اللغة العربية في خطاب الهوية
د. فؤاد بوعلي
يهدف هذا البحث إلى الإجابة عن تساؤُل هام: ما حدود العَلاقة بين اللُّغة والهُوِيَّة؟ وهو سؤال يستبطن إقرارًا بأن ثمة علاقة بينهما، ويعترف بوجود إشكال في الربط بينهما خاصة حين يتعلق الأمر باللغة القومية. وعلى الرَّغم من أنَّ البحث يَنهَد إلى قضية اللُّغة والهُويَّة في إطارها النظري، فإنَّ الغاية - بلا شكٍّ – هي المساهمة الإجرائية في تقديم نموذج وظيفي إجرائي للغة عربية مواكبة لواقع التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
فقد غدا النقاش اللغوي جزءا لا يتجزأ من النقاش الاجتماعي والسياسي في العالم العربي وفي المغرب على وجه الخصوص. إذ لم يعد خافيا ما أصبحت تثيره بعض المواقف السياسية والمنابر الإعلامية من آراء عن الهوية وضرورة إعادة النظر في مكوناتها وعلاقتها بالتنمية البشرية، بله وإعادة تعريف وضبط الهوية الحضارية للأمة. وقد أثبت هذا النقاش، ما تعارف عليه اللسانيون وفلاسفة الكلام، أن اللغة هي أكبر من مجرد آلية تواصلية، بل هي نظام من العلامات والرموز الدالة على الفكر، حتى قال ليبنتز اللغة "مرآة للعقل" . ومن ثمة كانت عاكسة للإنجازات الفكرية لمتكلميها، بل نجد من يذهب إلى الربط بين الانتماء الوطني وتشكل الأصوات والكلمات التي ترسم معالم الأمة والشعور القومي . وبصورة أوضح وأدق، اللغة هي الصورة التي يتمثل فيها تفكير الأمة ورؤيتها للعالم والوجود، ولذا لم يكن يتصور وجود الإنسان بدون كلام: إذ بين الوجود والعدم الكلام . فاللغة هي هويته الوجودية قبل الجماعية: فما العلاقة بين اللغة والهوية؟ وكيف تجلى ذلك في تنظيرات رموز الخطاب الهوياتي للمسألة التعليمية بالمغرب؟
يرتبط الخطاب الهوياتي في المغرب حول اللغة بأدبيات الحركة الوطنية وتأسيس الدولة القطرية بعد الاستقلال. فقد قام بناء الدولة المغربية الحديثة بعد الاستقلال على عناصر الهوية الأربعة التي أعلنتها "اللجنة الملكية لإصلاح التعليم"، التي كونها الملك محمد الخامس وعقدت أول اجتماع لها يوم 28 سبتمبر 1957. والمبادئ الأربعة هي: التعميم، والتوحيد، ومغربة الأطر والتعريب. وقد عدت هذه العناصر هي المبادئ التي أسست عليها الحركة الوطنية مقاومتها للاستعمار الفرنسي، وكان لزاما تجسيدها في تكوين الدولة الوطنية. لكن إذا كان مبدأ مغربة الإدارة قد عرف التطبيق الكامل، من خلال الاستغناء عن الأطر الفرنسية، فإن مبدأي التعميم والتوحيد قد شهدا تطبيقا جزئيا وتعثرا في التنزيل، حيث تم التخلي في المخططات الاقتصادية عن التمدرس الجماهيري لأسباب مالية، وعن توحيد التعليم بالنظر إلى النمو الديموغرافي السريع الذي عرفه المغرب، مما أدى إلى تفاقم نسبة الأمية. أما مبدأ التعريب الذي عد ركنا أصيلا في ثقافة المقاومة والتحرير فقد عرف مقاومة شرسة من طرف العديد من الجهات المحسوبة على التيارين الفرنكفوني والأمازيغي، حيث تم التراجع خلال التصميم الثنائي 58/59 عن مبدأ التعريب، وتم إقرار اللغة الفرنسية لغة تدرس بها المواد العلمية ابتداء من المستوى التحضيري. وكانت النتيجة أن: "تدريس العلوم منذ القسم الأول من التعليم الابتدائي، وترك بعض المواد تدرس باللغة العربية مثل التربية الإسلامية