يوسف الصيداوي ... بطلاً
فجر يعقوب
لم يكن بوسع معظم الفضائيات العربية الدعوة للاحتفال بيوم اللغة العربية الذي مرّ قبل أيام، والسبب بسيط جداً، اذ كيف يمكن لمنابر اعلامية ترتكب «المجازر» على ألسنة مذيعيها بحق لغة الضاد، من أن تحتفل بهذا اليوم الذي تتقاسمه دول كثيرة... فهناك يوم للغة الروسية والصينية والفرنسية والإنكليزية الخ، لكنها لاتعاني من «الكسل» الذي فرض على اللغة العربية، وصارت تسبب إشكالاً في عمليات النحت اللغوي، وإمكان دخولها العالم الجديد وفق متطلبات العصر، كما سائر اللغات الحية.
ليس سراً القول ان اللغة العبرية الحديثة - مثلاً - هي من اللغات المنقرضة التي أعيد احياؤها وتحميلها من نصوص ايديشية قديمة، لغة اليهود في ألمانيا، وجرى الشغل عليها لتصبح الوعاء الحاضن لمعظم يهود العالم الذين يقدمون الى دولة اسرائيل للإقامة فيها.
اليوم تبدو المهمة شاقة وصعبة أمام «تطوير» اللغة العربية مع انتشار البث الفضائي الذي يحرص في مناسبات عدة على تفادي التعاطي معها بوصفها كائناً حياً يتطور ضمن جدلية خاصة به، لا يمكن التغافل عنها، بغض النظر عن استقطاب المغنين والمغنيات تحت مسميات «اللغة البيضاء» التي يجب أن يفهمها الجميع.
قد يغدو مهماً الإشارة الى السياق الذي انتزعت فيه الدول العربية قرار الأمم المتحدة عام 1954 بضرورة تخصيص لغة الضاد بيوم مثل سائر الخليقة، لكن هذا يكشف عن تأخر في الاعتراف بها، وإن لم يتلُ هذا الاعتراف مايمكن القول إن الشغل على اللغة العربية في المناهج التربوية على الأقل كان يسير في وجهة صحيحة.
لايمكن مرور هذا اليوم بالطبع من دون الاحتفاء بالأديب السوري يوسف الصيداوي (1930 - 2003) الذي قدّم للتلفزيون السوري برنامجاً شيقاً عن اللغة العربية من 400 حلقة منذ عام 1982 وحتى وفاته. كان يملك اطلالة طريفة وذكية قرّبته من قلوب المشاهدين، وهو كان يحسن استغلالها في تقريب اللغة العربية منهم.
كثر يذكرون مقدمة البرنامج الشهيرة من أبيات الشاعر اللبناني الراحل حليم دموس: «لغة إذا وقعت على أسماعنا كانت لنا برداً على الأكباد - ستظل رابطة تؤلف بيننا فهي الرجاء لناطق بالضاد». صحيح أن البرنامج ظل في أحايين كثيرة عصياً وثقيلاً على المشاهدين العاديين، لكنه أمّن للصيداوي أن يكون بطلاً «تراجيدياً» بمعنى ما في دفاعه المستميت عن جماليات اللغة العربية. ربما بدا لبعضهم أنه بطل أدبي من خارج الخشبة، لكن هذا لم يمنعه اطلاقاً من مواصلة محاولاته تقريب اللغة من الناس، في وقت عزوفهم عن القراءة. كان مصراً على قوله إن من يريد أن يحسّن اللغة عليه استظهار روائعها، لا قراءة النحو واستظهار مسائله. بدا الصيداوي حينها أنه يغني وحيداً في البرية المصانة بمناهج تربوية ثقيلة منفرة، لكنه ظل في وجدان الناس الذين أحبّوا شخصيته بطلاً، وإن كان بطلاً بالأسود والأبيض ينتمي الى زمن صاعد وآفل في آن.
الحياة
|
|
|