في زمن الإعوجاج اللغوي للشباب: العربية فخرنا فلنحافظ عليها ولننشء أبناءنا على حبها

منى توتنجي


اللغة الغربية هي لغة القرآن الكريم... ولغة حضارة الأمم... وان كل شعب مرهون بلغة قوة وضعفاً رقياً وانحطاطاً وان تطور الأمم وازدهارها الحضاري والعمراني يتوقف على نمو لغتها وازدهارها واستيعابها لمعارف العصر ومقوماته العلمية والفكرية والإبداعية.
وان ما يحدث اليوم للغة العربية ما هو إلا انعكاس حقيقي وواقعي لما تعاني منه الأمة العربية من تدهور أوضاعها الإجتماعية والإقتصادية والسياسية، وهذا الأمر جعل النخبة من أبناء هذه الأمة تهاجر إلى لغات الأمم، لاعتقادهم انها مصدر رقي وتطور مما جعلهم يتفاخرون وهم يمزجونها مع اللغة العربية في أحاديثهم، وكأن اللغة العربية وحدها لا تكفي لتحقيق المطلوب... ولعل السبب في ذلك يعود إلى حالة القصور المستشري من وسائل التعليم وانصراف وسائل الاتصال الإعلامي عن هدفها الأساس والتفاعل الكامل مع وسائل التقنية الحديثة... فهل فقد المجتمع لسانه العربي وما الأسباب وراء ذلك؟ هذا ما سنعرضه في تحقيقنا التالي.
حجازي
{ الشيخ الدكتور وفيق حجازي قال: إن ما نعايشه في مجتمعاتنا العربية من اختلال لموازين التعامل مع اللغة العربية  وتداخلها باللغات الأجنبية هو مما يؤسف له بل هو نذير شؤم كذلك  فكل أمة تعتز بلغتها وتعتبرها المنطلق الحضاري لها مع أنه لا يمنع من تعلمها لغات أخرى دون أن يكون  ذلك على حساب اللغة الأم ولكن المجتمع العربي أضحى مجتمعا تابعا لغيره  بل ومقلدا تقليدا أعمى في كل شيء وهذه في الحقيقة لغة الضعيف فاعوجاج اللسان في الحقيقة اعوجاج الحال حتى أننا نجد اللسان العربي  أصبح بعيدا كل البعد عن تلك الثروة اللغوية الحضارية التي لا توجد في أي لغة من لغات العالم  ويكفي أنها لغة القرآن الكريم بل ولغة أهل الجنة كذلك وهي لغة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم تلك اللغة الغنية بمفرداتها والتي لم يستخدم منها سوى ثلاثين بالمائة منها حتى أن الخليل بن أحمد الفراهيدي ذهب إلى أن الكلمات العربية هي مائة وعشرون مليون كلمة  والتي أضحت مشوهة ممجوجة بكلمات وألفاظ وأساليب  بعيدة عن قواعد اللغة ولسانها المبين ولا تتداول إلا على استحياء ولا تقال إلا في أروقة مغلقة  وإن أي أمة تريد أن تتقدم وترتقي ببنيها لا بد وأن تعتمد على لغتها التي بها تعتز ومنها ترتقي ولذلك كان العرب يهتمون باللغة العربية أيما اهتمام  حتى أنهم قعدوا لها القواعد والأساليب لتبقى محفوظة من لوكة الألسن وتداخل المفردات ولا يفهم القرآن إلا بلغته ولا يمكن الاستنباط منه إلا باللغة العربية حتى أن من شرط المجتهدين أن يكون عالما باللغة العربية لأنها في الحقيقة هي شعار الإسلام وأهله.
