المشكلات الّتي تواجه تعليم اللّغة العربيّة

د. درية كمال فرحات

يعاني التّلاميذ في مراحل التّعليم المختلفة من ضعف عام في لغتهم، فتكثر الأخطاء اللّغويّة في كتاباتهم، وتتجلّى هذه المشكلـة في عملية التّعبير اللّغويّ، ومـن مظاهرها القصور الواضح في مهارة الاستماع(1). هذا الضّعف ناتج عن عوامل متعدّدة تؤثّر في سير العمليّة التّربويّة.
    
أ - صعوبات مادة القواعد :

    
1- كثرة القواعد والأوجه الإعرابيّة،والشّواهد والنّوادر والشّواذ، فيقع التّلاميذ في متاهات نظراً لتعدّدها وانقسامها.
2 - انفصال هذه القواعد عن تأدية المعاني الّتي يحتاج إليها التّلاميذ، بل يُقتصر في تدريسها على تعريف التّلاميذ بقيمتها الشّكليّة في بناء الكلمة أو ضبط آخرها.
3 - وجود بُعد بين هذا العلم وأساليب الحياة اليوميّة .
4- ما يتّصف به هذا العلم من تجريد، وتعليل، وتعميم، واعتماد على المنطق والتّحليل الفلسفيّ للّغة .
5 -فقدان الدّافع لتعلّم القواعد لدى التّلاميذ؛فكثير من النّماذج الّتي تُقدّم لا علاقة لها باهتمام التّلميذ وميوله.  
6 - اختيار القواعـد الّتي تُدرّس لتلاميذ المدارس العامة من كتب علماء العربيّة القدامى، ما يُسهم في نفور التّلاميذ منها، لأنّها بعيدة عن تفكيرهم(2) .

    
ب- ثغرات مقومات العمل التّربويّ:

1 - المناهج وأسباب الضّعف :

    يعرّف الباحثون المنهج "كونه مخططاً يشمل كلّ الأعمال والخبرات والمساعي الّتي تستخدمها المدرسة والمعلّمون في ضبط التّعليم وتوجيهه لأجل بلوغ الأهداف التّربويّة المعيّنة"(3). وتعتمد هـذه الخبرات على ما يحتاجه المتعلّم، وما تتطلّبه حاجات المجتمع. فإذا كانت هذه المناهج بعيدة عن اهتمامات المتعلّمين، ولا توافق نموّهم العقليّ والنّفسيّ والعاطفيّ، فإنّها تُعدّ عامل تنفير من تعلّم اللّغة(4). ومن أهمّ مشاكل مناهج التّعليم هـو بعدها عـن الجانب الوظيفيّ للقواعد، وإرهاق التّلاميذ بالمسائل التّجريديّة، وبمسائل متخصّصة عميقة لا يحتاجها في مرحلتيه الابتدائيّة والمتوسطة .

    وبعض مناهـج القواعد لا يكفي الوقت المخصص لها في الجدول المدرسيّ لدراستها(5)؛ ويضطّر المعلّـم إلى الإسراع في المنهاج مـن دون الاهتمام بالتّطبيق، ما يؤثّر على استيعاب التّلاميذ للقواعـد. ولضيق الوقت قد يُهمل الاهتمام بوحدة اللّغة، فلا تُطبق القواعد في القراءة والإنشاء.

2- الكتب المدرسيّة:

    الكتـاب المدرسيّ هو الوسيلة الّتي يستخدمها التّلميـذ، فمتى كـان سيئ الطّباعـة خالياً من وسائل الإيضاح، غير مشوّق، غامضاً في أسلوبـه، لا ترابـط بين موضوعاتـه، فإنّه يُسهم في تدنّي المستوى، ولا يُعـدّ التّلميـذ لإتقان اللّغـة حديثاً وكتابـة. وإذا كـان الكتـاب المدرسيّ بعيداً مـن حيث المحتوى والتّراكيـب عـن حياة التّلاميـذ، وحاجاتهم، كان ذلك سبباً في صعوبـة تـدريس اللّغـة العـربيّة.

3- طرائق التّعليم:

    لطريقة التّعليم أهمية بالغة في سير العملية التّربويّة، والطّريقة الصّحيحة الملائمة لطبيعة التّلاميذ، ومستواهم تتغلّب على صعوبة المادة وجفافها، وإذا كانت" الطّريقة المستخدمة في عرض القواعد وتدريسها مستفيدة من قوانين التعلّم، وتُبنى على نظـريات تعلّم النّفس، ومراحل النّمو والنّضج العقليّ، ونتائج الدّراسات الحديثة، وتُعنى بالفروق الفرديّة بين تلاميذ الصّفّ الواحد"(6)، فإنّ نتائجها جيّدة، وإلاّ كانت طريقة التّعليم من معوّقات فهم المادة ، ومنفرّة للتّلميذ .

