مدرسة المستقبل في عصر التّقانة المتطورة
د. نوال بنت سيف البلوشية
يشهد العصر الحالي تقدّمًا علميًا وتكنولوجيًا هائلًا في مختلف المجالات، نتج عنها تضخم حجم المعارف، وظهور العديد من المشكلات والصّعوبات الخاصة بعملية التّعليم والتّعلّم؛ أدت إلى ظهور العديد من التّصورات المستقبليّة لعملية التّعليم والتّعلّم في ظل الاتجاهات العالميّة المعاصرة في عصر الثراء المعلوماتيّ والتّقدم التّكنولوجي. ولما كان من الضّروري مسايرة العمليّة التّعليميّة تلك التّغيّرات؛ كان من الواجب تكاتف الجهود التّربويّة لمواجهة هذا الانفجار المعرفيّ التّقني، وايجاد الحلول المناسبة لتلك المشكلات والصّعوبات النّاتجة عنه .
وقد أكدت العديد من الدّراسات أنّ التّعليم لا يصل أقصاه في تحقيق الأهداف المنشودة منه؛ إلا عندما يكون المتعلم له دور نشط في الموقف التّعليمي، وذلك لا يتأتى إلا من خلال تنويع طرائق التّدريس وإستراتيجياتها وأساليبها؛ بحيث تتناسب مع تنوّع الأهداف التّعليميّة التّعلميّة ، وفق متطلّبات ومقتضيات العصر.
ولما كانت طريقة التّدريس تُعدُّ إحدى الأركان الرّئيسة ، في تحقيق أهداف العمليّة التّعليميّة التّعلّميّة في المنظومة التّعليميّة ؛ انبثقت العديد من طرائق التّدريس الّتي تبرز دور المتعلم كمحور أساس في العمليّة التّعليميّة التّعلّميّة بعد المعلم؛ لاستعمال النّشاطات الذّهنيّة والذّاتيّة المختلفة، الّتي تهدف إلى تشجيع الطّالب على البحث والاستقصاء والتّساؤل، فتجعله قادر على التّفكير العلمي والمنطقي سواء أكانت في إطار تحقيق متطلّبات الدّراسة أم في معالجة القضايا والمشكلات الّتي يواجهها في الحياة اليّوميّة بصورة تتماشى مع متغيرات العصر الّتي اتّصفت بالسّرعة.
ومن المنطلق السّابق أرى أن إستراتيجيّة الصّفّ المقلوب من الاستراتيجيّات الأساس في تشكيل مدرسة المستقبل الّتي تكون فيها التّقانة والتّكنولوجيا المحرك الأساسيّ في عجلة التّحول التّربوي ؛ باعتبارها المدخل الأساس بعد الطّاقات البشريّة في الحصول على المعلومات والمعارف المختلفة، ولعل مما يدل على أهميّة هذه الإستراتيجيّة ما أوصت به الدّراسات الّتي تناولتها مثل دراسة بتButt, 2014 ) ( ودراسة بلّ Ball, 2013 ) (؛ لما لها من أثر واضح في تفعيل دور الطّالب في تحقيق الأهداف المنشودة من العمليّة التّعليميّة التّعلّميّة، بتفعيل أكثر من إستراتيجيّة لدى الطّالب في الاستراتيجيّة نفسها كاستراتيجيّة التّعلّم النّشط، الّذي يجعل الطالب باحثًا مطلعًا مفكرًا للموضوع المتناول، وإستراتيجيّة التّعلّم التّعاوني الّذي يجعل الطّالب له دور فعّال في مناقشة أقرانه ومحاورتهم في تحقيق الهدف المنشود من الموضوع المتناول. كما تفعل هذه الإستراتيجيّة التّعلّم الذّاتي لدى الطّالب وفق الخطو الذّاتي له في التّعلّم مراعيًا الفروق الفردية له في تحقيق الهدف المنشود من عملية التّعلّم.
