
هل أسهمت وسائل الإعلام في تطوير لغتنا؟
أ. دوان موسى الزبيدي
بغض النظر عما تحاوله بعض القنوات في الفضاء المفتوح من اضطهاد لغتنا الأنيقة الصافية باستخدام لغة هجينة ممسوخة
تشوه وجه لغتنا الجميل ، استطاعت وسائل الإعلام الأخرى أن تسهم في تطوير اللغة ، وفتح نوافذها على اللغات العالمية
تقترض ما يناسب أساليبها ويتفق ونظامها سواء أكان في لغة الأدب أم في لغة الإعلام ؛فلغة الأدب بكل فنونه يجب أن تكون مصبوغة بالجمال والإيحاء، ولغة الإعلام بكل وسائله يجب أن تكون مصبوغة بالوضوح
والجاذبية، ويوضح الدكتور عبد العزيز شرف الفرق بين لغتي الأدب والإعلام بقوله:
"إن كل كلمة في اللغة الإعلامية يجب أن تكون مفهومة من جمهورالمستقبلين , لذلك يجب أن تعرض بطريقة جذابة تحقق يسر القراءة، أوالاستماع، وأما اللغة الأدبية فإنها تتضمن فنون التورية و ازدواج المعاني التي تؤدي إلى تداعي المعاني وخاصة في الشعر , فهي بعيدة تماماً عن لغة الإعلام لأنها تقطع تيار الاتصال الذي يجب أن يظل مجراه صافياً.وحين
ننظر في لغة الإعلام التي نستعملها اليوم في الاتصال بالجماهير ؛نجد أنها لغة مباشرة تصل إلى الهدف الذي نقصده بطريقة فورية, وتنصب عليه ؛فإنها تتخلى بالتدريج عن العبارات المقتبسة والألفاظ المحفوظة المتوارثة التي يعافها الذهن وتأباها روح المعاصرة , ومن هنا كانت لغة الإعلام هذه تؤثر أن تقول: عرض للبحث: بدلاً من عرض على بساط البحث ،و قاتل: بدلاً من خاض غمار القتال ،واشتد القتال: بدلاَ من حمى وطيس القتال، وانتهت الحرب: بدلاً من وضعت الحرب أوزارها، واشتد: بدلاً من حمى وطيس القتال، وصب الغضب: بدلاً من صب جام غضبه ونتحدث: بدلاً من نتجاذب أطراف الحديث
وأضاف الدكتور شرف قائلاً: " وشاع في لغة الإعلام ما يسميه الأستاذ أنيس ألمقدسي
بالمصطلحات المولدة الشائعة في الأوساط الكتابية الحديثة من صحف وسواها "...فمثلاً يقولون : أبعاد المسألة: أي جميع ما تتناوله ،أو تتعلق به ،وأتى على الأخضر واليابس: أي لم يبق شيئاً إلا قضى عليه، واحتج على كذا: أي أنكره ،وعدّه
ظلماً ،وأخذ المبادرة: أي سبق غيره في الكلام ،أو العمل ،وأكثرية مطلقة: مايزيد على النصف بواحد على الأقل".
ويمكننا القول بأن الصحافة وأجهزة الإعلام لها تأثير كبير في اللغة ؛فمن المؤكد أنها هي التي خلصت النثر العربي من الزخارف اللفظية كالسجع ،والطباق وغيرها من المحسنات التي كانت تعد عبثاً على التعبيرات، وأحلت محل هذا الأسلوب المزخرف - الأسلوب المرسل السهل السريع الذي يحرص على المادة الفكرية والعاطفية والتعبير عنها أكثر مما يحرص على
الزخرفة اللفظية وكان للصحافة فضل كبير - في كثير من الأ؟حيان - في إيجاد لغة الإعلام التي تجمع بين البساطة والجمال وسرعة الأداء والتعبير ،وهذه كلها عناصر جاذبة للمستقبلين..
هل أسهمت اللغة الإعلامية في تطوير اللغة العربية؟
نستطيع القول إن اللغة الإعلامية أسهمت في تطوير اللغة العربية عن طريق الكسب الخارجي ؛أي ما يتسرب إليها من لغات أخرى عن طريق الترجمة البرقية , ثم يتأصل فيها , ويصبح جزءاً ثابتاُ منها إضافة إلى كونها متجهة إلى الوضع اللفظي والمجازي والاشتقاق الاسمي .