    ورفض الباحثون الطّـريقة الّتي تعتمد التّلقين والحفـظ أساساً في التّعلّم لما لها مـن آثار سلبيّة؛ إنّ ما يحفظه التّلميذ مـن دون فهـم لا يبقى بالذّاكرة، ولا يسهل استرجاعه؛  والاسترجاع " يتطلّب من الشّخص أن يتذكّر ما سبق أن تعلّمه، وذلك عـن طريق استدعـاء الاستجابات الصّحيحة"(7).

4 - تأثير المعلّمين:
    يرتبط تدنّي المستوى في اللّغة بمعلّمي المواد الأخرى؛ يرى البعض أنّ معلّمي المواد الأخرى هم معلّمو لُغة من خلال تمسّكهم والتزامهم باللّغة العربيّة الفصيحة، فيما يُقدّمونه مـن مفاهيم وأفكار، فتكـون العربيّة الفصيحة بالنّسبة للمتعلّم هي لغـة حديث، وتفكير، وحوار، ونشاط متّصل في كلّ الأوقات(8). ومن الصّعب أن يُعدّ معلّمو المواد المختلفة أنفسهم بمعزل عن المجال اللّغويّ، وإذا كان التّرابط والحديث بالفصحى مطلوباً من معلّمي المواد الأخرى، فإنّ ذلك مطلوب بالدّرجة الأولى من معلّمي اللّغة العربيّة ، الذين عليهم أن ينسوا العاميّة في أثناء الدّرس .

    وما يؤثّر في ضعف التّلاميذ هو ما نراه في بعض المدارس، حيث تقسيم اللّغة إلى فـروع في المنهج التّعليميّ، وخطة الدّراسة(9)، وتجعل للقواعد معلّماً وللقراءة معلّماً آخر. وإذا لم يُعدّ المعلّم إعداداً جيّداً، وكان جاهلاً أصول التّدريس، لا يُحضّر مادته، أو كـان ضعيف الشّخصيّة، أو ضعيفاً في مادته العلميّة، فإنّه يُعدّ عاملاً من عوامل تدنّي المستوى (10) ؛ والمعلّم هو صورة يتّبعها التّلميذ، ويحسبه مثالاً يحتذي به.  

5 - التّلاميذ:

    يُعـدّ العصر الحديث عصر العلوم والتّطور العلميّ والتّقنيّ، واتّجاه العديد من التّلاميذ إلى هذه العلوم ومحاولتهم الإفادة منها؛ والاندفاع وراء التّطور العلميّ أسهم في حثّهم على العناية القصوى بالعلوم، والرّياضيات، واللّغة الإنجليزيّة، مع تدنّي الاهتمام باللّغة العربيّة، فاللّغة الإنجليزيّة هي لغة الانطلاقة العلميّة في العصر الحديث،  ودراستها والاهتمام بها يُساعـد على اللّحاق بالتّطور العلميّ(11). ويحسب بعض التّلاميذ أنّ دراسة اللّغة العربيّة مضيعة للوقت، فهي لغة أدبيّة جماليّة بعيدة عـن الاهتمامات العلميّة، وهم يظنون أنّ الجميع يعرفونها لأنّها اللّغة الأمّ، لا ضرورة لدراستها، غافلين تأثير العاميّة على اللّغة العربيّة .

ج- تأثير المحيط الخارجيّ:

1 - تعدّد اللّغات واللّهجات:

    تأثرت اللّغة العربيّة الفصيحة بسيطرة مـا يُطلق عليه (اللّغات العاميّة)، واستمدّت اللّهجـات العاميّة معظم ألفاظها وتعبيراتها من اللّغة العربيّة الفصيحة، ويسود استعمالها من عامة النّاس في حياتهم اليوميّة. وما يقوّي أثر العاميّة هو اتّساع استعمال العاميّة في البيت أو الشّارع أو من التّلفـاز، واقتصار الفصحى في المدرسة مع اتّجاه معظم المعلّمين إلى استعمال العاميّة؛ ويتطلّب من المدرسة جهداً كبيراً لتُساعـد التّلميـذ على الانتقال من اللّهجة العاميّة إلى اللّغة العربيّة الفصيحة(12)، فالتّلميذ يأتي من بيئة تعتمد محكيّة منطوقة تختلف عن اللّغة المكتوبة الفصيحة، فالكلمة المنطوقـة لا يزال لها حضور وأثر على الرّغم ممّا تنتجه اللّغة المكتوبة من مفردات مسجلّة (13) .  

