لغتنا العربية أيضا تحتاج لثورة

د. يوسف مجمل الحاضري

لغتنا العربية, لغة الإسلام, لغة أهل الجنة, اللغة الجميلة التي تلهج بها ألسن أكثر من ربع مليار إنسان على أرض المعمورة , اللغة التي جاءت معجزة آخر أنبياء الأرض وفقا لقواعدها وقوة إيقاعها وتأثيرها على الأنفس ,اللغة التي وصفها جل وعلا بأنها اللغة الوحيدة التي ليست (عوجاء ) {قُرآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }الزمر28 والتي يوصف من ينطق بها بأنه ذو لسان فصيح بينِ ليس أعجمي {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ }النحل103, ولأن كل لغة تندرج تحتها عدد من اللغات العامية أو المتداول أو كما يَحب أن يطلق عليها (لغة الشارع) فأصبح الأمر من المنظور العام مسموح به كونه أساس التواصل بين الأفراد بعيدا عن التشدد في الألفاظ واللهجات وتطورت وتشتت وفقا لكل دولة عربية بل أنها متنوعة في الوطن الواحد وفي المنطقة الواحدة ولكلِ لهجة يتكلم بها .

- ومن هذا المنطلق فلا أرى بأسا في هذا أو ممانعة كوني أنا أتعامل مع الجميع بلهجات عامية ,,  العربية أساسها وأحاول أتكيف وألون لساني وفقا للشخص المتحدث إليه من منطلق تعاملي مع معظم طبقات المجتمع (ثقافيا وجنسيا وعمريا)  ولأن الأمر لا ضير فيه كونها لهجة التقارب بين الأمم العربية اللغة الفصحى مرجعية الجميع وهي أيضا لغة القرآن والقرآن ثابت وراسخ بعيدا كل البعد عن التحريف والتزوير والتغيير ولكن ما شدني لإطلاق أناملي لكتابه هذا لمقال هو ما وجدت أن هذه اللغة العربية التي تحولت إلى لغة عامية وأُشتقّ منها لهجات عديدة فقد تحورت هذه اللهجات إلى طريق أكثر تخوفا ورعبا مما قد تؤل إليه الأمور من احتضار للغة الأم على الأقل في المدارس والجامعات والتعاملات المجتمعية سواء كان هذا الأمر لفظا أو كتابة , فطول التعامل مع هذه اللغات العامية والتعايش معها والتعمق فيها وتناسينا للقرآن الكريم سواء في القراءة أو التدبر أو التعامل مع محتوياته أوصل اللغة العربية الأم إلى منحدر خطير ومفجع حيث تحولت اللهجة العامية من مسألة تعامل وتواصل بين الأفراد إلى لغة كتابة وتحولت من مسألة كتابة عادية إلى الكتابة الرسمية والتعاملات العملية والعلمية بل أن الأمر تعدى هذا إلى غرس حروف في الرأس وكأنها هي الحروف اللازم التعامل بها وفقا للمعطيات التالية فمثلا نجد اللهجة العامية التي يلفظ أهلها حرف الـ(ز) مكان حرف الـ(ذ) نجد في بداية الأمر أن أمرها طبيعي كونها لهجة عامية لملايين الشعب وكون أهلها يعلمون تمام العلم أن أصل الحرف الأول هو الحرف الثاني ولكن الفاجعة عندما تتركز فكرة أن كل حرف (ز) في لفظهم هو حرف (ذ) في كتابتهم فتتحول كلمة (أعزاء ) عند النطق إلى (أعذاء ) عند الكتابة وتتحول كلمة ( زبانية ) إلى كلمة (ذبانية) وتتحول كلمة (زميل ) إلى (ذميل) , ثم أننا نجد أن شريحة كبرى من الشعوب العربية وللأسف تتجاوز ال70% أو أكثر من هذا الرقم يكتبون (إن شاء الله ) كلمة مدمجة ( إنشاء الله ) وشتان ما بينهما بل الأدهى من هذا أن الجميع لا يلقي بالا على الإطلاق لهذا الفرق ثم تأتي مصيبة عربيه أخرى من خلال تعامل الشباب العربي أو معظم الشباب مع الحركات ( الفتحة – الضمة – الكسرة – التنوين – التسكين – التشديد ) وغيرها معامله الحروف في اللغة الانجليزية فكلما ينطقونه يكتبونه حروفا متناسيين أن هذه العلامات تجري مجرى الحروف فمثلا نجد الكلمة ( إذاً ) تَكتب ( إذن ) وكلمة ( ضرباً من الخيال - ضربن من الخيال ) فتغيرت التنوين إلى نون في وقت أن الكلمتين لهما معنيان مختلفان وأيضا كلمه ( إنهَ) والتي أعلى حرف الهاء ضمه يتم كتابتها ( إنهوه ) ولم تسلم أسماء الإشارة من هذا التخبط اللغوي ف ( هو ) يتم كتابتها ( هواء أو هوى ) و (هي ) تكتب (هيا وأحيانا تتجاوز إلى هياء ) وأيضا الدمج كما أسلفت في (إن شاء الله ) فنجد بدل أن يكتب ( من هو ومن هي؟) تدمج إلى ( منهو و منهي ؟) ولم تنجُ من هذه المأساة (التاء المربوطة ) فقد تحولت بفعل فاعل إلى تاء مفتوحة فمثلا (إعادة ) يتم كتابتها ( إعادت ) فهذا فقط غيض من فيض فهناك عشرات بل مئات الكلمات التي يتم التعامل معها كما أسلفنا ولو أردنا أن نسرد كل الكلمات فلا يكفي لهذا مقال بل يحتاج إلى تأليف كتب وغير ذلك , ثم أنني لم أتطرق إلى الأخطاء الإملائية التابعة للهمزات والألف المقصورة والممدودة والتي تعجز الكبير قبل الصغير وأيضا أسلوب النحو و الصرف والذي لا ينفع معه إلا (سيبويه بشحمه ولحمه ) كي يعمل ثورة لغوية من جديد تٌعيد للعربية رونقها , ولعل المشكلة الأكبر والأدهى عندما نجد الناس في حواراتهم الإلكترونية في الانترنت عندما يستشهدون بالآيات القرآنية يقعون في مثل هذه أخطاء مما يدعو للحسرة والخوف والرعب كون هذه الأخطاء متعمدة (نتيجة جهل المتعلمين ) والخطأ في القرآن يندرج ضمن التحريف وإن كان غير مقصود للتحريف, ووالله إنها لحسرة أن نجد مثل هذه أخطاء بل تجاوزت لتصبح ثقافة وعلم وقد لا يكون الأمر مرعب بشكل كبير عندما يكون هذا الأمر ناتج عن العامة من الشعوب رغم أنه مخيف ولكن المأساة عندما تصدر هذه الأخطاء من دكاترة جامعة ومثقفين ومتعلمين وطلاب مدارس وجامعيين وللأسف هم كثر.

وأنا من خلال هذا الطرح وهذا المقال أضع بين يدي الجميع قضية تحتاج لثورة عارمة لا تقل شأناً عن الثورات العربية الحالية وذلك من خلال طرح الأسباب ودراستها درسا متعمقا للوصول إلى الحلول اللازمة لوقف تدهور هذه اللغة الرائعة الجميلة وإعادة مكانتها السابقة وقوانينها وقواعدها لأن ما أصاب اللغة العربية لا يقل خطرا مما أصاب الأوطان العربية.