسسة العربية للدراسات و النشر ، بيروت،
      ، 2003م.
13-     قدور ، مبادي اللسانيات ، ط1، دار الفكر- دمشق ، دارالفكرالمعاصر،بيروت،  1416/1982م.

  14-   متقي زاده ،عيسى ، البنية السطحية و المضمرة في التركيب الاضافي و الوصفي  وأثرها في تعليم اللغة ، مجلة الجمعية‌الايرانية للغة العربية و آدابها ،العدد الحادي عشر.
   15-    مصطفی حميدة ، نظام الارتباط و الربط في تركيب الجملة العربية ، ط1 ، الشركة المصرية العالمية للنشر ، لونجمان ، مصر، مكتبة لبنام ناشرون ،بيروت ،1997.

16-     ميشال زكريا، بحوث ألسنية عربية، ط1 ،المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر و التوزيع،بيروت، 1412 ھ/1985م.
17-     نايف خرما و علي حجاج ، اللغات الأجنبية تعليمها و تعلمها ، سلسلة عالم المعرفة :126،الكويت ، 1408 ھ ،1988م.

18-     نهاد الموسى، اللغة العربية و أبناؤها،أبحاث في قضية الخطأ و ضعف الطلبة في اللغة العربية ،ط2، مكتبة وسام ، مرج الحمام ، عمّان، 1401 ھ/1991.


19-     نهاد الموسى ، نظرية النحو العربي في ضوء مناهج النظر اللغوي الحديث، ط2، دار البشير ، عمّان، الأردن، مكتبة وسام، الأردن،عمّان، 1408 ھ /1987م
    20- نورمان ماكنري ، فن التعليم و فن التعلم ، ترجمة أحمد قادري ، مطبعة جامعة دمشق، 1973م .


21-                  ladia  white   ,    universal  grammar  and second  language acquisition  ,John Benjamins      Publishing   Company  ,   Amseardam- pheladelphia, 1955
 
22-   s.p.corder,The Significance of learner s Erros,in : John Schumanna  and    Nancy Stenson (eds ) New  Feonteirs In second Language  Learning ,  Newbury  house Publishers, Rowley