وإستراتيجيّة الصّفّ المقلوب ليست من الإستراتيجيّات الجديدة كيف ؟؟ عادة يطلب المعلم من الطّالب تحضير الدّرس بالمنزل قبل تناوله ومناقشته في الصّفّ من خلال قراءة الموضوع من الكتاب المدرسيّ ومصادر علميّة أخرى؛ لتسهيل عملية الفهم لدى الطّالب في الموضوع المطروح في الصّفّ، إذ تقوم فكرة هذه الإستراتيجية على قلب / عكس العمليّة التّعليميّة، فبدلًا من أن يتلقى الطّالب المفاهيم الجديدة بالصّفّ ثم العودة للمنزل لأداء الواجبات المنزليّة ، يتلقى الطاّلب محتوى الدّرس التّعليميّ بالمنزل من خلال إعداد المعلم مقطع فيديو مدته ما بين 8- 10 دقائق ومشاركته لهم في أحدى المواقع الإلكترونيّة التّعليميّة . بذلك يستطيع الطّالب دراسة المحتوى الجديد للدّرس في أيّ وقت في المنزل باستعمال جهاز الحاسوب أو باستعمال الهواتف الذّكيّة ، كما يمكن للطّالب إعادة مقطع الفيديو عدّة مرات ليتمكن من فهم المحتوى الجديد للدّرس، مع إمكانيّة تدوين ملحوظاته سواءٌ أكانت في فهمه للمحتوى التّعليميّ أم إخفاقه حتى يتمكّن الطّالب مناقشة المعلم فيها. وفي اليّوم التّالي يأتي الطالب للصّفّ ولديه الاستعداد الكامل لتطبيق ما تمّ تعلّمه مسبقًا في المنزل؛ بذلك يضمن الصّفّ المقلوب الاستغلال الجيد لوقت الحصّة، حيث يبدأ المعلم بتقييم مستوى الطّلبة في بداية الحصة ومراجعة ما تم تعلّمه في المنزل ، بعدها يقدم لهم مهام تتمثل في نشاطات صفيّة متنوعة بين مشاريع أو اختبارات قصيرة لتحقيقها في الصّفّ وهي بمثابة واجبات منزليّة يحققها الطّالب عند المعلم في الصّفّ بدلًا من المنزل.
إنّ دمج التّكنولوجيا في العمليّة التّعليميّة أصبح ضرورة عصريّة، وليس امتيازاً أو ترفاً، وهذا يستلزم العمل الجادّ لجعل التّكنولوجيا عنصرًا أساسيًا في التّعليم، بعدما أيقنّا أنّ التّعليم التّقليدي لا يتناسب مع جيل «الآي باد»، وأنّ طرائق التّدريس التّقليديّة أصبحت غير مجدية، ولا تثير شغف الطّالب نحو التّعلّم؛ كونها لا تنسجم مع بيئتهُ الحياتيّة خارج المدرسة، حيث تُشغل التّكنولوجيا فيها حيزًا كبيرًا، فأصبح هذا الجيل في حاجة لتسخير التّكنولوجيا، لإضافة الإثارة والتّشويق لعناصر البيئة التّعليميّة المتعددة منها المنهج الدراسي، والفصول الدّراسية، ووسائل التّواصل الفعالة – المسائل التّعليميّة- بين المعلم والمتعلّم، تلبيةً للاحتياجات الفرديّة والخاصّة لكلّ طالب في مجال التّعلّم.
لذا غدا الاستثمار التّعليميّ مع إطلالة القرن الحادي والعشرين– كأحد فروع علم اقتصاديات التّعليم – ميدانًا خصبًا لاستثمار طاقات الأفراد، وتوظيفها توظيفًا هادفًا يدّعم التّوجهات العالميّة نحو الارتقاء بالمنتج البشريّ في تحقيق الجودة الشّاملة في التّعليم. لو تأملت لوجد أنّ التّقانات الرّقميّة أحدثت ثورة في التّعليم مماثلة للثورة الصّناعيّة الّتي غيرت أحوال المجتمعات الزّراعيّة كافة. من هذا المنطلق تحتم ضرورة استثمار تعليم اللّغة العربيّة وتعلّمها في عصر التّقانة المتطورة باستراتيجيات تحقق الاستثمار في العمليّة التّعليميّة التّعلميّة، مع تفعيل دور الطّالب فيها لتحقيق الجودة الشّاملة في مخرجات التّعليم.
المراجع
بن ياسين، ثناء محمّد أحمد (2010). فاعلية تصور مقترح في ضوء متطلبات العصر قائم على التّعلّم الفردي الذّاتي باستخدام الموديولات التّعليميّة على التّحصيل الدّراسي وبقاء أثر التّعلّم في العلوم التّجريبيّة لدى طالبات الصّفّ الثّالث المتوسط. مجلة التّربيّة العمليّة، 2 ، مج13 ، (64-35).
الدّويخ، نورة (2013). طريقة تعليميّة تربويّة للمدارس: مفهوم الصّفّ المقلوب. من موقع المنتدى التّربوي للملكة العربيّة السعوديّة. تاريخ الاسترجاع 16/ 1/ 2013م.
الشّامسي، عبد اللّطيف (2013). صناعة التّعليم الفصل المقلوب. من موقع إمارات اليّوم .تاريخ الاسترجاع 4/7/2013م http://www.emaratalyoum.com/opinion .
- Ball,Nick . Dean,Douglasl. Kandalls (2013). Flipping the Classroom and Instructional Technology Integration in A college-level Information Systems Spreadsheet Course. Educational Technology Research and Development. 61 (4),580-563.
-Butt, Adam. (2014).Student Views on the Use of Lecture Time and their Experience with a Flipped Classroom Approach.Social Sciences: Comprehensive Works. Retrieved from ProQuest Central. 14-1-2014.
-Demski, Jennifer. (2013).6 Expert Tips for Flipping the Classroom. Campus Technology. . Retrieved from ERIC 30-7-2013.
-Fulton, Kathleen(2013). Upside down and inside out: Flip Your Classroom to Improve Student Learning. Retrieved from ERIC 30-7-2013.
|
|
|