2 - اللّغة الأجنبيّة:

للّغة الأجنبيّة أثر في إضعاف اللّغة العربيّة، حيث يتوزّع التّلميذ بين لغتين خصوصاً إذا لـم تقتصر على كونها مقرّراً من المقرّرات، وإنّما تكون لغة مشاركة للّغة الأمّ، ما "يقلّل من فرص تعلّم لغته الأولى ومن فرص تلقي واستيعاب عناصرها اللّفظيّة والمعنويّة، أو من فرص استخدام هذه العناصر، ما يؤدّي إلى قلة ما يُكتسب من هذه العناصر"(14)، وقد يصعب استحضارها في الذّهن ما يُسهم في عدم قدرة التّلميذ على التّعبير بها في مواقف مختلفة .


    

قد تترك هذه المشكلات أثراً في نفس كلّ تلميذ بنسب متفاوتة، ويرتبط هذا بالفوارق الفرديّة عند كلّ تلميذ. ويبقى أنّ هذه المشكلات تؤثّر سلباً على تعليم اللّغة العربيّة ما لم يُتدارك أمرها؛ ويظهر أثر هذه المشكلات من خلال نتائج التّلاميذ ونسب النّجاح والرّسوب.


الهوامش


(1)    السّيّد ، محمود : في قضايا اللّغـة التّربويّة، لا ط، وكالة المطبوعات، الكويت،  لا ت  ، ص 17 .
(2)    انظر : قورة ، حسين سليـمان : تعليم اللّغـة العربيّـة دراسات تحليليّة ومواقف تطبيقيّة ، ط 1، دار المعارف ، مصر ، 1969 ص ص  264 ـ 265 .
            مجاور،محـمد صلاح الدّيـن: تدريس اللّغـة العربيّة في المرحلـة الثّانويّـة،ط 1، دار المعارف، مصر، 1969،ص ص402  ـ 403 .
(3)    غالب ، حنّا : مواد وطرائق التّعليم في التّربيّة المتجدّدة ، لا ط، لا ن، بيروت ، 1966 ، ص238 .
(4)    السّيّد ، محمود : في قضايا اللّغة التّربويّة ، ص 19 .
(5)    أحمد ، محمد عبد القادر : طرق تعليم اللّغة العربيّة، ط 5 ، مكتبة النّهضة المصريّة ، القاهرة ، 1986 ، ص 175 .
(6)    مرجع نفسه ، ص 179 .
(7)    مدنيك ، سارنوف أ.، وآخرون :التّعـلّـم ،  ترجمة الدّكتور محمد عماد الّدين إسماعيل، مراجعة الدّكتور محمد عثمان نجاتي ، ط 3، دار الشّروق ،  بيروت ، 1989 ، ص 144 .  
(8)    عبد الّرحيم ، شاكر: " لغتنا العربيّة إلى أين "، التّربيّة ، مركز البحوث والمناهج بوزارة التّربيّة ، الكويت ، العدد السّابع  
    عشر ، إبريل / نيسان 1996،  ص 138 .
(9)     قورة ، حسين سليمان : تعليم اللّغة العربيّة دراسات تحليليّة ومواقف تطبيقيّة ، ص 63 .
(10)    السّيّد ، محمود: في قضايا اللّغة التّربويّة ،  ص 20 .
(11)     عبد الرّحيم ، شاكر: " لغتنا العربيّة إلى أين " ، ص 139 .
(12)    صيّاح ، انطـون : دراسات في اللّغـة العربيّة الفصحى و طرائق تعليمها، ط 1، دار الفكر اللّبناني ، بيروت ، 1995، ص 139 .
(13)    أونج ، و التر ج: " الشّفاهيّة و الكتابيّة " ، ترجمة حسن البنا عز الدّين، عالم المعرفة، المجلس الوطني للثّقافة والفنون الآداب ، الكـويت ، عـدد 182، 1994 ، ص 55 .
(14)    المعتوق ، أحمد محمد : " الحصيلـة اللّغويّة أهميتـها ـ مصـادرها ـ وسائل تنميتها " ، عالم المعرفة ، المجلس الوطنيّ للثّقافة والفنون والآداب ، الكويت ، عدد 212 ، آب 1996،ص 169
.