وعن مسؤولية المدارس في تعليم اللغة العربية رأى أن المنطلق الأساس هو البيت والمدرسة ومن هنا فإن مسؤولية المدارس مهمة وأساس لكنه وللأسف فإن اللغة العربية في المدارس والجامعات هي لغة لا تدرس لتطبق وإنما لرفع العتب فضلا عن أن مدرسيها في جلهم ليس لهم علاقة باللغة العربية وهذه هي الطامة الكبرى فلا يعقل أن يكون المدرس لمادة اللغة العربية لا يعرف النطق بها سليما ولا ينطقها على الأقل في محاضرته، على خلاف مدرس اللغات الأخرى إذ يشترط ألا يتكلم إلا بها في محاضرته وهذا ما لا نجده في تدريس مادة اللغة العربية، إضافة إلى طريقة التدريس التي لا تساهم والتعلق بها ونطقها ، حتى أن الداعية لا بد وأن يتقن اللغة العربية وأصول المخاطبة فضلا عن اتقانه للغات الأخرى فإن أخطا في خطابه وتوجيهه سقط من اعين الناس بل ويكون ذلك دليلا على فشله في دعوته لأنها لغة التواصل مع الآخر فإن عجز عن إتقانها أداء وأسلوبا وبلاغة كان ذلك تقصيرا وفشلا ذريعا في الدعوة بل وتنفيرا للمدعوين كذلك، ولا يمكن للغة العربية أن تدرس كعلم جامد ميت فهي علم حي متطور وإلا فلا فائدة مرجوة من خلاله ولن تتحقق الفائدة منه في هذا الوقت إلا بإعادة إحياء المجامع اللغوية وتحديث طريقة التدريس بما يتلائم والعصر لتعظم الفائدة ويكثر النفع ولن يكون إلا من خلال إعادة اللحمة للغة العربية وأبنائها.
وحول مسؤولية الاهل في اللغة العربية قال: تعظم مسؤولية الأهل في البيت إذ إنه يلزم التحدث باللغة العربية ولسانها المبين ولكنه للأسف حين يتكلم الأهل باللغة العامية أو بلغة أخرى ويتابعون على شاشات التلفاز القنوات الأجنبية التي لا تتكلم بالغة العربية بالتالي فلا يحصل الطفل المخزون اللغوي من العربية ويعتمد إذ ذاك تلقائيا على اللغات الأخرى إن لم يكن بالأحرى قد تركها تماما وهذا ما نشاهده في أبنائنا وخاصة ممن يعيش في بلاد الاغتراب بل وفي غربة الوطن في المدارس التي لا تعتمد على تدريس ونطق اللغة العربية .
وعن دور الإعلام وتأثيره على اللغة العربية: بين إن الإعلام شديد التأثير في رفع مستوى اللغة العربية وانحدارها واللغة العربية هي القالب الذي يضع فيه الإعلامي فكرته ورأيه وإن بعضا مهماً من وسائل الإعلام لها دور كبير في إحياء اللغة العربية الفصحى بحيث تمكن من التقريب بين الشعوب وتوحيد الأفكار ولذلك فإن الملفت والغريب في الأمر أن اللغة العربية كانت تعامل باحترام كبير حين كانت الأمية سائدة في مجتمعاتنا،وحين كانت أوضاعنا الثقافية ووسائل الطباعة والنشر والاتصال أكثر تواضعاً بكثير مما هي عليه الآن. ولكن حين تراجعت نسبة الأمية، وعمت المدارس والجامعات، وتقدمت وسائل الطباعة والنشر، لقيت اللغة العربية ذلك المصير البائس الذي صرنا بصدده.وهذا ما نلاحظه على كثير من وسائل الإعلام في لبنان وخاصة في برامجها الحوارية أمر شديد الخطورة بمكان ؛لأنه يلغي القواعد اللغوية ويمزج العبارات العربية باللاتينية دون ضرورة بل ويتكلم بالعامية بدلا من الفصحى وهذا ما يؤثر تماما على المجتمع بأكمله أو بأكثره.
