هكذا كانت البداية... اقرأ واستمتع

أ.د. يحيى جبر

متى وكيف ظهرت كلمتا أم وأب؟ بدأت الحكاية بكلمة" أم " لأنها ظهرت للوجود قبل كلمة الأب؟ ماذا تقول؟ نعم. سبقت كلمة الأب. أسمعك تقول: وهل كنت شاهدا؟ فأقول: ذلك لو كانت تحتاج إلى شاهد؛ أو كانت الشمس بحاجة لدليل في رابعة النهار. يخرج الإنسان من بطن أمه إلى حضنها؛ حيث الملعب والدفء واللبن. يهتدي بالفطرة الإلهية لثديها، يلتقم حلمته، يمتص اللبن، ولسان حاله يلفظ الميم أثناء الرضاعة، وهو يمتصّ بشفتيه حلمة الثدي... الميم صوت الفطرة.... ضع مصاصة حلوى في فمك وجرب إن كنت لا تصدق. ستجد صوت الميم يخرج تلقائيا دون أدنى عناء،  والميم على ضعفها لا تحتاج إلى جهد ليصل صوتها إلى الأم؛ فهو ملتصق بها متحد، وإقامة الوليد في حضن الأم تستغرق وقتا يكفي لترسّخ الصوت عنده وعندها للدلالة على تلك الحالة وطرفيها، ولما لم يكن ممكنا البدء بالساكن فقد أتى العرب قبل المبم بالهمزة فصارت" أم"، مثل "أنين" من النون؛ صوت المريض، والـتأوه من " آه " صوت المصدور، والتأفف من "ف" صوت المغتاظ.

حسنا وكلمة أب؟

في المجتمع البشري قديما لم يكن الأباء يجلسون في البيوت طويلا، بل كانوا يخرجون طلبا للرزق، وربما طال مكثهم خارج البيت، وهم يعودون مساء متعبين، ولا يجلسون قريبا من الصغار، أي أن مكان الأب يكون أبعد من مكان الأم ،  وفي هذه الأثناء يكون الطفل قد أصبح واعيا بعض الشيء. فيتساءل: من هذا الجالس هناك؟ صوت الميم لا ينقل إليه الرسالة، من أنت؟ لو كنت في حضنه لكان ممكنا... لا .. لا، حتى لو كنت في حضنه؛ ألديه ثدي يلقمني إياه..؟ إذا لا بد من قلب الميم إلى صوت انفجاري عساه يسمعني .. وجدته إنه ( ب ) وهي صورة أخرى للميم؛ ان فجارية، ثم أضافوا له همزة في أوله فإذا بكلمة " أب" تولد في عالم اللغة ليحار في شأنها العلماء، ولو دروا بهذا لما فعلوا.

ألم أقل لكم إن اللغة كيان معقد من مكونات الخوارزمية الإلهية المتمثلة في ابن آدم