والأخلاقية وقواعد اللغة وكل ما يتصل بالأدب؛ سيخلق لدى التلميذ إطاراً مرجعياً، ينظرون من خلاله إلى كل لغة على حدة: لغة علوم، ولغة أدب، لغة تسمح باكتساب المعرفة الإنسانية العلمية، وتسمح بالانفتاح على العالم الخارجــي، ولغة أخــرى لا تسمح بالتعامل إلا مع الأدب والشعر والحكايات والأساطير، وكل هذا يتم كما حددته اللجنة الملكية لإصلاح التعليم، بداية من السنة الأولى بالتعليم الابتدائي، أي منذ دخول التلميذ إلى المدرسة الحكومية. إنها فعلاً ازدواجية ستصاحب هذا التلميذ خلال دراسته كلها، وتلك وضعية لم يخترها الطفل المغربي بنفسه، بل هي استمرارية لمواقف سياسية لم تحسم بشكل واضح أثناء التفاوض على الاستقلال" . وأصبح الجميع مقتنعا بأن السبب الرئيس في أزمة التعليم هو سياسة التعريب المرتجلة التي استنتها المناظرة الوطنية حول التعليم في سنة1960 التي قررت أن لغة التعليم في جميع المراحل هي اللغة العربية، ولا يشرع في تعليم اللغات الأجنبية كلغات إلا ابتداء من التعليم الثانوي، والتي توقفت في منتصف الطريق فعرقلت بذلك التنمية المعرفية للمتلقي المغربي .
والواقع أن هذا الخطاب الهوياتي لم يكن وليد مرحلة تأسيس الدولة المغربية غداة الاستقلال وإنما يجد له جذورا في أدبيات الحركة الوطنية التي ربطت بين الانتماء اللغوي العربي والمزايلة عن الثقافة والفكر والتعليم الاستعماري. "والجدير بالذكر في هذا السياق أن مصطلح الهوية لم يكن متداولا في الحياة الفكرية والثقافية في مطالع هذا القرن، فلم تكن الهوية من ألفاظ الثقافة والفكر ولا من أدبيات العمل السياسي التي ترد على أقلام الكتاب وعلى ألسنة المتحدثين، وكانت العبارة التي تدل على هذه المعاني جميعا، هي الأصالة الوطنية والشخصية الوطنية بل إن مفهوم الحركة الوطنية نفسه كان ينطوي على هذه المعاني ويعبر عنها أقوى تعبير وأوفاه وبأعمق الدلالة" .كما امتد هذا الخطاب إلى كتابات اللسانيين والمفكرين التي أسست قراءتها للشخصية المغربية على انتمائها العربي وعمقها الديني. والمتأمل في ركائز خطاب الهوية العربية للمجتمع المغربي، قبل الاستقلال وأثناءه، يصل إلى جملة من العناصر التأسيسية التي أطرته :
أولا ـــ ارتباط العربية بالهوية الوطنية المغربية: إذا كانت اللغة جزءا من الهُويّة الإنسانية، لأنها مكوِّن من ضمن المكوِّنات التي تطبعها كالدين والجنس والعرق، فإن منظري الخطاب الهوياتي قد رأوا فيها محددا تعريفيا للإنسان المغربي. فاللغة العربية "هي مكون أساسي وضروري من مكونات الشخصية المغربية، فمنذ أن أصبح الإسلام دين هذه المجموعة البشرية التي يطلق عليها اسم المغرب دخلت العربية بدخول هذا الدين وانتشرت بانتشار القرآن الكريم" . وقد انطلق الوعي بهذه الخصوصية من وعي نقيض للطرح الاستعماري القائم على النظرة الدونية الازدرائية للإنسان المغربي والتآمر على عناصر هويته. "والتشكيك في اللغة العربية واحتقارها كانا مدخلا واسعا إلى التشكيك في الهوية ونقطة الارتكاز في كل ما دار حولها من مناقشات وما طرح من تساؤلات واختلافات" . إذ إن قراءة الهوية المغربية لابد أن تنطلق من تفكيك لحفريات بناء الإنسان بالمغرب، لأن "الحديث عن الهوية بالنسبة للمغرب لاسيما وهي توضع