وحول مدى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي واللغة العربية أجاب: كثر وللأسف على وسائل التواصل الاجتماعي الكتابة بالأحرف اللاتينية بدلا من الحروف العربية وبالأرقام بدلا من بعض الأحرف العربية وأصبحت المحادثات والحوارات  الكتابية تتم بحروف ومصطلحات بعيدة كل البعد عن اللغة العربية الفصحى وبدلا من أن تكون تلك البرامج والشبكات معينا خصبا للاستفادة من المصطلحات العربية إذ بها تعتمد على اللغات الأخرى وإنها في الحقيقة ليست إلا عنوانا للهزيمة النفسية وانبهارا بالغرب بكليته وانخلاعا  عن الانتماء للغة الأم لغة القرآن الكريم .
د. مرعشلي
{ في حين أشار الدكتور محمد مرعشلي استاذ في كلية الإمام الأوزاعي للدراسات الإسلامية إلى أن اللغة العربية تنحدر يوماً بعد يوم، وذلك لأسباب كثيرة أبرزها هجر الناس للقرآن الكريم الذي هو مرجعنا في اللغة العربية في قواعد النحو الصرف.. إضافة إلىعدم اهتمام المجتمع نفسه بها كلغة الأم في مقابل التأكيد على اللغات الأخرى كلغة العصر واعتبارها لغة الصفوة.
وعن دور الأسرة لفت ان التربية الإسلامية لا بد ان تمر عبر طريق العائلة الأب والأم الذين عليهم مسؤولية كبيرة في تجنيب ابنائها في اللغة العربية وتحدثهم بها، وعليها ان تخفى مظاهر تحدثهم مع ابنائهم باللغة الأجنبية في اغلب الأوقات، فهذا الإمام الشافعي الذي حفظ القرآن الكريم وهو صغير، فنحن لماذا لا نجعل ابناءنا يقتدون به، ولماذا لا نعلمهم القرآن الكريم، لافتاً إلى دور المدارس وطرقها في تعليم اللغة العربية والتي تركز في تدريسها على اللغات الأخرى، فنحن بحاجة إلى اللغات الأخرى دون الحط من مستوى لغتنا فعندما نتحدث عن ضعف مستوى اللغة العربية على ألسنة الناطقين بها وعندما نبحث عن الأسباب لا بد أن نعود للمراحل التعليمية وطرق التدريس التي تبدأ من المراحل التعليمية الأولى من قبل المدرسين أنفسهم مروراً ببقية المراحل التعليمية وصولاً إلى الجامعة وقد تعود هذه الأسباب إلى معلم اللغة العربية نفسه الذي يعاني من قصور في إعداده وقدرته على إيصال المعلومة وتقديمها بطريقة مبسطة ومحببة ولفت إلى ان هناك مشكلة أخرى تواجه الشباب بعد الانتهاء من الدراسة وهي ان أصحاب الأعمال يشترطون اجادة الإنكليزية للحصول على الوظائف في الوقت الذي لا نجد فيه اتقان العربية شرطاً للحصول على أية وظيفة مما يحث شبابنا على الابداع في تعلم لغة ثانية..
وأضاف وللأسف ان هناك احتجاجاً ثقافياً غربياً ووزارات التربية في دولنا الإسلامية لا تأخذ موقفاً من هذا الأمر كأن الأمر لا يعنيها فعندما يكون هناك قرار يتم الاصلاح وعن تأثر اللغة بفعل التكنولوجيا قال: اللغة لا تتأثر بل نحن نتأثر فالألفاظ العربية التي تكتب بحروف إنكليزية والتي انتشرت بفعل التواصل الإجتماعي فهي ليست سوى محاولة للقضاء على الهوية العربية وهذا الأمر مؤسف جداً.
ودعا الشباب إلى الرجوع إلى دينهم عندما يفهمون القرآن الكريم والسنّة النبوية، ويلمون بقواعد اللغة والنحو والصرف فهذا الأمر يرفع من مستوى اللغة العربية عند الأجيال.

اللواء