اللوح والقلم كتاب تعليم القراءة والكتابة باستخدام الطريقة العمانية القديمة
سجا العبدلي
في خضم استعراضنا لما يحتويه كتاب (اللوح والقلم) للدكتور خلفان بن ناصر الجابري لا بد من الإشارة أولاً إلى الأهمية الكامنة وراء عمل كهذا العمل تفتقر إليه المكتبة العُمانية بشكل خاص والمكتبة العربية بشكل عام. فهذا الكتاب الفريد يحفظ التراث العماني ويمكن اعتباره أول كتاب في عمان يوثق طريقة التعليم العُمانية التي كانت تطبق في مدارس تعليم القرآن الكريم لمئات السنين ولربما أكثر. هذه الممارسة لم توثق من قبل رغم أن الطرق التي ذكرها الكاتب موجودة في الدول العربية لكنها أيضا غير موثقة وغير منشورة، ما عدا ما يسمى بطريقة القاعدة النورانية. وفي عُمان لا يوجد أبداً أي كتاب تحدث عن طريقة التعليم هذه بكل تفصيلاتها وألقى الضوء عليها من جديد. وعليه يمكن اعتبار هذا الكتاب كمرجع للمهتمين ومعلمي اللغة العربية، وأي شخص مهتم بالتراث العماني وأيضاً ممكن أن يستعمل خارج نطاق عمان من قبل المهتمين باللغة العربية. وفيه تحدث الكاتب عن الطريقة التركيبية «الجزئية» التي كانت مستخدمة في شبه الجزيرة العربية والتي اطلق عليها اسم « طريقة الإعراب» .
وهنا يؤكد الدكتورالجابري أن هذا الكتاب «يؤصل ويقنن لطريقة تعليم القراءة في عُمان قديما ويؤسس قوانينها وقواعدها تأسيساً علمياً مسترشداً بعلوم الأصوات اللغوية والصرف والعروض والعلوم التربوية» وان هذا الكتاب «يبين أن الحضارة العمانية كان لها سبق في استخدام المفاهيم الصوتية في عملية التعليم والتعلم ونقل هذه المفاهيم نقلة نوعية تجاوزت الإطار المفاهيمي إلى الجوانب التطبيقية. وأن طريقة الهجو التي استخدمها العمانيون تعتبر طريقة فريدة من نوعها في دراسات علم الأصوات اللغوية والدراسات التربوية العربية فلم تشر أي من هذه الدراسات إلى وجود نظام صوتي إيقاعي للكلمات العربية قائم على مقاطع حرفية أساسها عدد حروف الكلمة وتم استخدامه في عملية التعليم والتعلم وهو أيضا يضيف علمين جديدين لعلوم اللغة العربية والعلوم التربوية هما علم الهجو وعلم الإعراب. ويقدم مصطلحات جديدة في الدراسات الصوتية واللغوية والتربوية العربية لم تسبق الإشارة إليها كعلم الهجو والتقطيع الحرفي والوزن الحرفي.
احتوى هذا الكتاب على مقدمة و3 فصول، وفي مقدمة الكتاب استعرض الكاتب بشكل موجز تاريخ التعليم موضحاً أن «قبل عام 1970 كان الأطفال يتعلمون القراءة والكتابة وتعاليم الإسلام في الكتاتيب التي كانت تعرف بمدارس تعليم القرآن الكريم، حيث يذهبون إليها بعد شروق الشمس إلى وقت صلاة الظهر. وبعض الكتاتيب كانت تدرس الأطفال يومياً على مدار فترتين صباحية تبدأ من شروق الشمس حتى وقت صلاة الظهر، ومسائية بعد صلاة العصر حتى غروب الشمس.» مؤكدا في الوقت ذاته أن هذه الكتاتيب لم تتوقف في عصر النهضة العمانية الحديثة بل تغير الشكل الذي ظهرت به بسبب تطور أساليب التعليم وتحولت بذلك إلى مدارس لتحفيظ القرآن الكريم أو لرياض أطفال تعلم مبادئ القراءة والكتابة وتعاليم الإسلام ومبادئ القراءة والكتابة وتعاليم الإسلام ومبادئ الرياضيات والعلوم باتباع الأساليب التربوية الحديثة المتبعة في النظم التعليمية.»