ويتحدث الدكتور عبد العزيز شرف عن ذلك بقوله:
" إن الكلمة في الصحافة بالذات , توجد في كل مرة تستعمل فيها في جو يحدد معناها تحديداً مؤقتاً والسياق هو الذي يفرض قيمة واحدة يعينها على الكلمة على الرغم من المعاني المتنوعة التي يمكن أن تدل عليها ويخلص
السياق الكلمة من الدلالات الماضية التي تدعها الذاكرة تتراكم عليها ومن ذلك ما جرى في لغة الصحافة جرياناً طبيعياً من ألفاظ وأوضاع جديدة لمعان شتى فقليل مثلاً: فنان: للماهر في الفنون، ولم ترد أصلاً لهذا المعنى ..وتجول في البلاد: بدل جال وجوّل فيها، واكتشف الأمر: أي كشفه و أظهره لأول مرة ،و خابره: أي فاوضه أو بادله الخبر ومنه قلم المخابرات، وحكم على المجرم بالإعدام: أي بالموت , والإعدام أصلاً فقد المال، فحولوه إلى فقد
الحياة ،ونظام وحدوي: نسبة إلى الوحدة والقياس أن يقال وحدي، و مثلها كتلوي نسبة إلى كتلة , وكان الكتاب , والخطباء يقولون بحكم السليقة :ثوروي نسبة إلى الثورة , فعدلوا عنها مؤخراً إلى القياس المتكلف وصاروا يقولون
ثوري، وتكرير الشراب: أي تصفيته بتكرير نقله من حال إلى حال والمظاهرات الشعبية: أي ظهور الشعب معاً مناصرة قضية ما , وبعضهم يقول: التظاهرات والدعايات: لما يقابل " بروبا جندا " عند الأفرنج
وتأسيسا على ذلك وجدنا اللغة الإعلامية تتجه إلى الوضع اللفظي لمختلف المعاني والأغراض فأضافت إلى اللغة كثيراً مما لم تعرفه من قبل ,واستخدمت في ذلك " النعت " و" الاشتقاق " و قد زاد هذا الاتجاه اتساعاً إبان نهضتها الجديدة ومن الألفاظ الحديثة التي وضعتها وعممتها الصحافة مثلاً العضوية: أي الانتساب إلى جمعية أو هيئة ذات نظام خاص و المنطاد:
لما يعرف في الغرب بالبالون و الدراجة: وهي ترجمة للسيكلات والشيوعية: للنوع المعروف من النظام الاشتراكي والهاتف: للتليفون و المذياع: لآلة الراديو المذيعة و المأساة: للرواية المسرحية المحزنة و البستة: علم زرع
ويشير الدكتور شرف إلى أن اللغة الإعلامية تتجه إلى اتجاه
الوضع المجازي حيث يقول: كما اتجهت اللغة الإعلامية في اتجاه الوضع المجازي عن طريق توكيد إصلاحات مجازية للتعبير عن معاني خاصة مثل: القوة الضاربة: أي السلاح الكافي لضرب العدو و اجتمع المؤتمر على صعيد الوزراء: أي كان
مؤلفاً من وزراء الدول، وغسل يديه من المسألة: أي تبرأ منها و ضرب الرقم القياسي: أي تجاوز إلى حد أبعد، والسوق السوداء: السوق التي يتعامل بها خفية تهرباً من التسعير القانوني وهو صاحب الكرسي: أي رئيس المجلس
والشارع يناصر فلاناً: أي السوقة وعامة الناس وأخذ المبادرة: أي سبق غيره
في أمرما ، وانتهاك صارخ لحقوق الشعب: أي انتهاك واضح شديد ،وناطحات السحاب: للأبنية الشاهقة العلو ،وتوترت العلاقات بينهم: أي ساءت و اشتدت
"وصوت في الجلسة لفلان: أي كان من مؤيديه أظهر تأييده لفلان ".ويشرح الدكتور شرف بأن اللغة الإعلامية تتجه إلى الاشتقاق الاسمي أيضاً ؛حيث يقول: "كما اتجهت لغة الصحافة إلى الاشتقاق الاسمي عن طريق اشتقاق صيغ من أسماء خاصة من أمثلته: قنن: من القانون . نقول فنن الطعام أي تناوله بحسب قانون محدد . وموّل: من المال , مول المشاريع أي قدم المال
اللازم لها، وتطور: من الطور , فنظام التطور هو التقدم من طور إلى طور ،وعايد أو عيد: من العيد , احتفل بالعيد أو هنأ به وقيّم: من القيمة , تقيم الأشياء أي تقدير قيمتها، واستجواب: من الجواب , استجواب القاضي فلاناً :أي طلب منه الجواب وقد شاع اشتقاق وزن نفعها من أسماء المدن والبلدان ،والأمم والأعيان حتى آاد يصبح قياساً آقولهم تمصر أي اتخذ الجنسية
المصرية و تفرنس اتخذ الجنسية الفرنسية و هكذا تأمرك وتألمن وتعرب وتبلور وأشباهها و مثل ذلك المنسوبات إلى بعض الأسماء والصفات كقولنا:ماهية إنسانية – أهمية – مسؤولية – واقعية – تقدمية – و أشباهها". يضاف إلى هذا التعبيرات التي ترجمت حرفياً من مختلف اللغات مثل:
He washed his hands of it " مولدة و مترجمة ترجمة حرفية ومن ذلك: غسل يده من الأمر ؛فالذي لا مراء فيه أن معاجمنا الحديثة أرحب صدراً من القديمة في قبول شتى المولدات – أما الأستاذ ألمقدسي فيقول :"هذه المولدات
الصحيفة لم يتسع ميدانها في عهد كما اتسع عقب الحرب العالمية الأولى حين ظهرت هيئات لغوية رسمية فاضطلعت بهذه المهمة كالمجمع العلمي العربي في دمشق و مجمع اللغة العربية في القاهرة والمجمع العلمي العراقي ببغداد والمكتب الدائم لتنسيق التعريب في الرباط ".
نستخلص مما سبق إلى أن اللغة الإعلامية تسهم في تطوير اللغة العربية بمختلف السبل بما فيها الترجمة والاشتقاق والوضع اللفظي والمجازي والنحت والتوليد حيث أصبحت اللغة العربية أهم وسائل نقل الأفكار والمعلومات إلى الناس على المستويين الفردي والاجتماعي فضلا عن ذلك تتخذ مختلف الخطوات تجاه إعداد مختلف المعاجم والقواميس باللغة العربية ما يدل على أن اللغة الإعلامية لها دور مهم في تطوير وازدهار اللغة العربي؛ فكل عام ولغتنا الجميلة السمحة بكل خير وازدهار.
|
|
|