في سياق المستقبل والتحديات ينبغي أن يراعي المقومات الطبيعية والبشرية، وحال المجتمع الذي نشأ في ظل هذه المقومات وما له من خصوصيات وأن يراعي كذلك إثارة التغيرات الحضارية والثقافية التي عرفها على امتداد تاريخه" . وفي عملية التفكيك هذه يمكن أن نستخلص الحضور القوي للعربية في توحيد النسيج الاجتماعي للمغاربة بكل إثنياتهم المختلفة. "إن العربية تحركت على مستويات متعددة، في مجال الاستعمال الفصيح وفي المجالات الرسمية والأدبية والدينية والعلمية، وعلى المستوى العامي نعتقد أن العربية العامية في المغرب لم تكن موحدة بالشكل الذي يسمح أن يفرض سيطرة نسق لغوي عامي على غيره، وذلك لتنوع القبائل الوافدة إلى المغرب وتنوع أصولها ولهجاتها من جهة ولوجود مؤثرات مختلفة تكيف مجال تأثرها..." . ولأن العربية هي لغة التماسك الاجتماعي ، فإن وجودها القانوني ضروري للحفاظ على اللحمة الاجتماعية للمغرب. من هنا أتى النضال من أجل الحفاظ على العربية لغة رسمية وحيدة للدولة. يقول أحمد حرزني: "لا زلنا لا نعلم علم اليقين إذا كانت اللغة العربية فعلا لغتنا الرسمية، وناشئتنا يتربى جزء مهم منهم في لغة أجنبية وأكثر فأكثر في لغات أجنبية، بينما السواد الأعظم منها يفتقر إلى كل أمن لغوي، وهذا الأمر لا تخفى خطورته البالغة، فمن لا لغة له لا وطن له، وقد حان الوقت لكي نتخذ قرارا واضحا ونهائيا بأن نعيد تنصيب اللغة العربية لغة رسمية" .
ثانيا ـ اندراج العربية في سياسة الإصلاح التعليمي: لا يفتأ الخطاب الهوياتي يؤكد أن العربية هي الركن الأساسي في إصلاح المنظومة التعليمية. وإذا كنا الآن نعترف بفشل المنظومة التعليمية وما تواجهه من إكراهات فرضت برامج إصلاحية دون جدوى فإن جوهر الإشكال ما توصل إليه أحد الباحثين من أن: "المنظومة التعليمية غداة الاستقلال لم تطرح علي نفسها مسألة امتلاك المعارف وتأسيسها باللغة الوطنية الرسمية، لأنها كانت منكبة على فتح التعليم أمام كافة المغاربة. فإقامة سياسة لاستيعاب وتملك المعارف الحديثة كان يقتضي تكوين أساتذة باحثين وخلق جامعات ومراكز للبحث قادرة علي إنجاز مهمتين أساسيتين: من جهة تحضير الأسس لتكوين الحقول الدراسية في جميع مرافق المعرفة وتوافقها مع حاجيات المجتمع الخاصة، ومن جهة أخرى تكوين نفس هذه الحقول بصفة تدريجية باللغة العربية" . لكن الحركة الوطنية كانت منشغلة بواقع استعماري حاولت معالجته دون القفز عليه. ففي عهد الحماية كانت المدارس بالمغرب متعددة، فهناك المدارس العربية لأبناء المسلمين، والمدارس العربية لبنات المسلمين، والمدارس الإسرائيلية الخاصة باليهود المغاربة، والمدارس الفرنسية البربرية، والمدارس البدوية، والمدارس الحضرية••• الخ. "ومن المعلوم، من جهة التربية، أن تعدد لغات التعليم في البلد الواحد يضر أضرارا فاحشة بتكوين الأبناء ومستقبل الثقافة في الوطن، وإن واجب الدولة أن تعمل ما في استطاعتها لتكوين لغة الدراسة واحدة في جميع أجزاء القطر وفي كل مراحل التعليم" . وبالطبع سينعكس هذا التعدد التربوي على الهوية الثقافية للذات الوطنية التي ستعرف لا محالة نوعا من التشرذم والتجزئ. وهم منظري الخطاب الهوياتي المبدئي هو بعث الوحدة داخل هذه الذات. لذا يقرر علال