وفي المقدمة أيضا أشار الكاتب إلى الصعوبة التي واجهته حين قرر العمل على هذا الكتاب ولخصها بالقول إن الصعوبة تكمن في لم شتات هذه الأساليب فالطريقة العمانية المتبعة قديماً في تعليم القراءة والكتابة في الكتاتيب قد بدأت في التلاشي والاندثار وما عادت تستخدم في كثير من محافظات السلطنة كما أن كثيراً من المعلمين الذي استخدموها وافتهم المنية ولم يتبق منهم إلا القليل ولم يعد يذكر منها إلا النزر اليسير.
تناول الفصل الأول من هذا الكتاب التمهيد والمنهجية العلمية التي اتبعها الكاتب خلال خمس سنوات لتوثيق الطريقة العُمانية واستكمال نواقصها. وشمل بحثه 19 معلما و4 أشخاص من الذين تعلموا بهذه الطريقة فكتب عن المنهج التاريخي وهو المنهج المستخدم لجمع الحقائق التاريخية من خلال دراسة أحداث الماضي وتجاربه وفحصها وتحقيقها وترتيبها وفقا لقواعد معينة. وأيضا المنهج الوصفي وهو المنهج المستخدم لدراسة الظواهر كما هي عليه في الواقع ووصفها وصفا تفصيلياً يعبر عنها كماً وكيفاً.
أما الفصل الثاني فجاء في الحديث عن القراءة والكتابة في مدارس تحفيظ القرآن الكريم ومفهومها وطرق تعليمها بشكل عام وأهم كتب القواعد في تعليم القراءة والكتابة باستخدام القرآن الكريم. وهي: القاعدة البغدادية، القاعدة النورانية، القاعدة المكية، والأبجدية.
وفي الفصل الثالث بحث الكاتب في مستويات الطريقة العمانية القديمة في تعليم القراءة والكتابة. وكان المستوى الأول هو تعليم حروف اللغة العربية من خلال مراحل أولها قراءة الحروف وكتابتها وثانيها إنشاد الحروف وأخيراً من خلال عملية دمج الحروف. وفيما يخص المستوى الثاني فكان عن «الهجو» وهو مصطلح مأخوذ من الهجاء أو التهجئة. وهو عبارة عن ممارسة بمعنى طريقة تفكيك للكلمات في النص القرآني. هذه الممارسة هي في الأصل نظام بني على قواعد دقيقة جداً الأمر الذي اضطر المؤلف إلى أن يقوم بتحليل كل المادة التسجيلية التي جمعها من أجل هذا الكتاب. ومن بعد ذلك وضع لها مكنونات وأسس وهي: الوقفات، التقطيع الحرفي، الوقفات، الوزن الحرفي، النبر، الارتكاز، التنغيم، التزمين، الإيقاع.
اما المستوى الثالث فهو «الإعراب» وفيه بحث في إحياء طريقة الإعراب وتأسيسها. وفي عُمان اُستخدم مصطلح الإعراب ليعني الطريقة التركيبية والجزئية وفيه استعرض الكاتب لثلاثة أشكال لطرق الإعراب بكل تفصيلاته الدقيقة وحدد مفهوم طريقة الإعراب ومكوناتها والفرق فيما بينهما. وفي الختام عاد الكاتب للتأكيد على أن هذا الكتاب يقدم للعلوم التربوية علمين آخرين يمكن الاستفادة منهما في تعليم اللغة العربية وتعلمها لا سيما إذا تم استخدام الأساليب التكنولوجية الحديثة وتطوير برامج وتطبيقات تربوية في هذين العلمين لتتلاءم مع التوجهات الحديثة في التربية. ولذلك فإنه من الضروري الاهتمام بها والاستفادة منهما في عملية التعليم والتعلم وتحقيق الوعي الفونيمي والصوتي والنهوض بالمستوى القرائي والكتابي للطلاب والتغلب على الصعوبات القرائية والكتابية التي تواجههم.»
المؤلف في سطور:
د. خلفان بن ناصر بن خلفان الجابري: حاصل على بكالوريوس في التربية بتخصص طرق تدريس اللغة العربية- جامعة السلطان قابوس، والماجستير في تخصص التعليم العالي -جامعة مانشستر، والدكتوراه في تخصص التعليم العالي – جامعة ديكنن. يعمل حالياً أستاذاً مساعدا في كلية التربية بجامعة السلطان قابوس.
عُمان
|
|
|