إنقاذ القانون المنظم لأكاديمية اللغة العربية من التحنيط

بلال التليدي

لا نحتاج اليوم أن نذكر بالمقتضيات الدستورية التي تنص على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة، وتحمل الدولة مسؤولية حمايتها وتطويرها وتنمية استعمالها، كما لا نحتاج أن نعيد الكلام حول المسارات القانونية التي اتخذت في سبيل إخراج أكاديمية محمد السادس للغة العربية، بدءا من تنصيص الميثاق الوطني للتربية والتكوين عليها، وانتهاء بالمصادقة على القانون المنظم لهذه الأكاديمية سنة 1999، وصدوره بالجريدة الرسمية في يوليوز 2003.

أين المشكلة اليوم؟ وما السبب الذي يقف وراء تأخير إخراج هذه الأكاديمية؟

طبعا الأمر لا ينفصل عن ساحة التدافع اللغوي، والتي تستعمل فيها كل الأسلحة من أجل الإبقاء على الوضع القائم الذي تحتل فيه اللغة الفرنسية المكانة التي لا يبررها اي نص دستوري أو مقتضى قانوني، ضدا على دستور فاتح يوليوز الذي يمنح صفة الرسمية فقط وعلى سبيل الحصر للغة العربية والأمازيغية.

في مسلكيات تحنيط القوانين، أو رميها إلى مقبرة النسيان، هناك آلية معروفة عند القانونيين، تقول:"إذا أردت أن تعطل إخراج أي قانون، فاربط بعض بنوده بنصوص تنظيمية"، وهو الأمر الذي حصل مع القانون المنظم لأكاديمية اللغة العربية، الذي لم تتحمل أي جهة لحد الآن مسؤولية إخراج النصوص التنظيمية التي تبعث هذا القانون وتحرر قدرته على إنتاج أثره، وحصل أيضا مع القانون الذي يمنع التدخين في الأماكن العامة، ويحدث مع قوانين أخرى شبيهة.

والواقع، أن هذه الآلية التي كان دائما ما يلجأ إليها لإقبار القوانين، أو على الأقل ترك مسافة زمنية للتفكير في أثرها المفترض، لم تعد مع دستور فاتح يوليوز ممكنة، وذلك لاعتبار الأولوية التي أعطاها للمسألة اللغوية وواجب النهوض باللغة العربية والأمازيغية، ولاعتبار دخول المغرب في عهد جديد يقطع مع مسلكيات تعطيل القوانين خدمة لأجندات خاصة، ولكون الدستور منح إمكانية للمجتمع المدني أن يقدم العرائض بهذا الشأن حتى يمنع أي نكوص إلى هذه المسلكيات القديمة، وهو عين ما قامت به مؤخرا أكثر من مائة جمعية من المجتمع المدني تطالب بإخراج هذه الأكاديمية إلى حيز الوجود.

المشكلة اليوم واضحة لا غموض فيها ولا إبهام، فالأمر لا يتعلق بالإمكانيات البشرية واللوجستية والمادية كما يرى البعض، وإنما يتعلق بجهد تشريعي متواضع، لم يتم إلى اليوم سد ثغرته، ولم تقم الحكومة بدورها في تقديمه وإنهاء مأساة أكاديمية اللغة العربية التي دامت قرابة عشرين سنة.

إن الجهد الذي بذل لإخراج القانون المنظم لأكاديمية اللغة العربية حتى خرج في تلك الصورة المدققة، لا يستحق أن يرمى في مقبرة القوانين ويحرم المغرب أهم الآليات الضرورية المعتمدة لتحقيق مقتضيات دستورية تهم حماية اللغة العربية وتطوير استعمالها، فقط لأن الأمر يتطلب نصا تنظيميا بسيطا يحدد طريقة تعيين الأكاديميين والممثلين للأكاديمية كما هو منصوص في المادة السادسة من هذا القانون مثلا، هذا في الوقت الذي أخرجت الحكومة نصوصا تنظيمية اشد تعقيدا وحساسية.

نأمل، أن يتم الاحتفاظ مؤقتا بالتحليلات التي تعزو سبب تأخير إخراج أكاديمية اللغة العربية إلى اعتبارات التدافع اللغوي في المغرب ورغبة بعض الجهات تأمين هيمنتها اللغوية، وأن يتم إزالة أدوات التحنيط من يد الذين يعملون على ألا تقوم للغة العربية قائمة، وأن يتم التوجه إلى إزالة العوائق القانونية، باقتراح النصوص التنظيمية المطلوبة، وإنقاذ القانون المنظم لهذه الأكاديمية من مقبرة القوانين.

إنه مع دستور فاتح يوليوز، لم يبق هناك أي عذر يبرر تحنيط هذا القانون، خاصة وأن مسؤولية الدولة بمقتضى هذا الدستور ثابتة في حماية اللغة العربية وتطويرها وتنمية استعمالها، وهو الشيء الذي لا يتأتى إلا بإخراج أكاديمية اللغة العربية التي اعتبرها القانون المنظم في مادته الثانية "مرجعية عليا في مجال النهوض الفاعل باللغة العربية وضمان تطورها ومواكبتها للمستجدات في البحث العلمي واللغوي والتربوي والتكنولوجي والحرص على سلامة استعمالها وضبط قواعدها والحث على تعميم استعمالها في جميع المرافق العامة".

حركة التوحيد والإصلاح