الفاسي أن من الواجب جعل اللغة القومية هي أسلوب التربية وكما روى عن صديقه بلا فريج: "إن العلم إذا أخذته بلغته أخذته ، وإذا أخذته بلغة غيرك أخذك" . فكان مدخل التحرر هو الحفاظ على ثوابت الهوية الحضارية للأمة لأن "الأمة التي تتعلم كلها بلغة غير لغتها لا يمكن أن تفكر إلا بفكر أجنبي عنها " . إن هذا التعدد في لغات التدريس معناه فتح المجال للتفكير بطرق متعددة، وترسيخ الاستيلاب الثقافي والفكري، وتشويه مقومات الهوية الثقافية والجماعية. مما يعني أن النتائج السلبية لا ترتبط فقط بالتلميذ بل بالهوية الوطنية. لذا أخذت الحركة الوطنية على عاتقها مسألة الإصلاح التربوي باعتباره مدخلا أساسيا للتحرر من هيمنة الثقافة الاستعمارية. واللغة القومية بالطبع هي العربية. "إن لغة التعليم في المغرب يجب أن تكون واحدة، يجب أن تكون هي اللغة العربية، فإذا أخذت لغتنا مركزها من كل المدارس لم يعد علينا بأس بعد ذلك إذا أضفنا لها لغة أو لغات حية تفتح لنا آفاق الاتصال بالعالم الغربي الذي نتطلع إلى الاقتباس من تجاربه وفلسفاته" .
إن استمرارية الهيمنة اللغوية في المغرب المعاصر ووصولها إلى مستوى أكثر حدة يدفعنا إلى تسجيل راهنية الخطاب الهوياتي وصدق تشبثه بالعربية لغة معبرة عن هوية الشعب المغربي في كفاحه ضد أنواع الاستلاب والتبعية. وفي كل محطاته السياسية ظل محافظا على نفس التوجه، منتقلا بالمسألة من مستوى التربية إلى مستوى أوسع أي تعريب الإدارة وكل مؤسسات الدولة. يقول علال الفاسي:" إن اللغة العربية لغتنا القومية والدينية والواجب أن نعنى بها ونعطيها المركز اللائق في الإدارة والمدرسة والمتجر والمسجد ... ولاشك أن حياة لغتنا بعثٌ لوجودنا الثقافي وصلة مستمرة مع ماضينا ومستقبلنا وتحرير لنا من هيمنة الكلمة الأجنبية التي توحي إلينا من الإلهامات ما يملأنا بروح أجنبية بعيدة عنا " . ويقول : "يجب أن نناضل لتعريب التعليم في جميع مراحله، فاللغة هي التي تكون الفكر والمنطق معا كما يجب أن نناضل لدراسة أدبنا العربي منذ عصر الجاهلية الأولى إلى عصرنا الحاضر ، بما في ذلك الشعر الجاهلي والمخضرم وشعراء العصور المتعاقبة، والقرآن الذي يطبع اللسان والعقل والقلب بالأدب العالي والحكمة الغالية والخلق السليم...أما العلوم فيجب أن تدرس هي الأخرى بالعربية وبكيفية تجعلها تحدث في نفوس التلاميذ والطلاب والإحساس بالإعجاب" .
ثالثا ـ الانتماء العقدي للعربية: من أهم مداخل التقديم الاعتباري للغة العربية هو ارتباطها التلازمي بالنص القرآني، مما جعلها تحظى بجملة من المميزات تصل في تصور الباحثين إلى حد التقديس أو التعظيم. حيث اعتبرت العربية المدخل الطبيعي للتدين الصحيح باعتبارها لغة القرآن ولغة العبادة الإسلامية ولغة الثقافة الإسلامية وهي اللسان المشترك بين المسلمين جميعا. فقد عدت الجسر الحقيقي للشرع ومعرفة الدين، وبدونها لا يمكننا الوصول إلى كنه العقيدة الإسلامية. لذا كان الدفاع عنها مقدمة رئيسية للذوذ عن قدسية لغته وتميزها عن باقي اللغات الطبيعية. وقد ظل هذا الاعتقاد هو مدار التصور العقدي عند علماء الإسلام، فاللسان العربي لم يكن مجرد أداة تواصلية بين أبناء الجزيرة العربية، بل غدا أحد مقومات الكمال العقدي .
اعتمادا على هذا السند التراثي القائم على تميز العربية عقديا لاقترانها بالنص المقدس، دأبت الكتابات الهوياتية على إثبات هذا التميز والمنافحة عنه. يقول المختار السوسي معبرا عن هذا الموقف التبجيلي: "كانت تلك اللغة التي اختيرت لذلك الكتاب العجيب خير لغة التوت بها الألسن، ولفظت بها الشفاه، ولذلك قدرت أن تعبر من مقاصد الوحي العالي عما عجزت دونه أرقى اللغى اليوم" ـ وقد وجد هذا المبدأ حضوره في الكتابات الهوياتية التي راهنت على الركن اللغوي في تأسيس الهوية الإسلامية للإنسان المغربي. إذ " العربية هي الجسر الحقيقي للثقافة الإسلامية. فتعلم اللغات جائز والنطق بها جائز، لأن اختلاف الألوان والألسنة من آيات الله في الكون، وإذا أحببت القرآن فلا بد أن تحب لغة القرآن وهذا ما فهمه الأمازيغ المغاربة القدامى" . فالتأسيس النظري لدور العربية بين مكونات الهوية الإسلامية يرتكز على بعدها العقدي ودورها الحضاري. لذا عدت العربية لغة شريفة: "شرفها الله عز وجل أن اختارها وعاء لكلامه العزيز فوجودنا المعنوي وعزتنا ومستقبلنا رهن بأن يعاد لهذه اللغة مجدها وسيادتها" . وشرفها آت من جمعها بين بعدين: بعد روحاني خاص وبعد دنيوي مشترك."إن هذه اللغة الشريفة المشرفة بحمل القرآن وصحبته اكتسبت روحانية وقدرة على غزو القلوب ووصف مشاعر الإيمان ونبضات الإحسان. تلك الروحانية وتلك القدرة لا نجدها، وأنى توجد، في أي لغة غيرها. كل لغة غيرها منقوصة الأعضاء مبتورتها عديمة الكفاءة عن التعبير في ميدان الرحمة" .
وهكذا نحا الخطاب الهوياتي إلى استحضار البعد المقدس في اللغة العربية والتركيز على جعلها لغة قرآنية بدل إعطائها البعد العرقي والجنسي الذي قامت عليه الدعوات القومية والذي أثار حفيظة القوميات الأخرى في العالم العربي."فهي بعد الإسلام لغة الأمة لا لغة القبيلة، وحري بها أن تسمى لغة القرآن أو لغة العالم الإسلامي من أن تسمى لغة العرب" . وبهذا الفهم يكون الدفاع عنها دفاعا عن النص القرآني. إذ" العربية إذن هي لغة القرآن أي لغة الإسلام، وليست لغة قريش ولا لغة العرب وحدهم، والمتكلم أو المثقف بهذه اللغة ليس من الضروري أن يكون عربيا بالعرق أو الأصل، والعربية أيضا هي عنصر توحيد لفكر الشعوب الإسلامية وثقافتها" .
لقد ظل الخطاب الهوياتي منذ تأسيسه على يد رواد الحركة الوطنية وتبلوره في أدبيات القوميين والإسلاميين وفيا للبرنامج الذي أسس للدولة الوطنية والقائم على عناصر بنائية هي: إجبارية التعليم ومغربته وعروبته ومجانيته وحريته وتوحيده. لذا كان السؤال اللغوي جوهريا في تحديد معالم الشخصية المغربية ومزايلتها عن الانتماءات الأخرى والبحث في جوهرها الوحدوي. لكن في زمن التنمية يلزم بلورة خطاب آخر.
|
|
|